الانتقادات التي توجه لحياتنا الحزبية والبرلمانية، وتدني مستوى الممارسة السياسية والحزبية، كل هذا هل يقودنا إلى الاقتناع بافتقار البلاد اليوم إلى زعا مات سياسية كبيرة ؟؟ انه سؤال موجع حقا، وهنا ليس القصد كيل التهم للأجيال الحالية من المغاربة، إنما الغاية إثارة سؤال المستقبل، والتأمل في أدوار أكثر من جهة، بدءا من الجامعة، ثم الأحزاب نفسها وباقي مؤسسات التنشئة، وأيضا الدولة والمؤسسات المنتخبة، والإطار القانوني المعمول به،والسياق السياسي المنتج لحركية المجتمع والحاضن لها. عندما يتركز مثلا الحديث في الغرفة الثانية بالبرلمان اليوم حول الإحاطة علما، وعندما تتحول جلسات الأسئلة بالغرفتين معا إلى حصص في السب والشتيمة بين سياسيين يقدمون أنفسهم كنخب لهذه البلاد، يشعر المرء فعلا بالحزن. وعندما تتوالى الدورات البرلمانية، من دون أن نستطيع حل مشكلة مثل (النواب الرحل)، أو ( غياب البرلمانيين)، أو (مستوى الأسئلة)، هنا أيضا نحس بحزن كبير. وعندما يصير في البلاد أزيد من ثلاثين حزبا من دون أن يكون لدينا العدد نفسه من البرامج والمشاريع السياسية،وعندما يصير التقارب بين الأحزاب مثل السعي إلى هد جبل،وعندما يقاطع أكثر من سبعين في المائة من الناس الانتخابات،ولا تستطيع هذه الأخيرة أن تفرز أغلبية واضحة، هنا كذلك يصاب القلب بغصات أسى. وعندما تعدم مؤسساتنا التمثيلية شخصيات وطنية وازنة، و يتمكن حتى من لم يسبق له ولوج مدرسة ابتدائية من دخولها واكتساب حق ممارسة التشريع ومراقبة الحكومة، هنا وحده الاستغراب يبقى واقفا يتأمل كيف يمكن لبلاد أنجبت الكثير من الكفاءات السياسية والعلمية أن تغيبها في نفس الوقت من المؤسسات. ألا يستحق الأمر تأملا وطنيا ؟؟؟ المغرب الذي يخوض اليوم في أوراش متعددة، في حاجة ماسة إلى حياة سياسية غنية وجدية، بتحالفات واضحة وبفاعلين سياسيين حاملين لأفكار وقيم، وبميكانيزم قانوني يشجع على الدينامية والجودة. ولن تتحقق هذه الحاجة من دون أحزاب قوية تتوفر لها إمكانات التحرك والفعل في المشهد الوطني. الكل اليوم يتحدث عن تكريس البناء الديمقراطي، والكل يقول بالانتقال الديمقراطي، لكن وحتى لا تصير هذه البديهيات نفسها من دون معنى،فان المرحلة اليوم باتت تفرض أن تنسجم المسلكيات مع القناعات والأقوال. وهنا لا يمكن ترسيخ الديمقراطية من دون الحرص على تقوية الأحزاب، ودفع البلاد لإفراز تعددية حقيقية، وترسيخ دينامية واضحة. المسؤولية ليست للدولة وحدها، إنما للأحزاب أيضا،وهي مدعوة للإسهام في الرفع من قيمة العمل الحزبي، وجعل السياسة جاذبة للأجيال الحالية، ومن ثم تمكين بلادنا من حياة سياسية وحزبية تكون رافعة للأفق الديمقراطي الحداثي وليس العكس.