تتكثف في الآونة الأخيرة المساعي الدولية لتحريك المياه الراكدة في ما يتعلق بمفاوضات السلام بسوريا، وسط تجاهل نظام الأسد الذي يصر على الخيار العسكري للإبقاء على حكمه مستندا في ذلك على الدعم الروسي اللامحدود. كشف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن وجود تحضيرات لعقد مؤتمر جنيف3، المتعلق بإيجاد أرضية سياسية لحل الصراع في سوريا، المستمر منذ نحو أربع سنوات حاصدا بذلك أرواح أكثر من 150 ألف مواطن سوري. ودعا بان كي مون، كلا من الولاياتالمتحدةوروسيا للضغط على الطرف السوري بغية الحوار «بنية صافية وبناءة». وتزامنت تصريحات بان مع مساعي المبعوث الأممي العربي الأخضر الإبراهيمي لعقد لقاء ثلاثي مع مساعدة وزير الخارجية الأميركي ويندي تشيرمان، ونائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف بجنيف في العاشر من أبريل الجاري لبحث احتمالات عقد جنيف3. وقال الأمين العام للأمم المتحدة، للصحافيين في بروكسل على هامش مشاركته في المؤتمر الدولي لمنع وقوع الإبادة الجماعية، إن الوضع في سوريا مأساوي في ظل استمرار الصراع الذي أدّى إلى مقتل وهجرة الكثيرين. يذكر أن جولتي التفاوض اللتين عقدتا في شهري يناير وفبراير الماضيين بين الحكومة السورية والمعارضة فشلتا في التوصل إلى نتائج ملموسة، بسبب رفض النظام الالتزام ببنود جنيف1 وجعل المفاوضات تدور في فلك «محاربة الإرهاب» ممّا دفع بالمبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي إلى تعليق المفاوضات محمّلا الأسد مسؤولية الفشل. ولم يتم تحديد موعد لاستئناف المحادثات، حيث استبعد الإبراهيمي آنذاك إمكانية العودة إلى جنيف في ظل غياب شروط الحوار، وفق تعبيره. ودعا بان إلى حشد إرادة المجتمع الدولي السياسية، مشيرا إلى أن مؤتمر جنيف2 لم يسفر عن آفاق كثيرة، وأن المنظومة الدولية تعمل بجدّ لعقد جنيف3. وأكد في الآن ذاته على أهمية أن يظهر كل من وفدي الحكومة والمعارضة التزاما قويا وانخراطا في حوار بناء، قبل أن يموت مزيد من الناس، مشددا على أنه «ليس هناك خيار قابل للتطبيق غير الحل السياسي». وحمل الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة، مؤخرا، روسيا مسؤولية تمادي الأسد وعدم جديته في التعاطي مع الحل السياسي، مؤكدا التزامه بالحوار في حال غيرت هذه الأخيرة من موقفها المتصلب إزاء ما يحدث في سوريا. وتبنت روسيا منذ بداية الأزمة وما تزال خطاب الأسد، مقدمة الدعم المادي والدبلوماسي في سبيل الإبقاء على حليفها في المنطقة الأمر الذي يثير انتقادات واسعة من المنظومة الدولية، في ظل تواصل حمام الدم واستمرار موجات النزوح في صفوف المدنيين. وقال المتحدث باسم الائتلاف الوطني السوري لؤي صافي إنهم قد يدرسون المشاركة في مؤتمر جنيف3 للتفاوض مع النظام السوري، إذا نجحت أميركا في إقناع روسيا بتغيير موقفها من الأزمة السورية. وفي بيان صادر عن الائتلاف، اشترط صافي «وجود موقف مسبق صريح وواضح من قبل الجانب الروسي في هذا الخصوص».وحول طبيعة الموقف الذي يطلبه الائتلاف من الروس، قال صافي إنه «يتضمن تنفيذ ضغوط على نظام الأسد للدخول في حل سياسي، أو رفع الحماية الدولية عن النظام التي يطبقها الروس رافضين ومستبعدين أيّ قرار من مجلس الأمن يصدر ضده». وأضاف أنه «في حال سمعنا تصريحا أو إعلانا من قبل الروس يثبت إصرارهم على الحل السياسي، وعلى اتخاذ نظام الأسد خيار الحل السياسي، عندها يمكن مناقشة الموضوع (المشاركة في جنيف3) في اجتماعات الهيئة السياسية للائتلاف». ويرى متابعون للشأن السوري أن إمكانية عقد جنيف3 مستبعدة في ظل تصلب الموقف الروسي خاصة بعد أحداث أوكرانيا وأزمة القرم، ويظهر ذلك جليا من خلال الرسالة التي بعث بها فلاديمير بوتين الرئيس الروسي، أول أمس، إلى بشار الأسد والتي جدّد فيها دعمه له، وفق وكالة الأنباء السورية، سانا. وكان نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف قد أكد، مؤخرا، أن موسكو لا «تبسط الأمور» ولا ترى أنه يمكن التوصل إلى اتفاق بسرعة. معربا عن أمله في «إجراء مزيد من الاتصالات وربما في شكل المباحثات الثلاثية بين روسياوالولاياتالمتحدة والأمم المتحدة من أجل إعادة إطلاق عملية المفاوضات وعقد الجولة الثالثة منها». وطلبت روسيا عقد جلسة لمجلس الأمن بشأن الوضع في «كسب» السورية، متهمة المعارضة بصفة مبطنة بارتكاب جرائم ضدّ الأرمن، في تصعيد دبلوماسي جديد، يكشف إصرار الروس على المضي قدما في دعم أسد، وفي إشارة جديدة، التقطها المراقبون ومفادها أن سوريا باتت أرضا لتصفية حسابات دولية. ويذكر أن الائتلاف السوري لقوى الثورة المعارضة يعقد اليوم اجتماعا في إسطنبول لتقييم جنيف2، وللبحث في سبل العودة من جديد إلى كرسي التفاوض.