تصاعدت إضرابات الطلاب في لندن واغلب المدن والجامعات البريطانية بموازاة إضرابات العمال في النقل والصحفيين في مؤسسة البي بي سي، خلال الفترة القريبة الماضية، وتتوعد منظماتهم بالتصعيد حتى نيل حقوقهم المطلبية. ويأتي هذا التصاعد بعد إصدار الحكومة الائتلافية اليمينية قواني التقشف الاقتصادي، التي تحد من إمكانات هذه الفئات الاجتماعية في العيش الطبيعي أو النجاح في مهماتها الوظيفية. وشملت سياسة التقشف تقليص النفقات والمساعدات الاقتصادية لذوي الدخول الواطئة، وزيادة الضرائب ورفع الرسوم الدراسية سنويا وخفض التمويل الحكومي لميزانيات التعليم الجامعي في العديد من القطاعات، مما يتيح لزيادة أعداد العاطلين عن العمل وقلة التوظيف واضطرار الجامعات لرفع الأقساط الدراسية إلى ثلاثة أضعاف قيمتها الحالية (إلى 9 آلاف جنيه إسترليني - أكثر من 14 ألف دولار). الأمر الذي يكبد الطلاب خصوصا الكثير ويقلص إلى حد كبير في إمكاناتهم على مواصلة التحصيل العلمي والمشاركة في بناء حياتهم المستقبلية وإعداد جيل جديد مواكب للتطورات العلمية والتقنية الواسعة ويزيد في التفاوت الاجتماعي والطبقي ويوسع في الحرمان والفقر والجريمة والتعصب والتمييز العنصري والاجتماعي. اتفاق الحكومة الائتلافية على قوانين التقشف أصاب الفئات الاجتماعية الواسعة بصدمات متتالية، في الوقت الذي يشكل أهل الملايين أبرز الوزراء وأصحاب القرار السياسي في الدولة، وتتسع الهوة الاقتصادية بين الفئات الاجتماعية، لاسيما العمال والطلاب. وتنعكس هذه الحالات في الاحتجاجات التحذيرية وتزايد الغضب وأعمال العنف بشتى السبل والاتجاهات. كانت المظاهرات الأولى للطلاب قبل أسابيع (في 10/11/10) لإعلان الاحتجاج على قوانين التقشف وزيادة الرسوم الدراسية وإنذارا للحكومة الائتلافية، وقد أحدثت أعمال عنف بين أعداد من المتظاهرين ورجال الشرطة، لاسيما أمام مقر حزب المحافظين الحاكم، والتي أدت إلى تكسير واجهته الزجاجية وسقوط جرحى واعتقالات بين الطلبة. كما أثارت هذه الاحتجاجات تنبيه الرأي العام والحكومة والإشارة إلى أنها، حسب افتتاحية لصحيفة الاندبندنت (11/11/10): «ربما كانت العاصفة الأولى في شتاء تسوده مشاعر عدم الرضا». وسجلت وسائل الإعلام في تقاريرها عن التظاهرات الأولى أخبارا توصف الاحتجاجات وتبين الأسباب وتجمع على أنها رد على القرارات الحكومية وتنديد بالسياسات الجديدة. وعرضت محطات التلفزة صورا لطلاب خلعوا قمصانهم وغطى بعضهم وجوههم، في مدخل مقر حزب المحافظين، وتحطيم زجاج نوافذ مدخل المبنى وإضرام النار في اللوحات الورقية التي كانت أمامه، وإجلاء مئات العاملين فيه بعد إطلاق صفارات الإنذار من الحريق، وأفيد بإصابة تسعة أشخاص بجروح طفيفة. وتكررت هذه الصور في نشرات الأخبار المحلية والدولية. حشدت التظاهرة أعدادا كبيرة من الطلاب تتراوح بين 30 و50 ألفا، مرت في شوارع لندن تحمل شعارات تندد بتوجهات الحكومة الائتلافية التي تشكلت في ماي الماضي بين حزبي المحافظين والأحرار الديمقراطيين. وتتناقض سياسات التقشف مع الوعود التي أطلقها الأحرار الديمقراطيون خصوصا قبل الانتخابات. وحذر رئيس اتحاد الطلاب العام، أرون بورتر، نائب رئيس الوزراء وزعيم حزب الأحرار الديمقراطيين، نيك كليغ، من أنه سيفقد دعم جيل كامل من الشباب إذا ما واصل تأييده لرفع الرسوم. وقال: «يجب على نواب البرلمان التفكير مرتين قبل تنفيذ هذه السياسة المثيرة للغضب». لكن بورتر نفى أن يكون اقتحام مقر حزب المحافظين جاء ضمن خطة معدة سلفا، قائلا: «هذا لم يكن جزء من خطتنا». ورأت الأمينة العامة لاتحاد الجامعات والكليات، سالي هانت، أن الاحتجاج كان «حدثاً هاماً للغاية». وأوضحت أن التظاهرة «ترفع الصوت حول غضب الطلاب والأكاديميين وقلقهم في مجال التعليم العالي بشأن ما تحاول الحكومة القيام به». في المقابل، دافع وزير الجامعات، ديفيد ويليتس، عن النظام الجديد، قائلاً إنه سيكون أكثر عدلا من النظام الراهن، على اعتبار أنه يقدم المزيد من المساعدة لأفقر الطلبة. ولفت إلى أن الطلاب لن يضطروا إلى دفع أي شيء «مقدما»، ولن يكون عليهم سوى تسديد قروض الرسوم الدراسية عندما يتولون وظائف جيدة الأجر، ويبدأون بجني مرتبات تفوق 21 ألف جنيه إسترليني. (أ.ف.ب، بي بي سي 11/11/10) ولكن هذه الحجج الرسمية والذرائع المخادعة لا تساعد على تطوير التعليم وتوفيره لكل القطاعات والفئات الاجتماعية. مما يجبر الطلاب من مختلف المراحل الدراسية إلى الاستمرار في الاحتجاج لضمان مستقبلهم الدراسي واستمرار الجامعات والمعاهد في العمل وإنتاج المعرفة. وفي يوم 24/11/10 وللمرة الثانية ملأت شوارع لندن مظاهرات احتجاجية قادها طلاب ومدرسون في الجامعات ضد خطط الحكومة التقشفية واعتراضا على رفع الأقساط الجامعية إلى ثلاثة أضعافها. وتوسع المشاركون فيها، حيث اشترك طلاب المدارس والمعاهد الأولية، وتوجهت إلى مقر رئاسة الوزراء وسط لندن مباشرة وقريبا من مبنى البرلمان، وكذلك سرعان ما تحول قسم منها إلى أعمال عنف واشتباكات بين الشرطة وعدد من الشبان الغاضبين، الذين قاموا بتحطيم زجاج سيارات الشرطة، والرشق بالبيض والزجاجات والمواد المشتعلة وقنابل دخان. وإلى جانب العاصمة لندن نظم الطلاب اعتصامات في عدد من الجامعات البريطانية في بليموث وبيرمنغهام وبريستول. بينما شهدت هذه المدن ومدن أخرى كأوكسفورد – حيث احتل الطلبة مبنى الجامعة ومقر البودليان إحدى أقدم وأكبر المكتبات في العالم - وكامبريدج وليدز وإدنبرة - وقفات احتجاجية قرب الجامعات والكليات. هذه المرة وُجّه العنف ضد الشرطة، حيث جرح بعضهم وتعرضت عربة شرطة لإضرام النار فيها، وبُعثرت المتاريس قرب مقر الحكومة. وقد اعتقل ثلاثة أشخاص وأصيب ستة من المتظاهرين بجراح. وكانت الشرطة قد توعدت بشن حملة اعتقالات إذا ما تحولت المظاهرات إلى أعمال شغب.! وقال الناطق باسم رئيس وزراء بريطانيا: «من حق الشعب أن يخوض مظاهرات قانونية وسلمية، لكن لا مكان للعنف والتهديد». ووعد زعيم الأحرار الديمقراطيين ونائب رئيس الوزراء نيك كليغ، الطلاب قبل انطلاق المظاهرات بإعادة النظر في خطة الحكومة الائتلافية المتعلقة برسوم التعليم الجامعي.