تناقضات عجيبة تعيشها حدائق تادلة فمن التخبط في الترميم إلى الهدم ثم الاقتلاع فإعادة التهيئة و الانجاز و الإحداث و طبعا الأرقام المالية و التكلفة باهظتان جدا ,فمن منا لا يتذكر حديقة" البلدية "(الصورة )الحديقة الفائقة الجمال و الروعة,و المعلمة التاريخية التي كانت تحوي أشجارا نادرة, بتصميم فرنسي غاية في الدقة و الإتقان,و بتوزيع محكم للكراسي و الأزهار والورود و المساحات الخضراء, الحديقة التي كانت قبلة و محجا لكل التادلويين أفرادا و أسرا و عائلات ,من الذين ينشدون الراحة و الاستجمام,أصبحت في خبر كان,حيث تدخلت يد التخريب وعملت على اجتثاثها من الجذور ,لتنمحي من الوجود, ليتم إحداث ساحة مبلطة بالزليج ومدرجات غاية في" الشوهة" ونافورتين وهميتين ,لم نراهما تعملان قط, و كراسي متناثرة هنا وهناك,ساحة كانت مناسبة لتكون وكرا للجلسات الخمرية و الحشيشية,مادامت توفر التواري عن الأنظار,كما كانت مرتعا ومرحاضا عموميا لكل من أراد أن يتخلص من الأخبثين.لان المكان يوفر الحماية خاصة عندما يسدل الليل خيوطه.فعباقرة الهدم و التخريب اتخذوا القرار انفراديا دون الرجوع إلى المجتمع المدني و لا إلى خبراء البيئة, قد يقول قائل,أن تلك الحديقة كانت أيضا مرتعا للمنحرفين الذين ينشدون معاقرة الخمور تحت جنح الظلام,ألم يكن الحل إضافة حارسين أو أكثر, و زيادة الأضواء الكاشفة , و ليس تغليب حل الاجتثاث و التخريب.ما يؤكد بالملموس أن أموال المدينة تهدر فيما لا ينفع,فهاهي الساحة نفسها تقتلع من جديد و لم تمض سوى سنوات قليلة على إنشائها,ليحمل المجلس" بشرى"للساكنة و هي إحداث ساحة جديدة بمواصفات أحسن,أليس هذا هدرا للمال العام؟كان الأجدر صرفه فيما هو أنفع و أولى.في بلد أوربي لن تمر مثل هذه الجريمة البيئية بدون حساب عسير.كل مجلس يفبرك الأسباب و الذرائع حسب هواه ليقتلع أو يهدم حديقة.قصة الحدائق لا تنتهي ,فالحديقة القريبة من حي المنزه,و التي أثارت سخط ساكنة الأحياء المجاورة لها,خاصة صيفا,حيث أمواج و أفواج و ألوان من البشر أطفالا و شبابا سماتهم المشتركة "الشعر طالع و السروال هابط"شعارهم المشترك كلام ناب ساقط تتطاير شظاياه كما تتطاير شظايا القنابل العنقودية,لتنفجر على مسامع الأسر و العائلات داخل حرمات بيوتهم,لم ينفع معه إحكام إغلاق النوافذ, يوثرون الحرارة المفرطة على سماع مثل هذا الكلام,شباب يجمعهم سلوك واحد ,التحرش بالجنس اللطيف,حتى لو كن مع عائلاتهن.أما ليلا فالسهر و الصخب حتى الساعات الأولى من الصباح,دون مراعاة لشعور أحد, مريض كان أم مسن أم رضيع,جحافل الشباب المتجهة إلى هذه الحديقة,والتي ليس هذا مكانها,تشحذ سكاكينها لتعيث فسادا في الأحياء المجاورة ,من رجم و طرق للأبواب و تكسير للمزهريات . ما قيل عن هاتين الحديقتين يقال عن حديقة" المحرك القديم" و حديقة شارع الجيش الملكي و التي بدأت بها الأشغال هي الأخرى للمرة الثالثة,و ذلك حسب هوى كل مجلس,ترى متى تنتهي حكاية ألف حديقة و حديقة؟