تكتسب زيارة العاهل الإسباني الملك فيليبي السادس لبلادنا أهميتها ليس فقط اعتبارا لكونها أول زيارة لبلد إفريقي أو عربي يقوم بها الملك الإسباني الجديد، وليس فقط لكونها تعبر عن علاقات حميمية وشخصية عريقة بين الأسرتين الملكيتين في المغرب وإسبانيا، وليس أيضا للارتباطات الاقتصادية والتجارية والمصالح المتبادلة بين الرباط ومدريد، وإنما هي، بالإضافة إلى كل ما سبق، تترجم وعي الملك الإسباني الشاب بالمكانة المحورية للمغرب، وبكونه بلدا «استراتيجيا وذا أولوية» بالنسبة لإسبانيا، ولذلك يتطلع الفاعلون الاقتصاديون والمحللون السياسيون في البلدين كي تضفي الزيارة دينامية جديدة على علاقات المملكتين الجارتين. بالفعل، العلاقات الثنائية بين المغرب وإسبانيا تعيش حاليا وضعا إيجابيا ومستقرا، وشهدت العلاقات التجارية بينهما تقدما في السنوات الأخيرة، كما مثل المغرب وجهة جاذبة للاستثمارات الإسبانية، ويعول على الزيارة الحالية كي تعطي دفعة جديدة للتعاون بين البلدين في مختلف المجالات، وذلك ضمن الأفق الذي كان قد عرضه جلالة الملك في خطاب العرش قبل سنتين حينما شدد على أهمية خلق فضاء جديد للازدهار المشترك وتوفير إمكانات جديدة لفرص العمل وخلق ثروة مشتركة بين إسبانيا والمغرب، وبالتالي التطلع إلى تمتين شراكة إستراتيجية بين البلدين تكون مربحة لهما معا، وتقوم على الاحترام المتبادل والثقة والحوار والتعاون... الجغرافيا، وأيضا التاريخ حكما على المغرب وإسبانيا بضرورة التعاون بينهما وتوطيد جوارهما وشراكتهما، لكن التحديات المطروحة اليوم عليهما وعلى كامل المنطقة والعالم تجعل هذا التعاون أكثر راهنية. إن مخاطر الإرهاب والجماعات المتطرفة، وأيضا تحديات الهجرة غير الشرعية وجرائم عصابات تهريب المخدرات والبشر، كلها تفرض اليوم تكثيف التنسيق الأمني والمخابراتي والعملياتي بين البلدين بشكل ثنائي، وكذلك على الصعيدين الإقليمي والدولي، دفاعا عن الأمن والسلم والاستقرار في المنطقة. من جهة ثانية، إن المغرب الذي كان والد الملك الإسباني الجديد يشدد على إستراتيجية العلاقة معه، ويحرص على استمرار التواصل معه، تجمعه مع إسبانيا مصالح وتحديات مشتركة، وهما مطالبان بمواجهتها معا، كما أن الرباط تتقاسم مع جارتها الشمالية قيم الانفتاح والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ويمكنهما معا الإسهام في تعزيز الاستقرار والتنمية والديمقراطية في كامل المنطقة. المغرب اليوم يعتبر نموذجا في المنطقة، بالنظر لاستقراره السياسي والمجتمعي، وأيضا لما يشهده من دينامية إصلاحية وتنموية وديمقراطية، ولذلك يستحق دعم ومساندة إسبانيا الديمقراطية، وكل بلدان الاتحاد الأوروبي بغاية تطوير مسلسلات الإصلاح والدمقرطة والتحديث والتنمية في باقي بلدان شمال إفريقيا، وبالتالي جعل الفضاء المتوسطي آمنا ومستقرا ومتقدما. يستقبل جلالة الملك إذن العاهل الإسباني الجديد، وتعبر الصورة عن جيل جديد يواصل اليوم مسارات البناء والتحديث، وأيضا عن تطلعات ورهانات جديدة تطرح أمام البلدين وشعبيهما، وتتطلب انخراطا مشتركا لمواجهتها وربحها. ليست الأجيال وحدها التي تغيرت اليوم، وإنما أيضا الأفكار والتمثلات والتقييمات والمصالح وباقي المعادلات، ولهذا لابد اليوم للعلاقات أن تسير في اتجاه تحقيق مصالح وأهداف كل الأطراف، وأن تقوم على الاحترام المتبادل وتجاوز العقليات العتيقة المتكلسة للأزمان السابقة، واستحضار تحديات اليوم، والعمل معا لمواجهتها. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته