نسب إلى وزير الداخلية محمد حصاد قوله، خلال مناقشة ميزانية وزارته بمجلس المستشارين، إنه تلقى توجيهات من جلالة الملك في أحد اللقاءات بأن تكون مهمته الأولى، كوزير للداخلية، هي السهر على ضمان الشفافية التامة في إجراء الانتخابات، وزاد بأن ذلك يعتبر لديه أولى الأولويات، متوعدا بمحاسبة رجال السلطة الذين يثبت تورطهم في المساس بشفافية الاستحقاقات، وكشف على أن تعليمات صارمة وجهت لمسؤولي الإدارة الترابية في الجهات والأقاليم تأمرهم بتوخي الحرص على الاحتفاظ بمسافة واحدة أمام الأحزاب السياسية، كما أعلن عن رغبته في الارتقاء بالانتخابات المغربية إلى مصاف انتخابات الدول الديمقراطية... يعتبر الوارد أعلاه التزاما قويا وواضحا من لدن وزير الداخلية، أي الحكومة، بالسهر على سلامة العمليات الانتخابية ونزاهتها، وفق المتعارف عليه ديمقراطيا بهذا الخصوص، وهذا لا يمكن إلا استقباله كرسالة تطمين، وكتجديد لالتزام المملكة بأسس وركائز العملية الديمقراطية. لكن، في المقابل، لابد من التأكيد على أن العملية الانتخابية هي منظومة متكاملة تبدأ فعلا بالقوانين والنصوص والإجراءات، ولكنها أيضا تشمل سلوك المرشحين وأحزابهم، والتزوير والفساد صارا يمتلكان "تقنيات" باتت متفشية في المناطق والأقاليم، ولهما "خبراؤهما" ولوبياتهما وسماسرتهما و"الشناقة" والمتواطئون مع أباطرتهما، وكل هذه الجوانب تساهم مجتمعة في إنتاج الفاسدين وناهبي الجماعات والجهات... عندما تنشط في جهات مختلفة مناورات تحكمية للضغط على منتخبين أو مرشحين أو فعاليات محلية لحمل هذا الانتماء الحزبي بدل ذاك، أو لتغيير الانتماء، وعندما تستعمل أساليب ترهيبية أو تخويفية لتحقيق هذه الغاية، وعندما يجري إنزال ميزانيات ضخمة وخيالية لشراء الأصوات في هذه المنطقة أو تلك، وعندما يصر أعوان السلطات المحلية على فهم الحياد كونه هو صرف النظر نهائيا عن كل الخروقات، وترك المفسدين يفعلون ما يشاؤون، بل وعندما يتحرك مسؤولون إداريون، في الخفاء وأحيانا في العلن، لدفع رؤساء جماعات من الآن وعدد من الأثرياء والفاعلين في مناطقهم للالتحاق بهذا الحزب دون غيره، والسهر على تأمين الاستقطابات، فكل هذا لا يؤدي سوى إلى إفراغ التصريحات والالتزامات، وحتى القوانين، من كل مضامينها ومعانيها. إن تأمين نزاهة الانتخابات يعني امتلاك إرادة سياسية قوية وواضحة للسير في طريق الديمقراطية مهما كلف ذلك، ومهما كانت النتائج، وأيضا يعني النزول إلى الأرض قصد القضاء على التجاوزات في الميدان، وبكل الصرامة اللازمة، خصوصا أن الجميع يعرف ألاعيبها واحتيالاتها، وأساسا عيون الأجهزة والإدارة الترابية في المدن والأقاليم والأرياف التي لا يخفى عنها شيء، وعلى القضاء كذلك أن يحضر بقوة وفاعلية في كامل مسار التخليق وتحقيق النزاهة. البلاد نجحت في امتلاك دينامية إصلاحية وديمقراطية متفردة عن محيطها الإقليمي، وقطعت خطوات مهمة في هذا المسار السياسي والمؤسساتي، ولهذا لم يعد بالإمكان الرجوع ولو خطوة واحدة إلى الخلف، وتعتبر الانتخابات، أي استكمال البناء المؤسساتي وتمتين عمقه الديمقراطي، تحديا وطنيا مصيريا. البداية يجب أن تكون هي الإصرار على إشعاع الديمقراطية والتعددية في المجتمع وفي كامل الفضاء العمومي، وأيضا الرفض الجماعي القوي لكل أشكال التحكم، كما أن الاستحقاقات الانتخابية تمثل فرصة وطنية لكي تستعيد السياسة والعمل الحزبي نبلهما وجديتهما، وأيضا لكي يتم إنقاذ جماعاتنا وجهاتنا وحقلنا الانتخابي من الفاسدين وفاقدي الكفاءة والمصداقية، ومن كل أولئك الذين قادوا مدننا وقرانا إلى منغلقات التردي والبؤس. لا تضيعوا على البلاد فرصة تعزيز الإصلاح ومحاربة لوبيات الفساد. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته