محطة بارزة في مسار الكفاح الوطني ومناسبة لتقييم الحصيلة التنموية الشاملة تحل، يومه الثلاثاء٬ الذكرى السابعة والثلاثون لتنظيم المسيرة الخضراء التي تجسد مرحلة هامة في ملحمة استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية. ذكرى يحتفل بها المغاربة في جو يطبعه الاعتزاز والافتخار والتعبئة الوطنية الشاملة، ويتذكرون، من خلال استعادة صورها الخالدة، مسيرة سلمية مظفرة أبدعها جلالة المغفور له الحسن الثاني٬ طيب الله ثراه٬ انطلقت بمشاركة كل فئات وشرائح المجتمع المغربي٬ ومن سائر ربوع الوطن٬ صوب الأقاليم الصحراوية لتحريرها بقوة الإيمان وبأسلوب حضاري سلمي فريد من نوعه٬ أظهر للعالم أجمع صمود المغاربة وإرادتهم الراسخة في استرجاع حقهم المسلوب٬ و إنهاء الوجود الاستعماري بالتوحد والالتحام. ويجدد الاحتفال بذكرى المسيرة الخضراء، للأجيال التي رأت النور بعد سنة 1975، سواء في المغرب أو في غيره من البلدان، مضامين درس من دروس التلاحم القوي بين العرش والشعب لاستكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية والتخلص من استعمار جثم بثقله على التراب الوطني قرابة نصف قرن، وقسم البلاد إلى مناطق نفوذ موزعة بين الحماية الفرنسية بوسط المغرب والحماية الإسبانية بشماله وجنوبه٬ فيما خضعت منطقة طنجة لنظام حكم دولي. وهو تلاحم لم يفتر ولم تنل منه السنوات السبع والثلاثون. فإرادة المغاربة لازالت قوية دفاعا عن مغربية الصحراء في مواجهة أطماع خصوم الوحدة الترابية وإنهاء كل أسباب النزاع المفتعل، من أجل تمهيد الطريق نحو تقوية أواصر الإخاء بالمنطقة المغاربية وخدمة شعوبها وتعزيز اتحادها استشرافا لآفاق مستقبلها المنشود. ولعل الملفت للانتباه، هو أن هذه الذكرى تحل والمبعوث الأممي كريستوفر روس يمضي في جولته من أجل إعادة الروح لمفاوضات أراد لها الخصوم أن تتعثر من أجل إطالة أمد النزاع المفتعل. وهي الخلاصات التي حرص المغاربة، سواء خلال مقام روس بالرباط أو بالعيون، على توجيهها للمبعوث الأممي، مع التشديد على أن المغاربة كل المغاربة يوجدون في صحرائهم وصحراؤهم توجد في بلدهم الموحد الذي يحتاج لمزيد من التعبئة للنهوض بكل جهاته وتحقيق التنمية الشاملة. فالمغاربة، وهم يحتفلون بذكرى مسيرتهم المظفرة، لم تعد رغبات الخصوم في إفشال المفاوضات والعودة إلى نقطة الصفر أو الانحراف عن المنطق شغلهم الشاغل، بل تحدوهم اليوم رغبة قوية في مرافقة الصحوة الديمقراطية النموذجية التي سمت بهم بعيدا فوق العديد من الدول التي زلت بفعل الربيع الديمقراطي أو تلك التي تخشى الانزلاق إلى أتون الاضطرابات الداخلية. مغاربة اليوم يواصلون المسير نحو استكمال مسلسلهم الديمقراطي استنادا إلى الخيارات الأساسية التي كرسها الدستور الجديد وإلى مصالحة المغاربة مع أنفسهم ومع تاريخهم كرد الاعتبار للأمازيغية كمكون من مكونات الهوية ورصيد مشترك لجميع المغاربة ٬ وتوسيع فضاء الحريات وحقوق الإنسان٬ مع تعزيز وضع المرأة٬ دون إغفال أوراش الإصلاحات الاقتصادية العميقة والتحفيز على الاستثمار والأوراش التي يجب أن تهم كل جهات البلاد وفي مقدمتها الأقاليم الجنوبية التي توجد اليوم في أمس الحاجة إلى تفعيل محاور الاستراتيجية المندمجة التي تتمثل في الجهوية المتقدمة، وإعادة هيكلة المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، وإعادة هيكلة وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية، واعتماد المقاربة الشمولية في معالجة قضايا ساكنتها والإنصات العميق لنبض المجتمع في تطلعاته واهتماماته العميقة. إنه الهم الأساس للمغاربة، الذين يجددون التأكيد بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، على تشبثهم بمقترح الحكم الذاتي كخيار يحظى بشبه إجماع المنتظم الدولي ويهدف إلى الطي النهائي لملف وحدتنا الترابية، وبالتالي فك الحصار على المواطنات والمواطنين المغاربة بمخيمات تندوف الذين يعيشون أوضاعا مأساوية.