انفجرت ما سمتها الصحافة "فضيحة الناظور".. ومن سمع الخبر سيظن أن الموضوع يخص زيادة صاروخية في سعر مادة غذائية مهمة، أو شططا صارخا في استعمال السلطة، أو ارتشاء موظف سام، أو إخلال أحد المسؤولين بمسؤولياته الجسام.. إلا أن الفضيحة كما سموها هي اعتقال مراهقين وضعوا صورة مخلة بالحياء في موقع التواصل الاجتماعي فاعتقلتهم القوة العمومية.. ولو انتبه العالم إلى نداءات البعض لاجتمع مجلس الأمن ولصدر قرار تحت البند السابع، لكن الله سلم.. هي إذن فضيحة لأنه لا يجوز اعتقال متبادلي القبل في مغرب الواحد وعشرين قرنا.. فلو تعلق الأمر مثلا باعتقال معلم قد عاقب تلميذا على عدم قيامه بالواجبات المنزلية، أو فقيه قد أفتى بفتوى مهما كانت مصيبة أو "مصيبة"، أو جماعة من المسلمين يصلون علنا بالشارع العام، لكان كثر المصفقون والمطبلون.. لأن المعلم عندما يعاقب تلميذه يحد من حرية عدم القيام بالواجب، والمفتي عندما يخوض في أمر العباد يتدخل فيما لا يعنيه، والمسلم عندما يمارس طقوسه علانية يشكل خطرا حقيقيا على الحريات العامة.. هذا ما أصبحنا نفهمه في زمن "الثوار" الذين أصبحوا ينادون علنا بالفوضى بدل الحرية. فالحرية سميت كذلك لأن لها ضوابط، وإذا تم خرق تلك الضوابط أصبحت فوضى.. والإنسان العربي اليوم بعد الثورات المزعومة، أصبح يشكل خطرا على نفسه ووجوده، لأنه جرب ممارسة شيء لم يتدرب عليه ولم يترب في أحضانه.. لذلك فليبيا قد سقطت كل هياكلها، ومصر انقلبت مفاهيمها، وسوريا دمرت نفسها بنفسها؛ تونس هي التي ما تزال تصارع من أجل البقاء، ربما لأن رئيسها المنتخب مثقف له وزنه.. أما في المغرب، فقد أضحى التنكر للذات والثقافة موضة بالنسبة لمن يدعون الانفتاح والعقلنة والإيمان بالتغيير.. ما جرى في الناظور من اعتقال لشباب القبلة الفيسبوكية قد يكون فيه بعض التجاوز، إذ أن مكان إصلاح أخطاء المراهقين هي الأسرة والمدرسة، لكن أين الأسرة وأين المدرسة؟؟ فلو كانت الأسرة أسرة ما ولدت من يضيئون على فضائحهم وينشرون عيوبهم.. ولو كانت المدرسة مدرسة ما كثرت فضائحها وما خجلنا من منتوجها.. وإذا أخطأت أجهزة الدولة في اعتقال المراهقين "اللي صات ليهوم الريح فروسهوم"، فقد تداركت الخطأ وأخلت سبيلهم وانتهى الأمر؟؟ لكن الثوار الجدد قد أضافوا التظاهر تضامنا مع قبلة الشارع العام إلى رصيدهم السابق، حيث سبق لهم أن أشهروا إفطارهم نهار رمضان، وأعلنوا جهرا عن ميولاتهم المثلية، والبقية تأتي.. مساء أمس، التقى بعض المنادين بالحريات الفردية أمام البرلمان بالرباط، ليعانقوا بعضا ويستغرقوا في قبل لم يمهلهم المناهضون للفوضى إلا أقل من دقيقة ليبدأ الصفير واندفاع العاطفة.. ما حدث مساء أمس بالرباط يمكن اختزاله فيما يلي: - الحضور القوي للصحافة الوطنية والأجنبية وكذا المخبرين يبين أن الكل على علم بما يعد له هؤلاء.. - بالتالي، فالقوة العمومية لم تكن غائبة، لكنها ربما فضلت عدم التدخل لأن "المتظاهرين" لا يشكلون خطرا على الوطن لا من قريب ولا من بعيد، كما أنهم لا يشكلون حرجا للدولة، فليسوا معطلين عن العمل، بل معطلين ذهنيا لا يجوز أن تنساق وراءهم الأجهزة الأمنية. ولم يأتوا للتظاهر من أجل كسرة خبز قد سرقت أو حق قد انتزع منهم، بل هم أناس نكرة (عددهم لم يتجاوز الثلاثين). لذلك تركهم رجال الأمن ليفرغوا مكبوتاتهم الحيوانية - الردود التي أثيرت على مواقع التواصل الاجتماعي وكذا المواقع الإخبارية تؤكد بالملموس أن الوطن ما يزال بخير، فمرضى القلوب قليلون، ومن يدينون بدينهم أيضا قلة قليلة لا يخلو منها وطن ولو بلغ من الخلق والوعي ما بلغ.. - اختزال "المتظاهرين" للحرية والديمقراطية والحداثة في أفعال صبيانية من قبيل التقبيل وإفطار رمضان علانية يدل على فراغ الرؤوس إلا من سمن بلدي قد تجاوز تاريخ الصلاحية.. إنه الجهل المطبق والأمية في أجل تجلياتها.. فلا المنظرون ولا فلاسفة العقل نادوا بمثل هذه الأمور.. - ردود الأفعال ب"أرض المعركة"، والتي كانت سريعة وعاطفية تبين أن المغاربة ما يزالون يدينون بالإخلاص لثقافتهم وأخلاقهم رغم كثرة الفتن والتطبيل المغري للعري ومحاربة الأخلاق.. يا أيها الذين كفروا لا أعبد ما تعبدون... لكم دينكم ولي دين. ولا ترموني بأني من دعاة التكفير، ولست من أعداء السامية، ولا أنتمي لمنظمة إرهابية، ولا أيا من الخزعبلات التي كسرتم هدوء الأجواء بترديدها، فالكفر هو كفر بأفكار معينة، وأنتم تكفرون بتعاليم ديني.. فلا تغتاظوا من قولي.. إنما أمارس حريتي كما أنتم تمارسون حريتكم.. أنا أكفر بحريتكم كما أنتم تكفرون بضوابطي..