إسماعيل العلوي: من الخطأ اعتماد الحل الأمني لوحده لمعالجة ظاهرة العنف مصطفى الرميد: الوزارة تعمل حاليا على مستوى القانون الجنائي الذي سيتم الإعلان عن مسودته في نهاية السنة الضريس: الجرائم الخطيرة تسجل ارتفاعا عاديا لايتجاوز 2 في المائة سنويا أجمع المشاركون في أشغال المناظرة الوطنية الأولى، التي نظمتها جمعية «سلا المستقبل» السبت الماضي، حول موضوع»العنف المجتمعي والوساطة الجمعوية»، على محدودية المقاربة الأمنية لوحدها لمعالجة ظاهرة العنف والاعتداء بكافة أشكاله خاصة ما بات يعرف بظاهرة التشرميل، مؤكدين على ضرورة اعتماد سياسات مندمجة تنبني أساسا على التربية، دون إغفال الجوانب الأخرى المرتبطة بالظروف الاقتصادية والاجتماعية بتوفير التعليم، وإعداد التراب والتعمير وتحسين ظروف عيش الساكنة. وقال إسماعيل العلوي رئيس جمعية سلا المستقبل، إنه من الخطأ اعتماد الحل الأمني لوحده لمعالجة ظاهرة العنف والاعتداء بكافة أشكاله خاصة ما بات يعرف بظاهرة التشرميل، مبرزا أن معالجة الظاهرة تفترض حلولا تهم في آن واحد قضايا متصلة بإعداد التراب والعمران والتعمير، وتحسين ظروف عيش الساكن، والعناية بالطفولة وتوفير التعليم العالي المستوى والمضمون للجميع والذي يراعي التنشئة الأخلاقية. وأوضح إسماعيل العلوي خلال افتتاحه، هذه المناظرة الأولى من نوعها، والتي قاربت إحدى أخطر الظواهر التي يعرفها المجتمع، والتي احتضن أشغالها المركز الوطني للرياضة مولاي رشيد بسلا، قائلا «إن معالجة الظاهرة تتطلب حلولا تقارب جوانب متعددة تتوزع بين القضايا المتصلة بإعداد التراب والعمران والتعمير وتحسين ظروف عيش المواطنين بتطبيق عدالة اجتماعية مثلى ،وتمتد إلى العناية القصوى بالطفولة في السنوات الأولى من العمر وذلك خلال مرحلة الدراسة والتكوين، مع التأكيد على توفير تعليم من مستوى عالي مضمون للجميع يراعي التنشئة الأخلاقية المرتكزة على احترام الذات واحترام الآخرين». واعتبر، أن الحلول لمعضلة العنف الذي يعد داء يشكل خطورة على الأمة جمعاء، توجد في متناول المجتمع المغربي، إذا توفرت الإرادة السياسية والعزيمة القوية، معلنا عن تعهد الجمعية بعد تنظيم هذه المناظرة لإطلاق مبادرة تشاركية للعمل بشكل ميداني على برنامج يروم التخفيف من آثار كابوس العنف والاعتداء، مراهنا في هذا الصدد على دعم الفاعلين الجمعويين والإدرايين والتربويين لهذه المبادرة مساهمة في ضمان استقرار أحوال المجتمع وتجاوز كل العراقيل التي من شأنها المساس بالاستقرار والطمأنينة التي ينعم بها المغرب. هذا ولفت رئيس جمعية سلا المستقبل، الانتباه إلى مختلف أشكال العنف والإجرام التي بات يعرفها المجتمع والتي تنقلها يوميا وسائل الإعلام بمختلف مشاربها، والتي تخلف مآسي شديدة الوقع على النفوس، والتي تخص أحداث عنف تقع داخل الأسرة بين الأبوين أو بين الأبناء صغارا وأحداثا، أو داخل المدرسة اللتين تعدان مؤسستين مركزيتين في تكوين الشخصية وصيانة التوازن النفساني للناشئة، مضيفا أن العنف الذي تشهده المدرسة بين التلاميذ وبينهم وبين مدرسيهم يعد ظاهرة جديدة لم يكن السلف يعرف مثلها قط. وأضاف أن هذا العنف امتد أيضا إلى الملاعب، حيث تحدث اصطدامات أحيانا متبوعة بالاعتداء على الممتلكات العمومية والخصوصية داخل الملاعب وخارجها، في حين، يشير إسماعيل العلوي أن الرياضة بجميع أشكالها هي مناسبة للإيخاء والتعرف على الغير وتقديره والخوض في المنافسة معه في إطار من النزاهة والاحترام المتبادل. هذا ولم يفت رئيس الجمعية التنبيه إلى شكل آخر من العنف والذي لم يعد يقتصر على الاعتداء على الآخرين، بل تحول إلى اعتداء على الذات نفسها، ممثلا في الإدمان على الكحول وتناول المخدرات، والتي تعد سببا في حدوث جرائم قتل وتنكيل في حق الأهل والأقارب، مشيرا أن كل أصناف الجرائم تؤدي إلى ظهور عنف مضاد لكنه ضروري لزجر مجموع تلك المظاهر المهددة للاستقرار والتعامل المجتمعي المبني على احترام الغير عن طريق الانضباط لمقتضيات القوانين المتوافق عليها والتي تعكس مدى تحضر المجتمع برمته. ومن جانبه، أعلن وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، عن تمكن السلطات العمومية من القضاء على ظاهرة التشرميل التي كادت تهدد أمن المجتمع والتي تم التصدي لها بشكل واضح، مؤكدا أن المقاربة الزجرية لايمكن أن تؤدي إلى وضع حد لظاهرة العنف داخل المجتمع، قائلا: «إن المقاربة الأمنية بطبيعتها زجرية أي بعدية، والجميع يتفق أنه ينبغي إقرار سياسات مندمجة تعتمد التربية أساسا ثم تليها مجموعة من العناصر لمعالجة الظاهرة والتي تشمل الجانب الاقتصادي والاجتماعي». وأشار إلى أن وزارة العدل تحاصر الظاهرة العنف والاعتداء من خلال اعتماد سياسة جنائية والتي تشمل جانب الشريع، والتوجيهات العامة واتخاذ قرارات يومية التي يقتضيها العمل الأمر للقضاء على الجريمة، معلنا أن الوزارة تعمل حاليا على مستوى القانون الجنائي الذي سيتم الإعلان عن مسودته في نهاية السنة، فيما أعدت مسودة مشروع قانون للمسطرة الجنائية يتضمن مقتضيات واضحة لتجريم أفعال الاعتداء، هذا علما أن بعض أنواع جرائم الاعتداء اقتضت وضع نصوص خاصة كأعمال الشغب داخل الملاعب. هذا ولن يفت الوزير الإشارة إلى مواجهة ظاهرة العنف ضد النساء والأطفال وتجريم التعذيب ومعاقبة مقترفيه، مذكرا فيما يتعلق بمحاربة العنف ضد النساء والأطفال فإحداث خلايا لدى المحاكم، وجعل النيابة تواكب هذا الجانب وكذا المسؤولين القضائيين، خاصة خلال سريان القضية على مختلف المستويات المسطرية. هذا وكشف وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، عن تزايد وقائع العنف داخل المجتمع، حيث باتت جريمة العنف ضد السلامة الجسدية وضد الممتلكات العامة والخاصة، تشكل أهم أنواع وأخطر الجرائم التي ابتلينا بها، مشيرا أنه خلال العشر سنوات الأخيرة الممتدة ما بين 2000 و2010 تم تسجيل حوالي 15 مليون قضية زجرية، وهو ما يعني أن القضايا الزجرية تأخذ ما مقداره سنويا مليون ونصف قضية سنويا. وأوضح المسؤول الحكومي قائلا «إن رصيد الوقائع الخاصة بالعنف هي أكثر، على اعتبار أن ما يصل إلى المحاكم أقل وما يمكن أن تكون فيه المتابعة هو أقل من المحال على المحاكم بحكم أسباب قانونية كالحفظ الذي يطال بعض الملفات أو عدم متابعتها أو وقوع الصلح فيها»، مشيرا إلى تعدد أنواع العنف والذي يمتد من العنف داخل الأسرة والمدرسة، الجامعة، والملاعب، والشارع، إلى الاعتداء على الذات مستحضرا أمثلة قيام أشخاص بإحراق الذات لأسباب تافهة، كتلك التي قام فيها شخص بسلا بإحراق ذاته أمام مقر ولاية الأمن بسلا مؤخرا بعد أن أوقفته شرطية لتسجيل مخالفة تخص قانون السير. أما الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية الشرقي الضريس، الذي أشاد بمبادرة جمعية سلا المستقبل على تنظيم هذه المناظرة التي تبحث ظاهرة العنف داخل المجتمع وسبل التغلب عليها من خلال تفعيل دور جمعيات المجتمع المدني، اعتبر أن الإحصائيات المرتبطة بالجريمة بالمغرب تجعل منه أكثر البلدان أمنا في العالم، على اعتبار أنه إذا ما تم مقارنة حجم الجرائم التي يعرفها المغرب بحجم الجرائم المسجلة في الدول التي تنشر إحصائيات منظمة حول الظاهرة،فإن المغرب لازال بعيدا عن هذه المعدلات العالمية، موضحا بالأرقام، أن نسبة الجريمة بالمغرب بلغت 21 في المائة سنة 2013 لكل ألف مواطن، مقابل تسجيل أكثر من 50 في المائة في فرنسا، فيما بالنسبة لجرائم القتل تسجل في المغرب حوالي 590 حالة قتل عمد سنويا أي جريمة لكل 1.96 لكل 100 ألف مواطن، وهو معدل بعيد عن المعدلات المسجلة في كثير من البلدان حيث تصل إلى 60 جريمة لكل 100 ألف مواطن. وأرجع الضريس في تدخل ألقاه بالنيابة عنه، محمد أوزكان العامل مدير التنظيم والحريات العامة بوزارة الداخلية، مستوى الإحساس بعدم الأمن لدى المواطنين وتمظهر العنف يرتفع بطريقة لاتتناسب مع وضعية الجريمة وذلك يعود بالأساس للتهويل الذي يرافق ارتكاب الجرائم أو بعضها، سواء من خلال تناسل الإشاعات أو تناول هذه الجرائم من طرف وسائل الإعلام ربما لغايات ليست بالضرورة الإخبار، يقول المتحدث. وأفاد أن تمظهرات هذا العنف التي يعرفها يوميا سواء من موقعه كمسؤول أو كعضو داخل المجتمع، تتعدد ويأخذ مستويات مختلفة انطلاقا من الأفراد والأسرة والحي وفي بعض الأحيان إلى يصل إلى مستويات وحلقات أكبر، لكنه مع ذلك يبقى محدودا، مشيرا بشكل صريح إلى نجاح المغرب فى الحد من انتشار العنف وذلك باعتماد خطة بعيدة المدى ومتعددة الجوانب، بالقول، «إن الكثير من الدول قد اكتوت بنيران العنف الذي هدد في بعض الأحيان كيان الدولة، فإن المغرب استطاع أن يبني مجتمعا يعتمد إلى حد بعيد قيم التساكن والتعايش بين جميع مكوناته». وفيما يتعلق بالإحصائيات الخاصة بالجريمة وتطور العنف في الزمان والمكان، واقترافه ضد الأشخاص والممتلكات والنظام العام، أفاد الضريس،أنه على مستوى التوزيع الجغرافي يبقى مركزا بالمدن بنسبة تتجاوز الثلثين، حيث تسجل بها 86 في المائة من جميع مظاهرة العنف والجرائم والمخالفات، بينما الثلث الباقي يسجل في العالم القروي. وسجل في ذات الوقت تطور الحجم الإجمالي للجريمة خلال السنوات الأخيرة بسرعة تفوق التزايد الديمغرافي، بنسبة تصل إلى حوالي 6 في المائة، وأرجع هذا التطور بالأساس للارتفاع المهم الذي تعرفه نسبة الجريمة الصغرى، معلنا أنه في مقابل ذلك، فإن الجرائم الخطيرة تسجل ارتفاعا عاديا لايتجاوز 2 في المائة سنويا، في حين أن بعض الجرائم كالقتل العمد والسرقة باستعمال العنف غالبا ما تعرف تناقصا. وأشار إلى أنه فيما يخص نوعية الجرائم والمخالفات المسجلة على أن أكثر من النصف بقليل أي 50 في المائة سنة 2013 يتعلق بالأشخاص والممتلكات، بينما حوالي الثلث يتعلق بالمخالفات ضد القوانين العامة، والباقي يخص المخالفات المرتبطة بالعائلة والأخلاق العامة والنظام العام. وكشف المسؤول عن الخطة الجديدة التي اعتمدتها وزارة الداخلية في مواجهة الظاهرة الإجرامية، حيث تم عقد اجتماعات مع ولاة وعمال ومسؤولي الإدارة الترابية والمصالح الأمنية بكل جهات المملكة لعرض هذه الخطة الجديدة، والتي تنبني على مجموعة من المحاور، تجمع ما بين التنسيق الكامل تحت الإشراف المباشر للسادة الولاة والعمال فيما يتعلق بتبادل المعلومات حول بؤر الجريمة وأماكن تواجد المنحرفين والمطلوبين للعدالة ،وكذا مأسسة عمل المصالح المختصة من خلال تأسيس لجن إقليمية خاصة بمحاربة هذه الآفة عبر برامج عمل دورية حيث أبانت الحملات الموسمية عن محدودية نتائجها، هذا مع التركيز على محاربة بعض مظاهرة الجريمة كحمل الأسلحة البيضاء والاتجار في المواد المهلوسة والنشل في الشارع العام. ولم يفت المسؤول الحكومي الإشارة إلى اعتماد الوزارة نهج الانفتاح على كل مكونات المجتمع المدني بإشراك ممثليه خاصة جمعيات الأحياء الفاعلة بالأحياء خلال الاجتماعات اللجن الأمنية المخصصة لموضوع محاربة الجريمة، مؤكدا في هذا الصدد، أن هذا الانفتاح على المجتمع المدني وجمعيات أولياء وآباء التلاميذ بالمؤسسات التعليمية، وتمكينه من القيام بدوره في محاربة الجريمة والعنف ليس موضة أو ترفا فكريا بل يعد نهجا راسخا بإشراك المواطن وجعله في صلب كل السياسات العمومية والتي مافتئ جلالة الملك محمد السادس يؤكد عليها. ومن جانبه، كشف وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، رشيد بلمختار، أنه تم تسجيل 32 ألف حالة خلال الموسم الدراسي 2013-2012، 65 في المائة منها وقعت داخل المؤسسات التعليمية، مشيرا أن الإحصائيات التي تتوفر عليها الوزارة تفيد بتسجيل أزيد من نصف حالات العنف بجهة مراكش تنسيفت الحوز، وحوالي 14 في المائة في جهة دكالة عبدة، وعدم تجاوزها نسبة 1 في المائة في جهة الدارالبيضاء الكبرى ذات الكثافة السكانية العالية. وشدد بلمختار على ضرورة اعتماد الالتقائية لمواجهة الظاهرة، والحاجة الملحة لإجراء دراسات سوسيولوجية حول ظاهرة العنف، لاسيما بالوسط التربوي، للتعرف بشكل دقيق على العوامل المتسببة فيها، مؤكدا على ضرورة حصر الهوة التي تفصل بين القيم التي تدعو إليها البرامج الدراسية وبين سلوكات الآباء والمعلمين. ومن جهتها اعتبرت بسيمة حقاوي، وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، أن انتشار السلوك العنيف وتطوره من حالات فردية معزولة إلى ثقافة أضحى يشكل «تهديدا حقيقيا» للمجتمع، وللقيم الدينية والحضارية التي بني عليها المجتمع المغربي. وشددت الوزيرة على ضرورة انتهاج مقاربة تشاركية من أجل بلورة إستراتيجية مندمجة لمواجهة ظاهرة العنف، مبرزة أن تكريس السلوك الديمقراطي في المجتمع ودعم السلم الاجتماعي تعد إحدى مداخل التصدي لهذه الظاهرة. وذكرت في هذا الصدد بالمجهود الذي تقوم به الوزارة لمكافحة هذه الظاهرة، والتي تترجم عبر إعداد مشروع نص القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء والأطفال، والعمل على بلورة سياسة عمومية مندمجة من أجل حماية الأطفال من كافة ظواهر العنف التي يمكن ضحايا لها.