يخلد الشعب المغربي الذكرى الثامنة والثلاثين للمسيرة الخضراء، باعتبارها محطة أساسية في مسلسل النضال الوطني من أجل استكمال استقلال البلاد وتحقيق وحدتها الترابية، وتحل المناسبة ضمن سياق سياسي وديبلوماسي يشهد استمرار إصرار المغاربة على الدفاع عن مغربية صحرائهم، ما يمنح للذكرى طابعا مميزا، ويجعلها تحضر في الذاكرة المغربية كإنجاز وطني تاريخي جسد إجماع الأمة على وحدة أراضيها وعلى سيادتها. تعود هذه الأيام لذاكرة الكثيرين منا صور ملحمة المسيرة وأيضا حكاياتها وإبداعية الفكرة والتنفيذ، ويحضر «قسم المسيرة» مكتسبا راهنيته، ومجسدا للشعور الوطني الحالي، أي لعزم المغاربة كلهم الاستمرار في الدفاع عن الوحدة الترابية للبلاد ضد مختلف ما يحاك من مناورات ودسائس تستهدف استقرار المملكة وسيادتها الوطنية على كامل ترابها. لم تكن «المسيرة» فقط إنجازا نضاليا مغربيا ساهم فيه آلاف المواطنات والمواطنين، ولم تكن فقط إعلانا عن تحرير الصحراء من الاحتلال الإسباني، وإنما كانت كل ذلك، وفي نفس الوقت أسست لبداية مسار تنمية الأقاليم الجنوبية، وقد راكم المغرب، بهذا الخصوص، العديد من المنجزات الفعلية هي التي تبرز اليوم جلية في واقع هذه المناطق الغالية، وفي الدينامية العامة التي تتخللها. عندما يخلد المغاربة اليوم ذكرى المسيرة الخضراء، فهم يستعيدون توهج الشعور الوطني، ويصرون على مواصلة النضال من أجل مغربية الصحراء، كما أنهم يعلنون العزم من أجل الاستمرار في تطوير مسلسلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لفائدة الأقاليم الجنوبية وساكنتها. وإن بلورة النموذج الاقتصادي التنموي لفائدة هذه الأقاليم، وإطلاق دينامية إعمال البرامج المتضمنة في مخطط التنمية الجهوية، يعتبر الدليل على قوة الإرادة الوطنية المغربية للتفاعل الإيجابي مع المطالب المشروعة لسكان هذه المناطق وفعالياتها المحلية، كما أن السير قدما في اتجاه تفعيل «الجهوية الموسعة» وكامل منظومتها التدبيرية والتمثيلية، من شأنه كذلك تمكين نخب هذه الأقاليم وشبابها من تولي تدبير شؤونهم المحلية والجهوية، وتعزيز الديمقراطية التشاركية في البلاد. استعادة روح «المسيرة» واستحضار القيمة التاريخية لها يعنيان اليوم إبراز هذه الإرادة الوطنية القوية للمغاربة في الدفاع عن الوحدة الترابية لبلادهم، وفي نفس الوقت تمتين التنمية والديمقراطية والمشاركة وسط ساكنة الأقاليم الجنوبية ونخبها وفعالياتها. من جهة ثانية، تقدم لنا ذكرى المسيرة الخضراء اليوم درسا آخر لا يخلو من راهنية، ويتمثل في ضرورة تقوية الجبهة الوطنية الداخلية وتعزيز الإجماع حول الوحدة الترابية للبلاد، ذلك أن التحديات الكبرى التي تواجه اليوم قضيتنا الوطنية الأولى، ومناورات الخصوم، كل هذا يفرض على البلاد أن تقاوم بإجماعها، وأن تصمد بعدالة قضيتها، وأن «تهجم» بمبادراتها، وبما تحققه على الأرض من منجز ملموس، ولابد أيضا من تعزيز الثقة بالنفس، تماما كما كان ذلك واضحا في ... المسيرة الخضراء.