إن المؤتمر الوطني التاسع لحزب التقدم و الاشتراكية، الملتئم أيام 30-31 ماي وفاتح يونيو 2014، ببوزنيقة، تحت شعار» مغرب المؤسسات و العدالة الاجتماعية « الذي شارك في أشغاله 2137 مندوبة ومندوب، يمثلون مجموع التنظيمات الحزبية الإقليمية والقطاعات السوسيو مهنية، والمنظمات الموازية، داخل الوطن وخارجه؛ و بعد دراسة متأنية معمقة، ومناقشة مستفيضة، جادة ومثمرة، للأحوال السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية والبيئية بالمغرب، والتحولات الكبرى بالمنطقة العربية والمغاربية، والأحداث والتطورات المتلاحقة على الصعيد الدولي، والوضع التنظيمي للحزب، في ضوء مشاريع الوثائق المعروضة عليه، والتي تمت المصادقة عليها بشبه إجماع، مما يزكي التوجه العام الذي سار عليه الحزب منذ مؤتمره الوطني الثامن سنة 2010، ويحث على مواصلة المشوار وفق ما تقتضيه مستلزمات تثبيت وتطوير المكتسبات المحققة؛ وبعد استماعه للتقرير الذي قدمه الأمين العام للحزب، باسم اللجنة المركزية للحزب، المنتهية ولايتها، والذي يثني المؤتمر على تحاليله الموضوعية للأوضاع السياسية العامة، ويصدق على مجمل مضامينه، خاصة في ما يتعلق بالمستجدات في الساحة الوطنية، وبمشاركة الحزب، الوازنة، في تدبير الشأن العام، ومسألة التحالفات، بصفة عامة، وما يتصل منها بآفاق توحيد وتكتل الصف الوطني الديمقراطي ومستلزمات لم شمل العائلية اليسارية، والحاجة الماسة إلى نموذج تنموي جديد، فضلا عن استحضاره للقضايا الجوهرية والرهانات الجسيمة المطروحة على بلادنا وحزبنا؛ فإن المؤتمر الوطني التاسع لحزب التقدم و الاشتراكية: يثمن، عاليا، الجهود الجبارة، وأجواء الحماس والتعبئة، وروح المسؤولية، التي ميزت مختلف المراحل التحضيرية للمؤتمر التي جرت في إطار احترام مؤسسات الحزب ومقتضيات قانونه الأساسي، وفي ظل الحرص على إعمال الديمقراطية الداخلية، والاستناد إلى التفكير الجماعي الخلاق، مسجلا، باعتزاز كبير، انخراط مجموع الحزب في هذه التحضيرات، من خلال المؤتمرات الإقليمية، ومنتديات النقاش العمومي، ومناقشات داخلية واسعة، وتجمعات جماهيرية حاشدة، ولقاءات تواصلية ناجحة، ومعربا عن ترحيبه وارتياحه بما واكب ذلك من تجاوب جماهيري واسع مع الحزب، واتساع غير مسبوق لدائرة إشعاعه السياسي، وامتداده التنظيمي المتعاظم، عبر مختلف أرجاء الوطن ؛ يسجل، بفخر، المستوى الرفيع للتحليل الموضوعي، الوفي لمدرسة حزب التقدم و الاشتراكية، الممتازة والمتميزة، ولهويته، اليسارية والتقدمية والاشتراكية، واجتهاده الفكري الرصين، ورصيده النضالي والسياسي الثري الذي تضمنته كل من « الوثيقة السياسية وإستراتيجية عمل الحزب» و»الوثيقة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية»، المصادق عليهما بشبه إجماع، داعيا القيادة الوطنية المنبثقة عنه، من لجنة مركزية وأمانة عامة ومكتب سياسي، وكذا مجموع هيئات الحزب وتنظيماته، وسائر مناضلاته ومناضليه، إلى الالتزام بما تحفل به مضامينها من تحاليل دقيقة وبدائل واقعية وتوجهات نيرة. يؤكد على أن قضيتنا الوطنية الأولى تظل محورا مركزيا و انشغالا رئيسيا لحزبنا ولكل مكونات الأمة المغربية، ويعتبر أن مكتسبات بلادنا في مجال الديمقراطية و حقوق الإنسان و الاستقرار السياسي و الاجتماعي لها تأثير مباشر على مسار ومصير معركتنا الوطنية من أجل وحدة بلادنا الترابية وفي سبيل استكمالها باسترجاع مدينتي سبتة ومليلية السليبتين والجزر الجعفرية المستعمرة. لقد ظل الحزب، منذ نشوئه، قبل أزيد من سبعين سنة، يربط بين المعركة الوطنية والديمقراطية، بين ترسيخ الوحدة الترابية واستكمالها وبين تقوية الجبهة الداخلية التي تعني، في الجوهر، الاستقرار على أساس الحقوق و العدالة الاجتماعية و الديمقراطية. وإذ يؤكد المؤتمر صواب مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب كحل وطني ديمقراطي لهذه القضية المصيرية، ولقي ترحيبا دوليا واسعا، يشدد على ضرورة بذل مزيد من الجهود في تفسيره على نطاق أوسع وسط الرأي العام الدولي بمختلف أشكال العمل الدبلوماسي، الرسمي والبرلماني والشعبي، والدفاع عن مواطنينا المحتجزين في تندوف وحقوقهم الإنسانية، وفي مقدمتها حقهم المشروع في العودة إلى وطنهم، مع مواكبة كل ذلك بمزيد من العمل لتمتين الجبهة الداخلية، خاصة من خلال اعتماد مقاربة إدماجية لمعالج القضايا المحلية في أقاليمنا الجنوبية، وعبر إنضاج آليات الحكامة الجيدة. يعبر عن تقييمه الإيجابي لمجمل التطورات السياسية التي عرفتها بلادنا منذ المؤتمر الوطني الثامن لحزب التقدم و الاشتراكية، واندراج هذه التطورات ضمن المهام المركزية التي طرحها مؤتمرنا، من خلال شعاره « جيل جديد من الإصلاحات لمغرب الديمقراطية». وهي تطورات انطلقت مع تعاطي بلادنا مع الحراك السياسي على المستويين العربي والمغاربي، بشكل متميز و خلاق، أفضى إلى تجربة متفردة للمغرب في هذا الحراك العام، سمتها الأساسية: الإصلاح في ظل الاستقرار، وذلك بفضل التفاعل الايجابي والمثمر للمبادرة التاريخية، المقدامة والجريئة لجلالة الملك، في الخطاب الملكي ليوم 9 مارس 2011 ، وهي مبادرة تجاوبت بشكل سريع مع الرغبة العارمة في الإصلاح التي عبرت عنها فئات واسعة من شعبنا، وخاصة الشبابية منها، بمختلف تعبيراتها السياسية والمدنية والحقوقية، وكذا بفضل ما تحلت به أهم مكونات المشهد السياسي الوطني من وعي بالمسؤولية، وشعور بدقة المرحلة، وإدراك لضرورة الانتقال إلى جيل جديد من الإصلاحات، من جهة، و الحافظ على الاستقرار وتوطيده،من جهة أخرى، في محيط جهوي ودولي شديد التعقيد، ويشهد مسارات متمايزة يغلب عليها الاضطراب وضبابية الآفاق. وكل ذلك أتاح توجيه المسار المغربي في اتجاهه الإيجابي المتميز. يعتبر أن التجربة الحكومية الحالية، التي أعقبت مجمل الحراك السياسي العام، وتمخضت عن إقرار الدستوري الجديد و إجراء الانتخابات التشريعية ليوم 25 نونبر 2011، هي جزء لا يتجزأ من التجربة المغربية في الحراك العربي و المغاربي، وأن نجاحها هو نجاح لهذه التجربة المغربية المتفردة. وترتيبا على هذا، يدعو المؤتمر الوطني التاسع لحزب التقدم والاشتراكية جميع أطراف ومكونات المشهد السياسي الوطني، إلى الحرص على إنجاح هذه التجربة، في عمومها، لما لذلك من دعم قوي للديمقراطية والاستقرار السياسي والتماسك الاجتماعي، ومن مصلحة عليا لبلادنا، على المستوى الخارجي، بالنظر إلى ما يوليه الرأي العام الدولي للتجربة المغربية، بكل أبعادها، من تتبع واهتمام وتقدير. يؤكد على الدور المتميز، والفاعل، الذي يؤديه حزب التقدم و الاشتراكية في الائتلاف الحكومي الحالي الذي يقوم على برنامج إصلاحي مشترك، وليس على محو الفوارق الإيديولوجية، والذي يندرج قرار الحزب بشأنه، المتخذ بأغلبية واسعة جدا، والقاضي بالمشاركة الواعية والمسؤولة واليقظة فيه ضمن إطار المنطق السليم نفسه الذي حكم قراره بالمشاركة في حكومات التناوب، منطق تغليب مصالح الوطن العليا وقضايا الشعب الأساسية، من خلال الحرص على الدفع، قدما، بعجلة التغيير الجذري المنشود، ومباشرة الإصلاحات والأوراش الكبرى الضرورية، وتأمين الاستقرار، الذي بدونه لن تقوم للبلاد قائمة. وذلك إعمالا لكل ما شأنه توطيد ثنائية الإصلاح والاستقرار، حيث لا إصلاح بلا استقرار، ولااستقرار بدون إصلاح. وعلاقة بما تقدم، يؤكد المؤتمر على مدى التأثير البين للحزب، وإسهامه الأكيد، في إنجاز المهام الكبرى المطروحة على بلادنا، ومنها الشروع في تفعيل المضامين المتقدمة للدستور من خلال إخراج القوانين التنظيمية ذات الصلة إلى الوجود، مع السهر على توجيهها في اتجاه التأويل الديمقراطي المطلوب، وكذا التنفيذ الفعلي والمتدرج لمضامين « الجيل الجديد من الإصلاحات»، التي طالب بها مؤتمرنا الوطني الثامن، وتمكنه من الدفاع عن الحريات، الفردية والجماعية، وترسانة المكتسبات الديمقراطية والاجتماعية، من داخل الجهاز التنفيذي، بتوافق مع شركائه في الأغلبية، وفي إطار ما يجمع هذه الأغلبية من ميثاق كان لحزبنا مبادرة اقتراحه و صياغته، وكذا ما تتيحه المشاركة في الحكومة الحالية من إمكانيات أوفر للإسهام، على نحو أكبر، في بناء مغرب المؤسسات والعدالة الاجتماعية، والدفاع عن قضايا المساواة بين الجنسين، و الأمازيغية، والشغيلة اليدوية والفكرية، وكل قضايا الفئات المستضعفة والمهمشة من شعبنا. كما يؤكد المؤتمر على ضرورة الاستمرار في مقاربته المسؤولة والمثمرة، منذ مشاركته في حكومة التناوب سنة 1998، متمثلة في التوفيق بين الوفاء لمبادئه المرجعية الأساسية واكراهات التدبير المشترك للشأن العام الوطني. يشدد على ضرورة تسريع وتيرة الأداء الحكومي، و التزام الحكومة بما تضمنه برنامجها من إصلاحات متقدمة في المجالات التشريعية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية والبيئية، مع الحرص على إعطاء مضمون ملموس للطابع الاجتماعي لهذا البرنامج، و الحفاظ على المكتسبات المحققة، والاجتهاد أكثر من أجل بلورة برامج و تدابير جريئة لتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية والسير، إلى أمام، نحو العدالة الاجتماعية و كرامة الشعب و حقوقه الإنسانية الشاملة. يؤكد على المواقف الثابتة لحزب التقدم و الاشتراكية في التضامن مع الشعوب المناضلة ضد الاستبداد و الهيمنة، ومن أجل التحرر و الكرامة و الحقوق الإنسانية، ومنها الشعب الفلسطيني، الصامد في مواجهة جرائم الاحتلال الصهيوني، والمكافح في سبيل استقلاله وحريته، وحقه المشروع في بناء دولة مستقلة وموحدة عاصمتها القدس الشريف. وباعتبار حزب التقدم والاشتراكية جزء من اليسار العالمي، يتبنى كل القضايا العادلة للشعوب عبر العالم، كما كان منذ تأسيسه، فإنه يؤكد، مجددا، على وفائه لقيم السلم و الديمقراطية عبر العالم، و مواجهة العولمة المتوحشة في أفق عالم خال من الحروب والهيمنة والتسلط على خيرات الشعوب، ومن أجل عولمة بديلة عادلة ومنصفة. وإذ يسجل المؤتمر الوطني التاسع التوسع الكبير الذي عرفه الحزب وتزايد إشعاعه وتأثيره، الفاعل في الحياة السياسية الوطنية، وما يحظى به من سمعة طيبة ومصداقية قوية لدى الرأي العام الوطني ومجموع الشعب، ليظل متشبثا بهويته المتأصلة والمستقلة..سمعة طيبة ومصداقية قوية عكستهما، بجلاء وبهاء، الجلسة الافتتاحية الرائعة واللائقة بمقام حزب عتيد من طراز جديد، حزب كرس عقود عمره السبعة من أجل وطن حر وشعب سعيد، تلكم الجلسة التي ستظل عالقة في ذاكرة الحزب وراسخة في وجدانه، والتي شارك فيها المغرب السياسي والنقابي والحقوقي والمدني برمته، فضلا عن حضور أممي وازن، مليء بالمغازي وبليغ الدلالات، على غرار عشرات التحايا الواردة على المؤتمر من مختلف بقاع العالم، للارتباط الوثيق لحزب التقدم والاشتراكية بالعائلة اليسارية والاشتراكية عبر المعمور... إذ يسجل مؤتمرنا ذلك، فإنه يدعو كل تنظيماته المحلية والإقليمية والوطنية، وقطاعاته الجماهيرية ومنظماته الموازية، وسائر مناضلاته ومناضليه، داخل الوطن وفي ديار المهجر، إلى مواكبة هذا التوسع على مستوى التنظيم، والتأطير الفكري والسياسي، والعمل، بالخصوص، على تجسيد ذلك في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، حتى يتأتى للحزب أن يتبوأ المكانة التي يستحقها على صعيد المؤسسات المنتخبة، محليا وجهويا ووطنيا، ومواصلة الارتباط، بشكل أقوى فأقوى، مع قضايا جماهيرنا الشعبية، والدفاع، بمختلف الأشكال الملائمة، والأساليب المناسبة، التي يتيحها العمل السياسي الدؤوب والمسؤول، عن المطالب المشروعة لشعبنا، عموما، والطبقات الكادحة والمستضعفة والفئات المنتجة للثروات المادية والفكرية، على وجه الخصوص، وفاء لهوية الحزب التقدمية واليسارية والاشتراكية والديمقراطية، وانسجاما مع برامجه وشعار مؤتمره الوطني التاسع «دولة المؤسسات والعدالة الاجتماعية «، وسعيا، من شتى المواقع والواجهات النضالية، على تحويل نجاح مؤتمرنا هذا من فكرة شعاره الطموح إلى واقع ملموس وتقدم محسوس، في أفق إنجاز مشروعه المجتمعي القائم على الذهاب بالإصلاحات الكبرى إلى مداها الحداثي المنشود . بوزنيقة في فاتح يونيو 2014