في هذا الأسبوع، وبمناسبة إحياء ذكرى الربيع الأمازيغي، شهدت المنطقة الأمازيغية مسيرات سلمية رفع فيها مطلب ترسيم اللغة الأمازيغية في الدستور الجزائري، الذي سيقدم في وقت لاحق للمصادقة في البرلمان ومجلس الأمة. الملفت للنظر هو أن ردود فعل الأحزاب ومعها عدد من الشخصيات المستقلة المعارضة قد تميزت بالاختلاف في الموقف تجاه هذه القضية. هناك فريق يدعو بوضوح إلى ترسيم اللغة الأمازيغية في الجزائر باعتبارها حقا ثقافيا، واعترافا بالهوية الثقافية التاريخية لأكثر من 10 ملايين من سكان الجزائر، ويعتقد هذا الفريق أن هذا الترسيم سيفتح الطريق لترقية هذه اللغة وإخراجها من المرحلة الشفوية إلى أفق لغة الكتابة، والمعرفة، والعلم، والعمل في الإدارة، وإلى ترتيب البيت السياسي الجزائري، بما سيؤدي إلى إنهاء الصراع الذي تتغذى منه بعض الأجنحة المتطرفة التي تستخدم الحق اللغوي كمظلة لتحقيق إما الحكم الذاتي أو الانفصال في المدى البعيد. وبالمقابل هناك تيار ينقسم إلى ثلاثة فروع، أحدهما يقف ضد ترسيم اللغة الأمازيغية، بحجة أن التعددية اللغوية سوف تفرض أمرا واقعا من شأنه أن يهدد الوحدة الوطنية عاجلا أو آجلا، وثانيهما يتذرع بحجة مؤسسة على قناعة أن ترسيم اللغة الأمازيغية سابق لأوانه، وأن المطلوب هو الاتفاق أولا على الحروف التي ستكتب بها هذه اللغة رسميا، والعمل ثانيا، وعلى المدى الطويل، على توحيد قاموسها المختلف في العديد من المناطق الأمازيغية في الشمال والوسط والجنوب الجزائري جنبا إلى جنب تطويرها على مراحل حتى تصبح لغة لها قاموسها المتطور بما في ذلك مصطلحاتها الإدارية والعلمية والفكرية والفلسفية والفنية والتقنية، والأدبية النقدية، أسوة باللغات الحية غير الشفوية. أما التيار الفرعي الثالث فهو يرفض ترسيم اللغة الأمازيغية انطلاقا من زعم هو أنها ليست إلا لهجة، وجراء ذلك فإنها لا ترقى إلى مصاف اللغة، وأنها ليست سوى فرع من اللغة العربية الأصل. وفي الحقيقة فإن إدراج الأمازيغية في الميثاق الوطني والدستور، منذ عدة سنوات، كلغة وطنية اختيارية في المناطق ذات الأغلبية العربية، يعني ضمنيا أنها لا تدرس رسميا على المستوى الوطني، الشيء الذي يعني أنها ليست وطنية بالكامل، كما أن عدم العمل بها، على الأقل، في المؤسسات الإدارية الرسمية المختلفة يعني أيضا أن صفة الوطنية هذه ناقصة. ثم هناك عقبة حقيقية تحول فعلا دون بلورة مناخ إيجابي يساعد على تهيئة محيط اجتماعي ونفسي ومادي تعلن الأمازيغية فيه عن وجودها الطبيعي. إن هذه التناقضات في المواقف تبرز أن الهوية الثقافية في الجزائر ما تزال مشكلة قائمة، وأن كل الترقيعات السابقة والحالية ليست سوى نفخا في الفراغ. *كاتب من الجزائر