في زحمة كل خيباتنا السياسية وتراجعنا الحقوقي، لم تجد جمعية تحمل اسم «المنظمة المتحدة لحقوق الإنسان والحريات العامة بالمغرب» إلا صورة قبلة افتراضية بين طفلين، لتحرك دعوى قضائية ضد قاصرين أبرياء في جحيم القُبل والتُهم الملتهبة، تحترق صورة الوطن في صحف العالم..لا أدري لماذا تقترن أغلب فضائحنا الدولية بصورة قبلة؟: قبلة على وجه حذاء أو ظهر كف أو قبر ولي صالح، قبلة أطفال مُغتَصَبين على جسد «بيدوفيل»، قبلة فيلم كادت توقف رحلة طائرة، وقبلة بريئة لمراهقين طائشين تنتهي في زنزانة..
كل القُبلَ المرة الطعم نرتشفها بصمت وذل وحياد واستسلام، وحدها قُبل العشق اللذيذة ما يخدش كرامتنا ويحرك فينا الروح الوطنية لننتفض ضد الفساد، وحدها القبل البريئة المختلسة في لحظة ضعف إنساني ما يوقظ ضمائرنا ويذكرنا بواجبنا نحو الوطن والمجتمع والدين والقيم..
في زحمة كل خيباتنا السياسية وتراجعنا الحقوقي، لم تجد جمعية تحمل اسم «المنظمة المتحدة لحقوق الإنسان والحريات العامة بالمغرب» إلا صورة قبلة افتراضية بين طفلين، لتحرك دعوى قضائية ضد قاصرين أبرياء من مدينة الناظور معتبرة قبلتهما فعلا إجراميا خطيرا يهدد المجتمع، ونسيت في غمرة حماسها «الحقوقي» بأن وظيفتها الحقيقية ليست متابعة الأطفال بتهم سريالية ورميهم في السجون، بل هي الدفاع عن حقهم في التعليم والصحة والترفيه، وفي الكرامة والعدالة والحب والحرية..
فلو كان وراء الدعوى القضائية جمعية دعوية، لبدا الأمر واقعيا ومنسجما مع مرجعيتها الفكرية..لكن، أن تحركها جمعية حقوقية تدعي احترام المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وأن تنتهك الحق في الخصوصية وتختلس صورا خاصة وتذهب بها مزهوة بفعلتها لوكيل الملك لمتابعة مراهقين بتهمة الإخلال بالحياء العام، فهذه مراهقة حقوقية وخلط للأوراق وقلب لموازين العدالة.. إنه العبث في زمن أصبح فيه الإخبار بالحقيقة إرهابا، والاحتجاج من أجل الكرامة اعتداءً وفوضى، وقُبل الحب الأولى تهمة خطيرة..
ما هي خطورة اختلاس قبلة دافئة بين مراهقين في لحظة طيش طفولية؟..هل خلا الوطن من مختلسي المال العام وناهبي الثروات وسارقي الحلم بوطن حر؟ ألم تجد الجمعية أي قضية تزين بها ملفها الحقوقي سوى الاعتداء على حرية أطفال والتلصص على حسابهم في الفايسبوك واختلاس صورة خاصة جدا وتقديمها كدليل إدانة؟ هل تمت تصفية كل الملفات الحقوقية العالقة وأُطلق سراح كل المعتقلين السياسيين وخلا الوطن من كل أشكال انتهاك الحقوق وقمع الحريات، لتملأ الجمعية وقت فراغ مناضليها بقضية قبلة عابرة لمراهقين في عمر التجربة والاكتشاف؟؟ ..
ألم تكن هناك حلول تربوية غير الفضيحة والتشهير؟ ألم يكن من الأفضل احتضان هؤلاء الأطفال وتوعيتهم بتبعات نشر صورهم الحميمية؟..ألم يكن من الأنسب لجمعية مدنية تدعي الدفاع عن الحقوق والحريات، التفكير في تنظيم ندوات لفائدة تلاميذ المدارس في التربية الجنسية يؤطرها أخصائيون، أوتنظيم ورشات في التربية على ثقافة حقوق الإنسان وقيم المواطنة والحق في التعبير والرأي والاختلاف؟..
ماذا سيفيدهم اليوم إطلاق السراح؟..ومن سيحررهم غدا من سجن الفضيحة والأحكام المسبقة؟.. تصوروا حجم الضرر النفسي الذي سيلحق بهم..تصوروا مصير الفتاة المدانة في القضية في مجتمع ذكوري لا يرحم..تخيلوا مشاهد السخرية والتحرش التي ستطاردهم.. قدروا درجة الارتباك ليندمجوا من جديد في فصول الدراسة..ضعوا أنفسكم مكانهم أو مكان عائلاتهم.. تذكروا فقط، قُبلكم الأولى، وتساءلوا في صمت: من الجاني ومن البريء، هل مُقترفو القُبلة، أم من حَوَّل أرقى تعبير إنساني عن الحب إلى تهمة؟.