مدونة الأسرة ووهم العودة إلى الطاعة في عدد يوم 12 أكتوبر 2010، نشرت جريدة التجديد في ركن «مع الحدث»، بقلم مديرها، مقالا تحت عنوان «مدونة الأسرة والوهم السائد». ومن قراءة التصريح الذي أجرته الجريدة مع الأستاذة رجاء مكاوي، والذي قالت فيه أن سبب ارتفاع الطلاق يعود إلى ما سمته بالتحسيس التحريضي، وطالبت «بأن يرافقه التحسيس بأهمية الاستقرار الأسري والعودة إلى القيم التي تنبني عليها الأسرة في الحفاظ على الاستقرار، وذلك من أجل الحد من الاندفاع في طلب الطلاق»، يظهر أن مدير الجريدة قد وجد ضالته في هذه النتيجة التي لم تقم على أي أسس في البحث الجاد وغير المسيس، في الجواب عن أسباب ارتفاع التطليق. في البداية، لا بد من التذكير أن التقرير الرسمي لوزارة العدل لسنة 2009، سجل انخفاضا في رسوم الطلاق في المغرب ما بين سنة 2000 وسنة 2009، بحيث نزل العدد من38.438 سنة 2000 إلى 24.170، أما مسألة ارتفاع دعاوي التطليق للشقاق يفسره من جهة، تراجع الطلاق الرجعي، ومن جهة ثانية لجوء الأزواج والزوجات لهذه المسطرة، مما يثبت أن الأزواج يغادرون سنة بعد سنة الطلاق إلى الطلاق للشقاق الذي هو طلاق قضائي، وهذا يوضح العكس تماما مما أرادت «التجديد» أن تبني عليه عدة استنتاجات. ارتكز الركن المذكور على ثلاثة أفكار ليؤكد نتيجة نهائية هي أنه كان هناك وهم سائد في المجتمع (ما عدا رأي العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح حسب ما يوحي به) بأن صدور المدونة يكفي، في حين أن الواقع يزداد تفككا وتفاقما، وللقراء فقط لا أحد في المجتمع المغربي كان يقول أن المدونة تكفي: 1- إن ارتفاع الطلاق والتطليق أدى بالمغرب إلى تراجع مهول في معدل الخصوبة، وتم ربط ذلك بتطبيق المدونة. 2- تحميل مؤسسات وهيئات ومراكز الاستماع والإرشاد مسؤولية ذلك، عن طريق التحريض. 3- الاستقالة الفعلية لعموم المؤسسات العمومية، من احتضان الأسر المفككة، وخاصة منها الحديثة الطلاق، ولاسيما في ظل عدم إحداث صندوق التكافل العائلي. - بعيدا عن إحصاءات التطليق والتي لم تؤخذ بكامل الجدية لدراستها والخروج منها بأجوبة حقيقية وعلمية، فإن تراجع معدل الخصوبة لا علاقة له بارتفاع نسبة الطلاق والتطليق، فأغلب الفئات المطلقة هي أسر بأولاد، وذلك من العوامل التي تؤدي إلى النزاعات لمحدودية الدخل، وإنما هي سياسة للدولة اتخذت منذ عقود ولا علاقة لمدونة الأسرة بها، وهذا التفسير المسيس والمؤدلج، يريد أن يقول إن عدم التطليق سيرفع معدل الخصوبة، وهذا حكم خارج العلم والبحث - إن مراكز الاستماع والمؤسسات الجمعوية التي تهتم بقضايا الأسرة، أنشئت لا من أجل تفكيك الأسر، وإنما من أجل تحويل الأسرة المغربية من أسرة متنافرة تسود فيها أشكال من العنف، إلى أسرة منسجمة يسود فيها الاستقرار والاحترام المتبادل، ورافعت من أجل تحسين مردودية جلسات الصلح باعتماد المتخصصين في الوساطة وليس حكمين من العائلة لدورهما في السابق في تأجيج النزاعات. إن الركن المذكور وتصريح رجاء مكاوي غابت عنهما الأسباب المباشرة التي تؤدي إلى النزاعات الأسرية ومنها العنف والتعذيب، فيوميا تحمل الأخبار من مختلف الأقاليم صورا بشعة لآثار التعذيب الجسدي الذي تعاني منه عدد من النساء والأطفال، ويبقى لحد الآن آثار التعذيب النفسي متواريا ومتخفيا، وقضاياه أخطر وأفدح. إن الجواب عن ارتفاع التطليق يجد أسبابه الحقيقية في أن الأسرة المغربية في غالبيتها لا تعيش في جو مستقر ومريح، ويعود جزء كبير من هذا إلى السلوك والفكر المبنيين على دونية المرأة وضرورة استعمال العنف ضدها. إن طمس مثل هذه الأسباب، وخاصة من جريدة تقول عن نفسها أنها تربوية، ومحاولة البحث عن تفسيرات واهية بأن أسباب ارتفاع التطليق يعود إلى التحريض، يبين أنها لا تريد أن تقوم بواجبها في مواجهة اللجوء إلى التعذيب والعنف ضد النساء والأطفال. إن كل المحاولات التي تؤدي إلى الإيحاء بأن ما كان سائدا قبل المدونة، كان أفضل من خلال التركيز على عدد من الأخطاء في التطبيق لن يجدي نفعا، وليس إلا وهما، وإن المجتمع أصبح واعيا بأن كل سياج الطاعة التي كانت تكبل النساء وتمس بكرامتهن وإنسانيتهن، أصبحت من الماضي ولا يوجد إلا طريق واحد هو التقدم إلى الأمام لتصحيح الثغرات. - بالرغم أن صندوق التكافل العائلي وغيره من المطالب الكثيرة التي ترمي إلى حماية المرأة المطلقة وأولادها بعيدة عن موضوع التطليق وأسبابه، لأنها مطالب تعالج ما بعد التطليق، فإن ما يجب التذكير به هنا أن من رفعها ودافع عنها بقوة، هي الجمعيات النسائية ومراكز الاستماع التي تتهمها الجريدة بالتحريض على تفكيك الأسر، وكانت الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة سباقة إلى طرح الموضوع في بداية التسعينات، لأنها كشفت وبالبحث الجاد مدى الأهمية الاجتماعية التي يمكن أن تؤديها تلك المطالب في حال تطبيقها، للتخفيف الكبير من آثار الأمراض الاجتماعية التي تحيط من كل جانب بالأم وأطفالها، وما تزال الجمعيات تحث على تطبيق كامل لمجمل تلك المطالب. والجدير بالذكر أن جزءا من الظواهر الاجتماعية التي تنتج عن الطلاق والتطليق مثل أطفال الشوارع التي ربطها «مع الحدث» بهما لا تفسر فقط بهما، بل هناك عوامل عديدة من ضمنها دور للحمل الغير المرغوب فيه، مثل حمل الاغتصاب وحمل زنا المحارم، والحمل في ظروف إجتماعية هشة لا تسمح بتحمل تكاليف عدد كبير من الأطفال، هذا مثال بسيط على أن التفسير المسيس والمؤدلج لقضايا الأسرة، وحصره في زوايا ضيقة ومتعصبة، لا يمكن إلا أن تعطي أحكاما بئيسة.