لمسنا في مقالنا الأخير أن الشعوب المغاربية في البلدان الخمسة تثوق إلى رفع الحدود فيما بينها؛وأنها للأسف ابتليت بأنظمة سياسية غير متآلفة وغير متجانسة؛لا تراعي غالبيتها مصالح شعوبها المتآخية؛وضربنا المثل بالنظام الجزائري المعاكس للمغرب؛الذي يستمتع بالتضييق عليه بملفات معقدة وشائكة؛كملف الصحراء وغيره؛ويسجل الرأي العام الدولي باستغراب أن رغم فتح المغرب لحدوده الشرقية لا يزال النظام الجزائري مصمما على إغلاق الحدود إلى حين تسوية تلك الملفات؛مدعيا أنه سيكون المتضرر الأكبر من تطبيع علاقاته مع المغرب على مختلف المستويات؛علما أننا بينا سابقا أن المغرب وهو يثوق بحسن نيته إلى تطبيع هذه العلاقات هو الذي سيكون المتضرر على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وبعد أن أبرزنا سابقا أن ثمة مضار عديدة سيتضرر منها المغرب سياسيا من عملية فتح الحدود؛نبرز من خلال هذه الأسطر أن ثمة مضار اقتصادية أيضا على المغرب من جراء فتح هذه الحدود،نجملها كما يلي أدناه. إن الوضعية الاقتصادية بالجزائر كارثية؛حيث أن التقارير الدولية الأخيرة تبرز بوضوح أن النظام السياسي نظام ريعي؛يرتكز على الموارد النفطية بنسبة 98 %؛وأنه لم يتمكن خلال العقود الأربعة من توفير بدائل اقتصادية موازية كما تعلن بعض الدراسات العلمية المحلية عن ذلك وتدق ناقوس خطر الانهيار؛معلنة أن المخزون النفطي والغازي آيل إلى الزوال في غضون عقد ونصف تقريبا. وإن الاتحاد الأوربي أعلن تنديده ورفضه للصيغ الجديدة التي أقرّتها الجزائر في سوق المعاملات،وهو ما ترتب عنه شلل في التجارة الخارجية البينية،وأصبح ينعت الجزائر بدولة اللاستقرار الاقتصادي؛للجوئها إلى تغيير سياساتها الاقتصادية بشكل دائم وارتجالي؛بناء على صيغ قانونية غير دستورية كصيغة القانون المالي التكميلي مثلا واعتماد نظام العقود المحددة وسياسة مركزية القرارات تجاه الاستثمار الأجنبي؛مما يحدث اختلالات بنيوية في النظام الاقتصادي الهش؛ويضعف الثقة فيه ويلحق أضرارا بالمبادلات التجارية مع الخارج. ومما يظهر هشاشة الاقتصاد الجزائري مخلفات الأزمة العالمية عليه كبلد نفطي؛حيث تضررت الجزائر من خسارات جبائية ضخمة؛ناهزت أكثر من 5 مليار دولار سنة 2009 ،إلى حد هروب الاستثمار الأجنبي منها؛كما هو شأن شركة»إعمار» الخليجية التي تعذر عليها الاستثمار في ظل نظام اقتصادي بيروقراطي غامض؛مما يمكن أن نتساءل معه بدورنا عما هي الضمانات التي تضمن لنا استقرار علاقاتنا التجارية مع الجزائر في حالة التطبيع معها؛ما دامت علاقاته مع الاتحاد الأوربي والصين وغيرها من دول الخليج سيئة وغير مطمئنة. إن المغرب يتضرر كثيرا من آفة التهريب الزاحف عليه من الجزائر؛الذي تفشى بسبب اختناق آليات الاقتصاد الجزائري المعطلة محليا؛وهو تهريب يساهم فيها بارونات السوق السوداء تحت حماية كبار ضباط الجيش؛ويزحف على العملة الصعبة والسلاح والنفط والمواد الفلاحية والغذائية والأدوية وغيرها؛ويتسرب التهريب بشكل أكبر وأخطر نحو كل من تونس وليبيا بدرجة أساسية ثم نحو المغرب وموريطانيا أيضا؛وتعاني كل هذه الدول الأربعة بشكل خطير من هذه الآفة؛حيث يناهز رقم معاملات التهريب في المغرب حسب تقديرات جزافية أربع مليارات درهم سنويا؛مما دفع تونس والمغرب إلى تضييق الخناق على المهربين؛وعمدت ليبيا ابتداء من يوليوز الماضي إلى إغلاق بعض النقط الحدودية ورفع رسوم الدخول إلى أراضيها بشكل مضاغف؛مما نتساءل معه بدورنا نحن المغاربة:ما الذي يمكن أن يجنيه المغرب من جراء فتح حدوده مع الجزائر ما دمنا نعاني أصلا منها وهي مغلقة؟ إن الجزائر تعرف إخفاقا اقتصاديا واضحا وهو ما عبر الرئيس الجزائري عنه مبديا استياءه من أعضاء حكومته؛الذين أبدوا فشلا ذريعا في إحقاق النهضة الاقتصادية الموعودة؛إلى حد أنه أصدر انتقادات لاذعة مؤخرا في حق البعض منهم؛معلنا بكل جرأة في يوليوز من السنة الفارطة؛في اجتماع رسمي لرؤساء البلديات بالعاصمة بأن:«كنا نعتقد أن سياسة الاستثمار التي اعتمدناها ستقودنا إلى الجنة،ولكن ظهر أنها ليست كذلك»؛كما وبخ وزير المساهمة مؤخرا في الجلسات الرمضانية على أن :»سياسته قادت البلاد إلى جهنم»؛ملتجئا مؤخرا بنفسه إلى محكمة»بئر مراد رايس»بالعاصمة من أجل رفع دعوى ضد مجهول؛بعد اكتشافه فداحة تبذير المال العام في قطاعات ثلاثة؛وهي قطاع:الطاقة والماء والتجهيزات العمومية؛وبعد انهزامه أمام قوة الرشوة والفساد دعا وسائل الإعلام إلى مساعدته في إدارة ما أسماه »الحرب على الفساد«. وإذا كان المغرب يفكر في جني مداخيل إضافية على المستوى السياحي فقد يزور أراضيه ما بين مائة ألف أو ضعف ذلك إسوة ب186 ألف سائح الذين يزورون تونس؛ وتجني من وراء ذلك ما يقارب حوالي 100 مليون أورو؛إلا أن ثمة مشاكل جمة تترتب على هذه السياحة البينية؛وهذا ما تعاني منه الشرطة التونسية على المدن الحدودية ؛وكذا ليبيا الذي واجهته بفرض 1000 أورو على كل جزائري يرغب في زيارة ليبيا؛مانعة على المواطنين الجزائريين عبور بعض النقط الحدودية؛مما يتعين معه علينا كمغاربة أخذه بعين الاعتبار بعد فتح حدودنا الشرقية؛علما أن القوة الشرائية للمواطن الجزائري انخفضت اليوم؛رغم الزيادات الأخيرة بنسبة 60%؛وذلك بعد تراجع قيمة الدينار الجزائري بشكل ملحوظ وارتفاع نسبة التضخم إلى ما يقارب 12 %؛دون إغفال تفشي البطالة بحوالي 15 % ؛وتراجع نسبة الدخل الفردي وتقلص مساحة الطبقة المتوسطة بتزايد نسبة الفقراء. لم يعد اليوم هناك من داع ليوهمنا النظام الجزائري أن فتح حدوده سيعود عليه بالخسارة الاقتصادية؛حيث أن المجتمع الدولي بكامله يشتكي من سوء تدبير النظام العسكري للشأن الاقتصادي؛وإن المبادلات التجارية مع الجزائر لا يهمها سوى النفط والغاز وليس شيئا آخر؛وإن دول الجوار اكتشفت مؤخرا أن لا جدوى من وراء العلاقات التجارية مع الجزائر؛وإن فتح الحدود معها لا يكون سوى لعوامل اجتماعية وإنسانية وتاريخية وثقافية لا غير؛فمتى ستتفهم الجزائر ذلك؟ ومتى ستتواضع وتغير نظرتها التحقيرية لجيرانها؟خاصة بعدما تطور اقتصاد الجيران بدون نفط و غاز.