لم تنجح كل النجاءات، داخل كامل أنحاء الجزائر، في إيقاف عبدالعزيز بوتفليقة. حيث أعلن استطلاع للرأي عن فوز الرّئيس المريض، البالغ من العمر 77 عاما، برئاسة البلد الشمال أفريقي للمرة الرّابعة على التوالي، بنسبة توقّعات غير رسمية قدّرت ب 81.53 بالمئة. وذلك رغم أنّ بوتفليقة تعذّرت عليه المشاركة في الحملة الانتخابية، التي دامت ثلاثة أسابيع، بسبب سوء حالته الصحية نتيجة تعرّضه لجلطة دماغية العام الماضي. وقد تحدّث مساعدوه، من ضباط الجيش، نيابة عنه خلال الاجتماعات والملتقيات التي عُقدت في كامل أنحاء البلاد. ثمّ اصطحبه بعضهم إلى مدرسة الشيخ بشير الإبراهيمي، ليُدلي بصوته في مركز الاقتراع بمنطقة البيار بالجزائر. وقد أحاط الكثير من رجال الأمن ببوتفليقة المُقعد، في محاولة فاضحة لإعطاء الانطباع أنه ليس مجرّد رئيس صوري يختبئ خلفه أفراد آخرون أكثر نفوذا وسلطة منه. وهم مجموعة تتكوّن من ضباط عسكريّين يتمتّعون بخبرة واسعة، ورجال أعمال جمعوا الملايين من عائدات النفط والغاز الضخمة، منذ استلام بوتفليقة للسّلطة في العام 1999. ولئن تعتبر الجزائر بلدا شابّا بالأساس – 70 بالمئة من السكان دون سن ال30- إلّا أنّ قلّة قليلة من الناخبين توجّهت يوم الخميس الماضي إلى صناديق الاقتراع. وتشير أرقام وزارة الداخلية إلى أنّ معدّل مشاركة الجزائريين في الانتخابات قدّر ب 51.7 بالمئة ،فيما تقول المعارضة إنّ النسبة لا تتعدّى 30 بالمئة، وهي نسبة تعكس السخرية الشعبية من العملية الانتخابية برمّتها. ويُذكر أنّ بوتفليقة فاز للمرة الثالثة برئاسة الجزائر في انتخابات 2009 بنسبة تصويت تعدّت ال90 بالمئة. وقد جاءت انتخابات 2009 بعد سنة من إلغائه للحدّ الأقصى لسنوات بقاء الرئيس في السلطة. ممّا يفسّر التشاؤم والشطوط حول تزوير التصويت في انتخابات الخميس 17 أبريل 2014، وذلك على الرغم من تواجد 6000 مراقب دولي من الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية للإشراف على العملية الانتخابية. ومع ارتفاع معدل البطالة في صفوف الشباب إلى 75 بالمئة، في أنحاء كثيرة من البلاد، يصبح من البديهي أن تكون "بركات" (أي "كفى") هي الصّرخة الموحّدة لملايين الجزائريين الذين رفضوا التصويت يوم الخميس الماضي. وهذا الرفض ليس بالضرورة مردّه كرههم لبوتفليقة -فهو يبقى رجلا وطنيا بحقّ، بذل حياته من أجل خدمة بلده- ولكن بسبب شيخوخة النظام الذي يمثله. في عمر ال25، عيّن عبدالعزيز بوتفليقة وزيرا للخارجية، إثر انتصار الجزائر في حرب الاستقلال عن فرنسا. ومع وصوله إلى سدّة الحكم في الجزائر سنة 1999، واجهته مهمة شاقّة ومرعبة مُتمثّلة في إنهاء الحرب الأهلية التي أودت بحياة ما يقارب ال 250,000 شخص. وبالتالي، فقد أكسبه دوره في استعادة السلام، بعد سنوات من العنف، الكثير من المعجبين، وبعضهم لا يزال يعتبره، إلى اليوم، «مرشح الاستقرار». من جهة أخرى فقد نجحت ثورات الربيع العربي، سنة 2011، في الإطاحة بديكتاتوريات دول الجوار مثل؛ ليبيا وتونس ومصر. ووحدها الجزائر شكّلت الاستثناء في خضمّ هذه الموجة، على الرّغم من أنّ ملايين الجزائريين سمعوا عن تلك الثورات الديمقراطية، من خلال الفضائيات الإخبارية وشبكة الإنترنت، وغيرها من وسائل الاتّصال والتكنولوجيات الحديثة التي كانت في بدايتها، عندما اعتلى بوتفليقة سدّة الحكم. وعلى الرّغم هذا التطور، مازلت النزعة المحافظة هي المهيمنة على الشعب الجزائري، حيث أنّ أغلب الجزائريّين مازالوا يعتمدون على محطات التلفزيون والصّحف الحكومية لاستقاء الأخبار والمعلومات. وقد تمّ تجنيد حوالي 185,000 شرطيا إضافيا لحماية مراكز الاقتراع، ممّا ساهم في طمأنة الكثيرين، لا سيما أولئك الذين يتذكّرون فترة "التّسعينات السوداء"، وخاصّة الجيل القديم الّذي مازال يتمسّك بذكريات حرب الاستقلال. فالإرهاب الإسلامي يبقى المشكلة الأساسية للبلاد، وقد تعامل بوتفليقة معها دون رحمة. وقد برزت هذه الحاجة الأكيدة إلى اليقظة المستمرة، خلال أزمة الرهائن التي شهدتها عين أميناس، أوائل العام الماضي، عندما قامت قوات الأمن الجزائرية بغارة على حقل غاز، حيث احتجز إرهابيّون أكثر من 800 عاملا، من بينهم العديد من الأجانب. ولم يكن هناك من حلّ بديل وحاسم غير هذا الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلا، لحماية مبيعات الطاقة التي تبلغ قيمتها 200 بليون دولار من احتياطي النقد الأجنبي في البلاد. وهذا لا يمثّل، بأية حال من الأحوال، رأي الأغلبية؛ فنتيجة الانتخابات توحي بأنّ الطريق نحو الديمقراطية الحقيقية في الجزائر مازال طويلا قبل أن يترسخ.