بعد أربع سنوات من التسيير الجماعي بالقنيطرة ملايير تصحيح الجرائم العمرانية تتبخر والمجلس الجهوي للحسابات يكشف ثقوبها قنبلة البناء العشوائي وإعادة الإسكان قد تنفجر في وجه عبد العزيز الرباح حلم تحرير المتربول الصاعد بجهة الغرب من قبح المجال يتبخر ازدواجية خطاب المعارضة والتسيير تفقد العدالة والتنمية ثقة الدواوير المحيطة بالمدينة هناك من ينعتها ب «المتربول» الصاعد في جهة الغرب الشراردة بني احسين، وهناك من ينعتها بالحاضرة الشابة، لكن واقعها يكشف عن تنافر في المجال، فهي المدينة التي حظيت بأجمل غطاء طبيعي، وهي المدينة التي تجسد صورة قبح الصورة العمرانية، عدا واجهة المدينة، هناك جرائم عمرانية وبيئية في بطن الغابة، وهناك سنوات طويلة من عطب التدبير، في الانتخابات الأخيرة، غزا خطاب العدالة والتنمية المبشر بجنة التدبير مختلف الأحياء ليقود الحزب إلى رئاسة الجماعة، وبعد أربع سنوات هناك صف طويل من الغاضبين، وقناعة واضحة تكشف ازدواجية خطاب الحزب المسير، فهو ينظم الاحتجاجات على السلطة ويتهمها ويرهب أعوانها، لكنه يعجز عن تفسير شريط طويل من الخروقات والكسل في تصحيح وضع عمراني معتل. «سنقاتل من أجل أن تحصلوا على مساكنكم »، «والله واحد ما يقدر يوقفنا حتى ناخدو ليكم حقكم»، وغيرها من الشعارات الملتهبة التي رددها أعضاء قياديون من حزب العدالة والتنمية بالقنيطرة خلال الحملات الانتخابية بمجموعة من الدواوير والمساكن القصديرية التي نبتت في مختلف أنحاء جسد المدينة المعتل في مجاله، تحولت هذه الشعارات اليوم إلى قاعدة لمحاسبة هذا الحزب الذي ظل يعارض لسنوات، وتحولت شعارات المحتجين لتقذف بنارها رموز الحزب مباشرة. تتذكر رشيدة وهي سيدة خبرت كل تجارب الانتخابات، وحفظت وعود المرشحين الذين طافواعلى دوار أولاد مبارك، وعْدا قطعه عبد العزيز الرباح خلال حملته الانتخابية قبل الوصول إلى رئاسة جماعة القنيطرة، وهو تمكين الساكنة من الاستفادة من بقع تصل مساحتها إلى 80مترا مربعا، وألا يتجاوز مبلغ الدفع للأسر 12ألف درهم، وهي وعود كانت تغري الباحثين عن سكن بعد سنوات من العيش المهين داخل بيوت قصديرية. اليوم تقف هذه السيدة التي صادفناها عند مدخل الدوار، منتصبة غاضبة من هذه الوعود التي تبخرت، وحين تريد شرح الوضع، تصرخ « وفينا هي هاد الشقق، اللي استافدو مع هاذ الناس حصلو على شقق من 60مترو ، ودفعو لملاين»، «والله إيلا هاد لحاية فيهم غير ابخ ولكذوب». لماذا هذه النقمة من الحزب المسير لشؤون المدينة بعد أربع سنوات من المعارضة؟ لماذا ترفع شعارات عنيفة في وجه الرباح أمام قصر بلدية المدينة في وقفات احتجاجية لم يعد الحزب يتحكم فيها؟ هل كان سقف الوعود يتجاوز الإمكانيات؟ ما الذي حصل ليفقد الحزب عذريته في ظرف أربع سنوات من التسيير؟ لماذا تفشل كل الجهات في تحرير مدينة القنيطرة من بيوت قصديرية تأبى الرحيل؟، ولماذا يصر الحزب على مهاجمة السلطة بالرغم من وجوده في هرم تسيير المدينة؟ حلم تحرير المتربول الصاعد من قبح المجال يتبخر منذ أن شرع المغرب في مواجهة غول البناء العشوائي والبراريك القصديرية، كانت جهة الغرب الشراردة بني حسين في واجهة المناطق المعنية بهذه الإرادة، فالمدينة عرفت انفجارا ديمغرافيا قويا، حيث مرت الساكنة من 130 ألف نسمة في بداية القرن الماضي إلى 1.625.082 نسمة سنة 1994 لتصل إلى 1.806.000 سنة 2000، وتسجل الكثافة السكانية بالجهة نسبة عالية 185ن/كلم2 مقابل 137ن/كلم2 سنة 1994 على المستوى الوطني، وارتفعت هذه النسبة إلى 204ن/كلم2 سنة 2000، لكن توزيع هذه الساكنة يتم بطريقة غير متساوية، فأكثر من ثلثي السكان يتمركزون بالقطاعات المسقية (المثلث الموجود بين مدينة القنيطرة وسوق الأربعاء وسيدي قاسم). كما تتميز الجهة بتفاوت كبير بين سكان البوادي والحواضر، حيث يمثل القرويون 62% مقابل 38% من الحضريين، لكن وتيرة النمو بالمناطق الحضرية تبقى جد عالية، حيث تضاعفت مرتين عن مثيلتها بالوسط القروي بالتوالي 3,5% و1,7% (إحصاء 1994). وتؤكد هذه المعطيات على أن هذه الجهة ذات الطابع القروي، تتجه فعلا نحو المساحة الحضرية بشكل سريع. ولأن هذا الزحف لا يتم الإعداد له بشكل محكم ومنظم، فإنه عادة ما يحول المدن إلى بؤر سوداء في السكن من خلال استنبات مجموعة من الدور العشوائية والقصديرية، وتقديرا لهذه الاعتبارات كانت النية تتجه لتحرير هذه المدينة من سلاسل البناء العشوائي والتجمعات القصديرية التي حرمت المدينة من إظهار مفاتنها الطبيعية، وبالتالي أدرجت المدينة في إطار برنامج مدن بدون صفيح الذي انطلق منذ سنة 2004 . برنامج القضاء على دور الصفيح الذي تم إطلاقه سنة 2004 على المستوى الوطني من طرف وزارة الإسكان والتعمير والتهيئة المجالية عرف توقيع عقدة المدينة بدون صفيح بالقنيطرة في شتنبر 2004، وبعد ذلك تم تحيينها في يوليوز 2008، وفي حدود سنة 2009 بدأ الحديث عن أن برنامج «مدن بدون صفيح»، مهدد بالتوقف، في وقت كان متوقفا فعلا بعدد من الجماعات المستهدفة. وقد كان مقررا أن يستفيد منه بإقليم القنيطرة أكثر من اثنين وعشرين ألف أسرة. برنامج «مدن بدون صفيح» قد أعلن إخفاقه في سبع مدن بالجهة (القنيطرة، سيدي يحيى الغرب، سوق أربعاء الغرب، سيدي سليمان، سيدي قاسم، مشرع بلقصيري، وزان)، حيث تبخر موعد 2007 وحتى 2010 كسقف لإنجاز هذا البرنامج، نظرا للتلاعبات التي عرفها في مختلف الجماعات بالإقليم والجهة، ومع ذلك لم تتم معاقبة المخالفين وسماسرة دور الصفيح في العديد من المدن المعنية. تاريخ تدبير هذا الملف كشف عن ثغرات تحولت إلى سلوك مزمن، سواء على صعيد التدبير المحلي أو التدبير الفوقي للملف، بدءا من الوزارة الوصية التي أظهرت طيلة مراحل تدبير هذا الملف محدودية تدخلها في ضبط تفاحش أوضاع ساكنة الدواوير القصديرية والاستجابة لحاجتها في سكن لائق يحفظ كرامتها وإنسانيتها. فمدينة القنيطرة وباقي مراكز الجهة نموذج بشع لكل الاختلالات الاجتماعية والمجالية المتجلية في تعمير «غير منظم» يحبل بكل مظاهر الإقصاء الاجتماعي والمجالي وتفشي البطالة والانحراف وصنع كل معرقلات الإدماج وإنتاج القبح لهذا المجال الجميل بالطبيعة. المتابعون لعقدة تخليص المدينة من دور الصفيح والبؤر السوداء، يعتبرون تعقد وسرعة النمو الحضري بمدينة القنيطرة نقطة سلبية تزيد من تفاقم الاختلالات، فالمدينة آخذة في التوسع بشكل مهول ، وهو ما ساهم في تشتيت المدينة وعدم انسجام مكوناتها الحضرية، وتردي المجال الحضري بانتشار السكن غير اللائق وتعمير مناطق معرضة لأخطار الفيضانات، وإنجاز تجزئات بدون مرافق القرب وبدون بنيات تحتية ولا فضاءات عمومية، والشكايات المتعددة تؤكد مساهمة بعض المسؤولين في استدامة هذا الوضع مقابل إتاوات ورشاوى لتدخلات غير قانونية كاحتلال المجال العمومي والاعتداء على الأشجار التي تشكل ثروة المدينة وواسطة عقد جمالها. مثلث القصدير الذي فضح شعارات الانتخابات لا وجود للقصدير بدون رائحة الانتخابات، هذه القناعة التي صمدت في رصد أسباب انتشار البناء العشوائي واستنبات التجمعات القصديرية، تأكدت للسكان بمختلف الدواوير التي تحيط بالمدينة، وكان آخر اختبار لهذه القناعة ما حمله المسيرون لشؤون المدينة الحاليين الذين أزبدوا وأرغوا طيلة سنوات من المعارضة، وحين تحملوا المسؤولية لم تتغير في تقديرات السكان مكونات الصورة. أولاد امبارك والحنشة يفضح وعود الرباح ومكتبه القنيطرة حاضنة لعدة دواوير تعتبر نقطا سوداء في النسيج العمراني للمدينة، منها دوار سوق السبت، دوار عين السبع، دوار النخاخصة، دوار لاحونا، دوار أولاد موسى، دوار أولاد امبارك ودوار الحنشة والعصام وغيرها. هذه الدواويرالتي جعلت المدينة في صدارة مدن القصدير التي تعثرت بها أغلب المشاريع، فدوار أولاد مبارك وحده الذي كان يضم أزيد من 3500 براكة لم يستفد من برنامج إعادة الهيكلة منذ 2004 سوى عدد محدود وصل حوالي 500 أسرة تقريبا، فيما يعاني البعض من تعليق استفادتهم إلى أجل غير مسمى. منهم من هدمت براكته ولجأ إلى الكراء بعدما وعدهم المسؤولون بأن هذه الوضعية لن تستغرق إلا بضعة شهور، لتتحول الشهور إلى سنوات، وتتحول يومياتهم إلى معاناة مستمرة تنكشف في كل تجمع للاحتجاج، أما البراريك المتبقية، فهي شاهدة على تدبير انتقائي يتكرر صداه في تصريحات السكان. فالعائلات التي تمكنت من الاستفادة في مرحلة كان فيها البرنامج يسير بوتيرة مقبولة، وجدت نفسها في مواجهة إكراهات التزود بالماء والكهرباء والوثائق الإدارية كشهادة السكنى وشهادة الاحتياج، وهو ما جعل معاناتهم تعود إلى نقطة البداية، و تم فسح المجال لعودة التلاعب الذي كشفته المظاهرات والمسيرات التي نظمها السكان احتجاجا على التماطل والتسويف وعلى الابتزاز الذي يتعرضون له من أجل الحصول على الوثائق الإدارية أو الكهرباء، والذين لم يستفيدوا وجدوا أنفسهم في دوامة إغراق الوضع، فالأسر التي تم إحصاؤها في سنة 2000 تضاعف بفعل النمو الديمغرافي وتعدد أفراد الأسر خلال عشر سنوات، وفي كل تماطل لترحيل السكان تكبر معضلة حل تجمعات القصدير. في سنة 2011 شعر حزب العدالة والتنمية بالخطر، وهو الذي كان يقول في حملاته الانتخابية التي أوصلته لتدبير شؤون المدينة، أنه قادر على حل هذه المعضلة في شهور، بل كان يمنح المقهورين شعورا رومنسيا بمسح مشاكلهم السكنية في ظرف وجيز، وكان اجتماع بالقنيطرة قد ضم عددا من مسؤولي الإدارة الترابية والجماعات المحلية ووالي الجهة وعمال الأقاليم المعنية ورؤساء الجماعات الحضرية والقروية ورؤساء المصالح الخارجية لتحديد إشكالات الجمود والتدابير اللازمة لإعلان جهة الغرب جهة بدون صفيح قبل متم 2011. القنيطرة التي تعد أهم مدينة بالجهة يبلغ عدد الأسر المعنية ببرنامج القضاء على دور الصفيح بها 15 ألفا و652 عائلة أي ما يعادل 47 بالمائة من مجموع هذه الأسر بالجهة، بحسب الإحصائيات المحينة التي صدرت في يونيو 2010 عن الوزارة. وبلغ المعدل الإجمالي لتقدم البرنامج بالمدينة خلال تلك الفترة 77ر79 بالمائة. وكان من المفترض أن يتم إعلان القنيطرة مدينة بدون صفيح في عام 2007 لكن البرنامج عرف تأخرا فأجل الحلم. دوار أولاد مبارك بشطريه الأول والثاني عاش فصول هذا الحلم، وتمكن مجموعة من السكان فعلا من الحصول على شقق تتراوح مساحتها بين 70و80 مترا مربعا، وبثمن حدد في اثني عشر ألف درهم، كانت العملية مغرية للسكان، وكان الكل يتمنى الاستفادة من هذه الفرصة، لكن عدم وجود الكافي من الشقق أجل استفادة الباقين، حينها تقول رشيدة ، وهي سيدة لا زالت مدرجة ضمن غير المستفيدين من إعادة الإيواء، «كانت الانتخابات شاخدة»، وكان الملف مثار مزايدات بين الأحزاب، وبلغ سقف الوعود حدودا لا تتصور»، ولأن خطاب المعارضة كان يرتكز على انتقاد ما هو قائم، فقد سهل ابتلاعه في انتظار الامتحان. كل المشاكل التي جعلت التجمعات القصديرية لا تختفي تم استخدامها في وعود الانتخابات، منها استفادة كل الشباب البالغين من سكن، واستفادة جميع السلاليين مساواة بين الذكر والأنثى، بل ومنح الأمل لغير المحصيين الذين فاتتهم فرصة تسجيل أنفسهم، هي تجميع لكل الأصوات التي كانت الأحزاب في حاجة إليها، تؤكد رشيدة، لكن بعد انتهاء الانتخابات، وجد المسيرون الجدد أنفسهم سجناء لهذا السلاح غير المأمون. ما تحقق جزئيا خلال أربع سنوات من تسيير المسؤولين الحاليين هو انتقال المساحة التي استفاد منها سكان الدوار السابقين من 80 مترا مربعا إلى 63 ، وانتقال المبلغ المدفوع من 12ألف درهم إلى 25ألف درهم، وهي أرقام يسردها على مسامعك كل قاطن لهذا الدوار كلما بادرت باستفساره على الجديد في الملف، فالدوار اليوم يغلي بفعل المعاناة التي وجدها السكان المرحلون في اتجاه التجزئة المحادية للغابة في إطار الشطر الثاني من إعادة الإيواء، وتبدو التجزئة التي تتم تهيئتها خالية من قنوات الصرف الصحي، وهو ما سيحولها إلى قنبلة للتلوث قبل إيجاد حل. البراكة تعانق المنازل بمنطقة لمخاليف عين السبع في أكتوبر 2008 زار جلالة الملك هذه المنطقة، وأعطيت الانطلاقة لإعادة إيواء 3200أسرة من ساكنة هذه المنطقة، المعطيات الرسمية تؤكد أن الأشغال التي تمت لم تحقق كل المطلوب، لكن في المقابل تقدم العديد من الأرقام التي تؤكد تقدم الأشغال، وتستعرض مختلف العمليات التي تمت لتهيئة المكان وتوفير البنيات التحتية الملائمة، لكن الواقع الذي تتشكل منه الصورة اليوم يؤكد استمرار الوضع المؤلم لتجمع سكاني تتساكن فيه البراكة مع المنازل التي تم تشييدها في الأشطر السابقة، منظر يعكس قبحا في المجال، ويؤكد أن شيئا ليس على ما يرام في تدبير هذا الملف. مجموعة من سكان منطقة عين السبع المخاليف رفعوا شكاية قبل شهور، يطالبون فيها الملك بتفقد أشغال برنامج إعادة هيكلة حيهم والوقوف على بعض الاختلالات التي رافقت الأشغال من غش وتأخير في الإنجاز وتحريف للمشروع الذي قدم للملك عندما أعطى انطلاقة إنجاز هذه الأشغال . «أمام تعثر الأشغال التي انطلقت منذ 2009، والغش في إنجازها»، و«أمام الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي» تقول الشكاية، اضطر «مجموعة من السكان إلى المطالبة بإدماجهم في عملية إعادة الإسكان لوضع حد لمعاناتهم أو تسليمهم قطعا أرضية على غرار ما هو معمول به في عمليات محاربة أحياء الصفيح». الشكاية حملت كل صور الخوف الذي ينتاب الساكنة بسبب تشييد مساكنهم فوق فرشة مائية، واتهمت أعوان السلطة المحلية ونواب الجماعة السلالية بمراكمة ثروات من وراء تلاعبهم في عمليات بيع أراضي هذه المنطقة وتقسيمها، والسماح للمشترين بتشييد مساكنهم بطرق عشوائية فوق فرشة المياه التي تزود مدينة القنيطرة بالماء الصالح للشرب مما يشكل خطرا على الجميع في المستقبل، وهي اتهامات تتكرر على لسان أكثر من طرف، بل إن المسؤولين في التسيير يكتفون بترديد نفس التشكي، دون تقديم ما يحل المشكل، وهو ما جعل عددا من الشبان الذين شاركوا في الحملات الانتخابية الأخيرة يقول بنرفزة واضحة «مابقا فين نتيقو، حتى هاد لحاية مساليين». النتيجة الطبيعية لهذه الوضعية هي التأسيس لحالة من التسيب وعدم الانضباط للقانون، ولذلك تعرضت القوات العمومية في أكثر من مرة للرشق بالحجارة كلما تدخلت لمنع تناسل البناء العشوائي، وبهذا الدوار بالضبط تم تسجيل العديد من حالة العصيان ضد التدخل المتأخرللسلطة لمنع تناسل البرك، وفي كل مرة منظر لنساء وأطفال، يشرعون في الصراخ والعويل بمجرد مباشرة رجال السلطة المحلية لمهامهم في الحي المذكور، قبل أن تتعرض القوات العمومية للرشق بالحجارة من جميع الاتجاهات وتنسحب درءا للمواجهة. الوضع الذي توجد عليه المنطقة يحتاج لجرأة في إيجاد حلول سريعة لمعضلة تتعقد كلما طال وقت حلها، وهو الأمر الذي يجعل الجمعيات المحلية تستغرب لهذا التماطل الذي يصل حد التواطؤ، وتطالب في بياناتها السلطات والمنتخبين بضرورة حل المشاكل عوض تبادل الاتهامات، العربي الحمداوي أحد المقصيين من الاستفادة يجمل إحساس السكان بفقدان الأمل في الوعود المتتالية التي قدمت للسكان، ويختم بالقول «أنا اللي ما فهمتوش هو أن المسيرين ديال المجلس الحالي كيحتجوا بحالنا، فالوقت اللي نتاخبناهم باش يحلولنا مشاكلنا» وتساءل «واش هذي مسرحية كيضحكوا علينا فيها اجميع». سيدي الطيبي أو القنبلة المطلة على البحر ولأن قبح المجال الذي استوطن في القنيطرة، واستنبت بؤرا قصديرية ودواوير متعددة تحيل على طابع مريف، فإن ريف المنطقة خضع لهجوم مضاد، ففي الوقت الذي كانت البادية والريف القريب من المدينة ينعم بطبيعته، وكانت سيدي الطيبي التي تقع على الطريق بين الرباطوالقنيطرة، عبارة عن دواوير يعيش سكانها المنتظمون في إطار الجماعات السلالية منها أولاد نصر وأولاد طالب على الفلاحة وتربية الماشية، ففي سنة 1992 وفي إطار التقسيم الإداري الجديد ستستقل سيدي الطيبي كجماعة قروية عن جماعة الحدادى لتبدأ رحلة الزحف نحو مجهول العمران الجديد. تشبه المجزرة التي تعرضت لها الأرض الفلاحية لجماعة سيدي الطيبي، ما عاشته الدارالبيضاء في الهراويين، حيث أدت أزمة العقار إلى نزوح من عجزوا عن امتلاك سكن، للظفر ببقعة أرضية كيفما كان وضعها، واندلعت حرب البقع والبراريك، ولم يعد بمقدور السلطات التي تواطأت لفترة ، واستيقظت أمام هول الامتداد الإسمنتي العشوائي لتجد أمامها مدينة عشوائية غزت الغابة وتوجهت نحو البحر في توزيع مريع لصورة مشتتة قبيحة. أراضي هذه المنطقة هي أراض للجموع يمنع بيعها أو تفويتها، وإنما هي صالحة للاستغلال الفلاحي أو لإقامة أنشطة أخرى من طرف السلالة التي ترثها عن أجدادها. لكن أمام أزمة العقار التي عمت جل مناطق المغرب قام مجموعة من المسؤولين بالسماح للسلالات التي تعيش في أراضي أجدادها بتفويت الأراضي وبيعها، وهو ما فتح شهية المضاربين الذين فتحوا جيوبهم لابتلاع أراض فلاحية والمضاربة فيها، والنتيجة آلاف المنازل المشتتة، لا تناسق عمراني فيها ، ولا مرتكزات البنى المحيلة على مجال التحضر، لترسم صورة مشبعة بالخصاص والفقر العمراني، فلا هي مدينة جديدة جلبت التمدن للمنطقة، ولا هي حافظت على طبيعتها الريفية النقية من قبح الإسمنت العشوائي. ما جرى في سيدي الطيبي خلال عقد من الزمن يمثل جريمة بيئية قتلت في المنطقة صورتها الريفية الجميلة، وخدشت مجالها الطبيعي الأخاذ، فلا الغابة حافظت على سحرها الذي اغتصبه شريط من الإسمنت العشوائي، وسلاسل من القصدير التصقت بالأشجار، ولا المنطقة استفادت من تحول نحو حاضرة منظمة يتناسق فيها العمران المنظم مع جمال الطبيعة الخام، واليوم تبرز نتائج هذه الجريمة لكل متجول وعابر للمنطقة. من الغابة إلى البحر يقفز إلى واجهة الصورة مجال مشتت من منازل متناثرة لا تناسق في تصاميمها، ولا انتظام لشوارعها، بل تبدو التجمعات الصفيحية القريبة من الأشجار ككتل متلاشيات تخدش الرؤية، وتمتد الصورة إلى تخوم البحر، حيث تبدو الدور العشوائية والقصدير في نهاية العقبة المطلة على البحر، توقفت فجأة لترسم نهاية معركة طاحنة جرت، ولا تبدو أنها توقفت. الانتخابات، المزايدات، تواطؤ السلطة هي خلاصات الجواب الجماعي للسكان والفاعلين الجمعويين حول حقيقة ما جرى، ولتصحيح الوضع زار الملك المنطقة وأعطى انطلاقة مشاريع ضخمة للحد من «الباس»، لكن الاحتجاجات المتكررة تؤكد أن الذين وظفوا القصدير في الانتخابات، والذين غضوا أبصارهم عن الجريمة البيئية والعمرانية، سيتذكرون أفعالهم كلما سقط ضحية في الصدام والاحتجاج، لكن عدم تكرار أفعالهم غير مضمون. تبادل الاتهامات يضيع التشخيص الواقعي للأزمة تشخيص هذا الواقع يقود رأسا لما يدور في تقديرات المسؤولين الحاليين والذين استشعروا خطورة غضب السكان الذين لم يتحقق من انتظاراتهم شيئا، بالنسبة لمسؤولي العدالة والتنمية بالقنيطرة فالسلطة هي المسؤولة عن الوضع، هذا الخطاب تكرر في أقوال المسؤولين الذين اشتكوا من الوضع، سواء في دورات المجلس أو في مشاركتهم وتنظيمهم لاحتجاجات تقدموا صفوفها أمام قصر البلدية. عبد العزيز الكرماط، عضو فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب ونائب الرباح في تسيير شؤون الجماعة الحضرية للقنيطرة، سبق وطالب وزير الداخلية امحند العنصر، بفتح تحقيق مع بعض رجال وأعوان السلطة المحلية بمدينة القنيطرة بخصوص ملف البناء العشوائي، مُضيفا خلال تدخل له بلجنة الداخلية والجماعات الترابية والسُكنى وسياسة المدينة لمجلس النواب بأنه «رغم توقف البناء في فترة معينة بالمدينة، شهدت تناسل مجموعة من المباني غير المُرخصة»، داعيا إلى البحث عن المسؤولين، عن من رخص للمواطنين بالبناء في تلك الفترة مع علم السلطات المحلية بذلك. المقاربة التي يخضع لها ملف التعمير بالمدينة تعاني من إغراقه في المزايدات، فبعض المنتقدين لما يقوم به المجلس الحالي يواجهون بهجوم الأغلبية المسيرة على تاريخ تدبيرهم للمدينة ، ويتهمونهم بأنهم مسؤولون عما عرفته المدينة من أعطاب متتالية شوهت مجال المدينة، ويشهرون في وجههم مجموعة من الملفات التي يعتبرونها دالة على ما يصفونه بالتركة الثقيلة التي ورثوها في تدبير المدينة. موقف المسؤولين الحاليين الذي يلبس ثوب العذرية سرعان ما ينكشف أمام مجموعة من الملفات التي سبق تداولها في مجالس متعددة، ومنها استمرار منطق المحاباة، ويقدمون نموذجا على تفويت المجلس الحالي قطعة أرضية بالمجان لفائدة تعاونية جوطية ابن عباد لأجل بناء محلات تجارية، في غياب دفتر للتحملات، ودون سلك المساطر الإدارية فيما يتعلق بلجنة التقويم، حيث تم التفويت بصفر درهم، لفائدة هذه الجمعية التي يرأسها مستشار جماعي ينتمي لحزب رئيس المجلس البلدي. النموذج الذي أثير في دورات المجلس يعتبره المعارضون استمرارا لما كانوا ينتقدونه إبان تموقعهم في المعارضة، فتفويت مساحة تصل إلى 7200متر مربع في موقع وسط المدينة لفائدة جمعية فوتت نصف المساحة لمقاول في صفقة غامضة، اتهمت فيها السلطة بالتساهل في تطبيق القانون. تفويت قطعة أرضية مخصصة لمرافق اجتماعية تابعة للملك الخاص الجماعي لفائدة جمعية تابعة للحزب المسير وهي قطعة موجودة بتجزئة الحدادة والمرقمةب EQ3و EQ10، وهي نموذج لما يعتبره المستشار المعارض سعيد لحروزة «استراتجية في تدبير العدالة والتنمية لشؤون المدينة»، فالخطة التي يعمدون إليها، بالنسبة إليه، تتحدد في مدخل الجمعيات كغطاء لخطاب مزدوج، من جهة يوزعون الريع الجمعوي على جيش من الجمعيات التابعة لهم، ومن جهة أخرى استخدام الجمعيات للتحرش بالسلطة المحلية، وتحميلها كل مظاهر العجز التي ثبتت في تسييرهم الذي استمر لأربع سنوات، وبالرغم من ذلك مازالوا يتحدثون عن التركة والماضي، ونحن نتساءل متى سيسير الحزب شؤون المدينة؟++ شريط طويل من الخروقات المرتبطة بالمحاباة في منح قطع أرضية ومنشآت لمقربين من الحزب، وحكايات عن خروقات في التسيير تتستر عليها السلطة بعدما تمكن الحزب من إرهابها، واتهام بغياب الابداع في التسيير والاكتفاء بالبكاء على التركة، هي جملة اتهامات المعارضة للحزب المسير، والذي لم يتوان في دورات المجلس في الرد على هذه الاتهامات، وامتشاق سيف المغرضين والمعرقلين للرد على الخصوم. الحقيقة الماثلة اليوم بالقنيطرة هي أن قبح المجال يتحدى الجميع، والسكان الذين تاهوا بين اتهامات المعارضة، وعجز المسيرين عن الوفاء بوعود الانتخابات، وصلهم شبح اليأس المفرط الذي يستشعره سكان القلاع القصديرية الممتدة، والذي قد يتحول إلى نقمة على الجميع، فالمدينة تحتاج لشجاعة في التدبير، وعقلانية في تصحيح الأوضاع، فالمدينة التي تحمل جمالها في أرضها وغابتها وموقعها، ولا تحتاج سوى لسلوك صادق في التدبير وصراحة في خدمة المدينة بعيدا عما وصفه فاعل جمعوي عريق بالمدينة ب «أرخبيل المزايدات». عبد الكبير اخشيشن