محطات من حياة بطلة نجحت في تخطي كل الحواجز... 5 تأثير وفاة الوالد وكتمان الخبر من طرف العائلة ومسؤولي الوزارة والجامعة أبطال كثر ميزوا تاريخ الرياضة الوطنية، لما حققوه من إنجازات رائعة أعلت راية المغرب خفاقة في المحافل القارية والدولية، لكن القليل من نجحوا في الحفاظ على بريق اسمه وضمن مسار رائع حتى بعد الاعتزال، في وقت انصاع الكثيرون لإكراهات الواقع المعيش ومشاكل الحياة، مفضلين العيش خلف الظل، والاكتفاء بذكريات الأمس القريب وتفحص ألبومات الصور، والعودة كل ما سنحت الفرصة للعودة لبعض التفاصيل. نوال المتوكل ليست من هذه العينة، باعتبارها واحدة من النماذج الفريدة والغير قابلة للتكرار في سماء البطلات المغربيات والعربيات، فهي بطلة أولمبية في ألعاب القوى في الماضي، وفي الحاضر تتقلد مناصب عليا في دواليب التسيير بالمؤسسات الرياضية على الصعيد الدولي، لكونها ببساطة تملك «كريزمة» تجعلها تحظى بقبول من أي كان، ناهيك عن طيبوبة وتواضع قلما نجدها عند قريناتها، لكن الأهم أن نوال لم ينل منها الاعتزال ولم يتمكن في تثبيط عزيمتها، بل بالعكس حولت اعتزالها كممارسة حافزا لسبر عالم التسيير على أعلى مستوى. غزالة الأطلس مثال للتميز والعصامية والتحول الإيجابي للرياضي بعد انتهاء مسيرته، فهي صنعت نفسها بنفسها، وتحولت من فتاة عادية إلى بطلة أولمبية ومسيرة رياضية ناجحة بكل المقاييس. مباشرة بعد الاعتزال الاضطراري سنة 1987، انخرطت تلقائيا في مجالات التسيير والتأطير، وطنيا ودوليا، وجعلت من قضية المرأة الرياضية هدفا أساسيا لجل تحركاتها، مؤمنة بأن احتلال المرأة الرياضية المكانة التي تستحقها، يحتاج إلى مساهمة حيوية لتعبئة الطاقات والموارد البشرية والمالية وبلورة المشاريع المتعلقة بخدمة الرياضة كمدرسة للحياة. نوال نجحت بفضل تفانيها وجديتها في جعل المجال الرياضي مجالا خصبا لترويج القيم الإنسانية الراقية وترسيخ مبادئ المساواة والإخاء والإنصاف والتقارب بين الأمم والشعوب، ومحاربة الانغلاق والتطرف والتهميش والحرمان والظلم، كما أن استطاعت أن توازن بين الحياة الرياضية والجمعوية والعائلية، وتقدم بذلك نموذجا ناجحا ومثالا يتحذى بالنسبة للعديد للنساء في كل المجالات. في إطار الفضاء الرمضاني لسنة 2015، نقدم حلقات من مسار نوال المتوكل يختزل حياة هذه البطلة الاستثنائية التي يصفها الكثيرون بأيقونة التسيير الرياضي على الصعيد الدولي نظرا للدور الذي تلعبه وقيمة العلاقات الدولية الواسعة التي تربطها بمصادر القرار رياضيا، اقتصاديا وسياسيا... أمام التكتم الذي عامله الجميع بي وبعد وفاة الوالد، وبعد انقطاع أخباره، فضلت الاتصال هاتفيا بالمذكوري ونودير والوزير المرحوم السملالي، وأعضاء الفريق الوطني وأفراد العائلة والجيران، كل من يمكنه إخباري بما يحصل، لكن الإجابات التي كنت احصل عليها لا تخرج عن نطاق: "الوالد خرج أو لايجود هنا أو هو نائم أو سيأتي ويتصل بك". كل كتم عني الخبر، لأنها كانوا متأكدين، أني إذا علمت بالأمر سأحزم أمتعتي وأعود، ولن أتمكن من تكملة ما بدأته. مباشرة بعد الوصول إلى أمريكا، ووضع الأمتعة الخاصة بي، أحسست أن نظرات غريبة تحوم حولي، وتفسرها الوحيد، كيف يتم الرهان على هذه العداءة القصيرة القامة؟، بدت علامات التعجب تبدو علي محيطي، وتساءلوا داخل قرارات أنفسهم، هل هذه بالفعل هي صاحبة المنحة؟. آنذاك لم يكن هناك لا يوتيوب ولا أنترنيت. قبلها كنت قد وصلت إلى المطار ووجدت اسمي وصورة لي، فقلت الحمد لله الأمور مرتبة جيدا، فلأول مرة أسافر وحدي ولمكان بعيد. اتجهت نحو سيدة كانت تحمل صورتي، وتدعى نانسي وهي المكلفة بالجانب التقني داخل الجامعة. قالت لي: "هل أنت نوال؟" أجبتها: نعم. قالت: "اتبعيني". خرجنا من المطار، صعدت معها السيارة. في تلك اللحظة كانت أول مرة أشاهد عالما أبيض. كان الثلج يتساقط، ولم يسبق لي أن رأيته في حياتي. ربما رأيته في الأطلس الكبير، لكن في الشوارع وبتلك الحدة، لم يسبق لي ذلك. الولاية التي قصدتها هي ولاية "أيوا" التي تقع وسط غرب الولاياتالمتحدة. خرجت من السيارة وكنت أرتدي حذاء صغيرا، ومعطفا من الجلد وسروالا التصق بي، نزف الدم من أنفي من شدة البرد. إذ لم يسبق أن أحسست بمثل هذه البرودة، إلى درجة بدأت أبحث عن أذني لأنني أحسست بهما وقد تجمدا، وأصابع يدي أيضا، لأني لم أحضر قفازات. أعتقد أنها كانت أقل من 15 أو 20 درجة. في هذه المنطقة كان البرد قارسا للغاية. آنذاك كنت نحيفة الجسم. قالت لي نانسي: "هل تحسين بالبرد؟" أجبتها أنه لم يسبق لي أن رأيت مثل هذا المنظر. أخذتني نانسي إلى الفندق، والمطار كان يبعد عن الجامعة حيث أقامت ب 80 كيلومترا. الفندق كان اسمه "ميموري لينيون". حجزت لي نانسي غرفة وصعدت إليها. قمت بتشغيل التلفاز لأجد قنوات بالمئات. وبسبب الفارق الزمني ظللت أنتقل من قناة لأخرى إلى أن اتصل بي أحد ما في الهاتف يطلب مني شيئا ما. لم أفهم جيدا ما قالوه لي باللغة الإنجليزية، ولكنني فهمت في الأخير أنهم يطلبون مني النزول، اذ كان الكل في انتظاري، ومن بينهم مدربان ران رينكو وبات مونيهان . وهذا الأخير سبق له درب منتخب السعودية لألعاب القوى، وبمجرد نزولي من الغرفة خاطبني قائلا:، "السلام عليم". بعد سماعي هذه الكلمات باللغة العربية ارتحت كثيرا نفسيا، وقلت في قرارة نفسي: "إنه مسلم ويتلكم اللغة العربية". فأجابني بسرعة قائلا: "لقد كنت مدربا في السعودية، لكن هل أنت نوال المتوكل؟" قلت له: "نعم". المدربان المذكوران كانا يتمتعان بقامة طويلة، وأثناء حديثي معهما كانا ينظران لي من فوق، وهو موقف طريف حقا، نظرا للفارق الكبير في القامة. اقترحا علي الصعود للغرفة وارتداء بذلة رياضية للذهاب إلى الملعب. كانا يرغبان في معرفة هل هذه الفتاة هي نوال؟ وهل تستحق تلك المنحة؟ فعادة ما كانا يزوران الأبطال داخل جامعاتهم بالولاياتالمتحدةالأمريكية، ويطلعان على مستواهم الدراسي والرياضي قبل القبول أو الرفض. بالنسبة لي هذا الأمر تم افتراضيا لأني كنت في المغرب وهم في أمريكا. وبمجرد ما وطئت قدماي الملعب، كنت عبارة عن أرنب تعدو داخل الحلبة، بدأت أجري وأجري وشرعوا في إعطائي التعليمات: "انطلقي .. عودي .. قومي بتمارين تقوية العضلات". وبعدها قالوا لي: "كفى .. كفى. أردنا اختبارك ما دمنا لا نعرف عنك أي شيء، ولم يسبق أن رأيناك، واطلعنا فقط على نتائجك. وعلى هذا الأساس نقترح عليك تسجيل نفسك غدا في الجامعة".