توطئة: تعرف الجهة الشرقية من المغرب بكونها منطقة متميزة ثقافيا ، إذ أثرت الفعل المسرحي المغربي منذ سنوات السبعين من القرن العشرين بزخم من الإنتاج الدرامي تنظيرا وتطبيقا وممارسة ورؤية، كما أغنته بالعديد من العروض المسرحية الناضجة فرجة وقالبا ومنظورا، وذلك بلغات تعبيرية مختلفة (العربية، والعامية، والأمازيغية، والفرنسية، والإسبانية…)، وضمن مدارس مسرحية متنوعة (كلاسيكية، ورومانسية، وواقعية، وطبيعية، ورمزية، وتجريبية، وسريالية، وتجريدية، وبريختية…).وفي الوقت نفسه، فقد واكب النقد المسرحي بالمنطقة جل ما أنتج من نصوص وعروض وتصورات نظرية درامية متميزة ، وذلك جهويا ووطنيا وعربيا. بل أصبح لهذا النقد الدرامي مناهج ومقاربات في القراءة والتحليل والتقويم والتوجيه، والبعض منها داخلي، والبعض الآخر خارجي.إذاً، ماهي أهم المناهج النقدية التي تسلح بها نقاد المنطقة الشرقية وباحثوها في دراسة المسرح بنية ودلالة ووظيفة ورؤية؟وماهي خصائص هذا النقد ومميزاته منهجا وتصورا وممارسة؟ هذا ما ستعرفونه في هذه الورقة التي بين أيديكم. تحديد مفاهيم الدراسة: قبل مباشرة البحث في هذا الموضوع، علينا أن نتوقف بإيجاز عند بعض المفاهيم الاصطلاحية تفكيكا وتركيبا، بغية استجماع دلالات الموضوع، واستكشاف مقاصده المباشرة وغير المباشرة. ومن بين هذه المفاهيم التي ينبغي التوقف عندها، نذكر: مفهوم المنطقة الشرقية، ومفهوم المنهج النقدي. وعليه، تضم الجهة الشرقية من المغرب الأقصى – كما هو معروف إداريا- مجموعة من المدن والأقاليم التي تزداد توسعا بين حين وآخر ، وذلك في إطار السياسة الجهوية الموسعة التي ينهجها المغرب في السنوات الأخيرة، وهذه المقاطع الترابية هي: وجدة، وفكيك، وجرادة، وتاوريرت، وبركان، والناظور، ودريوش. وقد خضعت هذه الجهة للاستعمار الفرنسي(وجدة، فكيك، تاوريرت، جرادة، بركان) من جهة، والاستعمار الإسباني(الناظور ودريوش) من جهة أخرى، ولا يفصل بين مناطق نفوذ المستعمرين سوى نهر ملوية الذي يصب في البحر الأبيض المتوسط عبر مصب حاضرة السعيدية. وكانت هذه الجهة الشرقية لعقود وسنوات خلت منطقة مهمشة ومقصية من التنمية المستدامة على جميع المستويات والأصعدة، وما تزال هكذا إلى يومنا هذا. بل أكثر من ذلك، كان المستعمر يعدها مغربا غير نافع، وما تزال هذه النظرة مستمرة إلى يومنا هذا عبر تعاقب الحكومات المختلفة، وتناوب الأحزاب السياسية المتعددة الأطياف والألوان، على الرغم مما تتوفر عليه الجهة من إمكانات زاخرة ماديا وماليا ومعنويا وثقافيا. أما فيما يخص المفهوم الثاني ، فالمنهج النقدي عبارة عن خطوات محددة بأهداف معينة، وغايات مضبوطة، ومن ثم، فللمنهج مدخلات ومخرجات ووسائل وطرائق، يمكن الانطلاق منها لاختبار فرضياتنا، وتحقيق أهدافنا. فمن الصعب على المرء أن ينجز مجموعة من الأعمال والمشاريع، بدون أن يضع لنفسه خطة إستراتيجية ممنهجة بغية الوصول إلى الأهداف المنشودة. كما أن المنهج النقدي الأدبي هو عبارة عن خطة مرسومة الأهداف والنتائج، يسترشد بها الناقد أثناء تقويمه للعمل الأدبي إيجابا وسلبا، فإما أن يتعامل مع الأثر الأدبي والإبداعي بطريقة ذاتية انطباعية ذوقية، وإما يعتمد على طرائق علمية وصفية موضوعية؛ لتفادي الأحكام المعيارية المعممة، والابتعاد قدر الإمكان عن التقويم الذاتي التفضيلي الذي يتغير من موقف سياقي لآخر. ومن هنا، فالنقد نوعان: نقد وصفي علمي، ونقد معياري تقويمي. كما يمكن الحديث عن منهجين نقديين رئيسين: منهج يركز على النص من الداخل كالمنهج البنيوي والسيميوطيقي…، ومنهج يركز على الخارج، كالمنهج التاريخي، والمنهج الاجتماعي، والمنهج النفسي… مناهج النقد المسرحي: عرف النقد المسرحي بالمنطقة الشرقية مجموعة من المناهج والمقاربات الوصفية والتفسيرية ، من أجل التعاطي مع الظواهر المسرحية وقضاياها الدلالية والفنية والجمالية، وذلك إن تحليلا، وإن تقويما، وإن توجيها، وإن فهما، وإن تأويلا. وإليكم مجمل المناهج والمقاربات النقدية التي يعرفها النقد المسرحي بالجهة الشرقية في مجال المسرح، وسنركز في هذه الدراسة على الكتب النقدية المنشورة فقط، دون ذكر المقالات والأبحاث ، سواء أكانت منشورة أم غير منشورة، ولا نذكر كذلك الرسائل والأطروحات الجامعية التي لم تنشر بعد.ومن ناحية أخرى، سنعتمد على ضابط منهجي آخر في تحديد نقاد الجهة الشرقية ، ويتمثل في ضابط أصل الولادة ، بدلا من تمثل مكان العمل والاستقرار. منهج الظواهر والقضايا: يعد منهج:” الظواهر والقضايا” من أهم المناهج النقدية التي تعتمد في دراسة المسرح المغربي في المنطقة الشرقية. ويرتبط هذا المنهج النقدي في المغرب بالأستاذ عباس الجراري في مجموعة من كتبه، ولاسيما كتابه:” الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه”، كما يرتبط بالدكتور محمد الكتاني في كتابه:” الصراع بين القديم والجديد”، والدكتور أحمد المجاطي في كتابه:” ظاهرة الشعر الحديث” ، والدكتور عبد السلام شقور في كتابه:” الشعر المغربي في العصر المريني: قضاياه وظواهره” ، والدكتور عبد الحق المريني في كتابه:” شعر الجهاد في الأدب المغربي”، . وقد استلهم الدارسون المغاربة هذا المنهج من كتابات أساتذة الأدب في الجامعات المصرية والعراقية على حد سواء، كما يظهر ذلك واضحا عند نازك الملائكة في كتابها:” قضايا الشعر المعاصر” ، والدكتور عز الدين إسماعيل في كتابه:” الشعر العربي المعاصر: قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية”، ومحمد النويهي في كتابه:” قضية الشعر الجديد” . هذا، ويعرف الدكتور عباس الجراري منهج الظواهر والقضايا بأنه يستعين:”بفكر نقدي يستند إلى الواقع والمعاصرة، وبجدلية وموضوعية تعتمدان على معطيات استقرائية واستنتاجات منطقية، بعيدا عن أي توثن أو معتقدية متزمتة أو موقف تبريري، إذ في ظني- يقول عباس الجراري- أنه لا يمكن فصل المنهج عن المضمون، كما أنه لا يمكن ممارسة نقد قبلي. أي: نقد سابق على المعرفة.ويقضي محتوى المنهج عندي كذلك أن أنظر إلى تلك القضايا والظواهر من زاوية تعطي الأسبقية للتمثل العقلي على النقد التأثري. أي: بنظرة فكرية عقلانية، وليس على مجرد التذوق الفني النابع من الإحساس الجمالي والتأثر العاطفي والانفعال الانطباعي بالأثر المدروس. وإن كنت لا أنكر أهمية المنهج الفني وجدواه بالنسبة لنوع معين من الموضوعات، وقد سبق لي أن جربته في بعض الأبحاث، وخاصة في دراسة لي منشورة عن:” فنية التعبير في شعر ابن زيدون”. وبهذا، يحقق المنهج جملة أهداف، في طليعتها الكشف عن مواطن الجمال، وعن الدلالات الفنية، وما ينبثق عنها من حرارة يحث تحسسها على إدراك ما يتكثف تلك الدلالات من مضامين فكرية، باعتبار الجانب الفني المتمحور حول اللغة وبنائها التركيبي ظاهرا يبطن فكرا، أو أنه بعد أولى يخفي أبعادا أخرى عميقة. وبذلك تبرز قيمة الإبداع، وتبرز من خلالها كل الشحنات الشعرية والطاقات الفكرية والمضامين الإنسانية والأبعاد الصراعية سلبا وإيجابا. كما يحقق المنهج من أهدافه إثبات الوقائع، وربطها بالأسباب، ووصف الظواهر، وتعليلها، والبحث عن بواعثها الخفية والظاهرة القريبة والبعيدة، واستخلاص العلاقات التفاعلية بينها وبين غيرها”[1]. ومن هنا، فمنهج الظواهر والقضايا منهج صالح لدراسة مجموعة من الملامح الأدبية الكبرى والبارزة في الساحة الثقافية والأدبية، مع استكشاف دلالات الظواهر اللافتة للانتباه داخل المجتمع من النواحي الدلالية والفنية والمقصدية، اعتمادا على الاستقصاء، والاستقراء، والارتكان إلى الوصفية، والعقلانية، والموضوعية، وجدلية المضمون والشكل، دون إهمال الذاتية والذوق والأحكام المعيارية التفضيلية. ويعني هذا أن منهج الظواهر والقضايا منهج وصفي تحليلي، وطريقة تفسيرية نستعين بها لدراسة السياق الخارجي والتاريخي ، بغية معرفة إفرازات الظاهرة الأدبية، وتبيان دلالاتها ومقاصدها الفكرية والمرجعية، ورصد صيغها التعبيرية والفنية والجمالية. وتأسيسا على ما سبق، يعد مصطفى رمضاني من أهم نقاد المنطقة الشرقية الذين تمثلوا هذا المنهج النقدي بشكل من الأشكال في كتابه:”قضايا المسرح الاحتفالي”، ذلك الكتاب الذي تناول فيه قضايا الاحتفالية الموضوعية والفنية، من خلال التركيز على مجموعة من الخصائص الدلالية والفنية والجمالية التي يتسم بها المسرح الاحتفالي عند عبد الكريم برشيد[2]. إذ يبدأ كتابه باستعراض أهم الأسباب الذاتية والموضوعية التي أفرزت الاحتفالية بصفة عامة، وجماعة المسرح الاحتفالي بصفة خاصة. ويعني هذا أن الناقد يتكئ على مقترب تاريخي ومرجعي لاستقراء الظروف التاريخية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والنفسية، التي ساهمت في بلورة المسرح الاحتفالي، إن تنظيرا، وإن تطبيقا، وإن إبداعا. هذا، ويتناول الناقد في القسم الثاني من الكتاب مجموعة من المرتكزات النظرية والأدبية الأساسية للمسرح الاحتفالي، و يحصرها الناقد في الخصائص التالية: الاحتفال والتحدي، والإدهاش، والتجاوز، والشمولية، والتجريبية، والاهتمام بالتراث، والشعبية، والإنسانية، والتلقائية، والمشاركة الكلية، والواقعية. كما يشير إلى بعض القضايا والظواهر الأخرى التي يمتاز بها المسرح الاحتفالي، كالنص الاحتفالي، واللغة الاحتفالية. وبعد ذلك، ينتقل الناقد إلى دراسة المكونات السينوغرافية في المسرح الاحتفالي ، من ديكور، وملابس، وإنارة، وموسيقا، وماكياج، وممثل. وقد خصص القسم الثالث لموقع الاحتفالية في النقد المسرحي المغربي والعربي سلبا وإيجابا. وينهي الدارس كتابه القيم بدراسة نقدية تطبيقية تشريحية، يتناول فيه مسرحية عبد الكريم برشيد:” عطيل والخيل والبارود” بالدرس والفحص والتحليل والتأويل، باحثا عن مختلف التجليات الاحتفالية في هذه المسرحية مضمونا وشكلا ورؤية. المنهج التاريخي: يستند المنهج التاريخي إلى التحقيب ، والتوثيق، والأرشفة، والتصنيف. كما يرصد مختلف المراحل التاريخية التي يعرفها المسرح المغربي في صيرورته التطورية، من خلال التشديد على التطور، والمراحل، والتعاقب، والبدايات، والنهايات. ويتم الرصد التاريخي إما بشكل متسلسل، وإما بشكل متقطع، وإما بشكل متداخل.ومن أهم الكتب التي تمثلت المنهج التاريخي، نستحضر كتاب ” المسرح الأمازيغي” لجميل حمداوي[3]، حيث يحفر الباحث في ذاكرة المسرح الأمازيغي قديما وحديثا، متتبعا المنهج الأركيولوجي في إثبات هذا المسرح، باستقراء الوثائق والآثار والنصوص، بغية تحصيل مجموعة من النتائج لفرضيات وأسئلة وإشكاليات مطروحة، وقد توصل الباحث إلى أن المسرح المغربي قديم الجذور والمنابت والأصول، ولم يظهر حديثا مع مسرح الطيب الصديقي، أو مع المسرح المدرسي في سنة 1923م، بل له جذور قديمة تعود إلى المرحلة اللاتينية أو الرومانية. ومن ثم، فقد مر هذا المسرح بمجموعة من المراحل التاريخية المتعاقبة والمتقطعة، حتى أصبح اليوم مسرحا متميزا ومتفردا في اتجاهاته الإخراجية، و بناه الدلالية والفنية والجمالية. ويتجسد هذا المنهج النقدي كذلك في كتاب جميل حمداوي:” مسرح الأطفال بالمغرب”[4]، حيث يتتبع الناقد مسرح الأطفال بصفة عامة، والمسرح المدرسي بصفة خاصة، بالدرس، والتحقيب، والأرشفة، والتوثيق، مع ذكر مختلف أشكال مسرح الطفل وأنواعه بنية ودلالة ووظيفة. المنهج الفني: يعتمد المنهج الفني على استكشاف الخصائص الفنية، وتبيان المقومات الجمالية التي تتسم بها الظواهر المسرحية.ويعني هذا أن الناقد الفني يركز كثيرا على المعطيات الشكلية من جهة، والمقومات اللغوية والأسلوبية والإيقاعية والتركيبية والبنائية من جهة أخرى، دون نسيان المضامين والقضايا والأحداث التاريخية. ومن أهم الكتب النقدية التي تندرج ضمن المنهج الفني ما كتبه مصطفى رمضاني تحت عنوان:” مسرح عبد الكريم برشيد: التصور والإنجاز”[5]. ويجمع هذا الكتاب بين الجانبين: النظري والتطبيقي. كما ينطلق هذا المصنف من المنهج الفني في دراسة تصورات عبد الكريم برشيد التنظيرية، ورصد إنجازاته الإبداعية والنقدية. بيد أن مصطفى رمضاني لم يقف عند حدود المنهج الفني فقط، بل تجاوز ذلك إلى استخدام مناهج نقدية أخرى، كالمنهج التاريخي، والمنهج الاجتماعي، ومنهج التلقي، وذلك أثناء حديثه عن علاقة المسرح الاحتفالي بالجمهور.ومن المؤكد أن الدكتور مصطفى رمضاني هو ناقد الاحتفالية بصفة عامة، والمسرح الاحتفالي بصفة خاصة. فقد كتب الكثير من المقالات والدراسات في تشريح النظرية الاحتفالية، والدفاع عن مبادئ المسرح الاحتفالي صياغة ودلالة ووظيفة، وتصدى بنقده الهادئ لكل من سولت نفسه أن يخدش صورة عبد الكريم برشيد، أو يحاول أن يتزايد عليه في المعرفة الدرامية والثقافة المسرحية . ويقف مصطفى الرمضاني أيضا بكل شجاعة وجرأة في وجه كل من يحاول أن يسخر نقده اللاذع للمس بالنظرية الاحتفالية، ولاسيما إذا كان صاحبه لا يستند إلى أسس علمية وأكاديمية. وفي المقابل، نجد الدكتور مصطفى رمضاني باحثا موضوعيا في أبحاثه ومقالاته ودراساته، يتبنى منهجا علميا أكاديميا رصينا في تتبع النظرية الاحتفالية في تضاريسها التاريخية والدلالية والشكلية والنظرية والإبداعية؛ مما أظهره هذا الدفاع بمثابة محامي عبد الكريم برشيد بامتياز، أو بصورة تلميذ مجتهد وفي ومخلص، يعترف لأستاذه القدير بالجميل والثناء والعرفان. هذا، ويرى مصطفى رمضاني في كتابه بأن النظرية الاحتفالية لم تظهر إلا في أواسط السبعينيات من القرن الماضي مع مسرح الهواة، وظهور مجموعة من الاتجاهات المسرحية التي ظهرت كرد فعل على المسرح الاحتفالي الذي نظر له عبد الكريم برشيد، وهذه الاتجاهات هي: المسرح الثالث مع المسكيني الصغير، ومسرح المرحلة مع الحوري الحسين، والمسرح الفردي مع عبد الحق الزروالي ، ومسرح النقد والشهادة مع محمد مسكين. لكن بداية البحث في التأسيس والتأصيل المسرحي لم تتحقق في الحقيقة إلا في منتصف الستينيات، وامتد هذا البحث مع السبعينيات وعقد الثمانين مع تصورات كل من: يوسف إدريس، وتوفيق الحكيم، وعلي الراعي في مصر، وعز الدين المدني في تونس، ومسرح التسييس بسوريا، وفرقة الحكواتي بلبنان، والفوانيس بالأردن، وجماعة السرادق بمصر. وإن كان التأصيل التراثي قد انطلق مع بدايات المسرح العربي، ولاسيما مع محاولة أبي خليل القباني، ومارون النقاش، ويعقوب صنوع، ومحمد تيمور. وعليه، فلقد أصدر عبد الكريم برشيد مجموعة من البيانات الفردية منذ بيانه الأول سنة 1976م، معلنا تأسيسه لمشروع مسرحي جديد، يتمثل في النظرية الاحتفالية والمسرح الاحتفالي. كما ظهرت بيانات جماعية لأعضاء المسرح الاحتفالي للتعريف بالنظرية المسرحية الاحتفالية، وتبيان مرتكزاتها الفنية والجمالية والفلسفية التي تؤسس لمسرح عربي جديد مغاير للمسرح الغربي. كما انصبت هذه البيانات الفردية والجماعية على شرح النظرية، وتوضيح أسسها الدلالية والتقنية في مجال السينوغرافيا، والإخراج، وتأليف النص الاحتفالي. ومن هنا، فالمسرح الاحتفالي هو تركيب جديد، يجمع بين ماهو ذهني ووجداني. فهو مسرح مخالف للمسرح الملحمي البريختي، الذي يعد مسرحا تعليميا عقلانيا وذهنيا، يخاطب العقل والوعي الإيديولوجي. في حين، لا يخاطب المسرح الدرامي، أو ما يسمى كذلك بالمسرح العاطفي، سوى الإحساس والجوانب الذاتية الشعورية لدى المتفرج. بيد أن أستاذنا مصطفى رمضاني يصحح تصور عبد الكريم برشيد حول البريختية، ذاهبا إلى أن المسرح البريختي يجمع بين الإحساس والعقل معا. ومن ثم، فالاحتفالية نظرية مسرحية قائمة على الحفل والاحتفال، وأن جذور المسرح احتفالية مع بدايات المسرح اليوناني، الذي كان يقدم فرجته الاحتفالية لمباركة الإله ديونيسوس. ومن هنا، يعد التراث من أهم مكونات النظرية الاحتفالية إلى جانب خصائص أخرى، مثل: الشعبية ، والعفوية، والتلقائية،ودائرية الزمن، والتحدي، والإدهاش ، والتحرر من العلبة الإيطالية نحو فضاءات خارجية ترتبط بالشعب والجماهير. كما ترتكز النظرية الاحتفالية على تكسير الجدار الرابع، ورفض نظريتي: الاندماج الأرسطي و التغريب البريختي، وتستبدلهما باللاندماج الاحتفالي. و تثور النظرية الاحتفالية أيضا على مقومات الشعرية الأرسطية، كالوحدات الثلاث، وتقسيم المسرحية إلى فصول ومشاهد ، وتستبدل ذلك بالمسرح الدائري ، والسينوغرافيا القائمة على الاقتصاد، والتقشف في الديكور، وتشغيل مكونات الفن المسرحي الشامل، من غناء، ورقص، ورواية، وشعر، وتمثيل....ويسمي الاحتفاليون الفصل المسرحي بالحفل أو النفس الاحتفالي، ويسمى الممثل والمتلقي بالمحتفل، والعرض بالاحتفال المسرحي. ويلاحظ كل راصد للمسرح الاحتفالي مدى اندماج الجمهور مع الممثلين في تقديم حفلهم الدرامي، عن طريق الارتجال والمشاركة الوجدانية الحميمة، دون أن يكون هناك استلاب للمتفرج؛ لأن الاحتفالية ثورة على التزييف، والتمويه، وتزوير الحقائق. إلا أن الكثير من النقاد يعتبرون الاحتفالية نظرية رجعية، تهادن الإقطاع والسلطة، وهناك من يعدها في هذا الاتجاه التوعوي نوعا من البريختية الجديدة. بيد أن عبد الكريم برشيد يرفض نظرية بريخت؛ لأنها ماركسية التصور، تحاول أن تفرض على الراصد الدرامي موقفا إيديولوجيا معينا، على عكس الاحتفالية التي تصل إلى عقل الراصد ووجدانه عن طريق الحجاج الموضوعي، والاقتناع الشخصي، والإدراك الذاتي، بدون فرض ولا إجبار ولا قسر. هذا، ومن أهم الكتب النقدية الأخرى التي تتبنى المنهج الفني كتاب:” خطاب التأسيس في مسرح النقد والشهادة”[6] لمحمد جلال أعراب ، حيث يتناول فيه مجموعة من الخصائص الفنية والجمالية التي يتسم بها مسرح محمد مسكين على مستوى التصور النظري والممارسة التطبيقية. ويركز محمد جلال أعراب على مجموعة من المحاور الأساسية في مسرح محمد مسكين: كالتنظير المسرحي، ومفهوم الكتابة، والاهتمام بالكولاج، وتبيان أنواع الحدث المسرحي، كالحدث التاريخي، والحدث الإنساني، والحدث السياسي، والحدث الواقعي والاجتماعي، والحدث المتخيل، والاهتمام بالشخصية المرجعية والرمزية والتراثية، دون أن ينسى الباحث دراسة الحوار الدرامي في مسرح محمد مسكين، وتبيان طبيعة لغته الدرامية، والإشارة إلى التناص التراثي بكل أنواع وتجلياته الرمزية، والحديث عن الكوميديا السوداء، واستحضار المسرح المسكيني للمتلقي أو الجمهور ، وذلك عبر آليات التجريب، والتغريب، والتباعد، والميتامسرح، مع التأكيد على مدى تأثر محمد مسكين بالمنهج البريختي في تركيب المسرحية إخراجا وتأثيثا وتشخيصا. المنهج السوسيولوجي: يرتكن المنهج السوسيولوجي أو الاجتماعي إلى تحليل المسرح فهما وتفسيرا وتأويلا، بدراسة النص أو العرض الدرامي في ضوء المعطيات التاريخية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية ، والإيديولوجية، من خلال ربط الإبداع المسرحي بواقعه الاجتماعي بطريقة مباشرة ( المنهج الاجتماعي) ، أو بطريقة غير مباشرة ( البنيوية التكوينية)، أو ربطه بعمليات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك (سوسيولوجية الأدب). ومن أهم الدراسات التي تحسب على المنهج السوسيولوجي، نستحضر كتاب :” جدل القراءة ” لنجيب العوفي[7]، بحيث يخصص المسرح المغربي بفصل من كتابه تحت عنوان:” المسرح المغربي: بانوراما تاريخية”، وينطلق فيه من مرجعيات سوسيولوجية، ومنطلقات إيديولوجية، من خلال ربط المسرح المغربي في تطوره بتطور الواقع المغربي انعكاسا ومحاكاة وأدلجة. والدليل على ذلك ما يورده نجيب العوفي في كتابه من فقرات متنوعة قصرا وطولا، تحمل في طياتها أبعادا سوسيولوجية وإيديولوجية ، تربط المسرح بالرؤى الطبقية، وترصد التفاوت الاجتماعي داخل المجتمع المغربي، وتصدر أحكاما نقدية قريبة من الإيديولوجيا الإسقاطية منها إلى التحليل النقدي الموضوعي:” إن الفن المسرحي كان وما يزال يتسم بحساسية فكرية وإيديولوجية فائقة، وذلك لمباشرته وعلاقته الحية والدينامية بالجمهور، متعلما كان أم أميا، بحيث تبدو المسافة بين الوجه والقناع، بين المشهد والدلالة، مسافة دقيقة وشفافة، يسهل اختراقها وإلغاؤها.لهذا، تبدو الكتابة المسرحية مرآة مصقولة تعكس بوضوح المشارب الأيديولوجية والمصالح الطبقية.أي: إن الكتابة المسرحية تصبح على هذا الأساس، سلاحا إيديولوجيا هاما في مجال الصراع الاجتماعي، تحاول كل طبقة أن تستغله لمصلحتها وأهدافها.وهكذا، تبدو الخريطة المسرحية في المغرب موزعة على نحو مأساوي بين السلطة الرسمية من جهة بمؤسساتها وطوابيرها، وبين السلطة المضادة والمقموعة ، بتناقضاتها واختلافاتها من جهة ثانية.وفي المسافة الواقعة بين السلطتين، تقوم فئات ثالثة بلعبة الأكروبات الانتهازية على خشبة المسرح المغربي.[8]” وما هذا المقتطف النصي إلا نموذج واحد من التحليل الذي يرسمه نجيب العوفي للمسرح المغربي، والذي يقوم على التأويل السوسيولوجي الذي يطفح بالنزعة الإيديولوجية، والربط الانعكاسي المرآوي بين البنية الأدبية والواقع الاجتماعي الزاخر بالتناقضات الجدلية. المنهج الإقليمي: يعد المنهج الإقليمي أو البيئي من المناهج النقدية المعروفة في ثقافتنا العربية القديمة، و يعنى بدراسة الأدب حسب المكان أو البيئة أو المحيط أو الحي أو المدينة أو الإقليم أو الجهة. ومن ثم، يعد ابن سلام الجمحي سباقا إلى تصنيف الشعراء حسب بيئاتهم الإقليمية ، وذلك في كتابه النقدي :” طبقات فحول الشعراء”[9].وبعده، تبعه مجموعة من النقاد القدامى، كالقاضي الجرجاني، والثعالبي، وابن رشيق القيرواني… كما اهتم النقاد العرب المحدثون والمعاصرون بدراسة الأدب إبداعا ونقدا في ضوء المقاربة الإقليمية ، كما يتضح ذلك جليا عند أحمد الإسكندري، وأحمد حسن الزيات، وجورجي زيدان، وأحمد ضيف، وأمين الخولي، وطه حسين ، وشوقي ضيف، وعبد الله كنون، وعباس الجراري، ومحمد المختار السوسي، وابن تاويت[10]… هذا، ومن أهم الكتب المسرحية التي تندرج ضمن المقاربة البيئية أو الإقليمية، نذكر: كتاب :”الحركة المسرحية بطنجة” لرضوان أحدادو[11]، وكتاب:” الحركة المسرحية بوجدة من التأسيس إلى الحداثة” لمصطفى رمضاني[12]، وكتاب:”المجتمع الأصيلي والمسرح” لمصطفى عبد السلام المهماه[13]، و” ذاكرة المهرجان الربيعي لمسرح الطفل” لمحمد حمداوي[14]، وكتاب: ” التأليف المسرحي بشرق المغرب” لحياة خطابي[15]،… وهكذا، فقد تناول مصطفى رمضاني وحياة خطابي تاريخ الحركة المسرحية بمدينة وجدة. في حين، تناول رضوان أحدادو تاريخ الحركة المسرحية بطنجة، وتناول محمد حمداوي مهرجان المسرح الربيعي الذي تشرف عليه حركة الطفولة الشعبية بمدينة الناظور، بينما ركز مصطفى عبد السلام المهماه على تاريخ الحركة المسرحية بمدينة أصيلا. وعليه، فقد تتبع مصطفى رمضاني في كتابه:” الحركة المسرحية بوجدة” نشأة المسرح المغربي بمدينة وجدة ، منذ أن دخلها المستعمر الفرنسي سنة 1907م إلى مرحلة منتصف التسعينيات من القرن العشرين. وقد ركز الناقد على مرحلتين أساسيتين من تطور المسرح بمدينة وجهة : مرحلة التأسيس التي تمتد إلى سنوات الستين من القرن الماضي، ومرحلة الحداثة التي تبتدئ مع مسرح الهواة في سنوات السبعين، وتسمى هذه المرحلة أيضا بفترة النضج المسرحي. وإذا كانت بدايات المسرح بوجدة إلى حد كبير محتشمة إبان فترة الحماية الفرنسية، فيها تأثر واضح بالمسرح المولييري الفرنسي من جهة، وتأثر جلي بالمسرحين: المصري(الفرق المصرية التي زارت الجزائر) والتركي (خيال الظل/القراقوز) من جهة أخرى. إلا أن المسرح الوجدي، بعد فترة الاستقلال، سيرتبط ارتباطا وثيقا بالمؤسسات التعليمية والحزبية والنقابية، وسيقترن كذلك بالجمعيات الفنية والثقافية والإصلاحية إلى غاية سنوات الستين.لكن المسرح بمدينة وجدة لن يعرف نضجه وانتعاشه وازدهاره الفني إلا في سنوات السبعين، مع انطلاق مسرح الهواة، وخاصة مع ظهور المسرح العمالي الذي كان يتزعمه محمد مسكين والمخرج يحي بودلال، وظهور المسرح الطلائعي مع المخرج عمر درويش. ومن ثم، يتوقف مصطفى رمضاني في مقاربته الإقليمية عند علمين كبيرين في مجال المسرح بمدينة وجدة ألا وهما: محمد مسكين مؤسس نظرية النقد والشهادة، ولحسن قناني رائد الكوميديا السوداء أو الكوميك الصادم. وهناك كتاب آخر تطرق إلى الحركة المسرحية بشرق المغرب، وخاصة في مدينة وجدة، من وجهة إقليمية أو بيئية، وهو تحت عنوان:” التأليف المسرحي بشرق المغرب” لحياة خطابي[16]، وتتناول فيه الباحثة الكتابة المسرحية بين التأسيس والتحديث. وبعد أن تقدم الدارسة فرشا تاريخيا للحركة المسرحية بمدينة وجدة، من خلال ذكر مجموعة من الجمعيات التي ساهمت في إثراء الفعل المسرحي بالمدينة، كالمسرح العمالي، وجمعية المسرح البلدي، وجمعية المسرح الشعبي، وجمعية المسرح الطلائعي ، وفرقة المسرح الجامعي للبحث الدرامي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية التي تأسست مع مصطفى رمضاني سنة 1992م…تنتقل الدارسة إلى تقسيم مراحل التأليف المسرحي بوجدة إلى مرحلتين متعاقبتين: المرحلة الكلاسيكية مع يحيى العتيقي الذي قدم مجموعة من النصوص المسرحية الكلاسيكية الخاضعة للوحدات الأرسطية الثلاث ، كما يظهر ذلك جليا في مسرحياته:” هذه هي الحقيقة ولكن…”، و” إنما مثل الحياة الدنيا”، و” دعوة إلى السلام”. وفي هذا الصدد ، تقول حياة خطابي:” إن مسرحيات يحيى العتيقي نموذج للكتابة بالنمط التقليدي الممزوج بروح الكلاسيكية التي كانت تطبعها، وتقيد حريتها، ومراعاتها للوحدات الثلاث للمحاكاة الأرسطية، وللعناصر المؤسسة للنص المسرحي من بداية وصراع وانفجار، وبنخبويتها، لكونها تتوجه إلى جمهور خاص، يقتضي سياسة المهادنة، ودغدغة الشعور، وبوقوفها وراء الأحداث الساخنة، وتكريسها لما هو قائم منه.كما أنها مثال للدراما التقليدية التي تركز على الأسلوب البلاغي في الطرح، مما يغرقها في اللاواقعية، ويجعلها تمارس فعلا الاستلاب على المتلقي، الذي لا يجد أمامه من خيار إلا أن يتماهى مع ما يشاهد أو ما يقرأ ، لأنه يمارس عليه فعل التطهير كما نادى به أرسطو، بما يثيره في النفس من رحمة وخوف.”[17] ومن جهة أخرى، يمكن الحديث عن مرحلة الحداثة على مستوى الكتابة النصية، كما يتجلى ذلك واضحا للعيان عند عبد السلام لوديي (النقاش، والكاشف، والبحار، والمستور، وسفينة الوحدة، والظل الأحمر…)، ومحمد مسكين( امرأة قميص وزغاريد، ومهرجان لمهابيل، واصبر يا أيوب، ونيرون السفير المتجول…)، ولحسن قناني(تقاسيم باسمة على وتر حزين، والجار والمجرور،ورغيف سيزيف، وسيكبر حنظلة..)، ونور الدين الطيبي( الحال والمحال…)، وجلول أعراج (الزحام، والعصف والريحان…)، ومحمد بيوض(سر في البركان، والسوط…)، وبلعيد أبو يوسف (الليل يموت عند الفجر…)، ومحمد المعزوز( الماء والقربان، وابتهاج الرؤيا…)، وبن يحيى العزاوي( مرايا…)، ومحمد حامدي(مهرجان الأحلام…)، وحسن الأمراني(البحر والرجال…)، ومصطفى رمضاني(أطفال البسوس، ولحساب تالي، وبني قردون…)، ومحمد أوجار (ليف…)… وعليه، تمتاز الكتابة المسرحية الحديثة بوجدة بمجموعة من الخصائص والمميزات الدلالية والفنية والجمالية، ويمكن حصرها في: التحرر من الخطابية المباشرة، والميل إلى التخييل، وتجاوز الواقعي نحو الرمزي والشعري والفانطاستيكي، واختراق الأجناس الأدبية، والارتكان إلى التعددية البوليفونية لغة وأسلوبا، والجنوح نحو العمق الفلسفي، والاهتمام بالمتلقي ، وتغليب الاستعارة والإدهاش، والتمرد على السائد الفني والسائد الثقافي، والاعتماد على الصورة المسرحية المتحركة، والربط بين الكتابة المحلية الجديدة والبعد الإنساني، وجدلية الشكل والمضمون، وتكسير نموذج البطل، وتخريب البنية الحدثية تكسيرا وتشظيا، وتجميع أشتات الحكايات الإطارية، وترتيب بنياتها، وتشغيل النهاية المفتوحة(عبد السلام لوديي مثلا)، وتنويع البني الدرامية، واستعمال تقنية الحلم (محمد حامدي)، واستخدام التناص بكل أشكاله الإحالية، وندرة الإشارات الركحية، وتقديم النصوص المسرحية من خلال رؤية إخراجية كما عند لحسن قناني ومصطفى رمضاني ، وتعدد الأنساق اللغوية (الفصحى، والعامية، واللغة الثالثة، والمصرية، والشامية، والعامية الشرقية، واللغات الأجنبية…)، والتحرر من اللغة الرسمية، والميل إلى الرمزية والشاعرية والإيقاعية في استخدام اللغة، وتوظيف الكتابة التراثية، وخاصة الكتابة المقامية ، وتوظيف الملحون ، كما يبدو ذلك واضحا عند بلعيد أبو يوسف ومحمد بيوض… ويلاحظ أيضا أن الكتابة المسرحية الجديدةبوجدة تصدر عن مثقفين عضويين وواقعيين، يحملون رؤى إيديولوجية مختلفة، ويهدفون إلى تغيير الواقع السائد، باستشراف واقع ممكن أفضل ، كما يبدو ذلك واضحا عند محمد مسكين، ولحسن قناني، ومصطفى رمضاني مثلا. كما تنبني هذه الكتابة على مسرح النفي والنقد والشهادة عند محمد مسكين من جهة أولى، وعلى الكوميديا السوداء عند لحسن قناني ومصطفى رمضاني من جهة ثانية ، والواقعية الإسلامية عند حسن الأمراني كما في مسرحيته: ” البحر والرجال” من جهة ثالثة. ومن جهة رابعة، يحضر مسرح التسييس جليا في الكتابة المسرحية الوجدية، بانتقاد السلطة في عنفها الرمزي والمادي والمعنوي، وتعرية تصوراتها الأيديولوجية والديماغوجية. وتنهي الكاتبة بحثها القيم بكون الكتابة المسرحية الوجدية الجديدة تنحو منحى التجريب، باستلهام التراث، وتمثل أشكاله الفطرية، وتشغيل الذاكرة المحلية، واستخدام الحكايات الشعبية والأغنية الشعبية المحلية، وذلك في إطار فرجة شاملة وكاملة، واستعمال كتابة مغايرة ومخالفة قائمة على الانشطار، وتكسير مبدأ الأحادية، وإدخال القارئ في جدلية دائمة مع المؤلف، لملء الفراغات، واستكمال البياضات، وممارسة التأويل، وتفكيك البناء المعماري الكلاسيكي… وفي الأخير، ليس لدينا من ملاحظة على الكتاب سوى أن عنوانه لا ينسجم إطلاقا مع متن الدراسة، فقد اشتغلت الباحثة على نصوص مدينة وجدة، ولم تهتم بكتابات المنطقة الشرقية الأخرى التي لها وزنها وباعها في المجال الدرامي والفني والجمالي والرؤيوي. لذا، ينبغي تغيير العنوان ليكون بهذه الصيغة:” بنية التأليف المسرحي بمدينة وجدة من التأسيس إلى التجريب”. أما إذا انتقلنا إلى كتاب:” ذاكرة المهرجان الربيعي لمسرح الطفل” لمحمد حمداوي، فهو كتاب مونوغرافي يدرس جزءا من الحركة المسرحية بمدينة الناظور، وخاصة ما يتعلق بمسرح الطفل الذي تشرف عليه حركة الطفولة الشعبية بالمدينة نفسها، من خلال تنظيم لمهرجان مسرح الطفل كل ربيع سنوي. زد على ذلك، فالكتاب يعتمد على التأريخ ، والتحقيب، والتوصيف، والتصنيف، والأرشفة، مع تقديم دراسات نقدية للمسرحيات الطفلية المعروضة في المهرجان. كما يلتجئ الكتاب من ناحية أخرى إلى التوثيق الببليوغرافي، بجمع المتون والعروض المسرحية ، مع التعريف بكل الفرق المسرحية التي شاركت في مهرجانات هذا المسرح بمدينة الناظور. المنهج الانطباعي: يرتكز المنهج الانطباعي على استخدام الذوق الفني والجمالي، والانطلاق من معايير ومقاييس تأثرية مصدرها القلب والعاطفة والوجدان. ومن ثم، تتسم أحكام هذا النقد بالتعميم، والإطلاقية، والتسرع في إبداء الآراء الشخصية، والميل إلى الاختصار والابتسار في تحليل المعطى المسرحي. وقد ظهر النقد المسرحي الانطباعي في المغرب منذ فترة الحماية ، حيث ارتبط هذا النقد بالصحف من جرائد ومجلات، واتخذ طابعا تعريفيا، يقوم على تلخيص المسرحية بذكر مضمونها العام، مع رصد جوانبها الدلالية والفنية بشكل مختصر، والابتعاد عن التحليل الدراماتورجي، والاكتفاء ببعض الإشارات الفنية التي تتعلق باللغة والحوار والديكور والملابس…ومن أهم النقاد الانطباعيين في المسرح المغربي، نستدعي كلا من : عبد الواحد الشاوي، وأبي بكر عواد، ومحمد الأوراوي، ومحمد حسن الرامي، ومحمد السوسي، وعبد الكبير الفاسي، ومحمد بن الشيخ…[18] وما يزال هذا النقد المسرحي الانطباعي التأثري بالجهة الشرقية ممتدا في ساحتنا الثقافية ، حيث يتخذ في غالب الأحيان طابعا صحفيا ورقميا من جهة، وطابعا سجاليا من جهة أخرى ، كما نجد ذلك واضحا في كتابات عبد الكريم برشيد في كثير من كتاباته النقدية السجالية التي تتخذ شكل ردود موضوعية وعنيفة على معارضي نظريته الاحتفالية، كما يتبين ذلك جليا في كتابيه: ” الاحتفالية مواقف ومواقف مضادة- الجزء الأول”[19]، وكتاب:”الاحتفالية مواقف ومواقف مضادة- الجزء الثاني”[20]… المنهج الجمالي: يهتم المنهج الجمالي بدراسة مكونات الجمال في المسرحية أو العرض المسرحي من جهة، ودراسة عمليات الرصد والتلقي الجمالي من جهة أخرى. ومن أهم الكتب النقدية ذات الطابع الجمالي بالجهة الشرقية، نستحضر كتاب: ” النص- العرض في المسرح” للبشير القمري[21]… هذا، ويتضح منهج الناقد جليا في مقدمة كتابه الصغير الحجم:” النص هوية إبداعية، أدبية، لغوية، قابلة للقراءة النصية. أما العرض فهو هوية جمالية بالأساس، تؤسس، من خلال الفرجة ، لمواثيق قراءات متعددة في صلب الأنظمة الإشارية المتراكبة خارج مدارات النص المكتوب على الورق- داخل النص المرئي على الركح.الهوية الأولى ثابتة وراسخة: نص الكاتب- المؤلف، نص القارئ.الهوية الثانية متغيرة: نص المخرج، ونص الممثل، ونص السينوغراف، ونص المتلقي، ونص الناقد. بهذا المعنى: النص المسرحي متعدد، وهذا التعدد قائم فيه عندما يتوحل إلى مادة سميعية- بصرية، تشغل إمكانات لانهائية لتقريبه من احتمالات الغربة والتأويل، في ضوء ثقافة المتلقي بكل تشعباته التي تراهن عليها نظرية التلقي، مشفوعة أيضا بجمالية التلقي أو تداولية التلقي: الأولى ترتبط رأسا بالقارئ، بينما تراهن الثانية على منظومة الوعي الفني، وتميل الثالثة إلى الربط بينها، انطلاقا من ممارسة حفريات في النص والعرض معا ، عبر نظام اللغة والخطاب والملفوظ والدلالة. ظاهريا، تبدو هذه القناعات النظرية مفصولة ومنفصلة ، لكنها في العمق متماسكة، وبغض النظر عن كون نظرية التلقي ترصد ارتحال النص عبر الزمان والمكان والتاريخ والمجتمع، فإنها تظل المنطلق في رسم الحدود الكبرى للكتابة المسرحية لدى هذا الكاتب أو ذاك. وتأتي جمالية التلقي لتشيد تاريخا آخر هو تاريخ الإخراج مثلا أو تاريخ الاقتباس والتحويل والاستنبات، ومن خلال ذلك يتخذ النص- العرض هوية مضاعفة توجد في المابين : الأدب والكتابة من جهة، الفن وترجمة النص إلى فرجة، كما يرى باتريس بافيس.أما تداولية التلقي فهي رهان من ضمن رهانات أخرى تعيد إلى الواجهة سؤال التنظير: كيف نقرأ العرض المسرحي؟ هل نتخذ النص المكتوب مدخلا؟ هل نكتفي به كما هو وكما كتبه المؤلف؟ هل نلغيه لصالح العرض؟ هل نربط بينهما، وإلى أي حد يفيد ذلك؟”[22] وهكذا، يتبين لنا بأن بشير القمري ينطلق في دراسته للنص، والعرض، والفرجة، والتصفيق على حد سواء، من منهجية جمالية التلقي تحليلا وتقبلا وتأويلا. المنهج أو النقد التنظيري: يسعى المنهج أو النقد التنظيري إلى تقديم مجموعة من التصورات النظرية حول المسرح ممارسة وتطبيقا ورؤية ووظيفة وأداة، من خلال التركيز على التأليف المسرحي، وتبيان طرائق التشخيص، ورصد آليات السينوغرافيا، وعمليات الإخراج. ومن أهم الكتب التي تندرج ضمن المقاربة التنظيرية ما كتبه عبد الكريم برشيد، ككتابه:” الاحتفالية في أفق التسعينيات، الاحتفالية إلى أين؟”[23]، وكتاب:” المسرح الاحتفالي”[24]، وكتاب ” حدود الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي[25]” ، وكتاب:”فلسفة التعييد الاحتفالي” [26]، حيث ينظر عبد الكريم برشيد لنظريته الاحتفالية وفلسفته العيدية ، وذلك إن نظرية، وإن إبداعا، وإن منهجا ، وإن نقدا. علاوة على ذلك، يمكن الإشارة إلى كتاب:” الكوميديا الصادمة” للحسن قناني[27]، حيث يقدم فيه صاحبه تنظيرا للكوميديا السوداء، كما تتجسد في مسرحياته الدرامية الكثيرة والمتنوعة ، مركزا في كتابه القيم على خصائصها الموضوعية والفنية والجمالية، راصدا أبعادها المرجعية والمقصدية والوظيفية.ويعني هذا أن لحسن قناني ينطلق في كتابه من فلسفة الضحك والفكاهة فلسفيا وأدبيا ودراميا ، معتبرا الكوميديا الصادمة أو الكوميديا السوداء كوميديا الإنسان المقهور والمتفرج المقهور.أي: ” كوميديا السخط والنقمة، والمواجهة والتصدي،كوميديا الوعي النقدي والتشكيك والخلخلة، والهدم والتدمير.[28]” كما تجمع هذه الكوميديا بين الجد والهزل، و المتعة والفائدة، والحزن والضحك. والآتي، أنها توظف مجموعة من الآليات التقنية والجمالية، كالسخرية، والتغريب، والفكاهة، والنقد الكاريكاتوري، والتعرية، والهجاء، والانزياح، والمفارقة، والتضاد، مع تشغيل المنهجية البريختية كما تتمثل في: تكسير الجدار الرابع، وتنوير المتفرج، وإضفاء طابع التباعد والتغريب، وتكسير الإيهام، والابتعاد عن التطهير، واستبداله بالتنوير والتوعية، واستخدام التراث الشعبي ، والاستعانة بالميتامسرح والكوميديا المرتجلة، ومحاربة المسرح الميت أو المسرح التكسبي. ويعني هذا – حسب بيتر بروك في كتابه:” المساحة الفارغة”- أن الكوميديا السوداء من المسرح الخشن الذي يثير المتلقي إدهاشا وإرباكا وحيرة. هذا، وينطلق لحسن قناني في تشكيل نظريته المسرحية المتميزة من مجموعة من المصادر المرجعية، مثل: مسرح المقهورين لأوكيستو بوال، وكارنفالية ميخائيل باختين، والمنهج التعليمي لبريخت، والكوميديا المرتجلة، والمسرح الفقير عند كروتوفسكي، وتصورات بيتر بروك حول المساحة الفارغة، وتشرب مبادئ الاحتفالية، والاستفادة من خطاب الفلسفة(سارتر- برغسون- عبد العزيز لحبابي..) من جهة، وخطاب الأدب(الجاحظ- أبو حيان التوحيدي…) من جهة أخرى… هذا، ومن أهم رواد الكوميديا الصادمة بالجهة الشرقية، نذكر: لحسن قناني، ومصطفى رمضاني، ومحمد مسكين…أما عن أهم الأعمال الإبداعية المسرحية الممثلة لذلك، فنستحضر: ” صهيل الذاكرة الجريحة” و”دونكيشوط بن قحطان”، و” الجار والمجرور”، و” رغيف سيزيف”، و” وقتاش تصحا ياجحا”، و” تقاسيم باسمة على وتر حزين”، و” ميكروكراسي”، و” كوكتيل بلدي”، و” جحا لن يبيع حماره” ، و” الأخلاق ما بقيت” ، و” ماكاين باس”، و” سيكبر حنظلة” لحسن القناني ، و” بني قردون ” لمصطفى رمضاني… المنهج الببليوغرافي: يستند المنهج الببليوغرافي إلى أرشفة الإنتاج المسرحي إبداعا ونقدا، مع تشغيل مفاهيم التأريخ، والتحقيب، والتوثيق، والأرشفة، والتصنيف، والتفسير. ومن ثم، يهدف هذا المنهج إلى تتبع الإنتاجات المسرحية بالجمع والتأريخ والتوثيق. ومن أهم الكتب التي تندرج ضمن المقاربة الببليوغرافية بالجهة الشرقية، نستدعي: كتاب أحمد طنكول:” الأدب المغربي الحديث”، بحيث يخصص المسرح المغربي إبداعا ونقدا بدراسة مستفيضة متميزة وشاملة[29]. ونذكر أيضا كتاب مصطفى رمضاني ومحمد يحيى قاسمي تحت عنوان:” ببليوغرافيا المسرح المغربي “، الذي تناول فيه الباحثان تطور المسرح المغربي إبداعا ونقدا من سنة 1933إلى غاية 2003م[30]. ونذكر كذلك ببليوغرافيات كل من محمد حمداوي في كتابه:” ذاكرة المهرجان الربيعي لمسرح الطفل”[31]، وجميل حمداوي في:”ببليوغرافيا أدب الأطفال بالمغرب”[32]، وقد خصصه بالفصل الثالث من الكتاب… المنهج الدراماتورجي: يستند المنهج الدراماتورجي إلى تحليل الفرجة المسرحية باعتبارها عرضا سينوغرافيا، وذلك بدراسة مكوناتها الإخراجية ، ورصد آليات التشخيص الدرامي، والتركيز على مكونات التأثيث، والإشارة إلى الموسيقا والإضاءة والصوت والتشكيل الفضائي، وعلاقة العرض بالجمهور رصدا وتقبلا وانفعالا وتشابكا، مع تبيان مدارس الإخراج المسرحي داخل العرض، وتحديد طريقة التشخيص، وتوضيح طبيعة التمثيل. ومن أهم الكتب النقدية التي تمثلت المقاربة الدراماتورجية في المنطقة الشرقية، نذكر كتاب:”في التحليل الدراماتورجي” للبشير القمري[33]، حيث يقارب الدارس فيه مسرحية:” رحلة العطش” لعبد الحق الزروالي، ويمكن الإشارة كذلك إلى كتاب دراماتورجي آخر في مسرح الأطفال لجميل حمداوي، وهو تحت عنوان:”مسرح الطفل بين التأليف والإخراج”[34] ، ويستعرض فيه الكاتب مجموعة من الوصفات الإخراجية لمجموعة من الأشكال المسرحية الطفلية…وهناك كتابان آخران للباحث نفسه يندرجان ضمن المنهج الدراماتورجي، مثل:” الإخراج المسرحي[35]” الذي يتتبع فيه الناقد تقنيات الإخراج المسرحي منذ أرسطو إلى يومنا هذا ، وذلك برصد مختلف مدارس الإخراج الحديث والمعاصر، و كتاب” مدخل إلى السينوغرافيا المسرحية[36]“، حيث يدرس فيه الباحث مجموعة من العروض المسرحية ، وذلك في ضوء مقاربة سينوغرافية ميزانسينية، تبرز أنواع التأثيث المسرحي، وتبين أنواع السينوغرافيا، وترصد مختلف أشكالها النمطية ، إن بنية، وإن دلالة ، وإن وظيفة المنهج البويطيقي : يستند المنهج البويطيقي أو الشعري أو الإنشائي إلى دراسة المسرح في ضوء أدبيته المهيمنة، أو شعريته الدرامية، أو في ضوء آلياته الداخلية وعناصره البنيوية أو الإنشائية. بمعنى أن المنهج الشعري أو البويطيقي يعنى بدراسة نظرية الأدب، والبحث عن أدبية النص، وفحص نظرية الأجناس والأنواع والأنماط الأدبية باستكشاف مكوناتها البنيوية، ورصد سماتها التمييزية والاختلافية، كما نجد ذلك واضحا عند محمد قيسامي في كتابه:” حوار مع الكوميديا”، حيث ينظر للكوميديا موضوعا وبنية وشكلا ولغة، بعد أن ضاع كتاب الكوميديا لأرسطو، ولم يبق منه سوى شذرات متفرقة في مجموعة من الكتب، وبعض الإشارات إليه في كتاب:”فن الشعر”. ومن ثم، يستحضر الباحث النص الأرسطي الغائب، ويبني هذا النص المفقود بواسطة التوثيق من جهة، والتخييل من جهة أخرى. وقد اعتمد الباحث في ذلك على كتابة شذرية من ناحية، وكتابة مسرحية في شكل مقامة من ناحية أخرى . ويعني هذا أن الباحث قد توسل بلغة إبداعية فلسفية حوارية، تعتمد على الحلقات والمجالس الليلية مثل: ليالي ألف ليلة وليلة، مع تشغيل كتابة مسرحية درامية لكتابة نص أرسطو الكوميدي على غرار الكتابات الفلسفية لدى: سقراط، وأفلاطون، ونيتشه… مميزات النقد المسرحي بالمنطقة الشرقية: يتميز النقد المسرحي بالمنطقة الشرقية بمجموعة من الملاحظات والخصائص والمميزات التي يمكن حصرها في الاستنتاجات التالية: يلاحظ أن النقد المسرحي بالجهة الشرقية غير قادر على مواكبة جميع النصوص والعروض المسرحية التي تعرض بهذه المنطقة بصفة خاصة، وبالبلاد بصفة عامة؛ نظرا لقلة النقاد المسرحيين بالجهة ، والذين يعدون على الأصابع، فمنهم: مصطفى رمضاني، والبشير القمري، وعبد الكريم برشيد، ونجيب العوفي، وجميل حمداوي، ومحمد جلال أعراب، وجمال الدين الخضيري، وحياة خطابي،… يمكن الحديث عن جيلين من النقاد المسرحيين بالجهة الشرقية، جيل الأساتذة الرواد، كمصطفى رمضاني، وعبد الكريم برشيد، ونجيب العوفي، والبشير القمري…وجيل التلامذة، كجميل حمداوي، ومحمد جلال أعراب، ومحمد قيسامي، وجمال الدين الخضيري، وحياة خطابي… يلاحظ أن النقد المسرحي بالجهة الشرقية خاضعا للمناهج التقليدية في مقاربة النص الأدبي فهما وتفكيكا، إذ يغلب عليه المنهج التاريخي، والمنهج الإقليمي، والمنهج الفني، ومنهج الظواهر والقضايا، والمنهج الببليوغرافي…ومن ثم، يلاحظ غياب للمناهج المعاصرة ومناهج مابعد الحداثة ، كالتفكيكية، والسيميائيات البصرية والذاتية، والنقد الثقافي، والنقد النسوي، والنقد التاريخي الجديد، والنقد الإيكولوجي، والنقد الجنسي، والنقد التكويني، ونقد القراءة والتقبل…على الرغم من وجود مقالات ودراسات حداثية منشورة أو غير منشورة، ولكنها إلى حد الآن لم تنشر في شكل كتب ومؤلفات . يلاحظ على مستوى التراكم والإنتاج في مجال النقد المسرحي أن جميل حمداوي أكثر إنتاجا بالمنطقة الشرقية في مجال النقد المسرحي بتسعة كتب، يتبعه في ذلك مصطفى رمضاني بسبعة كتب، وعبد الكريم برشيد، وبشير القمري، ومحمد جلال أعراب، ومحمد قيسامي، ولحسن قناني، وحياة خطابي… تعد المنطقة الشرقية مهد النظريات المسرحية أو ما يسمى بالتنظير المسرحي، فهناك أربع نظريات رئيسة، وهي: النظرية الاحتفالية مع عبد الكريم برشيد، ونظرية النقد والشهادة مع محمد مسكين، ونظرية الكوميديا الصادمة مع لحسن قناني، والنظرية الإسلامية مع جميل حمداوي… يعد جميل حمداوي أول من صنف كتابا نقديا في المسرح الأمازيغي سنة 2009م، ليس في الجهة الشرقية فقط، بل في منطقة تامازغا بصفة عامة. إذا كان أغلب نقاد المنطقة الشرقية قد اهتموا بنقد المسرح العربي، فإن جميل حمداوي وجمال الدين الخضيري قد اهتما بالمسرح العربي والمسرح الأمازيغي كليهما. إذا كان مصطفى رمضاني مؤسس المسرح الجامعي بوجدة سنة 1992م، فإن جميل حمداوي وجمال الدين الخضيري من مؤسسي مختبر الوطني للمسرح الأمازيغي سنة 2012م. إذا كان أغلب نقاد الجهة الشرقية قد نشروا مؤلفاتهم بالمغرب، فإن هناك من نشر كتبه النقدية خارج الوطن، كمصطفى رمضاني الذي نشر كتابه:” قضايا المسرح الاحتفالي” بسورية، وجميل حمداوي الذي نشر كتابه:” الإخراج المسرحي” بالإمارات العربية المتحدة، ونشر كتابه:” السينوغرافيا المسرحية” بمصر، وعبد الكريم برشيد الذي نشر كتابه:” الاحتفالية: مواقف ومواقف مضادة” بليبيا… إذا كان حسن المنيعي هو المؤسس الفعلي للنقد المسرحي بالمغرب الأوسط، فإن مصطفى رمضاني هو المؤسس الحقيقي للمدرسة النقدية العربية بالجهة الشرقية. في حين، يعد جميل حمداوي هو المؤسس الحقيقي للمدرسة النقدية الأمازيغية بمنطقة الريف، بينما يعد عبد الكريم برشيد هو المؤسس الفعلي للنقد التنظيري في المغرب بصفة عامة. خلاصات واستنتاجات: تلكم-إذاً- نظرة مقتضبة حول مناهج النقد المسرحي بالمنطقة الشرقية من المغرب، وقد رأينا أن هذا النقد قد واكب جل ما تم تقديمه في هذه المنطقة من نصوص مؤلفة، وعروض ركحية، ونظريات درامية، وذلك بالقراءة والتحليل والتقويم والتوجيه. وقد استخدم في ذلك مجموعة من المناهج والمقاربات النقدية، كالمنهج التاريخي، ومنهج القضايا والظواهر، والمنهج الفني، والمنهج الببليوغرافي، والمنهج السوسيولوجي، والمنهج البويطيقي، والمنهج التنظيري، والمنهج الإقليمي…وما يزال الإنتاج النقدي في مجال المسرح بالمنطقة الشرقية قليلا بالمقارنة مع الإنتاجات الإبداعية والفكرية الأخرى، بل يمكن القول: إن عدد نقاد المسرح يعدون على الأصابع. كما أن هؤلاء النقاد لم يبتعدوا كثيرا عن المناهج النقدية التقليدية، كالمنهج التاريخي، والمنهج الموضوعاتي، والمنهج الفني، والمنهج الإقليمي، والمنهج الاجتماعي، ومنهج الظواهر والقضايا… ولم يجربوا بعد مناهج أخرى أكثر حداثة وتجديدا وراهنية في مصنفات وكتب، مثل: مناهج ما بعد الحداثة ( النقد الثقافي- التاريخانية الجديدة- النقد النسوي- النقد البيئي- النقد الجنسي- النقد التفكيكي- النقد التأويلي….)، أو مناهج العلامات السيميائية (سيميائيات الفعل- سيميائيات الأهواء- سيميائيات الكلام- سيميائيات المرئي …)، ومناهج السياق (التداوليات- نظرية أفعال الكلام- نظرية الاتساق والانسجام…)، أو الاستفادة من البلاغة المعاصرة عن طريق استثمار معطيات البلاغة العربية القديمة، وتمثل نظريات البلاغة الغربيةالجديدة. 20 [1] – د.عباس الجراري: الأدب المغربي من خلال قضاياه وظواهره، الجزء الأول، مكتبة المعارف، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1978م، ص:9. [2] – د.مصطفى رمضاني: قضايا المسرح الاحتفالي، مطبعة اتحاد كتاب العرب، دمشق، سورية، الطبعة الأولى سنة 1993م. [3] – د.جميل حمداوي: المسرح الأمازيغي، منشورات الزمن، سلسلة شرفات، الرباط، الطبعة الأولى سنة 2009م. [4] – د.جميل حمداوي: مسرح الأطفال بالمغرب،مكتبة المعارف، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2010م. [5] – د.مصطفى رمضاني: مسرح عبد الكريم برشيد: التصور والإنجاز، مطبعة تريفة، بركان، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2007م. [6] – د.محمد جلال أعراب: خطاب التأسيس في مسرح النقد والشهادة، مطبعة تريفة، بركان، الطبعة الأولى سنة 2009م. [7] – نجيب العوفي: جدل القراءة، دار النشر المغربية، الدارالبيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1980م. [8] – نجيب العوفي: جدل القراءة، ص:85-86. [9] – ابن سلام الجمحي: طبقات فحول الشعراء ، تحقيق محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة. [10] – انظر: د.شكري فيصل: مناهج الدراسة الأدبية، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، الطبعة الخامسة 1982م، صص:158-183. [11] – رضوان أحدادو: الحركة المسرحية بطنجة، منشورات المهرجان الوطني الثامن والعشرين لمسرح الهواة بطنجة ، الطبعة الأولى سنة 1991م. [12] – د.مصطفى رمضاني: الحركة المسرحية بوجدة من التأسيس إلى الحداثة، منشورات كلية الآداب، وجدة، مطبعة النجاح الجديدة ، الدارالبيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1996م. [13] – مصطفى عبد السلام المهماه: المجتمع الأصيلي والمسرح،مطبعة التومي، الرباط، الطبعة الأولى سنة 1975م. [14] -محمد حمداوي: ذاكرة المهرجان الربيعي لمسرح الطفل، منشورات حركة الطفولة الشعبية ، فرع الناظور، مطبعة لمقدم بالناظور، الطبعة الأولى سنة 2007م. [15] – د.حياة خطابي: التأليف المسرحي بشرق المغرب، مطبعة الجسور بوجدة، الطبعة الأولى سنة 2012م. [16] – د.حياة خطابي: التأليف المسرحي بشرق المغرب، مطبعة الجسور بوجدة، الطبعة الأولى سنة 2012م. [17] – د.حياة خطابي: نفسه، ص:34. [18] – انظر: مصطفى بغداد:المسرح المغربي قبل الاستقلال،منشورات الرهان الآخر، الدارالبيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2000م، صص:219-251. [19] – عبد الكريم برشيد: الاحتفالية: مواقف ومواقف مضادة، تينمل للطباعة والنشر، مراكش، الطبعة الأولى سنة 1993م. [20] – عبد الكريم برشيد: الاحتفالية مواقف ومواقف مضادة، إصدارات أمنية للإبداع والتواصل الفني والأدبي، الطبعة الأولى 2010م. [21] – البشير القمري: النص-العرض في المسرح، التنوخي للطبع والنشر، الرباط، الطبعة الأولى سنة 2011م. [22] – البشير القمري: النص-العرض في المسرح، ص:7-8. [23] – عبد الكريم برشيد: الاحتفالية في أفق التسعينيات، الاحتفالية إلى أين؟، منشورات اتحاد كتاب العرب، دمشق، سورية، الطبعة الأولى سنة 1993م. [24] – عبد الكريم برشيد: المسرح الاحتفالي، الدار الجماهيرية، ليبيا، الطبعة الأولى سنة 1990م. [25] – عبد الكريم برشيد: حدود الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي، دار الثقافة، الدارالبيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1985م. [26] – عبد الكريم برشيد: فلسفة التعييد الاحتفالي، دار توبقال لنشر، الدارالبيضاء، الطبعة الأولى سنة 2012م. [27] – لحسن قناني: الكوميديا الصادمة، شركة مطابع الأنوار المغاربية، وجدة، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2012م. [28] – لحسن قناني: نفسه، ص:106. [29] – د.عبد الرحمن طنكول: الأدب المغربي الحديث، منشورات الجامعة، الدارالبيضاء، الطبعة الأولى سنة 1984م، صص:91-120. [30] – د.مصطفى رمضاني ويحيى قاسمي: ببليوغرافيا المسرح المغربي، مؤسسة النخلة للكتاب، وجدة، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2003م. [31] -محمد حمداوي: ذاكرة المهرجان الربيعي لمسرح الطفل، منشورات حركة الطفولة الشعبية ، فرع الناظور، مطبعة لمقدم بالناظور، الطبعة الأولى سنة 2007م. [32] – د.جميل حمداوي: ببليوغرافيا أدب الأطفال بالمغرب، مكتبة المعارف، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2010م. [33] – بشير القمري: في التحليل الدراماتورجي، سلسلة شراع، طنجة، المغرب، العدد:32، سنة 1998م. [34] – د.جميل حمداوي: مسرح الطفل بين التأليف والإخراج، مكتبة المعارف، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2010م. [35] – د.جميل حمداوي: الإخراج المسرحي، الهيئة العربية للمسرح، الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى سنة 2011م. [36] – د.جميل حمداوي: مدخل إلى السينوغرافيا المسرحية، مكتبة المعارف، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2010م.