لم يعد مستعصيا لذى المهتمين بالشأن الثقافي، ملاحظة النكوص العام الذي أصاب الوضع الثقافي ببلادنا، كما أن السجال لم يعد حادا حول تشخيص حالة الثقافة، وحول تراجع تأثير المثقف في الشأن العام، ويندرج هذا في السياق العام المتسم بتبخيس القيم الرمزية في العالم بأسره بعد هيمنة الرأسمال وتسلط المجموعات الاقتصادية الكبرى. نريد من هذه التوطئة أن نناقش وضع الثقافة بزاوية الشيخ، دون أن نجعل مما سبق ، وإن كنا نستحضره، مبررا للكساد الثقافي بمدينة صغيرة مثل زاوية الشيخ. بل لننتبه لإمكانية الفعل الذاتية والجماعية التي انحسرت، بغض النظرعن العوامل الموضوعية، دون استغلال هذا الهامش البسيط مما يمكن إنجازه. لقد ألف المثقفون، والعضويون منهم على الخصوص، أن تكون المدن الصغيرة آخر المواقع التي ينحسر بها الفعل الثقافي الجاد ، باعتبارها أقل تعرضا لعناصر الاستلاب المنتعشة بالمدن الكبيرة، وبذلك كانت القاعات الصغيرة لدور الشباب تحقق بعض الدفء لروادها المتحلقين حول مناقشة كتاب أو دردشة عن هموم الثقافي أو السياسي. وبالنسبة لمدينة زاوية الشيخ، كان مقر الجمعية الثقافية ودار الشباب المسيرة جزء من هذا الفضاء الذي يحتفي بالثقافة ويوسع من مساحة القراءة، إلى غاية أن بعض الرواد لايذكرون كتبا قرؤوها خارج هذا الفضاء. فما أسباب هذا التراجع؟ وهل يمكن بعث هذه الأدوار؟ وأي إسهام يمكن للمجالس المنتخبة أن تقدمه لإعادة الاعتبار للشأن الثقافي بمدينتنا؟ إن الثقافة كباقي العناصر الحيوية إن لم تكن أكثرها حيوية تدخل ضمن دائرة الصراع بين تيار المحافظة وتيار التغيير أو الإصلاح، وذلك من أجل رهانين، الأول يهدف إليه ثيار المحافظة، ويتمثل في تحصين الثقافة السائدة وضمان انتشارها على حساب ثقافة التنوير، أما الرهان الثاني، فهو: مسعى تيار التغيير والمتمثل في ثقافة التنوير أو الثقافة الجادة أوحتى ثقافة الإلتزام من غير المعنى الجدانوفي لكلمة الإلتزام . ضمن هذا المشهد الثقافي السجالي ،بتعبير لطيف، مالت موازين القوى لصالح الثقافة السائدة بالمدينة أيضا فخبا صوت المتقف، وتراجع الاهتمام بالمسرح والكتاب والسينما.... واتسعت لا مبلاة الفاعلين الجمعويين، ودخلت الجمعيات الجادة في ركود مزمن لم تقوى معه بعض الفعاليات على تجاوز الأزمة. ونمثل هنا لذلك بمأزق الجمعية الثقافية لزاوية الشيخ، باعتبارها كانت الرائدة في احتضان المثقفين، وباعتبارها أيضا أول إطار ثقافي ممانع تم تأسيسه بزاوية الشيخ. إن أي نقاش حول الجمعية الثقافية لزاوية الشيخ، لايمكن أن يستقيم إلا من خلال أمرين، أولهما: الجرأة في تشخيص الوضع وطرح عناصره، وثاني الأمرين: القدرة على استعاب كل الأراء من قبل الفاعلين بواسع الصدر دون تشنج أو إقصاء. ويقودنا عنصر التشخيص للقول بصدق: إن الجمعية الثقافية في مأزق، و أول تجليات هذا المأزق، يكمن في عدم تجديد مكتبها رغم تجاوز ولايته القانونية. وتجدر الإشارة بهذا الصدد إلى أن المكتب الحالي دعا في مناسبتين إلى عقد الجمع العام غير أن جل المنخرطين تخلفوا عن الحضور. فضلا عن ذلك، فإن أي محاولة لتقييم عمل الجمعية الثقافية لأكثر من عقد لن يسعفنا في تسجيل قيمة مضافة واضحة للثقافة بالمدينة، رغم المجهودات التي بدلت من لدن أعضائها. فأين مكمن الخلل؟ هل في حجم الإمكانيات؟ هل في طرق الاشتغال؟ أم أن العطب في الخطاب الثقافي الجاد نفسه. لا شك أن عنصر الإمكانيان يساهم بشكل فعال في تطويرالأداء والرقي به في جميع مجالات الاشتغال، بما في ذلك العمل الثقافي، غير أن الركون إليه كعنصر حاسم لوحده في انكماش الفعل الثقافي لأمر يحتاج إلى مراجعة، بل أن ذلك سيكون معيقا للتحليل، والدليل على ذلك، أن لحظات المد الثقافي كانت رهن الاشتغال بإمكانات أقل من المتوفر حاليا بكثير. أما عن طرق الاشتغال، فالإمكان هنا متاح لواسع النظر، ذلك أن الكثير من الإطارات الثقافية، لازالت متشبتة بمجموعة من وسائل العمل العتيقة التي لم تعد منسجمة مع السياق الجديد المتطلب لعناصر مغايرة من شروط التلقي. إن الجمعية الثقافية لم تستطع أن تبدع وسائل جديدة للتواصل،حيث لازال العرض والإلقاء الشفويان والمباشران أداتين مركزيتين في العمل، دون التفكير في استتمار آليات التواصل الحديثة، كما أن الجمعية لم تستطع أن توسع دائرة الفاعلين، حيت ضلت هده الدائرة مغلقة، دون الانفتاح على طاقات جديدة من أجل تجديد النخب الثقافية في المدينة، مما جعل من الفاعلين الحالين أعضاء مستهلكين بالنسبة للمتلقي. فضلا عن ذلك، يكتسي نشاط الجمعية الثقافية طابعا موسميا يغيب عنه برنامج قارواضح المعالم، بل أكثر من ذلك أن الاشتغال يكون من دون تصورمكتمل مما يجعل الغضوع للمبادئ العامة سيد الموقف. إن تجاوز هاته المتبطات يقتضي منا فهما جيدا للشريحة المقصودة بالمنتوج الثقافي الجاد، فالبنية الذهنية للمتلقي اليوم ليست هي نفسها عقلية الأمس وحاجيات اليوم تختلف عن حاجيات المواطن قبل عقدين، إننا في زمن تهيمن فيه سلطة الصورة ونعتقد أنه بإمكان متقف اليوم أن يستثمر الصورة لصالح الخطاب الثقافي الجاد، فبإمكان الجمعية الثقافية أن تشتغل في نشاطها على السينما التي تعرف انتعاشا ملحوظا في المغرب في السنوات الأخيرة، ونقترح على أعضاء الجمعية، الإنفتاح على العالم الخارجي من خلال ربط الإتصال بالمؤسسات التعليمية، وترحيل أنشطتها إلى فضاء الثانويتين ، لخلق تطبيع للجيل الجديد مع الخطاب الثقافي الجاد، كمانقترح الإتصال بمجموعة من الأعضاء الفاعلين السابقين وفتح نقاش معهم لاستئناف نشاطهم الثقافي الذي انقطع لسبب من الأسباب، ويمكن أيضا خلق شراكة مع المديرية الجهوية لوزارة الثقافة من أجل تطوير أكبر للعمل، وندعو بالمناسبة المديرية أن تكون على إستعداد لذلك لعل التمكن من هذه النقط، هو الذى سيحقق الإدراك بأن المأزق غير مرتبط بخطاب ثقافي بديل عن السائد، بل بإشكالية تسويقه، لأن الثقافة قاصدة للتنويرفي الأصل، وثقافة التنوير ليست خاضعة بالضرورة للإيديلوجيا (كوعي زائف( ، ولا ندري لماذا يتم ربط الثقافة الجادة بإرث جدانوف الثقافي ، علما أن هذا الإرث مرتبط بحقبة سطالينية احتاجت في مقابل دكتاتوريتها السياسية، إلى معبر ثقافي، وجدته في خلاصات المؤثمر الثاني للكتاب السفيات التي أعلنها جدانوف بصفته وزير الثقافة للمرحلة السطالينية، فلماذا يتم إسقاط مساحة ثقافية بعينها، على كل التعبيرات الثقافية القاصدة لتجاوز الابتدال، والطامحة للإرتقاء بالأذواق وبالوعي العام، إن هذا الإسقاط لا يمكن إلا أن يكون مغرضا وهادفا إلى تكريس الرداءة وبناء رؤية للعالم مؤسسة على الانفصال عن الشأن العام. وهذا الاتجاه هو الذي يسوق لأزمة الخطاب، في حين أن المرحلة في حاجة لإعادة الاعتبار لثقافة رصينة تعطي قيمة اعتبارية للعقل البشري وتطور من نمط استهلاكه للفنون. ومن المؤشرات على حاجة المجتمع لثقافة التنوير، هو هذا التدني الكبير للعرض التعليمي ، وللمنتوج الإعلامي العمومي ، وتحول انتماء اليافعين إلى عوالم أخرى بشكل استلابي(الريال و البارصا(. ويمكن للمجالس المنتخبة أن تلعب دورا مهما في تطوير الأداء الثقافي بزاوية الشيخ، ونقصد بالمجالس المنتخبة كل من المجلس البلدي والمجلس الإقليمي و المجلس الجهوي، بل يجب على هذه المجالس أن تضع الشأن الثقافي من بين أولوياتها، فالثقافة شأن عام بامتياز، لذلك يجب رصد الدعم اللازم للدفع بحركية الثقافة، سواء أكان هذا الدعم ماديا أو معنويا، فمن مهمة المنتخبين حماية التراث المعماري المحلي من الاندثار تحصينا للذاكرة المحلية، ومن مهمتهم أيضا خلق فضاء للشراكة مع جمعيات المجتمع المدني. ولا نريد هنا أن نفوت الفرصة لنتقدم بملتمس للمجلس البلدي لزاوية الشيخ من أجل إعطاء قيمة اعتبارية للثقافة ضمن مخططه التنموي ولعل الأمر الأكثر استعجالا هو إحذات خزانة بلدية في مستوى تطلعات أبناء زاوية الشيخ بمواصفات تجعلها أكثر استقطابا للقراء في أفق خلق أندية الأحياء للكتاب. وندعو إلى إحذاث جائزة للقراءة في صفوف تلاميذ الثانوي، إضافة إلى دورات تكوينية في المسرح تسهر عليها اللجنة الثقافية للمجلس. ولابد من الإشارة إلى أن ذلك لن يتحقق إلا عبر الترفع عن تحفيز كل مظاهر الابتدال والتمييع واستهداف الأذواق بقي أن ندعو إلى مناظرة محلية من أجل الثقافة لتكون هذه المناظرة مناسبة لحوار واسع بين الفاعلين بزاوية الشيخ واللجنة الثقافية للمجلس و المديرية الجهوية، من أجل وضع استراتيجية للإقلاع بالثقافة في مختلف تجلياتها من كتاب ومسرح وتشكيل...