محطات من حياة بطلة نجحت في تخطي كل الحواجز... 8 العودة للمغرب والاستقبال الملكي وتركيز الحسن الثاني على قفطاني الأحمر أبطال كثر ميزوا تاريخ الرياضة الوطنية، لما حققوه من إنجازات رائعة أعلت راية المغرب خفاقة في المحافل القارية والدولية، لكن القليل من نجحوا في الحفاظ على بريق اسمه وضمن مسار رائع حتى بعد الاعتزال، في وقت انصاع الكثيرون لإكراهات الواقع المعيش ومشاكل الحياة، مفضلين العيش خلف الظل، والاكتفاء بذكريات الأمس القريب وتفحص ألبومات الصور، والعودة كل ما سنحت الفرصة للعودة لبعض التفاصيل. نوال المتوكل ليست من هذه العينة، باعتبارها واحدة من النماذج الفريدة والغير قابلة للتكرار في سماء البطلات المغربيات والعربيات، فهي بطلة أولمبية في ألعاب القوى في الماضي، وفي الحاضر تتقلد مناصب عليا في دواليب التسيير بالمؤسسات الرياضية على الصعيد الدولي، لكونها ببساطة تملك «كريزمة» تجعلها تحظى بقبول من أي كان، ناهيك عن طيبوبة وتواضع قلما نجدها عند قريناتها، لكن الأهم أن نوال لم ينل منها الاعتزال ولم يتمكن في تثبيط عزيمتها، بل بالعكس حولت اعتزالها كممارسة حافزا لسبر عالم التسيير على أعلى مستوى. غزالة الأطلس مثال للتميز والعصامية والتحول الإيجابي للرياضي بعد انتهاء مسيرته، فهي صنعت نفسها بنفسها، وتحولت من فتاة عادية إلى بطلة أولمبية ومسيرة رياضية ناجحة بكل المقاييس. مباشرة بعد الاعتزال الاضطراري سنة 1987، انخرطت تلقائيا في مجالات التسيير والتأطير، وطنيا ودوليا، وجعلت من قضية المرأة الرياضية هدفا أساسيا لجل تحركاتها، مؤمنة بأن احتلال المرأة الرياضية المكانة التي تستحقها، يحتاج إلى مساهمة حيوية لتعبئة الطاقات والموارد البشرية والمالية وبلورة المشاريع المتعلقة بخدمة الرياضة كمدرسة للحياة. نوال نجحت بفضل تفانيها وجديتها في جعل المجال الرياضي مجالا خصبا لترويج القيم الإنسانية الراقية وترسيخ مبادئ المساواة والإخاء والإنصاف والتقارب بين الأمم والشعوب، ومحاربة الانغلاق والتطرف والتهميش والحرمان والظلم، كما أن استطاعت أن توازن بين الحياة الرياضية والجمعوية والعائلية، وتقدم بذلك نموذجا ناجحا ومثالا يتحذى بالنسبة للعديد للنساء في كل المجالات. في إطار الفضاء الرمضاني لسنة 2015، نقدم حلقات من مسار نوال المتوكل يختزل حياة هذه البطلة الاستثنائية التي يصفها الكثيرون بأيقونة التسيير الرياضي على الصعيد الدولي نظرا للدور الذي تلعبه وقيمة العلاقات الدولية الواسعة التي تربطها بمصادر القرار رياضيا، اقتصاديا وسياسيا... كان المدربان ران رينكو وبات مونيهان يطلبان مني أن أقول: "أنا الرقم واحد. أنا أشجع فتاة. القوية التي ستفوز باللقب الأولمبي". كنت أخجل من ذلك، لأنه في عادتنا وأعرافنا لا نقول أنا الأفضل أو أنا الأحسن. كانا يطلبان مني الصعود فوق كرسي وترديد النشيد الوطني المغربي بأعلى صوت حتى يسمعا صوتي وهو يخترق الجدران ليصل في نظرهما إلى العالم. كنت أتساءل: "هل هما عاقلان ونحن ثلاثة فقط في القاعة"؟. لكن صراحة هذا ما شجعني كثيرا، ولن أنسى صنيعهما، وبات مونيهان وران رينكو بعد ذلك من أعز أصدقائي إلى أن توفيا. مع بدء التحضيرات للمشاركة بالألعاب الأولمبية سنة 1984، عدت إلى المغرب بعد انتهاء الأشهر الست الأولى من الدراسة. كانت أول مرة أعود فيها للمغرب، وكانت هناك جنازة أخرى وبكاء آخر على فقدان الوالد، وعاتبت الجميع على عدم إخباري. وزير الشبيبة الرياضة آنذاك المرحوم عبد اللطيف السملالي، جمع أعضاء الفريق الوطني بأكمله، وكان معه الكاتب العام محمد العمراني، أخذنا إلى منزله بجانب القصر الملكي بدرب السلطان بالدار البيضاء، تناولنا الشاي والتحقنا بعد ذلك بالقصر الملكي حيث استقبلنا الراحل الحسن الثاني قبل الألعاب الأولمبية، وتحديدا في شهر يوليوز 1984. كنت الفتاة الوحيدة داخل البعثة المغربية، والطريف أن مسؤولي الوفد نسوا أن يخصصوا لي بذلة أترديها لحضور الاستقبال على غرار باقي أعضاء الذين ارتدوا جلابيب، وعندما استفسرت عن بذلتي. أجابوني بأنه لا يمكن أن أرتدي جلبابا أو بذلة خاصة بالرجال. أتذكر أن نودير أعطاني بعض المال وطلب مني شراء لباس بما أننا كنا بالقرب من درب السلطان، فتوجهت بسرعة لإحدى المحلات القريبة، اشتريت لباسا تقليديا كان عبارة عن قفطان أحمر. عندما كان الراحل الحسن الثاني يتحدث إلينا، خيل إلي أنه يتحدث معي أنا فقط. كان تركيزه رحمه الله على قفطاني الأحمر. ورغم أني كنت في الخلف، ملتصقة بالحائط ورغم قصر قامتي، فقد لاحظني، إذ خاطبنا بصيغة المؤنث. قلت في نفسي : "دين النبي يغلب". لأن الأنثى الوحيدة كانت أنا، ولم تكن خلال الاستقبال لا طبيبة أو صحفية أو مدلكة أو مؤطرة أو رئيسة جامعة أو رياضية، وعلى هذا الأساس كان علي بذل جهد إضافي حتى أكون في مستوى هذا الاهتمام الملكي السامي. أتذكر أن أذناي أصيبتا بالصمم، أصبحت لا أسمع إلا صوتا واحدا. ألا وهو صوت الراحل الحسن الثاني الذي فاجأني بالقول: "سوف تفوزين وتعودين بميدالية. أنا أتمنى وأملي أن ينجح أحد أو واحدة منكم في العودة بميدالية". وبعد خروجنا من القصر، قال لي الجميع: "هل سمعتي جلالة الملك. لقد كان يقصدك". كان هذا حافزا إضافيا بالنسبة لي. وزلأكون صادقة، فقد كان كل أعضاء الوفد بمثابة إخوة لي وعائلة. كانت علاقتي ممتازة برفاقي والمؤطرين والمدربين، وكل الأنواع الرياضات كانت قريبة إلى قلبي. وكنت أجالس الجميع. أجلس مع بودربالة والزاكي والتيمومي والظلمي، والعلاقة التي تجمعني بهم حتى الآن فريدة من نوعها لأنهم هم من كنت أشكو إليهم همومي وأحزاني وأتحدث لهم عن مشاكلي، وعندما أشعر بالخوف كنت ألتحق بهم. الوفد كان يضم 28 رياضيا ورياضية يمثلون كرة القدم وألعاب القوى والملاكمة وحتى المصارعة لأن لشكر كان مع الوفد وربما النجاري تواجد هو الآخر. لست متأكدة. لكن في ألعاب القوى كان هناك سعيد عويطة وفوزي اللهبي ونوال المتوكل. أما فريق كرة القدم فكان يضم الزاكي والظلمي والحداوي وعدد من اللاعبين المعروفين. كنا بالفعل كعائلة واحدة. والغريب، أن مسؤولي الوفد لم يفكر ببذلة خاصة بي، خاصة وأني الأنثى الوحيدة ضمن الوفد الرسمي المسافر للديار الأمريكية، سلمت لأعضاء الوفد بذلات رسمية، وأقمصة خاصة بلعبة كرة القدم، وأتذكر أن القميص الذي سلم لي كان طويلا مقارنة مع حجمي الصغير. غدا: شاركت بدورة لوس انجلوس الأولمبية بدون مدرب...