انتخاب رئيس جديد لمجلس المستشارين، أول أمس، مثل محطة تتويج لمسلسل انتخابي طويل أعقب المصادقة على دستور 2011، ومن ثم استكمل هيكلة المؤسسات التمثيلية ضمن مقتضيات القانون الأسمى للمملكة، وهنا يجب أولا أن نسجل كون كامل هذه الاستحقاقات الديمقراطية قد جرت بالفعل ولم تتخللها أي توترات مجتمعية نهائيا عكس ما تعانيه كثير بلدان أخرى في المنطقة. من جهة ثانية انتخاب رئيس الغرفة البرلمانية الثانية لا يمكن، في المقابل، أن ينسينا كل الاختلالات والفضائح التي شهدتها الاقتراعات التي أفرزت تركيبتها الحالية، وهذا يجب أن يشكل محور اهتمام كل الطبقة السياسية بغاية إصلاح ترسانة القوانين الانتخابية ومنظومتنا المؤسساتية والسياسية وتقوية مصداقيتها تعزيزا للمسار الديمقراطي لبلادنا. وفي الإطار ذاته، فان ظروف انتخاب رئيس مجلس المستشارين بقدر ما تميزت بمشاركة مكثفة للمستشارين المنتخبين المائة وعشرين في التصويت، فهي أيضا سجلت قوة الضغوط التي يمارسها بعض البرلمانيين على أحزابهم ويوجهون مواقفها ويتحكمون في التزاماتها وتحالفاتها، وهذا يكشف من جديد وجود أحزاب وأحزاب، كما يطرح استمرار معضلة الالتزام بمنطق التحالفات الحزبية والسياسية القائمة على البرامج والقناعات، وعلى الجدية و... المعقول. هنا لا يمكن إلا تسجيل جدية السلوك السياسي والانتخابي المعبر عنه من طرف حزب التقدم والاشتراكية ومنتخبيه طيلة كامل المسلسل الانتخابي، بما في ذلك أثناء انتخاب رئيس الغرفة الثانية، وقد اعترف كل الملاحظين بذلك، سواء أثناء الإعلان عن مرشح الأغلبية للرئاسة أو حين قرر الحزب سحب ترشيحه، أو أيضا من خلال وجهة التصويت ومنطقها السياسي والأخلاقي، وهذه الجدية بالذات هي المطلوبة اليوم من لدن كل أحزابنا ومؤسساتنا ومنتخبينا للرفع من مستوى الفعل السياسي في بلادنا، خطابا وممارسة وعلاقات. والآن، بعد أن جرى انتخاب رئيس جديد لمجلس المستشارين فمسؤوليته الأولى والجوهرية هي أن ينتصر في رهان تغيير الصورة العامة للمؤسسة وإقناع الناس بجدواها، وذلك من خلال الحرص على إشراك الجميع والتفاعل الايجابي مع مختلف مكونات الغرفة، ثم من خلال إضفاء الجدية على أشغال الجلسات واللجان وتطوير العلاقة مع الحكومة ورئيسها، وأيضا من خلال تفادي إبطاء وعرقلة وتيرة التشريع أو فرملة الإصلاحات، وبالتالي الإسهام الفاعل والايجابي في تجويد وتسريع إنتاج القوانين ومتابعة عمل الحكومة وتكريس دينامية جديدة على صعيد الديبلوماسية البرلمانية وفي أشكال العمل والعلاقات بين الأطراف البرلمانية والحزبية، وتعزيز الانفتاح على وسائل الإعلام والمجتمع المدني والرأي العام الوطني. الغرفة الثانية تبدأ اليوم ولايتها الجديدة ضمن سياق صعب أنتجه ضعفها العام وطبيعة مستوى غالبية أعضائها وتعدد السلبيات المحيطة بانتخابهم ، ولهذا المسؤولية اليوم ليست سهلة لتصحيح الصورة وربح رهان التأهيل، ولكن مع ذلك لا بد من خوضها وتحملها بكل ما تفرضه من جدية والتزام، بالإضافة إلى أن التحديات الديمقراطية والتنموية المطروحة اليوم على بلادنا تفرض هي أيضا تقوية الوعي السياسي الجماعي بضرورة عدم تضييع الوقت والانكباب على انجاز الأجندة التشريعية والسياسية المطروحة. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته