محطات من حياة بطلة نجحت في تخطي كل الحواجز... 9 شاركت بدورة لوس انجلوس الأولمبية بدون مدرب... أبطال كثر ميزوا تاريخ الرياضة الوطنية، لما حققوه من إنجازات رائعة أعلت راية المغرب خفاقة في المحافل القارية والدولية، لكن القليل من نجحوا في الحفاظ على بريق اسمه وضمن مسار رائع حتى بعد الاعتزال، في وقت انصاع الكثيرون لإكراهات الواقع المعيش ومشاكل الحياة، مفضلين العيش خلف الظل، والاكتفاء بذكريات الأمس القريب وتفحص ألبومات الصور، والعودة كل ما سنحت الفرصة للعودة لبعض التفاصيل. نوال المتوكل ليست من هذه العينة، باعتبارها واحدة من النماذج الفريدة والغير قابلة للتكرار في سماء البطلات المغربيات والعربيات، فهي بطلة أولمبية في ألعاب القوى في الماضي، وفي الحاضر تتقلد مناصب عليا في دواليب التسيير بالمؤسسات الرياضية على الصعيد الدولي، لكونها ببساطة تملك «كريزمة» تجعلها تحظى بقبول من أي كان، ناهيك عن طيبوبة وتواضع قلما نجدها عند قريناتها، لكن الأهم أن نوال لم ينل منها الاعتزال ولم يتمكن في تثبيط عزيمتها، بل بالعكس حولت اعتزالها كممارسة حافزا لسبر عالم التسيير على أعلى مستوى. غزالة الأطلس مثال للتميز والعصامية والتحول الإيجابي للرياضي بعد انتهاء مسيرته، فهي صنعت نفسها بنفسها، وتحولت من فتاة عادية إلى بطلة أولمبية ومسيرة رياضية ناجحة بكل المقاييس. مباشرة بعد الاعتزال الاضطراري سنة 1987، انخرطت تلقائيا في مجالات التسيير والتأطير، وطنيا ودوليا، وجعلت من قضية المرأة الرياضية هدفا أساسيا لجل تحركاتها، مؤمنة بأن احتلال المرأة الرياضية المكانة التي تستحقها، يحتاج إلى مساهمة حيوية لتعبئة الطاقات والموارد البشرية والمالية وبلورة المشاريع المتعلقة بخدمة الرياضة كمدرسة للحياة. نوال نجحت بفضل تفانيها وجديتها في جعل المجال الرياضي مجالا خصبا لترويج القيم الإنسانية الراقية وترسيخ مبادئ المساواة والإخاء والإنصاف والتقارب بين الأمم والشعوب، ومحاربة الانغلاق والتطرف والتهميش والحرمان والظلم، كما أن استطاعت أن توازن بين الحياة الرياضية والجمعوية والعائلية، وتقدم بذلك نموذجا ناجحا ومثالا يتحذى بالنسبة للعديد للنساء في كل المجالات. في إطار الفضاء الرمضاني لسنة 2015، نقدم حلقات من مسار نوال المتوكل يختزل حياة هذه البطلة الاستثنائية التي يصفها الكثيرون بأيقونة التسيير الرياضي على الصعيد الدولي نظرا للدور الذي تلعبه وقيمة العلاقات الدولية الواسعة التي تربطها بمصادر القرار رياضيا، اقتصاديا وسياسيا... "وصلنا إلى المخصص لنا بأمريكا بمناسبة الدورة الاولمبية لوس انجلوس 1984 . كان هناك جناحان في المكان الذي كنا نقيم فيه، وهو عبارة عن حي جامعي، وليس في قرى أولمبية كما هو الحال الآن. هذا الحي كان اسمه "يوسي إلاي إنيفريستي أوف كاليفورنيا". الذكور أقاموا بجناح، وجناح الإناث كنت أقيم فيه لوحدي، وكان الحاج نودير بين الفينة والأخرى يتفقدني، ويقول إنه غير مسموح لي أي كان بإزعاجي، ويجب أن آكل وأنام بشكل جيد. كنا مرعوبين لأنه لم يسبق لنا أن رأينا تلك الألوان أو سمعنا تلك الأصوات أو التقينا بتلك الأجناس المتعددة منهم الطويل والقصير والقوي والضعيف والأبيض والأسود. وأنا سأشارك للمرة الأولى بدورة أولمبية، علما أني تواجدت بلائحة أولمبياد موسكو سنة 1980، لكن المغرب لم يشارك لأسباب مختلفة. كانت هذه أول تجربة بالنسبة لي، وهو شيء صعب لأنه، خصوصا وإذا لم يكن الشخص متزنا من الناحية النفسية والبدنية، ففي هذه اللحظة يكون الإنسان أمام مفترق الطرق، فإما أن يتجه صوب الحافة أو يتقدم إلى الأمام. أحسست بقوة لحظية أمدني بها الله، كنت أكلم نفسي، غير مسموح لي بالإخفاق وعم النجاح، بعدما كل قام به والدي ووالدتي اللذين ربياني وتكفلا بتكويني ودراستي وأوصلاني إلى هذا المستوى، ووجهاني بنصائحهما، وآتي إلى هذا المقام وأخفق. كيف يمكنني أن أخفق والكل يعقد عليها آمالا كبيرة، انطلاقا من أصغر مؤطر ورياضي ومسؤول سواء داخل الأندية والجامعة والوزارة إلى أعلى سلطة في البلاد. قلت في نفسي لا يمكن. مستحيل .. مستحيل. كنت أستحضر هذا السيناريو مرات عديدة وأنا أخوض التدرايب. فالمدرب يعدك طيلة مسارك الرياضي، لكن في وقت السباق تصبح وحيدا، بمفردك أمام مسؤوليتك، لكن هذه الحسابات في غالب الأحيان تنجح، وأحيانا أخرى تخفق، عندما تكون هناك حالة ضعف، وهذا ما حدث لي خلال دورة هلسنكي. عقدت الحزم وقلت في نفسي إنه لا يجب أن أكرر سيناريو العاصمة الفيلندية لأنها باتت جزء من الماضي، وفي حالة تكرار نفس الإخفاق ف "غادي نعلق الصباط". سافرت إلى الولاياتالمتحدة بدون مدرب، بسبب نظام الكوطة المحددة من قبل اللجنة الأولمبية، وبالتالي لا وجود لمدرب خاص بي. كنت أقول مع نفسي: "يا ربي ماذا سأفعل؟ ومن أين سأبدأ؟". إلا أن وجدت بصفة شخصية حلا لهذا المشكل، إذ علي أن ألتقي مع المدربين اللذين كنت أتدرب تحت إشرافهما بجامعة "أيووا"، فجاءا للوس انجلوس، وأقاما بالقرب من مقر إقامتي. والرائع أنهما تكلفا بكل مصاريف بما في ذلك تكاليف السفر والإقامة في فندق. تم الاتصال بي، وقاموا بإعطائي تعليمات عما يجب علي أن أفعله في التداريب اليومية، وفي اليوم الذي يسبق السباق واليوم الذي يليه. ثم كيف أنام؟ وماذا آكل؟ بعدما تابعاني خلال مراحل الإقصائيات ونصف النهاية، قالا لي إنهما يرغباني في لقائي. كانا يحضران للملعب، وكنت ألتقي بهما قبل كل سباق، ونقوم بتحليل سباقي وباقي السباقات والوقوف على الأخطاء ونقاط القوة لكل عداءة. قالا لي: "هل رأيت نفسك كيف تصليني إلى خط النهاية؟ وكيف تتخطين الحواجز؟ أنت ستفوزين بالسباق النهائي". أجبته: "غير ممكن". كانت هناك قاعة بيضاء بكراس بيضاء تستطيع فيها تحميل فيديوهات، وهي مخصصة لتركيز الرياضيين. تشاهد فيها نفسك تجري أو تتخيل أنك تفوز بالسباق. كنت أشاهد سباقا وأقوم بتحليله، قبل الالتقاء معهما في مكان آخر ودراسة الفيديوهات. مدرباي طلبا مني الصعود على كرسي وترديد النشيد الوطني، لأكوني أنا من سأفوز بالسباق، وأنه مستحيل أن لا أفوز. قضيت ليلة بيضاء لم أدق فيها طعم النوم، فقدت شهية الطعام، كنت أشعر بالرعب في جو جد رطب (90 درجة) بلوس أنجلوس وحرارة مرتفعة (30 درجة). لكني كنت أحس كأني داخل ثلاجة من شدة البرد نتيجة الخوف. وفي اللحظة فتحت باب الغرفة فوجدت الحاج نودير جالسا بأحد كراسي الممر، ممسكا بحذاء الجري الخاص به، وهو يقرأ عليه القرآن ويدعو الله أن يوفقني ويقويني وأن أفوز. قلت له: "الحاج نودير ماذا تفعل؟". أجابني إنه فقد يدعو الله معي. والحقيقة أنه كان يدعو في فردتي الحذاء. غدا : لم أصدق أنني الفائزة إلا بعد أن شاهدت السملالي يصرخ فرحا...