دون تصميم ولا ترخيص ولا تجهيز تم بناء أزيد من 700 محل تجاري بطريقة عشوائية على أرض تابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. محلات أصبحت تباع بالملايين بعد أن تم تزويدها بالكهرباء الذي يتم اختلاسه من الإنارة العمومية. إنها باختصار فضيحة تتداولها الساكنة وتطرح أكثر من تساؤل حول من يضمن تطبيق القانون بالمدينة. أزيد من 700 محل تجاري شكلت قيسارية عشوائية نبتت فجأة في مدينة سلا، وأفلتت من رقابة الأقمار الاصطناعية التي أعلن أن وزارة الداخلية تستعين بها لمراقبة البناء العشوائي. القيسارية التي أنشئت بالقرب من سوق الصالحين، المعروف بسوق الكلب، أثارت جدلا كبيرا وسط تبادل للاتهامات بين عدد من الجهات حول مسؤولية خلق ليس فقط محلات تجارية عشوائية، بل أيضا السماح بتنقيل حي صفيحي بضعة أمتار ومد السكان بالطوب لبناء مساكن جديدة، بطريقة فيها الكثير من الفوضى، كل هذا حدث فوق وعاء عقاري أثار كثيرا من الصراعات والتطاحنات السياسية. والانتخابية لتكون الحصيلة مركزا لصيانة ال«ترامواي» يتم تشييده وفق أحدث المواصفات، وواجهة تجارية كبرى في طريقها إلى الإنجاز بجوار برك آسنة من مياه الصرف الصحي ومئات البراريك والمحلات التي بنيت ب«الفوضى» ومكنت البعض من ربح الملايين دون مجهود على حساب صورة المدينة ورصيدها الاستراتيجي من العقار. مصادر مطلعة وصفت ما يحدث بالفضيحة غير المسبوقة، التي وصلت أصداؤها إلى قبة البرلمان، بعد أن شكلت القيسارية موضوع إحاطة علما طرحه العمدة السابق لمدينة سلا إدريس السنتيسي طالب خلالها بفتح تحقيق في الموضوع وتنظيم زيارة برلمانية، بعد أن خلق هذا الملف نقاشا حادا خلال الدورة التي عقدها مجلس مقاطعة تابريكت. فما هي قصة القيسارية؟ وكيف تناسلت المحلات وتضاعف عددها أمام أعين الجميع من سلطة ومنتخبين؟ ومن المستفيد من ذلك؟ بورصة البناء العشوائي مدينة سلا التي تقترب ساكنتها من المليون كان من المفترض أن تعرف انطلاق مشاريع متعددة للتأهيل، موازاة مع مشروع تهيئة ضفتي أبي رقراق، وانطلاق العمل بال«ترمواي»، لكن شيئا من هذا لم يحدث بفعل التسيب والعقلية الإقطاعية التي يتعامل بها بعض المنتخبين ورجال السلطة، وهو ما شجع على انتشار البناء العشوائي بشكل خطير في ضواحي المدينة وتزايد مظاهر البداوة بالأحياء الشعبية، بعد أن وجدت بعض الأسماء التي تمتهن السياسة بالمدينة، والتي راكمت الثروة في الأسواق العشوائية، رصيدا انتخابيا وماليا، كما يحدث بسلاالجديدة حيث تتم جباية الرسوم من سوق عشوائي تم إحداثه لأسباب انتخابية دون أن تجد طريقها إلى صندوق الجماعة الحضرية أو ميزانية المقاطعة.الخطير أن البناء العشوائي مازال يستشري مثل السرطان الذي طال هذه المرة الرصيد الاستراتيجي العقاري للمدينة وشوه منطقة تتوسط أهم الأحياء، بعد أن تم بناء المئات من المحلات التجارية أمام أنظار السلطة المحلية ومجلس مدينة سلا، دون أي تصميم، وفي غياب التطهير والربط بالكهرباء. وحسب المعلومات المتوفرة، فهذه المحلات أصبحت محل مضاربة، إذ انتقل ثمنها من مليوني سنتيم في البداية إلى أزيد من 20 مليون سنتيم للمحل، والقيسارية لازالت تمتد وتلتهم المزيد من الأراضي التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. سياسة الصمت قبل الانتخابات الجماعية الأخيرة، شهدت مدينة سلا مواجهة غريبة بين كل من إدريس السنتيسي، الذي كان يتولى منصب العمدة، وأعضاء من حزب العدالة والتنمية المشارك في التسيير ،وهي المواجهة التي وصلت إلى حد تبادل الاتهامات باستغلال الدين في السياسة وتهييج الناس بعد أن راج حديث عن قرب إحداث سوق تجاري ممتاز، وتم تفويت 19 ألف متر مربع من الأرض التي تقع وسط مدينة سلا مقابل 350 درهما للمتر، مما أغضب رئيس مجلس مقاطعة تابريكت جامع المعتصم، الذي اعتبر أن الأمر يعد إهدارا للمال العام، وأكد أن والي الرباط حسن العمراني يمنح الاستثناء خارج الدورية الوزارية، التي تنظم الاستثناء في مجال التعمير، والتي تشترط إجماع جميع أعضاء اللجنة، بما في ذلك الجماعة الحضرية لسلا، وأكد حينها على أنه سيقوم بتوجيه سؤال آني إلى وزير الداخلية من أجل «توضيح الملابسات المرتبطة بهذا التفويت»، محذرا من التداعيات الاجتماعية الخطيرة لإحداث سوق تجاري بالمنطقة لأزيد من 10 آلاف تاجر. كما نشبت أزمة حادة بعد أن قرر رئيس المجلس الحضري وضع سور قصديري على السوق المعروف بسوق الكلب وشق طريق بالمنطقة بعد أن اعتبر أعضاء من المعارضة، وكذا من حزب العدالة والتنمية، المشاركين ضمن الأغلبية أن الأمر يتعلق بتوطين السوق بالمنطقة وتشويهها واستغلال ذلك في الانتخابات وجلب المزيد من الدعاوى القضائية للمجلس بعد شق الطريق. بعد الانتخابات هدأت الزوبعة مدة، قبل أن تشهد المنطقة بعض المشاهد الغريبة، التي تؤكد غياب أي تصور حقيقي لإخراج المدينة من حالة الموت السريري التي توجد عليها، فقد شرعت السلطة مدعومة بالقوات العمومية في هدم البراريك الصفيحية الموجودة ومنح دعم مالي لأصحابها لبناء أخرى على بعد حوالي 200 متر، رغم أن الحديث الذي راج قبل ذلك كان يشير إلى ترحيلهم إلى مشروع سيدي عبد الله، ليأتي الدور بعد ذلك على سوق دوار جديد. وفي صمت مريب من طرف المنتخبين الذين تزعموا الاحتجاجات، أعلن أنه تم إحصاء التجار الذين سيستفيدون من عملية الترحيل إلى قيسارية جديدة قبل أن يتبين أن الأمر يتعلق بهدم سوق عشوائي لإقامة قيسارية عشوائية تحولت إلى مرتع للسماسرة، مما أثار احتجاجات عدد من التجار، وهي الاحتجاجات التي كان يتم إخمادها بالتهديد أحيانا وأحيانا أخرى بإرضائهم حتى لا تنتقل العدوى إلى باقي التجار. كما تدخل مسؤولون في عمالة سلا لتوجيه أوامر من أجل احتواء مثل هذه المشاكل دون التدقيق في طبيعة ما يقع. كل هذا حدث دون أن يتدخل عامل المدينة لوقف أضخم عملية بناء عشوائي عرفتها المدينة في العقد الأخير، ونفس الأمر ينطبق على مجلس مدينة سلا والعمدة نور الدين الأزرق. التلاعب ليس بالأمر الجديد على المنطقة، فقد أكدت مصادر «المساء» أن سلسلة الحرائق المشبوهة التي شهدها سوق الصالحين وكذا سوق دوار جديد في الماضي شكلت مناسبة للتلاعب وإحداث مجموعة من المحلات العشوائية. محلات تجارية في شكل مراحيض الجدل الذي أحدثه بناء قيسارية عشوائية في مدينة غارقة في عشرات الأحياء القصديرية التي هزمت مشروع مدن بدون صفيح، يأتي في ظل وجود عدد من الأسواق والمركبات التجارية التي تم تشييدها والتهمت ميزانية مهمة، لتبقى مغلقة مثل مركب «السوبير» بحي الرحمة، الذي أنشئ سنة 1983 وتحول إلى بناية مهملة، رغم أن مؤسسة العمران سلمته لمجلس المدينة مجانا، مما يطرح أكثر من علامة استفهام حول الأسباب التي تقف وراء صمت المسؤولين والمنتخبين بخصوص ما يجري، وهو الصمت الذي ربطته مصادر قريبة من الملف بحجم الأموال التي تم تداولها خلال تشييد القيسارية، وهو ما جعل هذه الأخيرة تمتد وتلتهم المزيد من الأرض بعد أن تعامل البعض مع الأمر على أنه وجبة لا ينبغي تضييعها، لتكون النتيجة مئات المحلات التجارية المتراصة، التي بنيت كيفما اتفق دون احترام لأدنى الشروط. كما أن بعض الجهات التي تتحمل المسؤولية داخل مجالس مدينة سلا حاولت الترويج لخطاب مفاده أن معارضة الفوضى التي تحدث في أرض وزارة الأوقاف هي عرقلة لمشروع ملكي في إشارة إلى ال«ترمواي»، وهو حديث يعكس العقلية التي تتحكم في تسير مدينة سلا، فمشروع ال«ترمواي» جاء من أجل تأهيل المدينة وليس إغراقها في الفوضى من خلال البناء العشوائي والاستفادة منه ماديا وسياسيا لكسب الأصوات، خاصة أن مصادر «المساء» أكدت إضافة عدد من البراريك و«العشات» بالمنطقة إلى جانب القيسارية. من جهة أخرى، أكدت مصادر «المساء» أن الغياب الطويل للعامل الزبادي عن مقر عمالة سلا لأسباب صحية خلق نوعا من الفراغ الذي تم استغلاله من طرف بعض المسؤولين في ظل تقاذف المسؤولية حول الجهة التي سمحت بخلق هذه القيسارية «الفضيحة» بين العمالة ومجلس مدينة سلا ووكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق، حيث أكد عضو في مجلس مدينة سلا أن إحداث هذه القيسارية كان الهدف منه إفراغ الوعاء العقاري الذي سيحتضن مركز صيانة ال«ترامواي»، وأن المجلس لا علاقة له بالملف، غير أن المغاري الصاقل، في حوار سابق مع «المساء»، أكد أن عملية الترحيل جاءت في إطار حل مؤقت في انتظار الترحيل النهائي للتجار، ونفى علاقة الوكالة بأي تلاعب في لائحة المستفيدين. القيسارية المثيرة للجدل أثارت الكثير من التساؤلات أيضا في أوساط ساكنة المدينة، خاصة أمام الحديث عن تحول ترحيل 420 تاجرا إلى بناء أزيد من 700 محل بعضها يشبه المرحاض في شكله، ليتضح أن الأمر لم يعد حلا مؤقتا، مما سيعقد ترحيل التجار مستقبلا. الجماعة إدريس السنتيسي أكد في اتصال هاتفي مع «المساء» أن الإحاطة التي تقدم بها جاءت بعد تصريحات وردت على لسان أعضاء من حزب العدالة والتنمية في دورة لمجلس مقاطعة تابريكت مفادها أن هناك فضوى بسوق الصالحين. وأضاف بأنه تدخل على إثر ذلك واعتبر أن ما يحدث هو أمر خطير، خاصة أن رئيس مقاطعة تابريكت هو المسؤول عن التعمير، كما أن الترخيص للبناء هو من اختصاص المجلس الجماعي. وأكد السنتيسي على ضرورة العمل من أجل تحصين حقوق التجار المكتسبة، وضمان استفادتهم من مشروع متكامل يسمح لهم بممارسة نشاطهم في ظروف أفضل، وعدم السماح لأشخاص غرباء بالاستفادة على حساب التجار. «المساء» حاولت الاتصال بجامع المعتصم، رئيس مقاطعة تابريكت، من أجل توضيح ملابسات إحداث هذه القيسارية، غير أن هاتفه ظل يرن دون إجابة، وهو ما تكرر أثناء الاتصال برئيس قسم الشؤون العامة بعمالةسلا. مجلس مدينة سلا تبين أنه خارج التغطية بعد أن أكد العمدة نور الدين الأزرق أن المجلس لا يتوفر على لائحة المستفيدين، وأن رئيس دائرة تابريكت هو من يتوفر على الرقم الحقيقي للمستفيدين بحكم إشرافه على عملية الترحيل. كما تجنب الأزرق الإشارة بشكل مباشر للجهة التي تتحمل المسؤولية في خلق القيسارية، وقال إن مشروع ال»ترمواي» فرض اللجوء إلى هذا الحل الترقيعي الذي يبقى مؤقتا في انتظار إنجاز مركز تجاري وترحيل التجار إليه. كما أكد أن المجلس بصدد تزويد المحلات الموجودة بالقيسارية بالكهرباء، موازاة مع مراسلة العامل لعقد اجتماع وضبط عدد المستفيدين. وهي إجراءات تدخل في إطار سياسة الهروب إلى الأمام وإضفاء الشرعية على البناء العشوائي، وتوطين القيسارية بالمنطقة، خاصة أن بعض التجار صرفوا مبالغ مهمة في تهيئة محلاتهم، مما يجعل مهمة إعادة ترحيلهم من جديد شبه مستحيلة. وتطرح أكثر من علامة استفهام حول الأسباب التي جعلت المجلس الجماعي يدفن رأسه في الرمل أثناء بناء البراريك والقيسارية قبل أن يقرر تزويدها بالتيار الكهربائي في محاولة لتحقيق مكاسب انتخابية، حتى لو كان ذلك على حساب المدينة، التي تتأزم وضعيتها يوما بعد آخر. الوعاء العقاري الذي أقيمت عليه القيسارية العشوائية عرف منذ سنوات صراعا شرسا بين عدد من المجموعات الاقتصادية، خاصة بعد أن تقدمت شركة في ملكية عرب أمريكيين في سنة 2004 بمشروع يصل غلافه المالي إلى 100 مليون أورو(110 مليارات سنتيم) لإحداث مجمع سكني بمواصفات اقتصادية على النمط الألماني مع مركز تجاري ملحق به، ليختفي هذا المشروع في ظروف غامضة، ويظهر بدله اقتراح من شركة مرجان يتعلق بالاستثمار في المكان، ثم تلاه بعد ذلك في سنة 2005 عرض من أسواق السلام، بعد اللقاء الذي جمع بين كل من الشعبي مالك سلسلة أسواق السلام والعامل السابق محمد الحافي، الذي قدم وعدا بتفويت الأرض شريطة عدم تسويق المشروبات الكحولية. مسؤول في السلطة المحلية، رفض الكشف عن اسمه، نفى وجود أي تلاعب وأكد أن عملية الاستفادة من المحلات التجارية تتم بطريقة شفافة وقانونية اعتمادا على إحصاء سابق للتجار، لكنه رفض الإفصاح عن عدد التجار الذين شملهم الإحصاء وربط احتجاجات التجار برغبتهم في الاستفادة من محلات مخصصة لغيرهم بحكم طبيعة النشاط التجاري الذي يزاولونه، وهو ما أكد عكسه عدد من التجار، الذين أوضحوا أن عشرات الأشخاص تمكنوا من الاستفادة مقابل مبالغ مالية في حين حاول مسؤولون في مجلس المدينة الركوب على الموضوع لأسباب انتخابية عن طريق منح وعود للتجار بترصيف ممرات القيسارية وتزويدها بالكهرباء.