تستعد الفنانة التونسية السويدية سهير أحمد المبروكي صحبة الفنان المغربي حسني مخلص لتقديم تجربة مسرحية جديدة في تونس من خلال الاشتغال على شكل مسرحي عرف في البرازيل بشكل كبير ومن ثمّ تمّ تقديمه في المغرب على أن يكون حضوره لأول مرة في بلادنا خلال الفترة القادمة، وهو ما يُصطلح على تسميته بالمسرح «المظلوم» أو المسرح «المقموع» أو «مسرح المقهورين» وهو في النهاية «théâtre de l'opprimé» أو هو في تعبير آخر «مسرح الشارع» في أحد أوجهه. يعرف هذا النوع من المسرح مسرح (المقهورين) بأنه نوع من أنواع المدارس (المسرحية الحديثة) نشأت على يد البرازيلي (أوغيستو بوال) تكشف هذه المدرسة المسرحية الجوهر الاجتماعي الجمالي الإبداعي الذي يظهر بصورة جديدة وغير مألوفة وعلاقة جديدة تماما بين الجمهور، ويقوم أساسا على ترك المتفرجين يعبرون عن أفكارهم ليكتشفوا مدركات جديدة في أطروحاتهم في منظومة دائرة وعيهم ساعيا إلى هدفه من تجربته المسرحية مشاركة المتفرج حيث « يقوم بنفسه بدور البطولة فيغير من مجرى الحدث الدرامي ويقترح الحلول ويناقش احتمالات التغيير على المستوى الإنساني والاجتماعي والسياسي. لمعرفة خبايا هذه التجربة اتصلت المغرب بالفنانة التونسية سهير المبروكي المقيمة بالسويد وصرحت أن المسرح المقهور تجربة رائدة للمسرح الحديث ظهرت بعد أفول (حركة 20 فبراير) بالمغرب أول بلد عربي، نزل فيه الممثلون من على الخشبة التقليدية وانطلقوا لتحرير الفضاء العام. حملوا الميكروفونات وسلموها إلى عمق الشارع المغربي ليجسدوا واقع القمع الذي يعيشه المواطن. بعيدا عن المقاعد الحمراء، وفخامة المسارح، أسدلوا الستار عن معاناة القهر المغربي مباشرة على الهواء الطلق. وأضافت محدثتنا « لقد اخترت تونس لأنني أولا تونسية و أريد ان تكون لي تجربة في بلادي وثانيا لان نوع هذا المسرح غير موجود في تونس». وحول هذه التجربة قالت محدثتنا انه خلافا للمسرح الكلاسيكي الذي تعودنا به والذي عزل المتلقي عن دائرة الفعل، وعن فرصة التأثير المباشر على الموضوع، يعمل مسرح المقهور على تأسيس علاقة شراكة جديدة بين الفن والمواطن، بين القاعدة المسرحية والشعبية، بين الملقي والمتلقي. مسرح المقهور لما و لم يكتف بتمثيل الواقع بل سعى إلى تغييره، ويعطي الفرصة إلى الجمهور ليتحول من التصفيق إلى التدخل ومن الفرجة إلى الكلام والتعبير والانصداع بالرأي. المسرح المقهور يدفع الإنسان ليكون حقا مواطنا وفاعلا وفي هذا السياق قالت سهير المباركي «أن تكون مواطناً و ممثلا يعني أن تغيِّر المجتمع، أن تكون مواطناً يعني أن تجعل المجتمع في صورة أفضل، وإن مسرح المقهورين بإمكانه أن يساعد على ذلك» هكذا كان المبدأ عند المسرحي «حسني المخلص مؤسس مدرسة مسرح المقهور بالمغرب و كان همه الأول الدفع نحو الحل الاجتماعي وليس التماهي معه كما جرت العادة في المسرح الكلاسيكي.» شراكة تونسية مغربية من أجل الإنسانية حول مشروع المسرح المقهور بتونس قالت سهير المباركي «تنص فكرة المشروع أساسا على تشخيص الناس لتمثيلهم في وضعية قمع، وكيف يمكنهم التدرب على تغيير الواقع بأن تجعلهم في وضعية شبيهة بتلك التي عاشوها، ليتدربوا عليها نفسيا من أجل مقاومتها والبحث عن حلول سلمية وناجعة لتغييرها». وأكدت أنها ستخوض هذه التجربة مع زميلها المغربي حسني مخلص مؤسس مسرح « المقهور» في المغرب. فالفكرة هكذا ابتدأت عند «صحفي وشاعر في الثلاثينات من عمره، درس المسرح بإسبانيا ليحمل بذور الفكرة ويزرعها في بلده المغرب ثم في تونس» على حد تعبيرها. وفي السياق ذاته أكد حسني مخلص أن مسرح المقهورين يتأقلم مع الخصوصيات المحلية لكل دولة، ويحاول الاِندماج مع كل ما هو وطني أو محلي، وإن كانت الهند التجربة الرائدة تُركّز على الرقص والغناء الهندي اللذين وصلت عبرهما للعالمية فإن المغرب اِختار من كل التقنيات شكل «الحلقة» للاقتراب من هويته الوطنية وتعايشه مع الفن الشعبي التقليدي. مسرح المقهورين، هو وجه من أوجه مسرح الشارع وفي تونس هناك عدد من المسرحيين الذين يعملون على هذا المسرح ربما هم يقدمون عروضهم دون تشريك المتقبل، فما الذي ستقدمه هذه التجربة للشباب في تونس وما الذي ستضيفه للمهتمين بمسرح الشارع والعاملين على تشريك المواطن في الفعل الإبداعي؟. تعريف مسرح المقهورين المسرح في تعريفاته الأولية مرتبط بالفعل أي التغيير، وهو يحملنا على إعادة تأهيل وتحليل هذا المعنى وتطويره ليصبح قريناً للقدرة على الكشف والتعرف إلى الحقائق الكامنة داخل التفاصيل الموجودة في مدارات وعوالم حياتنا اليومية البسيطة. كان أوغستو بوال باعث هذا النوع يرى في أشكال الفصل المسرحي التي يتأسس عليه الفضاء الجمالي والابداعي للمسرحية التقليدية أكثر من مجرد تقسيم مكاني شكلي، بل هو عزل للناس عن دائرة الفعل، وعن ممارسة (التغيير)، أي بتحويل المتفرج لمتلقي دون إعطائه فرصة ممارسة التأثير المباشر على موضوع العرض المسرحي. و هنا يعمل مسرح المقهورين ويحاول كما يقول بوال أن يكون مرآة تمكن المتفرج أو المتلقي من التدخل لتعديل صوره الحدث لا مجرد النظر إليها - التغيير- و تخلص تجربة بوال الى العمل على بناء صورة للواقع كما يحللها ويراها الجمهور، بترتيبها من جديد وتبديل ما يلزم وكما يحلو لهم - المقهورين-، فالمقهورون يصورون أنفسهم ومشكلاتهم داخل الحل المسرحي الذي يعطونة للعمل المسرحي من هنا سعى بوال إلى إخراج المتفرجين من البقاء على هامش حركة النص إلى حيز الفعل والتأثير الحقيقي من خلال صيغة حلقة نقاش الحل المسرحي أو كما سميت (مسرح المنتدى) التي عززت التشابك بين الممثلين والمتفرجين في إنتاج العرض، فالمسرح برأيه هو نحن؛ لأننا جميعا ممثلون، ولأن المسرح ليس بحاجة إلى جمهور ومنصة، بل إلى مؤدٍ ليكون قائما وموجودا. يقوم مسرح المقهورين على البحث عن الحل ومحاولة تغيير القهر القائم بسياق النص وولادة جديدة لفكرة ناتجة عن تحليل مجتمع كامل ويصنف الدارسون تجربة بوال ضمن مسرح ما بعد الكولونيالية (الاستعمارية)، والذي يحمل على تأثيرات الإمبريالية على النشاط الثقافي والفكري في بلدان ما بعد الاستعمار. مسرح المقهورين هي فكرة مسرح متصل بكل الناس المقهورين الذين أجبروا على أن يكونوا طائعين دون أن يعطوا الفرصة لاسماعنا أصواتهم.