شرعت السلطات المحلية بمدينة القنيطرة، منذ أسابيع قليلة، في اعتماد سياسة "الأرض المحروقة" لإرغام قاطني الأكواخ القصديرية بالعديد من الدواوير والتجزئات على إخلائها، بدعوى أنها بنيت بطريقة عشوائية، مما يقتضي مباشرة قرار الهدم في شأنها. وقد وجدت العديد من الأسر والعائلات فجأة نفسها في الشارع، مهددة بالتشرد، وقضت عدة ليال في العراء، تلتحف السماء وتفترش الأرض، قبل أن تحط رحالها في مكان آخر، ولم تنفع توسلاتها أو احتجاجاتها في توقيف جرافات وسواعد الهدم، إلى حين إيجاد البديل، وتوفير السكن اللائق لها، بعدما أفصحت السلطات عن تشبثها بموقفها الرامي إلى إحداث قطيعة نهائية مع زمن التغاضي عن السكن العشوائي. شبح الهراويين عجز المسؤولون عن تقديم مبررات مقنعة لأسباب استفاقتهم في هذه الظرفية بالذات للتصدي للبناء العشوائي، بعد نوم عميق ظلوا يستلذون به طيلة سنوات، كانت فيها الأحياء العشوائية تتكاثر كالفطر، ولم يستيقظوا من غفوتهم هذه إلا بعد أن تناهت إلى مسامعهم تحذيرات شكيب بنموسى، وزير الداخلية، بعد فضيحة الهراويين، الذي هدد باتخاذ الإجراءات التأديبية في حق كل من ثبت تقصيره في أداء واجبه في التصدي للبناء العشوائي، أو تأكد تورطه، بأي شكل من الأشكال، في ارتكاب أو المساعدة على ارتكاب المخالفات في هذا المجال، وتقديمه إلى العدالة. وإذا كان مهتمون بالشأن العام المحلي فسروا لجوء السلطات إلى تبني هذه السياسة، في العديد من المواقع، مثل دوار "الحنشة " و"الصفاية" و"المرجة "، لرغبتها في إبداء نوع من الحزم والجدية في التعاطي مع ظاهرة البناء العشوائي، ورفضها التساهل مع استمرارها، فإن البعض منهم لم ينف وجود علاقة بما يقع بالقنيطرة مع ما حصل بمنطقة الهراويين، حينما تم اقتياد منتخبين وممثلين للسلطة المحلية وتقنيين في عمالة مديونة ورجال أمن وقياد إلى سجن عكاشة، بعدم وجهت لهم تهم تتعلق ب«البناء العشوائي وإحداث تجزئات عقارية والبناء من دون رخصة وإقامة بنايات غير مرخصة عبارة عن مساكن ومستودعات مخصصة لأنشطة تجارية مختلفة بطريقة غير قانونية»، مشيرا إلى أن فرائص المسؤولين المحليين بدأت ترتعش خوفا من مثل هذه المتابعات، التي قد تزج بهم في السجن، هم أيضا، في حالة استمرار التراخي في التعاطي مع أحزمة الفقر التي ظلت لسنوات تطوق مدينة القنيطرة من جميع الجهات. أكباش فداء صب مواطنون تعرضت مساكنهم للهدم، جام غضبهم على القياد والمقدمين، وقالوا إن ما تفعله السلطات حاليا، في العديد من المواقع، فاجأهم كثيرا، سيما أن هذه التجمعات السكانية التي تطالها معاول وجرافات الهدم، شيدت منذ ما يقارب العشر سنوات، وأغلبها نبت تحت أعين بعض من رجالاتها أو أعوانها، الذين ظلوا، في نظرهم، يتقاضون الرشاوى، طيلة تلك الفترة، لغض الطرف عنها، ويشرفون على عمليات بيع البقع بها مقابل حصولهم على عمولات مالية. تقول عائشة، متزوجة وأم لأبعة أطفال، "من غير المعقول أن يتم هدم كوخي بعدما أنفقت لشرائه كل ما أملك أنا و زوجي. لقد مررنا بفترات عصيبة قبل أن نجد سقفا يحمينا من حر الصيف وبرد الشتاء، لم نكن نظن إطلاقا أن الموقع عشوائي، خاصة أن عون السلطة كان من حين لآخر يمر، دون أن ينبهنا إلى ذلك"، مستنكرة في الوقت نفسه الطريقة الهمجية التي تعاملت بها بعض الجهات المنتمية للسلطة في معالجتها لهذه الأزمة، حينما بادرت إلى التلويح باعتقال كل من يقف في طريقها، وتعنيف المحتجين، وإحراق الأكواخ، والسب والشتم، والتهديد بتلفيق التهم، لنشر حالة من الخوف والهلع في صفوف المواطنين المستهدفين بعمليات الهدم. في حين دافع عبد الجليل، وهو شخص معاق، بشدة عن حقه في السكن، ودعا الدولة المغربية إلى تحمل مسؤوليتها في مأوقع بخصوص هذه البناءات العشوائية التي تمت بمباركة العديد من مسؤوليها بالمدينة، وقال "ليس وحدنا من عليه أن يتحمل تبعات ذلك، كان لا بد من محاسبة كل المتورطين الذين اغتنوا على حساب آلام وفقر المئات من المعوزين الباحثين عن قبر الحياة"، واعتبر أنه من المؤسف جدا أن يتم تقديم مواطنين أبرياء أكباش فداء، وإلقاء كل اللوم عليهم، وتشريدهم بمعية أبنائهم، بدعوى أن فترة الإحصاءات قد انتهت مع أن الحق في السكن، في نظره، هو حق كوني، غير مرتبط لا بالزمان ولا بالمكان، ويلزم الجهات المسؤولة أن تحرص على حمايته، وأضاف منفعلا «كان عليهم توقيف عمليات هدم الأكواخ، طالما أن قاطنيها أكدوا دفعهم مبالغ للحصول عليها، وفتح تحقيق لمعرفة الرؤوس المدبرة التي كانت وراء تفشي البناء العشوائي». حتى إشعار آخر العديد من المتضررين أكدوا أنهم مقصيون من أي عملية تستهدف إيواءهم وإعادة إسكانهم، وأغلبهم لا يتوفر على دخل محدود، قد يساعده على توفير ثمن كراء شقة أو منزل في حي شعبي، مشيرين إلى أن معظمهم سيلجأ إلى العودة للسكن ببيت والديه، مع ما يترتب عن ذلك من إحراج لجميع الأطراف. وأوضح المتحدثون أنهم معرضون للتشرد في كل وقت وحين، سيما في غياب الاستقرار النفسي والاجتماعي والمهني، خاصة أن العديد منهم منخرط في مهن غير منظمة، مما يدفعهم في أحايين كثيرة إلى اللجوء إلى الاقتراض لتغطية متطلباتهم وحاجياتهم اليومية، وأضافوا أن مستقبل أسرهم بات في كف عفريت، بعدما هجروا قسرا أكواخهم، واستثنوا من أي مقاربة اجتماعية لأوضاعهم، بعدما طغى الهاجس الأمني فقط، مناشدين الجهات المسؤولة أن توفر بديلا يراعي ظروفهم المعيشية عبر منحهم الأولوية في الاستفادة من السكن الاقتصادي ببعض التجزئات التابعة للجماعة، وختموا بالقول "حنا زيادة وخلوق هنا، وما عندنا حتى دويرة نتجمعو فيها، في حين بعض المسؤولين في السلطة والأمن والقضاء والمنتخبين جاو غير البارح، ولاو كيملكو، في رمشة عين، بقع ديال الفيلات والعمارات، والدليل ما حصل بتجزئة الحدادة ". واستهجنت فاطمة، طالبة، نظرة السلطات المحلية إلى هذه الظاهرة فقط من زاوية البعد العمراني، دون أدنى استحضار للبعد الإنساني، الذي يفرض الاعتراف بأن قضية السكن غير اللائق قضية بشر، أبعادها مسكن وإسكان وسكان، وليست قضية قصدير وطوب وحجر، وأضافت "ليس بالضرورة أن يتم إحصاء أسرتي لنستفيد من بقعة أرضية، بل على الجهات المعنية أن تضع مخططا تنمويا يروم توفير السكن لكل مفتقد إليه، وإلا ما فائدة أي برنامج إن لم يكن محوره المواطن "، واصفة الطريقة التي يعتمدها المسؤولون لمحاربة السكن العشوائي كمن يصب الزيت في النار. حلول عشوائية يعيش سكان دوار "الماكينة "، الذي تعود فترة إنشائه إلى ما يفوق خمسين سنة خلت، أوضاعا رهيبة، وحالة نفسية مهتزة، هذه الأيام، بعدما أشعرتهم السلطات، الثلاثاء الماضي، دون سابق إشعار أو إنذار، بضرورة إخلاء مساكنهم، والرحيل بعيدا، بذريعة تنفيذ قرار الهدم في حقهم. "نحن محصيون، ومع ذلك نجبر على إفراغ مساكننا، في هذا الوقت بالذات، دون أن ندري الوجهة التي سننتقل إليها"، يقول رجل مسن، استوطن المكان منذ عهد الاستقلال، وأضاف بنبرة كلها أسى وحزن "نحن متخوفون من أن نتعرض للمصير نفسه الذي لاقاه سكان دوار لاحونا، الذين أجبروا على هدم مساكنهم، دون أن يعطى لهم الضوء الأخضر لمباشرة عمليات بناء مساكنهم بمنطقة الحدادة، حيث ما زالوا، في غياب أي دعم رسمي، يتحملون عبء المصاريف الباهظة للكراء، في انتظار استكمال تجهيز التجزئة المستقبلة لهم". وحسب ما كشف عنه المواطنون، فإن الجهات التي أصدرت أوامرها بهدم الدوار، لم تقدر مطلقا حساسية الظرفية الحالية، ولم تراع، من جهة، تمدرس أبناء العائلات التي تقطن المنطقة، ومدى انعكاس تطبيق مثل هذا القرار على مسيرتهم الدراسية، سيما أن الفترة الحالية تزامنت مع دنو أجال إجراء الامتحانات، ومن جهة أخرى، قرب الاستحقاقات الجماعية المقبلة، خاصة أن المعنيين بالترحيل تم تسجيلهم بعين المكان، وبالتالي فمن شأن هذا التهجير الجماعي القسري أن يؤثر على حجم المشاركة في هذه الانتخابات، التي صرفت الدولة أموالا طائلة للدعاية لها، طالما أنها تراهن عليها للحد من العزوف السياسي ورفع عدد المصوتين. وقال المتحدثون إن محاربة السكن غير اللائق تقتضي، بالضرورة، تحديد ثمن اقتناء البقع بما يتناسب مع الدخل المحدود للمواطنين، واعتماد لوائح المستفيدين وصياغتها بطريقة شفافة، بعيدا عن الزبونية والمحسوبية ومعيار القرابة، والولاءات الحزبية، ومراعاة ظروف الترحيل المرتبطة أساسا باستكمال تجهيز البنيات المستقبلة، وإزالة كافة الأشكال المعيقة للبناء، وتبسيط مساطر الحصول على الرخص المطلوبة، والحرص على خلق الفضاءات الاجتماعية والمرافق الضرورية، والحزم في التصدي للبناء العشوائي. وأشارت المصادر ذاتها إلى أن تجاهل كل هذه المعطيات، هو الذي أخر الإعلان عن مدينة القنيطرة مدينة بدون صفيح، بعدما كان مقررا أن تكون كذلك خلال سنة 2007. سماسرة العشوائي وجد مسؤولون في الأمن والسلطة أنفسهم في وضع حرج، حينما كانوا يشرفون على عمليات الهدم بدوار "الحنشة الساكنية "، بعدما ظلت حناجر المتضررين تصرخ بأسماء أشخاص معروفين، بينهم أعوان سلطة، كانوا وراء استوطانهم بالمنطقة، تصرفوا، بكل حرية، في أراضي الدولة، بلا حسيب أو رقيب، وقاموا ببيع البراكة الواحدة بثمن 4 ملايين، تحت أنظار ممثلي السلطات المحلية، التي لم تحرك ساكنا، منذ تلك الفترة، رغم علمها بما يحصل. وفي تصريحات متفرقة كشفت مصادر مسؤولة أن السلطة المحلية لن تتساهل منذ اليوم مع سماسرة البناءات العشوائية، رافضة اتهامها بإغماض العين عن هذه الظاهرة، وقالت "كل ما هنالك أننا انتظرنا الظروف الملائمة لتنفيذ مثل هذا القرار الجريء، بعد التنسيق والتشاور مع جميع المتدخلين، وحملتنا بنيت أساسا على تقارير أعوان السلطة ولجان المراقبة المختصة، وهناك تدابير تم الاتفاق عليها لملاحقة كل من ثبت تورطه في قضايا مرتبطة بالسكن غير اللائق ".