تحل اليوم ذكرى مرور أربعة عقود كاملة عن تنظيم حدث المسيرة الخضراء... الحدث احتفاء بالوطن وبوحدته واستحضار لواحدة من أهم لحظات النضال الوطني المغربي من أجل مغربية الصحراء واستكمال الاستقلال الوطني والسيادة الترابية. ولأن التاريخ المحتفى به يحيل على الوطن وعلى "تمغرابيت" فقد كان بليغا أن يحتفي شعبنا في مختلف جهات المملكة وعبر المواقع الإلكترونية بالعلم الوطني ويجري إعلاؤه وإبرازه والاعتزاز به، وفي ذلك تجديد طبيعي للشعور الوطني النبيل والراسخ لدى المغاربة. في العام الأربعين للمسيرة الخضراء يجدر أساسا تجديد قراءة دروسها بغاية تفعيلها اليوم وهنا وارتباطا بتحديات الحاضر، ولهذا يعتبر درس "تمغرابيت"هذا هو أول الدروس المستقاة من الحدث الوطني الكبير الذي جرى عام 1975. عشرات الآلاف من المغربيات والمغاربة الذين شاركوا في المسيرة الخضراء كانوا في غالبيتهم من طبقات اجتماعية فقيرة أو متوسطة، وانخرطوا بقناعة مبدئية ووطنية دفاعا عن المغرب وعن صحرائه، وهذا يعني أن شعبنا يمتلك دائما خزانا من الاستعداد للتطوع والتضحية لا يتردد في إبرازه بمجرد أن يقتنع بمصداقية القضية وعدالتها، وهذا بالذات ما يجب اليوم الحرص على استثماره وإحيائه لمواجهة مختلف التحديات الوطنية والتنموية المطروحة على بلادنا: "الدفاع عن الوحدة الترابية، صيانة أمن واستقرار البلاد ووحدتها، محاربة الأمية، محاربة الرشوة والفساد، الدفاع عن نزاهة الانتخابات والمساهمة في إنجاح برامج ومشاريع التنمية البشرية ومحاربة الفقر..."، وبذلك سنكون قد ربطنا الماضي بالحاضر واستلهمنا عمليا الدرس الأول من ذكرى المسيرة الخضراء. أما الدرس الثاني في هذا الإطار، فهو أن حدث المسيرة الخضراء في 1975 اندرج ضمن سياق سياسي ومجتمعي ارتكز أساسا على إحداث انفراجات ديمقراطية والتأسيس لانطلاق المسلسل الديمقراطي، برغم ما شهده لاحقا من انتكاسات، وهذه الدينامية حينها هي التي ساهمت في تكريس إجماع وطني واسع حول الدفاع عن الوحدة الترابية وتقوية الجبهة الوطنية الداخلية، ما أدى باستمرار إلى إفشال مختلف مناورات خصوم المغرب، وهذه التعبئة الوطنية الداخلية تعتبر اليوم ضرورية بالنظر إلى استمرار المناورات المتربصة بمغربية الصحراء، ما يعني أن البلاد مطالبة بالاصرار على مواصلة خياراتها الديمقراطية والتنموية ورفض أي تراجع أو إحياء للتحكم أو استهداف التعددية الديمقراطية، فضلا عن ضرورة مواصلة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، لأن هذا بالذات هو ما ميز باستمرار بلادنا في مواجهة خصومها، والسلاح القوي لتحقيق الانتصار. متانة الجبهة الداخلية يجب كذلك وأساسا أن تتجسد بشكل ملموس داخل أقاليمنا الجنوبية عبر مقاربة شمولية مندمجة تعتمد على مختلف الطاقات المحلية وترتكز إلى الاستثمار المنتج وتقطع مع الريع والفساد، وتشيع الثقة والجدية في الواقع والعلاقات ضمن مقتضيات دولة القانون وفي احترام للحقوق والواجبات. المسيرة الخضراء اليوم هي في مخيال الأجيال الحالية تتجسد في صور آلاف المغاربة يقصدون الصحراء المغربية، وهي أيضا الأغاني الوطنية الخالدة التي بقيت منذ ذلك الوقت تحتفظ بجاذبيتها، وتحمل لنا جميعا إلى الآن المعنى والسياق والإحساس، والمناسبة سانحة اليوم لتحية كثير من مبدعيها، ولكن أيضا للتنبيه إلى أن أحداث وطنية كبرى في تاريخ بلادنا وشعبنا تستحق توثيقا سينمائيا وتلفزيونيا وفنيا أكثر احترافية وإبهارا واحتفاء لتعريف الجميع بها وبتفاصيلها ودلالاتها. الذكرى الأربعون للمسيرة الخضراء حدث وطني كبير من حق المغاربة الاعتزاز به وتخليده كمحطة أساسية في نضال بلادنا وشعبنا من أجل الوحدة الترابية.