يأتي هذا المقال المحين في معطياته وتحاليله، لتسليط الأضواء والإجابة عن إشكالية ذات راهنية، تتطلب تحليلا معمقا موضوعيا، في سياق جيوسياسي مغاربي وعربي وإفريقي ملتهب، يهم مجالا حساسا يربط بين أوربا وإفريقيا، والشرق الأوسط، يتعلق الأمر بقضية «الاندماج المغاربي في إطار مقاربة تنموية تشاركية مندمجة، كبديل للمواجهة في إطارالحرب الباردة». وهي مقاربة يسودها منطق التعاون المثمر المفيد لكل الأطراف (رابح- رابح)، وتبادل التجارب بين بلدانها الخمس التي كانت ضمن ما سمي سنة 1989 ب» اتحاد المغرب العربي» الذي لم يعمر طويلا. اقتراح هذه المقاربة التنموية عوض المقاربة الأمنية والحرب الباردة بين جارين حكم عليهما التاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة للعيش في سلام وتعاون وطمأنينة، هو استجابة لضرورة مغاربية بعدما تبين فشل المقاربات الأمنية وعنف المواجهات الديبلوماسية في إطار الحرب الباردة خلال أزيد من أربع عقود خلت، بين بعض بلدانها، وأساسا بين المغرب والجزائر، اللذين يعتبران العمود الفقري لإنجاح الاتحاد المغاربي، إذا توفرت الإرادة السياسية والنضج لحكام بلدانه. نقصد بالاندماج الجهوي المغاربي، خلق تكتل إقليمي مغاربي في إطار قانوني وحدوي، يضم البلدان الخمس المكونة من المغرب والجزائروتونس وليبيا وموريطانيا، من أجل تعاون مثمر بين شعوبها اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا، عبر دينامية جديدة تسمح بحرية عبور الأشخاص، وانتقال البضائع والسلع والخدمات والرساميل، واستفادة كل طرف من خبرات وتجارب الآخر. والهدف من ذلك هو خلق تكامل اقتصادي في مرحلة أولى، ووحدة نقدية (عملة مغاربية للتداول) في مرحلة ثانية، في أفق وحدة سياسية في مرحلة نهائية، على شاكلة الاتحاد الأوروبي. هذا الاندماج الجهوي سيلغي الحدود بين المكونات الخمس للإطار الجغرافي الجهوي الموحد، مما سيساعد على حل معظم المشاكل العالقة المتراكمة، وخاصة تلك الموروثة عن الفترة الاستعمارية (مشاكل الحدود كالصحراء الشرقية، والغربية المغربيتين..)، ويدفع شعوب وبلدان المنطقة إلى تعبئة مواردها الطبيعية والبشرية من أجل خدمة التنمية المنشودة، عوض المواجهة والتسابق نحو التسلح، الذي بينت التجربة خلال أربع عقود، عقمه، وهدره لموارد تلك الشعوب هي في أمس الحاجة إليها لتحسين ظروف عيشها ونوعيه حياتها. لكن بناء الكيان الموحد الجديد يقتضي إيمانا بالقضية وبالمصير المشترك لشعوبه؛ مما يحتم توفر نضج سياسي وسداد في الرؤى لدى مسئوليه، ودينامية قوية لمجتمعاته المدنية ونخبه، لرفع تحديات انعكاسات العولمة، وتمهيد الطريق نحو التقدم العلمي والتقني والتكنولوجي والتنمية الشاملة. ويتطلب ذلك وعيا عميقا بأهمية الاتحاد، وتحضيرا عقلانيا وقانونيا وماديا له، وتوافقا لبناء المغرب الكبير الموحد على مراحل. 3 شرورط مبدئية وعملية لإنجاح تأسيس اتحاد مغاربي مبني على مرتكزات سليمة وقوية. يمكن تأسيس وبناء مغرب كبير قوي من خمس دول، عموده الفقري المغرب والجزائروتونس، ودعائمه ليبيا وموريطانيا. الأسس التي نقترحها تنطلق من مبادئ وإجراءات عملية. 1.3 الإيمان بالقضية الوحدوية باعتبارها في مصلحة البلدان المغاربية الخمس. هذا المبدأ يعني الالتزام الفعلي لحكام ومسئولي الدول الخمس ببذل كل الجهود لبلوغ الهدف الأساسي، وتعبئة كل الطاقات لإنجاح تجربة بناء مغرب كبير، موحد اقتصاديا في مرحلة أولى، وماليا في مرحلة ثانية، ووحدة سياسية تتوج هذه الجهود في مرحلة نهائية. فتح الحدود والاتفاق على بطاقة مغاربية موحدة للساكنة، واعتبارها بمثابة جواز سفر مغاربي يسمح بعبور الساكنة للدول الخمس، من أجل السياحة والاستجمام، وكذا السماح بانتقال البضائع والسلع والخدمات والرساميل، ومنح تسهيلات للراغبين في الاستثمار والإقامة والدراسة الجامعية والتقنية. توحيد البرامج التعليمية وخلق مراكز بحوث مغاربية ، وتنسيق المواقف في السياسة الخارجية: من بين الأسس التي يبنى عليها الاتحاد خلق هيأة مشتركة تسهر على توحيد المناهج والبرامج التعليمية، عبر توحيد الأهداف والمحتوى والرؤى والمفاهيم وحدود ومكونات المغرب الكبير، من خلال كتب مدرسية مغاربية لتكوين الأجيال على قاعدة الاتحاد المغاربي والمصير المشترك لشعوبها، وحذف كل الفقرات والمواقف التي تزرع الشوفينية الوطنية والمحلية، والانفصال...وفي نفس الوقت خلق مراكز بحوث علمية وتكنولوجية تهتم بالقضايا المشتركة لرفع التحديات الديمغرافية في علاقتها بالفقر، والبيئية (التصحر، والتلوث)، والتكنولوجية (الاختراعات). ويتطلب الأمر كذلك من المسؤولين على المستوى الخارجي والديبلوماسي بذل مجهودات مكثفة، لتنسيق المواقف السياسية، وتنشيط ديبلوماسية موحدة تخدم شعوب المنطقة المغاربية، عبر توطيد العلاقات مع محيطها العربي والإفريقي والمتوسطي، وتساهم في استتباب الاستقرار والأمن الدوليين. 2.3 حل المشاكل العالقة، في إطار وحدوي استراتيجي يحدد أفقه مسبقا. يتطلب هذا العنصر الهام منذ البداية حل النزاعات المرتبطة بالحدود الموروثة عن الاستعمار، في إطار تحديد الهدف الاستراتيجي الذي هو الوحدة السياسية. فإذا تم الاتفاق بأن الحدود ستلغى في آخر المطاف بصفة تلقائية بين الدول المغاربية، على غرار ما حدث بالاتحاد الأوربي، ضمن استراتيجية الوحدة الاقتصادية والمالية والسياسية، بناءا على اقتناع ووعي جماعيين، فإن مسالة الحدود المتنازع عليها، وفي مقدمتها الصحراء الشرقية التي كانت تحتلها فرنسا، (17) ومسألة الصحراء الغربية المغربية المتنازع عليها، ومشاكل الحدود بين تونس وليبيا، كلها مشاكل ترابية يمكن معالجتها سلميا في الإطار الوحدوي. ويعني هذا بوضوح لا غبار عليه، الالتزام الفعلي والعملي بعدم احتضان أي حركة انفصالية مناهضة لأي مكون من المكونات الأساسية للمغرب الكبير. هذه النقطة الهامة تم التنصيص عليها في معاهدة مراكش ولم تحترم. ويبدو أنها لم تعالج في السابق بصفة قبلية رغم حساسيتها، مما أجهض مسلسل الوحدة الذي انطلق سنة 1989 . في هذا السياق، تدعو الضرورة معالجة المفارقة البارزة في السياسة الجزائرية. إن مسئولي القطر الشقيق، منذ عهد المرحوم الرئيس الهواري بومدين، قد صرحوا بان لا أطماع للجزائر في الصحراء الغربية، بل اعتبروها آنذاك شأنا مغربيا – موريطانيا (المرحوم الرئيس الهواري بومدين). إلا أن هذا الموقف الرسمي الصريح لا تعكسه الممارسة في الميدان، ذلك أن تحركات الجزائر على المستوى الدولي والإقليمي تميزت بمعاكسة مستمرة وقوية للوحدة الترابية المغربية، منها تلك التي حدثت بمؤتمر دول الانحياز بالعاصمة الكوبية (هافانا، شتنبر 2006) والتي انتهت بإبعاد المخطط الجزائري المستند على مشروع بيكر بتقسيم الصحراء المغربية الذي رفضه المغرب منذ البداية. ودعا مؤتمر دول عدم الانحياز الأطراف المعنية لحل المشكل سلميا في إطار الأممالمتحدة. ورسالة الرئيس الجزائري إلى لقاء غير رسمي بإفريقيا في نهاية 2013، يصعد فيه اللهجة الديبلوماسية لعرقلة مجهودات المغرب السلمية، حتى لا يحل مشكل الصحراء الغربية المغربية المصطنع والذي اقترب من أربعة عقود. وللتذكير، لم يشارك وزير الخارجية الجزائري في اللقاء الوزاري 2 لأمن دول الساحل والصحراء، لكونه انعقد بالمغرب (منتصف نونبر 2013) من هنا يبدو بأن التفاهم الثنائي بين المغرب والجزائر شرط أساسي في كل تسوية. كما أن إلغاء الحدود وحرية المرور عبر الدول المغاربية سيفيد اقتصاد الجزائر عن طريق فتح بوابة له على التراب المغربي بالمحيط الأطلسي لتصدير منتوجاته الصناعية والمعدنية، ومنها حديد تندوف . هذا الامتياز الأساسي للجزائر لا يمكن ضمانه لها إلا في إطار التعاون المشترك وتبادل المصالح؛ وإطاره النموذجي هو المغرب الكبير الموحد . (18) فإذا تم حل مشاكل الحدود الموروثة عن الاستعمار، والتزم كل طرف بذلك رسميا وعلى الميدان، ستعود الأمور إلى نصابها؛ بحيث يصبح مجموع الساكنة الصحراوية المغاربية مشمولة بمقاربة تنموية مشتركة وشمولية في إطار جهوية مغاربية، دون الاقتصار على إثارة مشكل ما يسمى ب»الشعب الصحراوي» فقط على التراب المغربي. انطلاقا من هذه المقاربة التنموية المجالية المغاربية سيلغى مصطلح «الشعب الصحراوي» تلقائيا، وإلا ستصبح خمس شعوب صحراوية مترجمة في خمس جمهوريات صحراوية، وهو ما يشكل خطرا على كل البلدان المغاربية الخمس. وللتذكير، فقد حاول الاستعمار الفرنسي في وقت ما، خلق مثل هذه الجمهورية على التراب الصحراوي في جنوبالجزائر الشقيقة وقد يتطور الأمر كذلك غدا ليمس منطقة «القبايل».(19) 3.3 بناء اتحاد مغاربي يتم عبر خلق الاتحادات الشعبية القاعدية بموازاة مع الاتحادات الرسمية. لإنجاح التجربة الجديدة في بناء مغرب كبير وقوي، لابد من مشاركة الشعوب في كل خطوات البناء عبر تعبيراتها المختلفة والمتنوعة. في هذا الصدد يمكن التأكيد على المستوى المغاربي، على أهمية مساهمة الأحزاب والنقابات والاتحادات المهنية والأعمال، والبرلمانات، والمنظمات الشبابية والطلابية والكشفية، وجمعيات المجتمع المدني، ومفكري بلدان المغرب الكبير الموحد والباحثين والجامعيين؛ مساهمة كل طرف من موقعه، في بناء وإنجاح المشروع المغاربي الموحد. وللتذكير، فإن البناء المغاربي الرسمي الذي تكرر منذ الستينات وحتى في نهاية الثمانينات لم ينجح، نظرا لاقتصاره على الجانب الرسمي والمؤسسات الرسمية، مع عدم احترام بنود معاهدة مراكش، خاصة إشكالية احتضان الجزائر لحركة انفصالية معادية لأحد أقطاب الاتحاد. وبالتالي ظل من السهل تجميد مؤسساته، وهو ما حدث فعلا. لقد بينت التجارب السابقة أن البناء المغاربي إذا كان فوقيا فقط، أو كان متسرعا لتحقيق أغراض ظرفية، فإنه يفشل في آخر المطاف؛ وعلى سبيل المثال : تجربة «الاتحاد الافريقي» في نهاية السبعينات بين الجماهيرية الليبية والمغرب، وكذا تجربة «اتحاد المغرب العربي» الذي حصل فيه إجماع الدول الخمس في نهاية الثمانينات. وهي تجارب يمكن دراستها بعمق وبموضوعية، لاستخراج الخلاصات والاستفادة من الدروس عن أسباب فشلها، لدرء أسباب الفشل في المشاريع المقبلة، وبالتالي ضمان نجاحها. كما أن التجارب أظهرت بأن عدم الاستقرار السياسي وضعف اقتصاديات البلدان المغاربية يجعلها عاجزة عن التفكير في البناء المغاربي، وهذا ما يمكن تطبيقه على البلدين المحوريين في المغرب الكبير: الجزائر وأزماتها الداخلية ومنها أزمة الديمقراطية وتسلط جماعة ضغط قوية ،مكونة أساسا من بعض الجنرالات في أعلى هرم السلطة تتحكم في كل دواليب الدولة، وتهدر ثروات شعوبها في التسلح وتوزيع الرشاوي لشراء الذمم على عناصر بعض المنظمات وحتى بعض الدول في غيبة المحاسبة والشفافية والديمقراطية. ويمكن التأكيد على أن المغرب هو أفضل حالا من الجارة الجزائرية على عدة مستويات، منها الأشواط التي قطعها في مسلسل الانتقال الديمقراطي رغم طول مدته، والاستقرارالذي ينعم به في فضاء مغربي وعربي وإفريقي مضطرب، وذلك بفضل استجابة عاهل البلاد لمطالب الحركات الشبابية والقوى الحية في البلاد في الوقت المناسب، والمترجم أساسا في وضع دستور2011 المتقدم، رغم عدم تفعيل معظم بنوده لحد الساعة، وأهمية الأوراش الكبرى المفتوحة في كل ربوع البلاد، مع تسجيل التقدم الحاصل في ميدان حقوق الإنسان. إ إلا أن عوائق تنمية المغرب متعددة، نظرا لتعثر الإصلاحات الكبرى بسبب العراقيل المختلقة من بعض الأطراف التي ألفت التحكم عن بعد، في كل دواليب الدولة، وكذا عدم تفعيل معظم بنود دستور 2011 واستمرار سياسة الريع، والتهرب الضريبي وتوزيع الامتيازات، ومنها عوائد المأذونيات وضيعات الدولة الموزعة على شخصيات سامية لا تستحقها، كبعض الجنرالات ورؤساء بعض الأحزاب، والمقربين من دائرة النظام، واستمرار آفة الرشوة، وتدني جودة التعليم، وارتفاع البطالة وسط الشباب، والفقر والسكن غير اللائق رغم مجهودات الدولة لتحسين شروط العيش. إن سياسة الريع وتوزيع موارد الدولة بدون معايير وبدون حساب، وتعثر الإصلاحات الكبرى في البلاد والاعتماد على المقاربة الأمنية في أقاليمنا الصحراوية، و منح امتيازات وريع لبعض أعيان الصحراء مند استرجاعها على حساب ساكنتها المعوزة، كل ذلك، سبب للمغرب مشاكل داخلية وخارجية، وهي عوامل لاتساعد على تسريع التنمية المحلية وتعميق الديمقراطية والحكامة الجيدة، والبناء المغاربي. كما أن الأزمات والاضطرابات الداخلية التي مرت منها الجزائر الشقيقة لم تساعدها على المشاركة الفعالة في البناء المغاربي منذ 1992، وهي الأزمات التي أودت بحياة أزيد من 150.000 ضحية، والاضطرابات الداخلية الناتجة عن مطالب الشباب العاطل خاصة في منطقة القبائل. فهذه كلها عوامل جعلت الجزائر عاجزة عمليا عن القيام بدورها المغاربي والمتوسطي ، ومنعها عمليا من الاستفادة من موقعها الجغرافي المقابل لأهم الأقطاب الاقتصادية بأوربا الجنوبية بسواحلها الممتدة على طول1300 كلم. فلم تنفتح على العالم القريب منها كإسبانيا (برشلونة)، وفرنسا (مرسيليا) وإيطاليا (جنوة، روما..). بل ظلت في شبه عزلة عن العالم المحيط بها، وبالتالي عاجزة عن الاستفادة من علاقات الجوار عبر استخدام جسورها البرية (الحدود مغلوقة مع المغرب منذ 1994، وهزالة التبادل مع تونس) والبحرية والجوية مع أوربا المتوسطية، باستثناء تزويد هذه الأخيرة بالغاز الطبيعي بواسطة الأنابيب عبر البر والبحر. ومن نقط الضعف البارزة في الاقتصاد الجزائري هي اعتماده بالأساس على عائدات المحروقات (النفط والغاز) في غياب موارد أخرى كالسياحة، وصعوبة استقطاب استثمارات أجنبية أمام انعدام الأمن والاستقرار الداخليين، وانعدام الشفافية والحكامة الجيدة في دواليب الدولة. يضاف إلى ذلك التبعية الغذائية للخارج، نظرا للتراكمات السلبية في السياسة الفلاحية والمائية المتبعة والتشغيل ، وفشل برامج التصنيع الثقيل. (20) كما أن المغرب هو الآخر، رغم المؤهلات التي يتوفر عليها، والأوراش التي أنجزها، وخاصة في العهد الجديد، فقد عاش عدة إكراهات لم تساعده على المشاركة الفعالة في البناء المغاربي منها : إضافة إلى المجهود العسكري المبذول خلال عدة عقود، الثقل الديمغرافي وانعكاساته على مشاريع التنمية، وأزمة البطالة التي بلغت أحيانا 25% في المدن، ومنها بطالة الخريجين من ذوي الشهادات الجامعية ، والتفاوت الاجتماعي الكبير في امتلاك الثروة (غنى فاحش لفئة قليلة وفقر مدقع لفئات واسعة من السكان في الأحياء الهامشية..)، وتأخر كبير بالبوادي رغم التحسن النسبي في فك عزلته (إلى عهد قريب قلة التجهيزات وانتشار الأمية، والعزلة القروية، وضعف المردودية)، التبعية في ميدان الطاقة واستفادة المحضوضين منها (تأدية فاتورة ضخمة، تستفيد منها الشركات على حساب المواطنين عبر صندوق المقاصة) . إنما المغرب، مع ذلك، وعلى خلاف الأوضاع الخاملة في الجزائر، ، يتميز بدينامية وحيوية على المستوى الاقتصادي والسياسي. ويتوفر على مؤهلات وموارد متنوعة كالسياحة (استقرار البلد) والصناعة التقليدية، (21) والفلاحة (سياسة السدود والري، المغرب الأخضر)، والثروات السمكية (3500 كلم سواحل من شاطئ السعيدية على الحدود الجزائرية إلى الكويرة على الحدود الموريطانية) ، والفوسفاط ومركباته الصناعية، والتفتح على الخارج عبر استفادته من موقعه الجغرافي، واستقطابه للاستثمارات الأجنبية في مجموعة من الحواضر الكبرى، نظرا لاستتباب الأمن والاستقرار(نموذج استثمارات الإماراتيين الأخيرة والخليجيين بعدد من المدن المغربية وفي الفلاحة والسياحة)، وموارد الهجرة الدولية للجالية المغربية بالخارج.. وكلها عوامل تساعده، في العهد الجديد ودور ملكه الفعال محليا ودوليا، على لعب دوره على المستوى العربي وحوض البحر الأبيض المتوسط (المركب الصناعي والتجاري الدولي بميناء طنجة المتوسط)، وكذا في البناء المغاربي والإفريقي جنوب الصحراء. وكمثال، المقاربة التنموية التي دشنها المغرب خلال العقد الأخير، عبر مساعدة مالي ودول الساحل، وتمتين أواصر التعاون معها، جنوب-جنوب، لفائدة شعوبهم وبلدانهم (22) وكذا فتح ملف ورش الهجرة السرية عبر تسوية أوضاع المهاجرين المقيمين بالمغرب بما فيهم الأفارقة في احترام لحقوق الإنسان (نونبر 2013). 4. العوامل الداخلية والظرفية الدولية جد ملائمة لقيام اتحاد مغاربي الاتحاد المغاربي مطمح جماهري مغاربي عربي، ورغبة إقليمية متوسطية ودولية. ومن العوامل المشجعة التي تضمن إلى حد كبير قيام هذا الاتحاد، يمكن الإشارة إلى عوامل داخلية وخارجية. 1.4 العوامل الداخلية مرتبطة بالشعوب الخمس المعنية. تحدي العولمة والمناخ الشعبي المغاربي المتحمس للفكرة و لتجسيدها، مشجع على الوحدة. لقد عبرت شعوب المنطقة، وخاصة ساكنة التخوم، عن رغبتها الملحة وطموحاتها في مد الجسور بينها؛ وهذا ما يفسر انطلاق جو حماسي شعبي كلما لاحت في الأفق بوادر تحسين المناخ المغاربي، وأساسا بين المغرب والجزائر. وقد تأكد ذلك عمليا خلال فتح الحدود بين البلدين في نهاية الثمانينات، والذي استقبل من طرف السكان برضى وحماس قل نظيرهما. وتقاطرت على المدن المغربية والجزائرية المتاخمة مئات السيارات والشاحنات والحافلات، وحتى سيارات النقل الخاصة التي كانت تجوب المغرب الشرقي: وجدة وبركان والناظور، والمدن الداخلية كفاس، والساحلية كالدارالبيضاء. وتبادلت الأسر المتصاهرة الزيارات فيما بينها، دون المرور من باريس للالتقاء بالأقارب والأحباء والأصهار، كما كان يحدث في فترات التوتر وإغلاق الحدود المحكم. (23) ومما يسهل تطبيع العلاقات بين البلدين هو أن الشعبين الجزائري والمغربي متآخيان ومتضامنان؛ إذ لم تحدث بينهما حروب دامية كما حدث بين الشعبين الألماني والفرنسي التي دامت مائة سنة، أو بين العراق وإيران التي استمرت ثماني سنوات، وكانت لها انعكاسات سلبية وكارثية على شعوبهم يصعب نسيانها. وحتى بالنسبة لحرب الرمال في مطلع الستينات بين المغرب والجزائر، فقد كانت محدودة في الزمان والمكان، وفي الخسائر والأضرار التي لحقت بالطرفين، بحيث يمكن تجاوزها لبناء المستقبل. وأما التذكير بهذه الحادثة المؤسفة،من بعض العناصر الجزائرية، هو فقط للاستهلاك الداخلي، بغرض زرع العداوة بين الشعوب، وتبرير هدر أموال طائلة في شراء أسلحة تتجدد بدون فائدة؛ اللهم الأرباح الضخمة المتكررة التي يجنيها باستمرار مالكوا مركبات صناعة الأسلحة، على حساب رفاهية الشعوب التي أغرقها حكامها في ترسانة حربية لا مبرر لها، منذ استقلال بلدانها. ونشير أيضا إلى عنصر إيجابي يسهل الوحدة، وهو الانفصام بين السياسة الرسمية التي يتبناها التيار العسكري القوي في هرم السلطة بالجزائر من جهة ، وبين الشعب الجزائري غير المكترث بمسألة الصحراء الغربية المغربية التي يعتبرها شأنا خاصا بالسلطة وبالجيوسياسية والجيواقتصادية الإقليمية من جهة أخرى. بل إن عددا من القوى السياسية الفاعلة في المجتمع الجزائري تؤيد علنا حق المغرب المشروع في استكمال وحدته الترابية، وتطالب مسئوليها بربط علاقات تعاون معه وإنهاء التوتر بين البلدين. (24) ولكن طرفا من المسئولين في هرم السلطة الذين لهم نفوذ قوي، بل اليد الطولى في ملف الصحراء الغربية المغربية والعلاقات المغربية الجزائرية، يعتبر حجرة عثرة في أي تسوية، مادامت تلك الأطراف فاعلة في الجيش والسلطة، ولها نظرة معاكسة للمغرب. الواقع أن تلك الأطراف تتخذ من مسألة الصحراء الغربية، بعدا استراتيجيا في سياستها الخارجية، مناهضا للوحدة الترابية والسيادة المغربية على ألأقاليم المسترجعة. ولا ترغب لحد الساعة في طي ملف الصحراء وإرجاع العلاقات المغربية الجزائرية الطبيعية إلى ما كانت عليه أيام التضامن بين الشعبين ضد المحتل الأجنبي. فإذا كان الشعب الجزائري في غالبيته غير مكترث وغير معني بمسألة الصحراء الغربية، ففي الجهة الأخرى يستحيل على المغرب الرسمي والشعبي بقواه الحية التخلي عن السيادة المغربية والوحدة الترابية على الأقاليم الجنوبية المسترجعة، لأن ذلك عليه إجماع رسمي وشعبي ووطني، في إطار جبهة قوية لا تخترق.