تعرف أغبالة ونواحيها هذه الأيام موجة شديدة من البرد والأمطار، مع تزايد مستمر لتساقط الثلوج، بسسبه تحولت القرية وجغرافية القرية - البسيطة منها والمرتفعة- إلى رقعة بيضاء لا غير، إذ غرق كل شيء تحت الثلوج .. وما زاد من حجم المعاناة لدى أهلها هو انقطاع الكهرباء .. هذه الموجة من تساقط الثلوج أغلقت بسسبها كل الطرق والممرات بفعل تكدسه المستمر، مما أدى إلى تعطل حركة السير، كما أعطيت تعليمات بضرورة إيقاف الدراسة- بعد استشارة الجهات المسؤولة- ليوم السبت فاتح دجنبر 2012. سواء في صفوف الابتدائي، أو الإعدادي والثانوي، نظرا لطبيعة الجو الصعب... إذ أن جل الأشجار تتعرض للسقوط بفعل تساقط الثلوج وموجة الرياح . وكذا الانزلاقات أثناء المشي. ثانوية سيدي عمرو أوحلي هي الأخرى نالت حقها من هذا الواقع .. فتوقفت حركة التدريس بها لصعوبة الأمر، خصوصا وأن الأشجار تحيط بها من كل جهة.. ما دفع رئيس المؤسسة بضرورة أخذ الاحتياطات اللازمة، بعد اتصاله بالجهات الرسمية.. ما ينبغي معرفته أن هذه الثانوية، المتنفس التعليمي الوحيد للقرية، تفتقد لعدة تجهيزات أساسية وضرورية للحياة التعليمية و التعلمية اليومية .. كغياب سقيفة مغطاة تقي التلاميذ والأساتذة من مثل هذه الظروف القاسية.. وغياب قاعة للأساتذة تحويهم أثناء الاستراحة، أو أثناء المجيء مبكرا للقيام ببعض الأمور، مع غياب للمكتبة المدرسية .. وللمراحيض، سواء مراحيض الأساتذة، أو مراحيض التلاميذ،- حتى لو وجد ما يشبه المرحاض، فهو كله حفر، حبذا لو تحول إلى إسطبل قد تستفيد منه بعض القطعان الضالة في هذا البرد- إلى درجة أنك قد لا تفرق بين الأستاذ والتلميذ. أما الطرق المؤدية إلى الثانوية، فلا داعية لذكرها فهي وملتويات الجبال أمر واحد.. وكلما تساقطت بعض الأمطار، تحولت هذه الطرق إلى برك مائية شبيهة ببرك التماسيح الموجودة بأدغال إفريقيا الاصطناعية. حال الثانوية طبعا هو حال القرية، إذ لا بنية تحتية ولا طرقات أساسية، بل ولا شيء يعجب. فقط ما يعجبك في ساستنا هو كلامهم المعسول عن التعليم وجودة التعليم .. أو ما يسمونه - مدرسة النجاح- و في قرية كهذه الأستاذ والتلميذ يحتاجان إلى طبيب نفساني كل صباح يقدم لهما نصائحا تعينهما على اكتساب المناعة النفسية للصبر والمواجهة، كما أنك في حاجة لفريق يشرف على تنبؤات النشرة الجوية المحلية حتى يزود كل واحد بتعاليم اليوم الجديد، الذي قد يختلف عن غيره السابق .. أن تكون أستاذا بأغبالة والنواحي، معناه أن تتوفر على تكوين عسكري.. يكسبك التعامل مع ظروف السكن الخاصة بفصل الشتاء. أي تعليم هذا؟ .. وأنت في قسمك ينبغي لك أن تدخل نصف ساعة قبل وقتك المحدد، حتى تتمكن من إشعال النار لتفادي أعمدة الدخان التي قد تفسد فضاء القسم، فيضيع الدرس.. أما رائحة الدخان فهي طبعا مألوفة لدى الجميع، فكل واحد منا له رائحة دخانه الخاصة بطقوس إشعاله .. والنتيجة- هذا الدخان- عطر البرد المألوف. لست أدري كيف لمسؤولين أمام المنابر، وهم يتكلمون، أو يتشدقون، عن التعليم والمعلم، أو- عن جيل المستقبل - ويمارسون المزايدات الكلامية .. كذبا و بهتانا، والتلاميذ مع الأساتذة يموتون بردا.. في مكان كهذا. يعجبك كلامهم المتزايد تزايد نفاقهم أمام شاشات الكاميرات والمنابر الإعلامية، وهم يزينون الواقع المهزوم، تزيين أوجههم الملطخة بالمساحيق الباهتة، وهم يتلاعبون بالحقائق ، مع العلم أن جلهم لا يعرف حتى قرية باسم أغبالة أين توجد. فبالأحرى أن يعرفوا طقوسها الجغرافية.. أما حال الدواوير المجاورة لها كتيحونة أو ملوية أو تعدلونت أو...، فذلك عالم آخر. لله در أمره رغم هذا الألم المستمر تجد بعض المسؤولين، وضمن مكرهم المعهود، ينفون على كون المنطقة لا توجد ضمن القرى النائية، وجغرافية المكان تشهد على نفسها.. فقط وحدهم الأساتذة المساكين يكابرون في تضحية وعناد، رغم قساوة الظروف، وكأنهم يدافعون عن شعار من ورطهم حينما قال: كاد المعلم أن يكون رسولا.. وهي ورطة لا خروج منها إطلاقا. كفانا ظلما وعدوانا في حق بعض الجهات التي يعاني أهلها من الحيف والنسيان، بل والإهمال. و أولهم رجال التعليم .. إذ لا يمكن اعتبار ثانوية بأغبالة كثانوية ببني ملال، مع العلم أن كلتيهما تخضعان لنفس الجهة.. فهذا واقع مرفوض بتاتا لكل من ينشد الديمقراطية، والتنمية الحقة. لدى نناشد الجهات المسؤولة والرسمية، بضرورة إعادة النظر في مثل هذه الأمور، وفك العزلة عن المدرسة الجبلية، ومعلم الجبل كذلك .. لأن حال أهلها لا يعجب.. وليس الخبر كالعيان، أو التطبيق لمن أراد أن يعرف. وإلا فخطابتنا المترددة، كذلك الأحمق الذي يمني نفسه بإقناع سنجاب يعيش في الجبل بالذهاب إلى المدرسة.