أسئلة كثيرة أصبحت تطرح اليوم على مستقبل الاتحاد الأوروبي، وخاصة فيما يتعلق بمستقبل العملة الموحدة اليورو، وذلك بسبب الأزمة التي يعرفها اقتصاد جل دول المنطقة وبشكل خاص البلدان المتوسطية التي تتخبط في أزمات مالية بعدما أضحت مجبرة على الالتزام بالتعهدات التي تفرضها بروكسيل لتسديد القروض المتراكمة و الاستفادة من الدعم المالي الذي يمنحه البنك المركزي الأوروبي. مما أدى إلى أزمات اجتماعية غير مسبوقة و كساد اقتصادي ينعكس على القرار السياسي محليا و إقليميا .فالإصلاحات المفروضة التي تقوم بها حكومات الدول المتضررة أعادت طرح نقاش الحدود الفاصلة بين السيادة الوطنية و تبعات الوحدة الإقليمية .في هذه الورقة التي نقدمها مترجمة عن مقالة منشورة بجريدة الباييس الإسبانية لفيليبي غونزاليس الذي واكب ميلاد الاتحاد الأوروبي، سواء عندما كان رئيسا لحكومة بلاده، أو بصفته الرئيس السابق للحزب الاشتراكي الإسباني، و منظر و خبير اقتصادي يشرح فيه بالتفصيل التحديات المطروحة على أوروبا اليوم و الأخطار المترتبة نتيجة تصاعد التيارات المتطرفة الداعية إلى الاستقلال الاقتصادي و السياسي بنشر خطابات كراهية الأجانب ومعاداة الأوروبية . كانت النزعات الوطنية الفيروس الذي دمر أوروبا خلال النصف الأول من القرن العشرين. بناء فضاء مشترك و تعميق الإمكانات المشتركة و ضم عدد أكبر من البلدان قد ساعد أوروبا للتغلب على الأمراض التي أدت إلى التصادم لأزيد من قرن. وتم تجاوز ذلك، بولادة روح السلام و الحرية و التضامن بين الخصوم التاريخيين، من أجل تطوير ما نسميه اليوم الاتحاد الأوروبي الذي اعتبره لولا «إرثا حضاريا للإنسانية الذي لا ليس لنا الحق في تدميره». نعم من جديد يجول وحش القومية الغير المتضامن، على خلفية هذه الأزمة العالمية التي تتفاعل مع تشخيص وعلاج خاطئين على اعتبار أننا نقترب كل يوم من منطقة الخطر مما يشكل تهديدا للاستقرار و استمرارية الاتحاد. لا يتعلق الأمر بتوجيه الاتهام لأي أحد رغم أن بعض الأشخاص يتحملون المسؤولية أكثر من الاخرين لأن الفيروس ينتشر في كلتا الجهتين: للأكثر تضررا من المضاربة و جهة الذين يشعرون بأنهم أكثر أمانا.فالجهة الأولى تشير على الثانية بتحمل مسؤوليتها في حين تتردد الجهة الثانية في اتخاذ قرارات حاسمة و متماسكة لمصلحة الجميع. إذا أردنا أن نخرج من هذا المأزق يجب علينا أن نتصرف حالا بكل الوسائل المتاحة. نحن بحاجة الى حكومة اقتصادية في منطقة اليورو فبدون ذلك لا يمكن العملة الموحدة أن تشتغل.فلكي تكون حكومة اقتصادية و مالية يجب التنازل على السيادة.وهذا يصطدم مباشرة مع رماحة القوميين المقاومة أكبر لأنه يعتقد أن السيادة التي يجب التنازل ليس لتقاسمها مع الآخرين بل لنقلها لخدمة مصالح خاصة وليس للمصلحة العامة.هذه العملية تتطلب التزام الجميع وينبغي أن تكون الإدارة مشتركة كذلك.بدون إملاأت لأجندات وطنية التي تهيج و تثيرردود فعل القوميين. في كل مرة يقول فيها أشخاص مسؤولون أن الاتحاد يعمل قليلا و بشكل متأخر دائما، فالخوف من ضياع عقد من الزمن أصبح أقل خطرا من تهديد انفجار العملة الموحدة أو الاتحاد الأوروبي نفسه. هذه السيناريوهات واردة، محتملة، ولا يمكن تفاديهاإلا بأجوبة سياسية يتم التعامل مع أزمة الديون السيادية باعتبارها مشكلة التضخم المالي. الذي لا وجود له غير أنه يمكن أن يحصل في حالة استمرار النقص في السيولة و انكماش الاقتصاد انخفاض معدل النمو و العمل يزيد سعر الفائدة تلزم النظام المالي و تضاعف من تفاقم مشكلة الديون بشكل أسؤ. في كل مرة نسمع بشكل متزايد أصوات المتطرفين.خطابات كراهية الأجانب ومعاداةالأوروبية، مشكلة الديون في منطقة اليورو أقل من الولاياتالمتحدةالأمريكية من اليابان من المملكة المتحدة أو في الحالات الأكثر شدة نحن أمام مشكلة التضخم المالي للبلد.تخنقنا تكلفة تمويل الديون الغير مبررة التي تنتهز فرصة عدم فعالية الوسائل المتاحة وبالإضافة إلى ذلك، نحن نعاني من الخلافات الاقتصادية والمالية في مجال التجارة التي تنعكس ، على مختلف الموازين التجارية والأداءات ، وعلى الإنتاجية والقدرة التنافسية في مختلف أنحاء الاتحاد،يجب تصحيح هذه الوضعية و ذلك بالقيام بإصلاحات هيكلية لمواجهة تحديات الاقتصاد العالمي والتقدم نحو التقارب في منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي. لمواجهة هذه التحديات على المؤسسات أن تعمل و توفر المسائل العامة للاتحاد ككل دون فرض شروط فرض و املاء ات على الآخرين يجب على البنك الأوروبي أن يتصرف مثل بنك الاحتياطي الأمريكي الفيدرالي وبنك انكلترا أو البنك المركزي الياباني يعني عليه أن يؤدي دوره كمقدم للقروض و أن يهيأ سياسة نقدية تستجيب لمصالح الجميع في منطقة اليورو. إنها الوسيلة الوحيدة للاتحاد النقدي اليوم لمواجهة هجومات المضاربة التي تؤثر بالفعل على12 بلدا من أصل 17بلد في المنطقة. ويعتقد المعارضون ألمانيا بصفة خاصة أن هذه ليست وظيفة البنك المركزي وتقترح إنشاء صندوق للإنقاذ يمكنه أن يلبي هذه الاحتياجات لكن وكما هو الحال دائما يظهر في وقت متأخر و وبمفعول أقل و غيرمتاح يجب أن تلتزم دول الاتحاد لضمان الاستقرار المالي، كقاعدة عامة مشتركة، مع مكافآت وعقوبات للجميع،و القيام بمراقبة صارمة للميزانية المشتركة. ولكن لا شيء يشير إلى أن القيام بتعديلات سريعة سيوفر أي إمكانية للنمو والعمالة. ولهذا يجب الحفاظ على وتيرة تسوية الحسابات العامة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن البلدان الملتزمة بالاستقرار المالي، يجب أن تصرف «السندات الأوروبية» لتمويل ديونها بطريقة معقولة.يبدو أن القادة الأوروبيين قد نسوا أن الهدف الرئيسي للسياسة الاقتصادية هي تحقيق النمو المستدام وخلق فرص عمل، وتحسين القدرة على المنافسة في الاقتصاد العالمي. وبهذا سنضمن الرفاه والتماسك باعتبارهما عنوانا لهويتنا ورافعة للمستقبل.كل ما تبقى فهو أدوات سياسية، ويجب أن تكون فعالة في خدمة تلك الأولوية. وبناء عليه، ففي كل مرة يبدو بشكل أكثروضوحا أن هذا هو السبيل الوحيد لمواجهة مشاكل الديون. إذا كنا مخطئين في ذلك، فإن الحكم في الديمقراطيات التمثيلية التي تشكل الاتحاد ستتحلل والمطالب الاجتماعية ستصبح أمرا لا مفر منه. القومية المتفشية تجعل الناس يعتقدون ان هذه الدولة أو تلك ستكون في مأمن إذا تصرفت بمفردها، دون احتساب الاخرين. خطأ فادح الذي سيسحب البساط عنا جميعا. فكل مرة ترتفع أكثر وأكثر أصوات المتطرفين ، مشحونين بخطاب كراهية الأجانب ومعاداة الأوروبية. وفي كل مرة يحصدون المزيد من الأصوات الانتخابية. إذا كانوا يرغبون في تعديل المعاهدات عليهم إيجاد حل لمسألتين أساسيتين.الحاجة إلى حكومة اقتصادية ومالية لضمان تماسك الوحدة النقدية مع تقاسم السيادة والمؤسسات التي تخدم الجميع. لكن لكي نتقدم علينا أن نجد مخرجا لأولئك الذين ليسوا على استعداد للقيام بذلك. الدول لديها الحق في المغادرة لكنها لا تملك حق النقض ضد تقدم الذين يرغبون القيام به. وهذا ينطبق على الجميع.