في دراسة حول تحديات التنمية المستدامة بإفريقيا أشارت دراسة أجرتها مجموعة التفكير الأمريكية المؤثرة «أطلانتيك كاونسل» أن المغرب، بفضل ثراء وتنوع تراثه الإنساني واللامادي وقربه التاريخي من إفريقيا، يوجد في «موقع متميز» في النقاش بين الشمال والجنوب حول مختلف التحديات المتعلقة بالتنمية المستدامة في القارة. واعتبرت الدراسة، التي تحمل عنوان «استعراض الروابط بين قضايا الغذاء والمياه والطاقة : آفاق عابرة للأطلسي وحظوظ كبيرة لإفريقيا» وتم تقديمها أمس الاثنين بمقر «أطلانتيك كاونسل» بواشنطن، أن «المغرب في وضع جد متميز ليكون مركزا لهذا النقاش». في هذا السياق، ذكرت الدراسة بأن دستور المملكة في ديباجته ينص على الطبيعة التعددية للهوية الوطنية المغربية والمشكلة من مكونات عربية - إسلامية وأمازيغية وصحراوية حسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. وأضافت الدراسة أن تنوع التراث المغربي وقوة المملكة في المجالات العلمية والتجارية، فضلا عن غنى مواردها الطبيعية، إلى جانب الاستقرار السياسي للمغرب، وبرنامجه الإصلاحي، وموقعه الاستراتيجي على واجهتين بحريتين متوسطية وأطلسية يجعل من البلد شريكا أساسيا. وأوضحت الدراسة أن الوكالة الدولية للطاقة حددت، في الواقع، أنه بالنظر إلى المشاكل المتعلقة بالتغيرات المناخية، فالتحديات المرتبطة بالموارد الطبيعية تتطلب «تعاونا غير مسبوق بين الدول المتقدمة والنامية، وكذلك بين القطاع الصناعي والحكومات»، لافتة إلى أن التحديات المتعلقة بقضايا الغذاء والماء والطاقة تتطلب أيضا شراكات مستمرة وعميقة وخلاقة بين الحكومات والقطاعات الصناعية والمجتمع المدني. وتم تقديم هذا التقرير خلال لقاء أطره كل من بيتر إنجليك من (برينت سكوكروفت سانتر أون إنترناشيونال سيكيوريتي)، وكونستونس بيري نيومان، مساعد كاتب الدولة السابق المكلف بإفريقيا، وروبيرت كومبسون، مساعد كاتب الدولة السابق المكلف بالزراعة، وكذا بيتر فام، مدير (أفريكا سانتر) التابع ل (أطلانتيك كاونسل). وكانت دراسة صدرت عن المركز الأميركي للدراسات الدولية والإستراتيجية «CSIS» أشادت بقرار المغرب دعم التعاون جنوب جنوب وتركيز اهتمامه نحو جنوب القارة الأفريقية من أجل تأمين مستقبله؛ مؤكّدة على ضرورة أن تسير كل بلدان شمال أفريقيا، وبالتحديد دول المغرب العربي، قدما في هذا الطريق وبعث استراتيجية تقوم على التكامل بينها وبين بلدان أفريقيا جنوب الصحراء من أجل خلق فرص تدعم التنمية المستدامة في كامل القارة. على مدى عقود طويلة، كانت أوروبا الشريك الإستراتيجي والاقتصادي الأول لدول المغرب العربي وقلما كانت علاقاتها مع جنوب الصحراء ذات أولوية، أما الآن فقد جعلها تغيّر الديناميات الإقليمية والعالمية من جنوب الصحراء منطقة حيوية لكل بلدان المغرب العربي. وترتكز الأهمية الإستراتيجية لأفريقيا على عماد الاقتصاد وعماد الأمن. من الناحية الاقتصادية توفّر أفريقيا جنوب الصحراء أسواقا تزداد اتساعا لأكثر من 870 مليون شخص للتجارة والاستثمار في وقت تحتاج فيه الحكومات المغاربية لتنويع قاعدتها الاقتصادية وشركائها التجاريين. على الصعيد الأمني خلق الاضطراب الإقليمي الناتج بدوره عن الانتفاضات العربية في سنة 2011 وتوسع المساحات التي لا تخضع لسلطة الحكومة في ليبيا ومالي وبلدان أخرى، حاجة ملحة لتقوية التعاون الأمني مع شركاء في منطقة الساحل الأفريقي وغرب أفريقيا. من ثمة قامت كل من المغرب والجزائر وتونس، وحتى ليبيا، بتجديد امتدادها إلى أفريقيا جنوب الصحراء وهي الآن تعيد تحديد أولوياتها الخاصة بالإستراتيجيات الأفريقية، وكل بلد من هذه البلدان يرى أن منطقة جنوب الصحراء بصدد لعب دور حيوي في تعزيز مصالحه الاقتصادية والأمنية في السنوات القادمة.