نبيل بنعبد الله: كل تصور فوقي لصياغة مشهد سياسي على المقاس لن يؤدي سوى إلى الكارثة قال نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، «إن خللا واضحا وقع في معالجة ملف مخيم العيون، وتسبب في تطور الوضع شيئا فشيء، حتى أصبحنا نرى مخيما يعج بالآلاف من المواطنين الصحراويين». وأضاف بنعبد الله الذي حل ضيفا على برنامج (حوار) على القناة الأولى، أول أمس الثلاثاء، أن التدبير السيئ في معالجة القضايا ذات البعد الاجتماعي والاقتصادي أدى في نهاية المطاف إلى خروج ما يزيد عن عشرة آلاف مواطن، كل مطالبهم ترتبط بالسكن والتشغيل، ولا تنطوي على أية نزعة انفصالية. وانتقد المتحدث ذاته ما وصفه بتراكم عدد من الأخطاء في تدبير هذا الملف، مؤكدا على أن المفهوم الجديد للسلطة غائب في الأقاليم الصحراوية، عكس التوجيهات والخطب الملكية، بل إن السلطة هناك تجتر تصرفات مرفوضة. وألح بنعبد الله على أن أسلوب معالجة مثل هذه الملفات يجب أن يتغير، سيما أن الجنوب يعيش مشاكل اجتماعية كبيرة، معتبرا أن أسلوب إدارة مثل هذه الملفات عبر تغليب جهة أو طرف على آخر، يجب أن يتم تجاوزه. ووصف الأمين العام ما يقع اليوم بالعيون، ب»الخاص جدا»، وقال «إن الأحزاب السياسية وإن كانت تتابع تطور الأوضاع عن كثب، فإنه من الصعب على القيادات الوطنية للأحزاب المغربية القيام بمبادرات عملية أكبر من هذا القدر، إذ لا يمكن مباشرة حوار مع المواطنين الصحراويين الموجودين بالمخيم، في وقت ينكب فيه وفد من وزارة الداخلية على معالجة مطالب المحتجين، وإن كان المعنيون بالأمر أنفسهم، لم يقبلوا بشكل وطبيعة ما يحمله وفد وزارة الداخلية، ثم إن العائق العملي الموجود حاليا، يضيف بنعبد الله، «يتمثل في أن ولوج مخيم العيون بات أمرا غير ممكن». وتحدث بنعبد الله عن الصعوبات التي تعترض سبيل الأحزاب السياسية في أخذ زمام أية مبادرات من شأنها الدفع بمسار حل بعض الملفات بالصحراء، مذكرا أن الأحزاب كانت إلى سنوات قليلة مضت، تمنع من التحرك على التراب الصحراوي. لكنه شدد على أن ملف الصحراء وما يدور في فلكه من قضايا ذات طابع اقتصادي واجتماعي، ليس موضع تسابق بين الأحزاب المغربية. وفي معرض رده على سؤال حول توجيه عدد من منظمات حقوق الإنسان بالمغرب لرسالة إلى الرئيس الجزائري قصد السماح لها بزيارة تندوف، وعدم إرسالها لقيادة «البوليساريو»، أكد بنعبد الله أن الدولة الجزائرية هي المسؤولة عما يحصل داخل مخيمات تندوف، وبالتالي فإن قادة «البوليساريو» إنما يأتمرون بأمر هذه الدولة. ومن جهة أخرى، قال نبيل بنعبد الله في رده حول سؤال يتعلق بالتقرير الذي نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش بخصوص ما سمته «انتهاكات لحقوق المعتقلين بتهم الإرهاب»، إن مشاكل حقوقية قد تكون موجودة فعلا في المغرب، لكن المقارنة بين ما يجري اليوم وبين ما وقع في الماضي، أمر غير ممكن، مضيفا أن المغرب لا يجب أن يتزعزع كلما أصدرت هيئة معينة تقريرا حوله، لأن مثل هذه التقارير طبيعية وإن كانت تتسم بالتحامل وباستغلال لظرفية يعيشها المغرب، مستنكرا في هذا الصدد، سياسة الكيل بمكيالين التي تحكم عمل بعض المنظمات الدولية من خلال «سكوتها شبه التام على ما يحدث في مخيمات تندوف». وبخصوص حزب التقدم والاشتراكية، قال الأمين العام، إن الديوان السياسي منسجم ومتفاعل بين أعضائه، مشددا على أن القيادة تنكب على عملها وهي ترسم أفقا واضحا لنفسها وهو أن حزب التقدم والاشتراكية حزب يساري. ورد على سؤال يتعلق بوجود تيارات داخل الحزب، بالقول إن الحديث عن وجود تيارين بالحزب غير دقيق، لأن التيارات تؤسس على وثائق، والحال أن مؤتمر الحزب الأخير تضمن وثيقة سياسية واحدة وبرنامجا اقتصاديا واجتماعيا واحدا، وبالتالي لا يمكن الحديث عن تيار أكثر يسارية من آخر، «لأن ذلك لا يحتمل أية مزايدة». ومن جانب آخر، قال نبيل بنعبد الله، «إن كل من يريد أن يرسم هندسة معمارية للحقل الحزبي المغربي فهو خاطئ، لأن أي تصور فوقي لصياغة مشهد سياسي على المقاس، سيقود لا محالة إلى كارثة». ووصف المتحدث الوضع السياسي الراهن ب»المقلق»، معتبرا أن ذلك يفرض على أحزاب اليسار الأخذ بزمام المبادرة من أجل الخروج بحركة يسارية معبئة غرضها الوصول إلى «شعب اليسار». وانتقد نبيل بنعبد الله بشدة، ترحال البرلمانين، وقال بأن حزب التقدم والاشتراكية تضرر كثيرا من هذا الواقع، إذ، بحسبه، غادر فريقه سبعة برلمانيين جراء ضغوطات و ممارسات غير مقبولة، فيها ما هو مرتبط بنوازع انتهازية وأخرى جرت بمقابل مادي. أما بالنسبة للمكونات السياسية للفريق البرلماني الحالي، فقد نفى بنعبد الله أن يكون لقاؤها نتيجة ترحال، بل هو نتيجة تحالف سياسي مع أحزاب. وقال «إن الترحال البرلماني أصبح أبشع مظهر داخل الحقل السياسي المغربي»، مضيفا أن الوضع في حال ما إذا استمر على النهج الحالي، فإن الخشية أن يصير التصويت على القانون المالي نفسه بمقابل، أو «غادي يكون بالفلوس». وبشأن تحالفات حزب التقدم والاشتراكية، قال نبيل بنعبد الله إن اليسار وبالرغم من حجم القوة الذي قد يمثله في حال توحدت فصائله، فإنه مع ذلك لن يشكل أغلبية لوحده، وبالتالي وجب البحث عن تحالفات أوسع، وهنا اعتبر حزب الاستقلال المكون الأساسي لمثل هذا التحالف الواسع. وأضاف أن حزب الاستقلال مثلما يعبر عن ذلك قياديوه، لا يريد سوى أن يكون جزءا من الكتلة الديموقراطية كما كان دوما، ولا أحد بإمكانه أن يخرجه منها هكذا، مشددا على كون التقدم والاشتراكية لا زال يؤمن بأهمية الكتلة وبضرورة خروجها من «سباتها»، وبأنه لازال لها دور يجب أن تلعبه. وحول علاقة حزب التقدم والاشتراكية بحزب الأصالة والمعاصرة، أكد بنعبد الله أن «البام» يعلن عن شعارات سياسية تلتقي مع بعض مواقفنا وأفكارنا، وإن كنا نريد تحويل هذه الشعارات إلى مضامين فعلية، فإنه من الممكن الالتقاء مع الحزب المذكور،على ضوء توفر شروط أبرزها برنامج عمل مؤسس على اتفاق حول الجيل الجديد من الإصلاحات. وقال «إن الحديث عن تحالف مع هذا الحزب ليس بمنكر، لأن لا أحد الآن يستغرب مثلا لتحالفنا منذ 1998، مع حزبي التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية في إطار حكومة التناوب التوافقي، سيما أن هذا التحالف لم تشبه أية مشاكل أساسية كبرى أو أزمات لحد الآن». وخلص بنعبد الله إلى القول بأن حزب التقدم والاشتراكية «يريد مشهدا حزبيا سليما قائما على أحزاب جادة ومستقلة ولا تكون رهينة لكائنات انتخابية، كما يريد الحزب انتخابات يحارب فيها المال بقوة، وبالتالي، فإن طموح الحزب هو حكومة سياسية ومكونة من أحزاب سياسية لها سلطة القرار، ويمكن للمواطنين محاسبتها بناء على برامجها، أي حكومة تفرزها انتخابات نزيهة وشفافة».