نتيجة للتحولات الكبرى التي عرفها المغرب خلال القرن العشرين وخاصة العقود الأخيرة منها، تحولات إن لم نقل تغيرات مست جميع جوانب حياته الاقتصادية الاجتماعية والثقافية والسياسية... بسبب التدخل الأجنبي الذي تجسد في حركة التوسع الاستعماري الذي فكك البنيات التقليدية التي كانت سائدة في المجتمع المغربي، وبسبب الانفتاح العالمي له على المجتمع الدولي في إطار ما يسمى بالعولمة التي فرضت إيقاعا تنافسيا جديدا، البقاء فيه للأقوى، نتيجة لهاته التحولات البنيوية والتي مست البادية والمدينة في نفس الآن، هذه الأخيرة أصبحت تطرح العديد من الإشكالات العميقة من قبيل الاختلالات المجالية وعدم تجانسها وانتشار مدن الصفيح والفقر، والبطالة، والإقصاء، والتهميش، والاقتصاد المقنع، وتدهور المنظومة البيئية... وغيرها. كثير من مظاهر التخلف التي أصبحت مميزة للمدينة المغربية، هذه الإشكالات العويصة أصبحت تشكل تحديات حقيقية تحول دون بلوغ أي تنمية حضرية متكاملة أو تهيئة عقلانية للمجال الحضري، الذي ظل يعاني ولازال يعاني من الاختلال وعدم التجانس المجالي والتفاوت بين بنياته المجالية، والاجتماعية، والاقتصادية... ناهيك عن الفروق والتفاوتات الحادة للتنمية الموجودة بين المدن والأرياف وما يترتب عنها من تزايد عدد المهاجرين نحو المدن وحرمان العالم القروي من جزء من طاقته الحيوية ورأسماله البشري الغني. وإذا ما تتبعنا سيرورة التحضر بالمغرب مثله مثل باقي دول العالم التابع، فإننا سوف نلاحظ بأن ظاهرة التحضر فيه لم تأتي نتيجة لنمو طبيعي وتحول عادي في بنياته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية... وإنما جاء نتيجة للتدخل الأجنبي مع حركة التوسع الإمبريالي في بداية القرن العشرين، مما أذى إلى تفاقم الاختلالات بنيويا ومجاليا لعل أهمها هو تكريس التبعية بمختلف أشكالها سواء منها الدولية في إطار علاقات التبادل اللامتكافئة، بين المغرب والدول الرأسمالية، أو الداخلية في إطار العلاقات اللامتكافئة بين البادية والمدينة، التي كان من نتائجها تحول عدد كبير من سكان المغرب بين عشية وضحاها من سكان قرويين إلى سكان حضريين. إن الوضعية الراهنة للمدن الصغرى وخصوصا الجبلية منها هي " حصيلة تطور تسارعت وثيرته خلال القرن 20 نتيجة إختلال الموازين والعلاقات وتوالي السلط". هاته الجملة تلخص الوضعية التي تعيشها المراكز الحضرية الجبلية اليوم بالمغرب، فهي تتشابه من حيث ظروف الإنعزال والتهميش، والظروف البيئية والمناخية الصعبة...، وهي إكراهات تتطلب مقاربات مختلفة لتجاوزها، كما أنها تسعى لبلوغ نفس الأهداف السوسيو- اقتصادية والبيئية بالرغم من وجود بعض الاختلافات، ويسبب هذا الانعزال المميز لهذه المناطق الإقصاء والفقر وصعوبة ظروف الحياة بالنسبة لسكانها بالمقارنة مع ظروف الامتياز التي تحظى بها المدن السهلية، هذه المعطيات السلبية في مجملها التي راكمتها المراكز الحضرية الجبلية، والمختلفة من حيث مخرجاتها بين ماهو ناتج عن تدخل المؤسسات ( السلطة تحديدا )، وبين ما مرتبط بالتراب في حد ذاته وبين ماهو مجتمعي مرتبط بالساكنة. انعكست بشكل أو بأخر على التدبير الترابي بالمراكز الحضرية.