يبدأ العاهل الإسباني، الملك خوان كارلوس، اليوم، زيارة عمل رسمية للمغرب، بدعوة من جلالة الملك، وهي الزيارة التي بقدر ما تكشف عن قوة ومتانة الصداقة التي تجمع بين الأسرتين الملكيتين، فهي أيضا لا تخلو من دلالات مرتبطة بسياقاتها، وبالظرفية السياسية والاقتصادية، ليس فقط إقليميا ودوليا، وإنما كذلك على صعيد إسبانيا نفسها. واعتبارا لما سلف، فإن زيارة الملك خوان كارلوس لبلادنا يجب أن تعتبر فرصة للبلدين من أجل تفعيل حوار صريح بينهما، والسعي لتقوية شراكة ثنائية تستحضر مصالح الطرفين معا، وضرورة البناء المشترك للمستقبل بما يحقق التنمية والاستقرار والسلم والتقدم للشعبين الجارين ولمنطقة المتوسط برمتها. العلاقات المغربية الإسبانية يحكمها أيضا التاريخ وتراكماته الثقيلة، كما تحكمها الحسابات السياسوية، خصوصا في داخل إسبانيا. وهذه معضلة جوهرية لا بد للطبقة السياسية الإسبانية أن تجتهد لتجاوزها، وبالتالي تتقدم في اتجاه منطق الزمن الحالي، أي القبول بالاختلاف والتعدد، واحترام الآخر، فضلا عن التخلص من وهم الآخر المتربص أو العدو الكامن داخل الآخر. ومن دون التخلص من هذه العقلية، فإن ثقل الرواسب التاريخية والتمثلات الثقافية سيبقى جاثما ومتحكما في السلوك السياسي الإسباني تجاه المغرب والمغاربة. وفي المقابل، يمكن لهذا التاريخ المشترك نفسه بين المغرب وإسبانيا، وأيضا المشترك الثقافي واللغوي بين فئات كبيرة من الشعبين، أن يساهما في تفعيل وتمتين الحوار والتعاون بين الرباطومدريد، ومن ثم صياغة نموذج إيجابي لتعاون قوي بين بلدين جارين بقوة الجغرافيا، ولهما مصالح إستراتيجية مشتركة لن تتحقق إلا بتعاون ثنائي وطيد بينهما. من جهة أخرى، لقد تطورت في السنوات الأخيرة العلاقات التجارية بين البلدين، وباتت الأسواق المغربية تستقبل الكثير من السلع الإسبانية، كما يحتضن المغرب عددا من المقاولات الإسبانية في مجالات اقتصادية متنوعة، وهذا الارتفاع في منسوب التواصل التجاري والاقتصادي بين البلدين، هو ما يفسر مرافقة وفد الفاعلين الاقتصاديين للعاهل الإسباني في زيارته لبلادنا، وأيضا اهتمام وسائل الإعلام الإسبانية بالزيارة . المغرب اليوم يعرض أمام إسبانيا أفقا لمواجهة أزمتها الاقتصادية والمالية، وهو ما سبق أن لخصه جلالة الملك في إحدى خطبه بالتأكيد على استعداد المملكة لصياغة أرضيات عمل اقتصادي وتنموي استراتيجي مشترك مع جارتها إسبانيا، لما فيه مصلحة البلدين والشعبين، وضمن شعار (رابح – رابح)، وهو ما يجب اليوم أن تستحضره مدريد، وتعمل من أجل إنجاح مساراته. للمغرب أيضا مصالح ترتبط بقضاياه الوطنية والإستراتيجية، وأيضا بتطلعاته التنموية والاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية، فضلا عن مصالح وحقوق جاليته المقيمة في إسبانيا، وأي تعاون مع مدريد لا بد أن يراعيها، ويقدم إجابات مقنعة بخصوصها. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته