المغرب يواصل معركة الإصلاح بروح التعبئة الوطنية والمشاركة الشعبية الواسعة يخلد الشعب المغربي غدا الأحد الذكرى السادسة والثلاثين للمسيرة الخضراء، مسيرة التحرير واستكمال الوحدة الترابية للمملكة. ذكرى هذه السنة تأتي في خضم الإصلاحات الدستورية والسياسية العميقة التي يعرفها المغرب منذ عدة أشهر، والتي يشكل ورش الجهوية المتقدمة، الواردة في مضامين الدستور الجديد، أحد أبرز مرتكزاتها. وتشكل ملحمة المسيرة الخضراء ذكرى يستحضر فيها المغاربة إرادتهم في تجسيد حقوقهم المشروعة على المناطق الجنوبية وعزمهم على استرجاع الأقاليم الصحراوية كجزء لا يتجزأ من التراب الوطني للمملكة، بالرغم من إصرار خصوم الوحدة الترابية على عرقلة كل الجهود الرامية إلى الاعتراف بالحقوق المشروعة للمملكة المغربية وسيادتها الكاملة على أراضيها. وفي مثل هذه المناسبة يستحضر الشعب المغربي قاطبة بكل فخر قيم التضحية والوفاء والوحدة والصمود، والإرادة الراسخة في تجسيد الحقوق الوطنية المشروعة على الأقاليم الجنوبية. واحتلت القضية الوطنية ولا تزال صدارة الأولويات منذ إعلان المسيرة الخضراء، بفضل الإجماع الشعبي والرسمي على مغربيتها، وعدم التفريط في حبة رمل منها، رغم كيد الخصوم والمناوئين. «غدا إن شاء الله ستخترق الحدود، غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة الخضراء، غدا إن شاء الله ستطأون طرفا من أراضيكم وستلمسون رملا من رمالكم وستقبلون ثرى من وطنكم العزيز»، بهذه الكلمات أعلن الملك الراحل الحسن الثاني في خطابه التاريخي في مثل هذا اليوم من سنة 1975 انطلاق الملحمة التي ألهبت قلوب المغاربة الذين لبى 350 ألف من المواطنات والمواطنين المتطوعين من ربوع المملكة نداء المشاركة في مسيرة سلمية لم يشهد تاريخ حركات التحرر الوطني مثيلا لها، سلاحهم القرآن الكريم ملتحفين بالأعلام الوطنية، لتحرير الأرض وإنهاء الاحتلال الإسباني للصحراء المغربية. وأظهرت ملحمة المسيرة الخضراء للعالم أجمع مدى التلاحم الذي جسدته عبقرية الملك الراحل الحسن الثاني، وشهامة الشعب المغربي، وعزم كافة فئاته وقواه الحية على استكمال استقلالهم، التي عمل المستعمر بكل أساليبه على النيل منها، وتحقيق وحدتهم الترابية، مسلحين بيقينهم الكامل بعدالة قضيتهم وتجندهم وتعبئتهم للدفاع عن مقدساتهم الدينية والوطنية. وتحل الذكرى السادسة والثلاثون للمسيرة الخضراء في خضم تطورات إقليمية وجهوية تميزت بما بات يعرف ب «الربيع العربي» الذي شكل المغرب استثناء فعليا فيه تجسد أساسا في مواصلة مسيرة الإصلاحات الكبرى والعميقة التي يعيشها المغرب منذ تولي جلالة الملك محمد السادس العرش، والتي تعززت بالإصلاح الدستوري الذي أعلن عنه جلالة الملك في 9 مارس من هذه السنة والذي توج بالتصويت الشعبي على الدستور الجديد، ثم الإصلاحات السياسية المهمة التي تواكب الدستور المتقدم. وتشكل الجهوية المتقدمة أحد المرتكزات الأساسية للدستور الجديد، والتي تشكل المدخل الأساسي لإنهاء النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء. حيث وضع الخطاب الملكي خلال تنصيب اللجنة الاستشارية حول الجهوية، الأقاليم الجنوبية المسترجعة في صدارة الجهوية المتقدمة، انطلاقا من أن المغرب لا يمكن أن يبقى مكتوف اليدين أمام عرقلة خصوم وحدته الترابية للمسار الأممي لإيجاد الحل السياسي المتوافق بشأنه لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء، على أساس مبادرة منح هذه الأقاليم حكما ذاتيا يقوم على تمكين أبناء الصحراء المغربية من التدبير الواسع لشؤونهم المحلية. ويأتي تخليد ذكرى مسيرة الوحدة، تجسيدا للمواقف الثابتة للمغرب في الدفاع عن مقدساته واستكمالا لوحدته الترابية، رغم مناورات الأعداء ومحاولات الانفصال. وعزز المغرب موقفه بإعلان المبادرة الحكيمة لمنح الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا في إطار السيادة المغربية، وهي المبادرة التي لقيت تجاوبا كبيرا ودعما دوليا متزايدا، ولقيت ترحيبا من لدن الأممالمتحدة التي وصفتها بالمبادرة «الجدية وذات المصداقية». وقد حظيت المبادرة المغربية لمنح الأقاليم الجنوبية للمملكة حكما ذاتيا في إطار السيادة المغربية، التي قدمها سنة 2007، بدعم واسع من طرف المنتظم الدولي، وتأييدا كبيرا من طرف الدول الكبرى، باعتبارها السبيل الأنجع لإيجاد التسوية النهائية لقضية الصحراء المغربية، خصوصا وأن المغرب ظل يؤكد دائما استعداده الدائم للتفاوض الجاد، لإيجاد حل سياسي توافقي وواقعي ونهائي، على أساس مبادرته «الجريئة وذات المصداقية»، وفي نطاق سيادة المملكة ووحدتها الوطنية والترابية.