الولوج بالمجتمع إلى المعاصرة يمر حتما عبر الترجمة أوضح رئيس مركز دراسات الأزمنة الحديثة مولاي إسماعيل العلوي أنه لا يمكن ولوج الحداثة دون مواكبة تحولات العصر، واعتبر في اللقاء الذي عقده المركز مساء الخميس الماضي بأحد الفنادق بالدار البيضاء، لتقديم الجزء الأول من الترجمة العربية لمجموع الكتابات السياسية للمفكر جان جاك روسو، أن هذه الترجمة تعد مسؤولية جسيمة، على اعتبار أنها تضم ثلاثة أجزاء للتعريف بفكر رجل كبير. وتحدث العلوي عن إشكالية اللغة، منبها إلى ضرورة الابتعاد عن السجال العقيم، في إشارة منه إلى النقاش الدائر حاليا حول الدارجة، موضحا أن اللغة العربية الحديثة مثل اللهجة، تعرف تطورا متواصلا، فلغة القرن الثامن والتاسع مثلا، لم يكن لها موقع في ساحتنا اليوم، وبالتالي يبقى الأهم هو خلق لغة متوسطة تتلاءم مع الزمن المعاصر. وعاب العلوي كذلك كون الكتابة العربية لم تعرف تطورا منذ قرنين، بالرغم من أهمية ذلك في تسهيل انتشارها، وفي هذا الإطار أعطى العلوي الأولوية للجانب الوظيفي للغة على الجانب الكاليغرافي، مسترشدا بكون الناس الضليعين في اللغة العربية، يرتكبون الأخطاء. وتطرق بعد ذلك إلى المعنى العميق لتقديم فكر جان جاك روسو مترجما إلى العربية، باعتبار أنه يسمح بمعرفة جيدة بفكر وفلسفة الأنوار، التي تعكس التحولات العميقة التي عرفها الغرب، وساهمت في بلوغ القمة إبان القرن التاسع عشر. معتبرا روسو من بين الملهمين الأوائل للتقدم في المجال الفكري والفلسفي، من خلال تجديد طرح سؤال المجتمع. وأثار العلوي بعد ذلك العائق الأساسي الذي يقف في وجه الاندماج في الحداثة، والمتمثل في الأمية. وتحدث عن أهمية العلوم الإنسانية، حيث أنه لا يمكن للعلوم الحقة أن تلعب دورها دون أن تكون مصاحبة بالعلوم السالفة الذكر. وتحدث عبد الله العلوي البلغيتي رئيس تحرير مجلة الأزمنة الحديثة التي كانت وراء ترجمة كتابات روسو السياسية إلى العربية، بكونها –أي المجلة- تهتم بالقضايا الكبرى التي يعرفها مجتمعنا، فمنذ العدد الأول، تم تخصيص ملفات حول اللغة الأمازيغية والهوية والتعددية، والمواطنة المشتركة، كما أنه تم تكريم المفكرين الراحلين محمد أركون ومحمد عابد الجابري، كما أن هذه المجلة تطرقت إلى قضايا الحداثة والتقليد، ليس على المستوى النظري بل المصيري. وفي العدد الجديد تم تخصيص ملف حول أسئلة الدين. وشرح مترجم كتابات روسو السياسية عبد السلام الشدادي، دواعي إقدامه على ترجمة روسو إلى العربية، واختياره لفكره السياسي على وجه الخصوص. حيث أوضح أن الولوج بالمجتمع إلى المعاصرة يمر حتما عبر الترجمة، وأن كتابات روسو السياسية لها دور أساسي في تجديد الفكر الإنساني، فلا يمكن في نظره، القفز على هذه الكتابات، كما أنه لا يكفي قراءتها بلغتها الأصلية، بل لا بد من المرور عبر آالية الترجمة لتكوين معرفة جديدة، ولأجل تجذير هذه المعرفة في ثقافتنا الخاصة، لا بل إن الترجمة تكتسي أهمية حتى في ما يتعلق بالعلوم الحقة. وأوضح الشدادي كذلك أن الترجمة تساعد على إدراك التطور الداخلي، ذلك أنه لا يمكن ركوب قطار التنمية بدون تطوير معرفتنا ولغتنا، وخلص بذلك إلى أن الترجمة عمل حي. وأضاف الشدادي أن المجتمع لا يمكن أن يتطور دون تكوين فكر سياسي، بارتباط مع ما يجري في العالم منذ القرن التاسع عشر.وهذا ما حدا به إلى اهتمامه بترجمة الفكر السياسي لروسو. فالعمل الأساسي في كل فكر سياسي هو ربط حرية المواطن ودوره الفاعل في المجتمع. يشار إلى أن هذه المبادرة تندرج في إطار مشروع علمي طموح يتوخى تعريب أهم مصادر الفكر الفلسفي السياسي الحديث، وذلك بمساهمة باحثين ومترجمين مغاربيين أكفاء، كما يتخذ أهمية أكاديمية خاصة، اعتبارا لكونه سيمكن لأول مرة من تجميع كافة الكتابات السياسية ل «جان جاك روسو» وترجمتها للغة العربية.