من بني ملال إلى القصيبة. . . ملاحظات وصفية حول التنمية المعطوبة ننقل هنا صورة من صور المجتمعات الهامشية، وبعضها في طور الانتقال، طبوغرافيا نتكلم عن الجبل والسهل والدير، وعند الاجتماعيين وعلماء الإناسة نتحدث عن البسائط وأدرار وأزغار وإداريا عن أحد المجالات الجريحة لإقليم بني ملال. لا يمكن أن نفهم تاريخ وجغرافية المجال قيد الدراسة إلا بالرجوع إلى الربائد والأرشيفات:الساسة وكيف ساسوا، المخزن وكيف قيدل المجال ، المجتمع كيف تكون وتطور وانتهى إلى العطابة. ليست اللغة سبب من مسببات التأخر، لكن الوصف يقتضي إدراجها ولنا فيها كلمة، فالتشكيلة الاجتماعية لهذا المجال من صنع المخزن العتيق وذلك من خلال نقل وتوطين القبائل وإعادة نشرها كلما دعت الضرورة إلى ذلك، الوضع الحالي نتاج لما مضى، لكن النقاش استمر وإيجابياته أكثر من سلبياته، فاللغة"عملة بعضها محدود وبعضها واسع الرواج"على حد تعبير عبد الله العروي، من يتكلم الأمازيغية فقط كمن يملك نقود سوس ومن يتكلم العربية فقط كمن يملك دراهم حسنية، من يتكلم الإسبانية والفرنسية كمن يملك اليورو، ومن يتكلم الإنجليزية كمن يملك الدولار، واضح مادا يمكن أن يقتني كل واحد من هؤلاء. الذي يهم الآن هو أن تمتلك كل هذه العملات، ودلك من قبيل المستطاع الممكن. يفترق سكان هذا المجال في الانتساب، لكن مجمعهم هو سياسة الدولة ، المخزن على أدق تعبير، لأن الدولة ما هي إلا خادمة لمجتمعها ، والحاصل عندنا ليس كذلك. نتصفح المصادر التاريخية الإخبارية فنعثر على وجود مخزني عريق، ولذلك صنفها الإستشراقيون بمختلف تخصصاتهم ضمن المناطق المخزنية بفعل هذا التمثيل المخزني الذي يرافقه في بعض الأحيان أداء للضرائب العينية، لكن التركز المخزني لم يشتد إلا في العهد الإسماعيلي وما بعده، الذي عرف دولنة كبيرة للمجتمع. تمثيلية المخزن (الخليفة، الأمير، القائد، الوالي. . . ) دورها أساسا يكمن في تجديد الولاء للسلطان من حين لآخر وجمع الإتاوات ومصادرة المحاصيل بالقوة وتفقير القبيلة والجماعات والأفراد فمنطق المخزن منذ ذاك إلى اليوم هو أن قوته تستمد من ضعف المجتمع وما يمثله من تنظيمات (زوايا ، قبائل، عشائر ، . . . )إلى جانب هذا فالمخزن مؤسسة سياسية عريقة، وتجربة تاريخية أصيلة تكمن قوته وصلابته في شبكة العلاقات التي تربطه بالمجتمع ككل، ولكل هذا فتجربتنا الذهنية تربط الملك بالاستبداد، والأسوأ عند دارسي السياسة هو النظام المتولد عن تفسخ الاستبداد، إذ يكون هذا الأخير قد أفسد النفوس بتشجيعه للأقبح والأرذل. استطاع الجهاز المخزني أن يربط وينسج شبكة من الولاءات في المنطقة ، دليل ذلك هو وجود أسر عريقة في المخزنة(الأعيان)، وفي المجتمع المغربي ككل توجد ذهنية مخزنية تفوق في تميزها وفرادتها ما يماتلها اليوم في مجتمعات أخرى فهي بدلك تكون مؤسسة خرساء لا تعرف إلا السمع والولاء والطاعة والكتمان لا شغل لحامل العقلية المخزنية إلا انتظار الأوامر وتبليغها. ارتباطا بكل ما سلف ذكره ، فالمؤسسة المخزنية تتحمل عطابة التنمية بالمنطقة، وذكرنا بذلك لربط التاريخ بالجغرافيا، ففي الوقت الذي وفر المجال إمكانيات التنمية فإن التراكم التاريخي شكل عقبة كؤودة أمامها ولذلك ينبغي استيعابها وتجاوزها. من بني ملال إلى القصيبة تبدو الهشاشة والتهميش واضحين، غياب جلي للبنيات التحتية والتجهيزية، وعلى رأس القائمة المسالك الطرقية، فهي قضية سار بذكرها الركبان في كل وقت وحين، واضح أن المسؤولين المخزنيين والمنتخبين أيضا يعرفون حجم المردود والخسارة ولذلك جعلوها قضية انتخابية . المسألة الثانية وهي الضغط الكبير على المجال من حيت التسكان والتعمير بفعل التنامي الديمغرافي المتواصل والناجم عن الخصوبة المرتفعة واستقطاب المهاجرين ، فالمراكز الناشئة ما فتئت تتكاثر وتنمو، إلى جانب هذا الضغط، نلاحظ أن هناك هدر مجالي كبير، يظهر ذلك من خلال أساليب الإستغلال التقليدية والعتيقة وكذلك نظم الري المستعملة والتي تساهم في هدر الموارد المائية. الموارد الغابوية هي الأخري في تدهور متواصل سيما في السفوح المشرفة على السهل بفعل الإستغلال البشري والإقتصاد الرعوي. التنمية البشرية هي الأخرى متعثرة، يظهر ذلك من خلال المؤشرات الاجتماعية(التعليم والصحة)، فالمؤسسات التربوية والصحية تبدو عليها علامات العطابة والهشاشة من حيت الكم والنوع. صفوة القول، الحكم فاسد بفساد الحاكم والمحكوم، كما هو صالح بصلاح الإتنين، وفي اعتقادي أن قوم هذا المجال لا ينزعون إلى البأس، في الوقت الذي تبتت التهمة على المخزن ومن تمخزن:الفساد، الشر، الرذيلة، الجور، القهر ، التسلط، الاستبداد، الطغيان، الهدف واضح الانتقال من دولة الواحد-السلطان –الحماية-السلفية إلى دولة التعدد والجمهور والديمقراطية . المصطفى أيت يدير* أستاذ التاريخ والجغرافيا بثانوية طارق بن زياد التأهيلية-القصيبة