تندرج هذه المقالة ضمن سلسلة مقالات نعتزم تخصيصها لملف دكاترة وزارة التربية الوطنية ، سيكون هدفها الأساس وضع مختلف القضايا الجزئية والتفصيلية لهذا الملف الشائك ، تحت مجهر التحليل والمراجعة ، ومحاولة التدقيق في مختلف الحيثيات والملابسات الموضوعية والمعرفية والقانونية.. وغيرها ، التي تشكل كليته العامة ، والتي بوسعها وحدها أن تضع القارئ في قلب الصورة الكاملة لهذا الملف. وهذا في واقع الأمر إجراء منهجي أملاه اعتقادنا أن ثمة محاولات ، قد تكون ممنهجة ومخطط لها ، لتغييب وإخفاء كثير من حقائق هذا الملف ، ومن عناصره التكوينية الموضوعية ، في أفق تعويمه ، ثم الانتهاء أخيرا ، في ظل التشتيت المسلط عليه ، وفي ظل سياسة الإهمال الممنهجة التي قوامها التسويف والتماطل.. أقول الانتهاء في نهاية كل هذا المطاف -البئيس من غير شك- إلى حالة يمكن معها تغليط الرأي العام ، وتكريس جملة مفاهيم تخدم وجهة نظر هذه الأطراف المناوئة ، رغم خطئها وعدم موضوعيتها في واقع الأمر.. وإذا كانت أطوار هذا الصراع والتدافع ، التي يحتضن الإعلام الجزء الأكبر منها ، تجري ضمن أطر نظرية ، هي ما يفترض أن يكون الفيصل والمرتكز الأساس لابتداع الحلول الحقيقية ، فإن طرف الوزارة يدعم موقفه ، بسبب من تهافته وضعفه ، عن طريق سياسات وتدابير أمنية ترتكز على أسهل الحلول ، كما يعتقد هذا الطرف : القمع والعنف والإبعاد . ولقد يحتمل أن هذه السياسات تعقد الأمور بدرجات ومستويات لا حلول لها !! وبالانعطاف إلى القضية الأساس لهذه المقالة ، فإننا نؤكد بداية أن اختيارنا لها ، كقضية أولى ، يعزى إلى ارتباطها بجملة العوامل والأسباب الأصلية التي أدت إلى نشوء هذا الوضع غير الطبيعي وغير القانوني الذي يعانيه الدكاترة العاملون بوزارة التربية الوطنية.. وضمن تفاصيل هذه القضية يمكن التوقف قليلا عند المرحلة السابقة لصدور القانون الأساسي للعام (1997). في هذه المرحلة ، ولاعتبارات لا يصعب التكهن بها ، كان يمكن إدماج كل حامل لشهادة الدكتوراه بالتعليم الجامعي في الكليات المختلفة ، دون اشتراط اجتياز مباراة منظمة ، أو ما في قبيل ذلك ، وكان هذا الوضع يضمن بطريقة من الطرق أن حاملي شهادة الدكتوراه لابد أن يحصلوا على إطار أستاذ باحث أو إطار أستاذ للتعليم العالي مساعد ، وهو ما كان يخلق حالة تنتفي معها الشروط الموضوعية ، والأسباب المفترضة لنشوء مطالبات تتصل بالإطار القانوني المفترض لشهادة الدكتوراه ، وما يجب أن يكون عليه هذا الإطار إذا لم يرتبط بالالتحاق بالجامعة. لكن هل كان الوضع في الحقيقة ، طبيعيا ؟ بكل تأكيد لا. فلقد كان ثمة فراغ قانوني كان يجب أن يتحدد من خلاله الإطار المقابل لشهادة الدكتوراه من الزاوية النظرية الصرفة. وإلا فإننا نكون أمام وضع ينطوي على حيف وتمييز في حق هذه الشهادة ، مادام أن كل الشواهد الأخرى في الوزارة لها إطارها المقابل. وبالمحصلة فإن وضع الدكاترة في ظل هذا القانون هو وضع فيه ظلم كبير وإجهاز على حق أساسي من حقوق هذه الفئة بكل تأكيد. وإذا كان هناك من يحاجج بكون شهادة ما لا يجب أن تكفل أوتوماتيكيا حصول صاحبها على الإطار المقابل لها ، وهذا مما نستبعده ، فإننا نقول إن هذا في نهاية أي تحليل لن يكون وضعا عادلا وقانونيا. إنه عندما يجري توظيف حملة الدكتوراه وحملة الماستر ضمن شروط قانونية وإدارية تجعل الشهادتين متعادلتين ومتساويتين ، فإن هذا هو ما لا يمكن قطعا أن يكون عادلا ، أو أن يصدق أنه يقع في واحدة من وزارات الدولة من جهة أخرى. وفي الحد الأدنى فإن إنجاز أطروحة للدكتوراه يتطلب ثلاث سنوات بعد الحصول على شهادة "الماستر" ، بل إن من المؤكد إحصائيا أن العدد الأكبر من الدكاترة تطلبت منهم الأطروحة أكثر من ثلاث سنوات ، هذا دون الإشارة إلى عدد من الدكاترة ، ليس بقليل ، هم حاملون لدكتوراه الدولة ، ونحن نعرف كم كانت تتطلب دكتوراه الدولة لإنجازها.. على أننا نعتبر فقط الحد الأدنى ؛ فهل يفترض أن ثلاث سنوات من عمل بحثي لنيل أعلى شهادة في البلد لا يمكن أن تعني شيئا ؛ إننا نحتاج ، في واقع الأمر ، أن نتجاهل كل أبجديات المنطق المعمول به في تقرير الأشياء كي نقبل أن هذا الوضع هو وضع طبيعي. إن تعزيز الثقة في الوطن وفي مسؤوليه ، وهو أحد الشروط الأساسية لأية تنمية واستقرار مأمولين ، يقتضي أن مثل هذه الأوضاع الفارقة لا تعرفها أبدا سياساتنا وقوانيننا. لقد كان أولى بوزارة التربية الوطنية أنها تلغي شهادة الدكتوراه من أن تجعلها لا تساوي شيئا ، وتعرض حملتها الذين بذلوا في سبيل نيلها الغالي والنفيس من الوقت والجهد ومن التكاليف المادية ، لأنواع من التمييز والإقصاء والمعاناة لا يمكن تصديقها ، بدل ما كان يفترض من تكريمهم وتشجيعهم ، وتهييء الظروف الملائمة لهم للاستمرار في البحث العلمي ، بما يحقق التنمية المنشودة للبلد ؛ أم أننا – كما لا شك يفكر البعض - نهرف بما لا نعرف حيث إن الدول التي تقدمت إنما تقدمت بالجهل وبمحاربة البحث العلمي وباعتماد أمور أخرى نحن لا نعلمها ويعلمها فقط القائمون على السياسات التنموية في البلاد !! ومع صدور القانون الأساسي العام 1997 ، والذي فرضت بموجبه المباراة للالتحاق بالجامعة ، لم يجد جديد في وضع الدكاترة بوزارة التربية الوطنية. لقد أصر واضعو هذا القانون ، مرة أخرى ، على تجاهل حق هذه الفئة في الترقية بشهادتها ، وكأنما بينهم وبينها حساب يجب تصفيته ، أو انتقام آن أوان تنفيذه. ونحن إلى الآن نرى أن أحدا من الوزراء ، ممن سبقوا ، لم تكن لديه الشجاعة والجرأة والوازع الأخلاقي بعدم الظلم ، ليتخذ قرارا بإنصاف هذه الفئة ورفع الظلم والتمييز عنها. واليوم يعتقد دكاترة وزارة التربية الوطنية أن هذا الوضع لا يجب أن يستمر أكثر مما استمر ؛ كما يعتقدون أنهم لم يعد أمامهم من خيار ، في مواجهة تماطل الوزارة وتملصها من التزاماتها ، وعدم وضوحها أساسا ، سوى تكثيف النضال واللجوء إلى أكثر الأشكال الاحتجاجية تصعيدا. أما ما يتحدث به البعض من انتظار القانون الأساسي الجديد الذي لابد أن يتضمن حلا للمشكل من خلال إيجاد إطار خاص لهذه الفئة داخل وزارة التربية الوطنية ، فإن الدكاترة يعنقدون على نحو قاطع أنه ليس بالحل المثالي الذي يرضيهم ، بل يرون أكثر من ذلك أنه ليس سوى خدعة جديدة ، وذريعة يطول معها أمد أزمتهم ، وتسعى من خلالها الوزارة ، في نوع من الدهاء بعيد المدى ، إلى صرف النظر عن حق الدكاترة الأصيل في أن تسوى وضعيتهم ، وأساسا بأثر رجعي ؛ إذ لا يجب أن تتحمل هذه الفئة أو أي فئة أخرى المسؤولية عما يتسبب فيه المسؤولون بالوزارة من أوضاع غير طبيعية بإهمالهم وفسادهم ، وتكون هي من يدفع ثمن أخطاء الآخرين. وهذا ، في واقع الأمر هو الحل المفترض إذا ما شاء المسؤولون في الوزارة أن يتصرفوا بما يتناسب وشعارات دولة الحق والقانون التي تعتبر المطلب الأكثر قداسة ونبلا والأكثر إلحاحا كذلك ، لجميع المغاربة وعلى رأسهم جلالة الملك محمد السادس ، بما هو ثابت ومعروف عنه من الرفض المطلق لأن تظلم فئة من فئات شعبه في هذا الوطن التواق للتنمية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية.