في هذا الأسبوع صنف تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الجزائر ضمن الدول التي تتحكم فيها أنماط من الفساد متعدد الذيول الذي يضرب التنمية الوطنية في الصميم. وفقا لهذا التقرير فإن هذا الفساد المركب والبنيوي المستشري في مفاصل دولة النظام الجزائري، وفي دواليب القطاع الخاص تشمل المعاملات البنكية، والبيروقراطية الإدارية، وعدم احترام الملكية الفكرية، وزيادة على ذلك فإنه أشار إلى غياب الفاعلية في المؤسسات التابعة للقطاعين العام والخاص. أما ترتيب الجزائر في سلم المنظومة التعليمية بكل أنواعها فمتدن أيضا حسب التقرير وتقارير عالمية صدرت سابقا إلى حد يهدد الأجيال الشابة تهديدا لا نظير له. في هذا السياق تمكنت بعض وسائل الإعلام الجزائرية التابعة للقطاع الخاص، من تصنيف المؤشرات الأساسية للفساد الذي يعرقل الاستثمار الأجنبي في الجزائر، منها العراقيل البنكية التي تفرض حصارا مرعبا على حركة الأموال بالعملة الصعبة من الداخل إلى الخارج ومن الخارج إلى الداخل، والرشوة المتفاقمة والجريمة والسرقة وتدني قطاع الصحة، فضلا عن ضعف إدارة الحكومة في التسيير وغيرها من المشكلات. هذا التقرير قد أصاب من حيث تحديده لبعض منابع الفساد، ولكنه يفتقر إلى تقديم كشف شامل لما يحدث في القطاعات التي يفترسها هذا الوباء بما في ذلك الفساد الأخلاقي الذي يعصف بقيم المجتمع الجزائري. بخصوص الاستثمار الأجنبي في الجزائر يلاحظ أن النظام الجزائري لا يملك برنامجا واضحا ومحدد المعالم، وجراء ذلك أصبح الاستثمار خاضعا للمزاج، ومحصورا في ميدان النفط والغاز وفي البناء وفتح الطرق، ومحكوما في الوقت نفسه بعلاقات النظام الحاكم بالمستثمرين الأجانب أفرادا ودولا، أي بمدى خضوع هؤلاء الأفراد لشروط تقاسم الأرباح سريا وبطرق ملتوية بينهم وبين الشخصيات المتحكمة في القرار السياسي، أما على مستوى الدول فإن منح النظام الجزائري لمشاريع الاستثمار مشروط بسكوت الدول الأجنبية المعروفة مثل الصين وروسيا وأميركا وفرنسا وعدد من الدول الأوروبية الأخرى عن تجاوزات النظام في مجالات حرية التعبير والتجمع والمظاهرات السلمية واحترام التعددية الحزبية. وتفيد الوقائع أن الشركات الأجنبية المستثمرة في الجزائر غير مقيدة بقوانين تحمي حقوق اليد العاملة الجزائرية مثل المرتبات والترقية والتقاعد وعدم الطرد التعسفي، فضلا عن غياب ضبط معايير نوعية الإنتاج وفقا للمعايير الدولية. وفي هذا الإطار فإن الشركات الأجنبية المستثمرة حاليا في الجزائر تتصرف باستقلالية وكأنها دول صغرى داخل دولة النظام الحاكم الكبرى. وأكثر من ذلك فإن معظم الصفقات المتوسطة والكبرى والمقدرة بمئات ملايين الدولارات تخضع لمقاييس غير شفافة، حيث أن إبرامها رسميا يكون مشروطا بالرشوة وضمان نسبة مالية تذهب بسرية إلى حسابات المسؤولين الجزائريين الموقعين على العقود. وقد حدث هذا النمط من الفساد أمام مرأى معظم الأحزاب التي تكتفي بالعتاب حينا، وبإعطاء الدروس الفضفاضة في أخلاق إدارة شؤون الدولة حينا آخر. وبطبيعة الحال فإن مثل هذا السلوك لا يخضع للمساءلة من طرف البرلمان أو مجلس المحاسبة أو مجلس الأمة لسبب وحيد وهو أن هذه الهيئات غير مستقلة، وهي في الواقع مجرد بيادق بيد السلطات العليا. إلى جانب ما تقدم فإن الاختلاسات المالية التي برزت إلى السطح في الآونة الأخيرة (وهي مجرد عينات بسيطة إذا ما قورنت بالتلاعبات العملاقة الخفية)، مثل فضائح الطريق السيار وفضائح وزارة الطاقة والمناجم وشركة سوناطراك في عهد الوزير السابق شكيب خليل، لا يزال مرتكبوها إلى يومنا هذا يسرحون ويمرحون. وفي المدة الأخيرة كشفت قيادة حزب العمال الجزائري ملف التلاعبات بالمال العام في عدة وزارات منها وزارة الثقافة، ولكن لا شيء حدث بل سمعنا الكثير من الكلام الذي لا علاقة له بتنفيذ القانون. أما إذا تأملنا ما يتصل ببيروقراطية البنوك الجزائرية التي تتعامل سواء مع المستثمرين الأجانب أو مع فئة العمال الجزائريين المتواجدين في المهاجر الأوروبية الغربية وغيرها من البلدان الأجنبية، فإن عمليات تحويل الأموال بالعملة الصعبة من الجزائر إلى الخارج وبالعكس لا تتم بسلاسة، بل تشوبها تلاعبات وعراقيل لا حصر لها، وفي مقدمتها البطء الشديد وصرف الأموال بالتقسيط وعلى مراحل، ما أدى إلى ازدهار السوق السوداء التي يتحكم فيها بارونات مهمتهم تتلخص في تهريب الأموال وغسلها. ظاهرة الفساد البنيوي في الجزائر بكل أنواعه وأشكاله ذات أبعاد وأذيال متعددة ومتشابكة وهي في تفاقم مستمر، وتنحر المجتمع الجزائري، وهي في الحقيقة عرض واضح للفساد الأكثر خطورة وهو تدهور أخلاقيات الحكم الذي خرب وازع الثقة بين المواطنين وبين المسؤولين وأجهزة الدولة. *كاتب جزائري