{ أدَّت الترجمة تاريخياً دوراً كبيراً في تطوير التواصل والتفاعل بين الثقافات والشعوب، وتركت آثاراً واضحة في مختلف ميادين الإبداع الإنساني، حتى أن كثيرين يرون أن بعض الترجمات ساهمت في إطلاق تحولات معرفية، وحركات نهضوية واسعة، فما رأيكم بذلك؟ وإلى أي مدى ترون أن حركة الترجمة العربية الراهنة ممكن أن تؤدي مثل هذه الأدوار في الوطن العربي؟ لا خلاف فيما ورد في سؤالك عن أثر الترجمة، فذلك عين الحقيقة، لأن الترجمة بطبيعتها تعد الجسر الهائل والصلب الذي يؤدي بك للانفتاح على عوالم جديدة لتطوير التواصل بثقافات الشعوب، والتفاعل معها من أجل استيعاب مفاهيمها ومنطلقاتها، ولمعرفة مستوياتها الحضارية في ضوء أدبياتها وعلومها، ومجمل تراثها وقيمها، وعوامل نهضتها، ويجب التذكير في هذا الصدد أن الوعي بالترجمة في الثقافة الإسلامية العريية، بدأ مبكراً، أي منذ القرن الأول للهجرة، وهذا ما تجلى في تعريب الدواوين، مما انعكس على طبيعة اللغة العربية وتطورها، الأمر الذي أدى أحياناً إلى الاقتراض اللغوي، وإدخال مفردات ومصطلحات جديدة، وهذا ما تبلور أكثر في القرون الهجرية الأولى: الثاني والثالث والرابع، أي منذ قيام الدولتين الأموية والعباسية. ولاشك أن انتشار الإسلام في أغلب الأقطار في مراحله الأولى ساعد على الاحتكاك بحضاراتها وثقافاتها وعلومها، ولم يكن هذا الاحتكاك إلا جنينياً، ولم يتبلور في حينه، يقول السيوطي في هذا الصدد: "إن علوم الأوائل دخلت إلى المسلمين في القرن الأول لما فتحوا بلاد الأعاجم، لكنها لم تكثر فيهم، ولم تشتهر بينهم، لما كان السلف يمنعون من الخوض فيها". وهذا ما أعاد تأكيده ابن خلدون في باب العلوم العقلية وأصنافها، عندما رفض عمر بن الخطاب طلب سعد بن أبي وقاص بنقل علوم الفرس، وما جاء في كتبها، إلا أن هذه الرؤية سرعان ما تغيرت في العصر الأموي على يد خالد بن يزيد الذي اهتم بنقل علوم الطب والكيمياء والهيئة من اليونانية والسريانية إلى اللغة العربية، وتدرج هذا الوعي النسبي في العصر العباسي، حيث أضحت حركة الترجمة من اليونانية والفارسية من اهتمامات الدولة في عهد المنصور والرشيد اللذين فتحا أفق الترجمة والتمكن من أدواتها؛ وهذا ما تم استثماره بعناية فائقة في عهد المأمون بتأسيس بيت الحكمة. ما أود تأكيده في هذا السياق، هو تطور الوعي بأهمية الترجمة، وهذا ما يكشفه تاريخ الثقافة العربية بكل تفرعاتها، وعلى الرغم من التفاوت بمدى وعي الترجمة من عصر لآخر، تحت عوامل مراحل الازدهار أو الانحطاط، فإن ما تمت ترجمته، أدى بالضرورة إلى الاتصال بتراث الثقافات الأخرى، فارسية ويونانية وسريانية، اتصال كان له أبلغ الأثر في الإنتاج الفكري والعقلي والعلمي، حيث شكلت الترجمات العربية جسراً، لكي يطور الفكر الغربي رؤيته للأشياء في القرون الوسطى، وهذا التداخل بين الثقافات والاحتكاك بروافدها والأخذ بترجماتها، ساعد على الخلق والإبداع، وتطوير الذات العالمة في سياق تطور المجتمعات الإنسانية في كلياتها. وعندما نستقصي أثر الترجمة بالنسبة لكل الحضارات البشرية نجدها قد أسهمت إسهاماً بالغاً في رقيها، والتمكن من ازدهارها، ومدها بعوامل التلاقح والاتصال. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن ما يشكل جوهر أي ثقافة وتقدمها يتجلى في مدى انفتاحها على الثقافات الأخرى، باعتبارها إنتاجاً إنسانياً مشتركاً، وأي انعزال لا يورث إلا الضعف والتقهقر؛ وإذا كان العرب قدموا خدمات عملية وعلمية للفكر الأوروبي من أجل إشعاعه فيما مضى، فإنهم في إطار الدورات التاريخية المتقلبة عليهم أن يستعيدوا دورهم الإنساني بواسطة الترجمة في شتى أشكالها علمياً وأدبياً وإعلامياً، ولا مجال للدخول في عصر الحداثة والمعلوميات من دونها، لأن هذا بالضبط ما يساعد على تطوير الذات العربية ولغتها، ويحافظ على قدرتها لمسايرة الركب الحضاري، ويقوي أسس نهضة شعوبها. بمعنى آخر إن هذا التوجه يفرض علينا خلق ثقافة الترجمة في كل الأقطار العربية على أسس المعاصرة والتكوين العلمي والثقافي. { إلى أي مدى ترون أن اللغة العربية قادرة على مواكبة التطورات العلمية والثقافية المعاصرة ؟ وددت لو أن هذا السؤال طرح بصيغة أخرى، ومن منطلق مفهوم لغوي متعارف عليه، ينحو في اتجاه: إنه لا توجد لغة من اللغات لها قواعدها وأدبياتها وإنتاجها العلمي عاجزة عن مواكبة تطورات العلوم والآداب والفنون، إلا أن الإشكال يكمن في أهل اللغات ومتكلميها الذين يعرضون عنها اختياراً وطواعية، ويعتمدون لغات أجنبية، ويخلقون توهماً حول لغاتهم الخاصة بسبب جهلهم، حيث يعتبرون اعتباطاً، أن لغتهم الوطنية عاجزة على مواكبة التطور العلمي. لقد تعرضت اللغة العربية في هذا الصدد إلى الإقصاء، سواء في المرحلة الاستعمارية، أو في مرحلة التحرر الوطني والدولة الوطنية، حيث أضحت الأطر والكفاءات العلمية تُرَسِّخُ التوهم، والاستلاب اللغوي، أي الخضوع للهيمنة الأجنبية وإرادتها. ما يلاحظ في الحياة اليومية أن أحاديث الناس والمثقفين تتداخل فيها ألفاظ وعبارات لغات أجنبية، فضلاً عن المؤتمرات والندوات والإعلانات، وأسماء المحلات التجارية واللوحات الإشهارية، حيث لا تخلو من الحرف اللاتيني، وامتدت الأمور إلى المدارس والجامعات، وما يقدم من تبرير في هذا الصدد هو عدم استيعاب اللغة العربية للعلوم الحديثة، وهذا أمر مخالف للواقع، لما تتمتع به بنية اللغة من التأثيل والتأصيل، والقدرة الهائلة على التوليد والاشتقاق والاقتراض. توجد مفارقة فاضحة عندما تجد في كل دساتير الدول العربية وقوانين جامعتها مادة تنص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد والدولة، ولغة التعليم، ومع ذلك يتم تجاوز روح هذه المادة، مما يجعلني أتهم الطبقة السياسية الحاكمة بأكملها، وأعتبرها متورطة في تدهور وضعية اللغة العربية في كل مرافق الدولة وأجهزتها، وأشعر أنها تفتقد الوعي بأهمية اللغة باعتبارها تدخل في إطار الأمن الوطني، ولكونها تشكل أهمية وقوة لتدعيم الوحدة الوطنية، فضلاً عما تخلقه من شروط فعلية لتدعيم التواصل القائم بين الشعوب العربية، الأمر الذي يؤسس لإمكانيات الوحدة الاقتصادية والتنمية البشرية. وهنا لابد من الإشارة من الناحية اللغوية واللسانية، إلى أن كل اللغات العالمية من دون استثناء، بحاجة إلى تطوير ومعالجة آنية، وكما هو الشأن بالنسبة للغة العربية من أجل انفتاحها على علوم العصر، إلا أن هذا السعي يتطلب تخطيطا لغوياً، من أجل نهضتها وتطويرها وتحديثها، وهذا من مهام المجامع اللغوية والمؤسسات الوطنية، إن وجود لغة يتكلمها أزيد من خمسمائة مليون نسمة، لا يمكن أن تفقد القدرة على التطور، لأنها فوق هذا وذاك تملك آليات التحديث، ومؤهلة بحكم واقعها المادي والمعنوي والحضاري والتاريخي للإبداع ومسايرة تطور العلوم. يمكن أن أقدم في هذا الصدد نماذج من اللغات العالمية، مثل الصينية واليابانية والكورية حيث ترفض شعوب هذه اللغات التخلي عن لغاتها الوطنية، فبها تعلم العلوم على اختلاف أصنافها وأنواعها في مدارسها وجامعاتها، فضلاً عن تسيير دواليب أجهزتها الإدارية، وتأثيث منتدياتها الأدبية والفنية. إن الحديث عن اللغة العربية ذو شجون، ومع ذلك لا يفوتني التذكير بأن اللغة العربية، وعلى الرغم مما تعرضت له من قهر - ومازالت - من لدن أهلها ومتكلميها فإن ثروتها اللغوية التي تراكمت خلال القرن الماضي، أضخم مما عرفته في كل القرون، إذ عرفت نمواً متزايداً، وانفتاحاً على التعابير الجديدة، والمصطلحات العلمية في مختلف المعارف والتخصصات، وما ألف من كتب في علم اللغة والدراسات اللسانية والمعاجم العامة والفردية والعلوم الفكرية والعلمية، تشهد على ذلك وتعد كلها مواد أساسية للتخطيط، وعندما أقول التخطيط، لا ينبغي أن يقف الأمر عند نشر اللغة وتعميمها، فهي على الرغم من كل الإرادات المعاكسة تزداد انتشاراً، واحتلت بذلك مكانتها في أغلب الدول الغربية، حيث أصبح اهتمامهم بها متزايداً تدريساً وبحثاً أكثر من أهلها، مما جعل متكلميها يزدادون أكثر فأكثر، ولا تنقصنا إلا الإرادة السياسية والقرار السياسي، وعندما نتحدث عن غياب القرار السياسي، باعتباره المحور الأساسي لحل إشكالية اللغة العربية وفقاً لما هو مقرر في مواد الدساتير العربية، فإن القرار السياسي لا يمكن أن يتقرر اعتباطاً، من دون دراسة معمقة للعوائق الافتراضية، ومن دون تعبئة المجتمعات المدنية من أجل فرض ما نعتبره محورياً، ومن صلب مفهوم القرار السياسي كما تم في سياق الربيع العربي. وخلاصة القول من منطلق السؤال، إن اللغة العربية في سياق تاريخها ووظائفها وقواعدها وأساليبها، لغة العلم في المدرسة والجامعة والإرادة، وفي مجالات البحث العلمي؛ ولكونها ترتبط بنصوص وتراث الحضارة الإسلامية والعربية، كما ترتبط بكل من يتعلمها في أرجاء العالم، وليس فقط في العالم العربي، فهي بذلك مؤهلة لترتبط بعلوم العصر لقوتها المتزايدة. { برأيكم هل الترجمة هي ناقلة للهويات أم صانعة لها؟ قبل الجواب على هذا السؤال، لا بد من تحديد مفهوم الهوية، لكونه صار مصطلحاً متداولا في أغلب الكتابات المعرفية، وبالأخص فيما له علاقة باللغة. واللغة في هذه الحالة لا تشكل إلا مسألة ثانوية في سياق الهوية الوطنية، وهذا ما يظهر بشكل واضح في البلدان المتعددة القوميات، التي تتكلم عدة لغات، كما هو الشأن في بعض البلدان الأسيوية والإفريقية، فالتعدد اللغوي فيها يلغي صبغة الهوية اللغوية، حيث ترتبط هويته بانتمائه الوطني وليس اللغوي، بمعنى آخر وبما نريد تأكيده إن الهوية بمفهومها اللغوي تعني ذاتية الشخص، أي شخصيته ماهيته، حيث اللغة لا تشكل إلا رافداً من روافد التعدد اللغوي، ولها قابلية التعايش والتكافؤ مع لغات وطنية أخرى مثل الأمازيغية والحسانية والكردية، مما يلغي أي صراع معها، وكذا تلغي ما يمكن أن ينتج عن ذلك من تصورات قد تكون خاطئة، ولا تستند إلى الواقع بصلة. وهذا ما يدعو إلى التمييز بين هوية الفرد وهوية الجماعة التي ينتمي إليها الفرد. يمكن في ضوء هذا التصور أن لا نعتبر الترجمة ناقلة للهويات، أو صانعة لها، لأن مفهوم الترجمة يمتد إلى ما هو ثقافي وحضاري، وما هو مرتبط بهويات الجماعة التي استمدت منها المادة المترجمة، إن من الصعب أن تتحول هذه المادة إلى هوية، يمكن أن ينتج عنها تأثر، أو استيلاب، أو ممارسات مماثلة لا غير، ولأن مهامها معرفية، محصورة في معرفة الآخر، وفي ممارساته الثقافية وتقدمه العلمي ورؤيته للأشياء. { هل هناك روافد ثقافية متجانسة ما بين الحضارة العربية والحضارات الأخرى، وهل قمتم بترجمة كتب من لغات أخرى إلى العربية وبالعكس؟ توجد بالطبع روافد ثقافية متجانسة ما بين الحضارة العربية ومجمل الحضارات الأخرى، أي في جوهرها، إلا أن الاختلاف يكمن في التقاليد والعادات والمعتقدات الدينية، وممارسات شعائرها، وحتى في هذا الإطار، يوجد ما هو مشترك بينها، سواء بالنسبة لأهل الديانات التوحيدية أو غيرها؛ ما يشكل الاختلاف أيضاً يتجلى أساساً في مظاهر التقدم الحضاري والعلمي، حيث تبدو الفوارق الفاصلة، الشيء الذي من شأنه أن يخلق التباعد والأحكام المسبقة. يمكن في هذا السياق كما جاء في سؤالك، أن أقدم نماذج من الترجمات التي قمت بها: أسفار الرحالة جان موكي إلى المغرب وبلدان الشرق الأوسط (سوريا، لبنان، وفلسطين) في بداية القرن السابع عشر (1602-1212م) أي في عهد هنري الرابع. تعد هذه الرحلة الأولى من نوعها، يقوم بها صيدلي فرنسي إلى المغرب، كان غرضه البحث عن أنواع النباتات، وبالأخص ما له علاقة بالأودية. وقد تجاوز ذلك إلى وصف ما شاهده برؤية ذاتية، وهذا ما يستوقفنا في هذه الرحلة، حيث يلاحظ التمايز بين حضارتين متباينتين إلى حد التباعد، مما جعل الرحالة في سياق وصفه يشعر بالتذمر، والتأفف أحياناً، وقد ظهر ذلك من خلال تعابير صارمة في حدتها، متولدة من معاناته اليومية مع مواطنينا أينما حل وارتحل، سواء في المغرب أو المشرق، وحتى عندما يظهر إعجابه، يظل هذا الإعجاب مغلفاً وملتبساً، وكأنه يود لو يغض الطرف عنه، وهذا ما يفسر إصداره لأحكام خضعت لانفعالات ذاتية. ما يهم في هذه الرحلة يتجلى في الوقوف على رؤية الآخر، وردود فعله، وهي بذلك تعد وثيقة تاريخية ذات آثار نفسية، وفيما يتعلق بالوقائع والأحداث الاجتماعية والسياسية، وهذا ما حاولت إبرازه في مقدمة الترجمة. - النموذج الثاني الذي قمت بترجمته بمعية الأستاذ أحمد شحلان ألف سنة من حياة اليهود بالمغرب لمؤلفه حاييم الزعفراني، فإنه يبرز بشكل آخر مدى تعلق صاحبه بيهوديته، وبموطنه الأصلي الذي هو المغرب، حيث ظل مندداً بمواقف الحركة الصهيونية الساعية إلى اجتثاث اليهود من بلدانهم الأصلية، ما أود تأكيده في هذا الصدد، هو أن المرحوم حاييم الزعفراني، على الرغم من ثقافته الفرنسية وإتقانه للغة العبرية واللهجة العامية المغربية، فإنه ظل متشبثاً بهويته المغربية، مع أنه حامل للجنسية الفرنسية، وهذا ما يؤكد ما قلته سابقاً بشكل أو بآخر، عن مفهوم الهوية وعلاقتها باللغة والموطن. - النموذج الثالث الذي أقدمه من أجل إيضاح طبيعة السؤال المطروح، محدد في الترجمة التي أنجزتها لكتاب: أمير المؤمنين: والنخبة السياسية المغربية، للباحث الأمريكي جون واتربوري، بالاشتراك مع الأستاذين عبد الأحد السبتي وعبد اللطيف فلق، يتضمن هذا الكتاب أطروحة النظرية الانقسامية التي حاول المؤلف تطبيقها على المجتمع المغربي، وبما أن الكتاب يعد أطروحة أكاديمية للباحث، نجده موضوعياً في تناوله لتطور الأحداث السياسية التي عرفها المغرب خلال منتصف عقود القرن الماضي، وهي لا تشكل مجرد رؤية الآخر، بل تحاول استكشاف طبيعة المواقف السياسية للنخبة المغربية، في ضوء الوقائع، والعوامل المتحكمة فيها، من دون انحياز، ولأن موضوعية الباحث جعلته يبتعد عن إصدار أحكام مسبقة، إلا ما كان يصب في تدعيم النظرية الانقسامية في سياق البحث الأنثروبولوجي، قد نتفق في جزء كبير منها، أو نختلف في بعض تفاصيلها، إلا أنها تظل رؤية خارجية وفي إطار البحث الجامعي. وخلاصة القول في المواضيع المترجمة، فإنها تخضع لماهيتها وفوائدها المحصلة، سواء أكانت تاريخية أم اجتماعية أم علمية. وعلى سبيل المثال، الترجمة التي وضعت مقدمة لها وأنجزتها الباحثة كنزة الغالي لكتاب خندق الذئب (حول أحداث الريف وثورة عبد الكريم الخطابي) بشمال المغرب لمؤلفته ماريا روسا مادارياغا، حيث تبرز رؤية تاريخية مغايرة وبموضوعية علمية بعيدة عن الأحكام المسبقة، وفي استقراء متميز للأحداث، ومن موقع الدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، وإدانة لكل أنواع الاحتلال العسكري. والمثال الثاني، من نوع آخر، يتعلق بالترجمة التي أنجزها الباحث محمد خطابي لكتاب: السياسة اللغوية، خلفياتها ومقاصدها لمؤلفه جيمس. طوليفصون، ونظراً لطبيعة الكتاب لارتباطه بالدراسة اللغوية تنقيباً وتطبيقاً، فإن المؤلف يمدنا بآراء جديدة لاعتماده مفاهيم نظرية التنظيم الاجتماعي في تحاليلها العميقة لقضايا الإيديولوجية، وعلاقة الدولة بتنظيماتها وشرائحها الاجتماعية، وواقع الأفراد داخلها، وما يمارس ضد حقوقهم اللغوية، في ارتباطها بالمعيش اليومي. هذا ما حاولت إيضاحه في المقدمة التي وضعتها لهذا الكتاب. وبذلك يمكن القول إن أي ترجمة إلا ولها ماهيتها وأهدافها وطبيعتها العامة أو الخاصة، ولها ما يمكن أن تقدمه للقارئ من آراء وأفكار لإشاعة المعرفة، والاستفادة منها في مجالاتها المتنوعة. { نتحدث كثيراً عن الترجمة الجيدة والترجمة الرديئة، فما هي برأيكم المعايير للحكم على الترجمة ؟ وهل ترون أنه من الممكن الاتفاق على معايير عامة وشبه ثابتة يستند إليها المترجمون والدارسون ؟ لا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن الترجمة لم تعد هواية، بل أضحت مهنة واحترافاً، لها عناصرها العلمية، التدريسية والتطبيقية في معاهد الترجمة، وهي بذلك تخضع لمعايير تقنية ومعايير أدبية ولغوية، كما أنه لا يمكن الحديث عن المعايير في المطلق بسبب اختلاف النصوص المترجمة، فالنص الأدبي نثراً أو شعراً، يحتاج إلى احترافية وإبداع، حيث يفرض تخصصاً معرفياً، ومن دون ذلك يصعب ضمان ترجمة أمينة، هذا فضلاً عن ضرورة إتقان لغتين على الأقل، والتمكن منهما أسلوباً وبلاغة، وبالأخص التمكن من لغة الهدف، أي اللغة العربية، فيما يتعلق بنا، وهذا ما يميز الترجمة الجيدة عن الرديئة، لارتباط الأولى بثقافة المترجم ولغته، وآلياتهما الأسلوبية والمجازية على عكس الثانية. وهنا لابد من التمييز في مجال الترجمة بين طبيعة النصوص ذات الصبغة الأدبية أكانت شعراً أم نثراً وغيرها من النصوص الأخرى، لكونها تخضع إلى عوالم شاعرية تخيلية تفرض نوعاً منن البلاغة اللغوية، مما يعد قراءة خاصة متميزة للنص المترجم، ويمكن أن أقدم نموذجاً للترجمة التي قمت بها لرواية بيدرو بارامو للكاتب المكسيكي خوان رولفو، وهذه الترجمة ذاتها أنجزها الأستاذ صالح علماني، حيث يصعب إصدار حكم على أي من الترجمتين أقرب إلى النص، لطبيعته التخيلية وتعقيدات أحداثه المتداخلة زمنياً، لذا أعتبر الترجمتين قراءة خاصة فردية لرواية خوان رولفو بحكم طبيعتها المتميزة بكل عجائبيتها، وما تثيره لدى القراء من حالات الاندهاش والانفعال عبر الأحداث المتراكمة والمتداخلة. { الكتب المترجمة إلى العربية كثيرة، ومع ذلك هناك فراغات لا بد من سدّها، فما هي هذه الفراغات ؟ هناك فراغات هائلة فعلاً، لأن ما يترجم إلى اللغة العربية يعد ضئيلاً جداً بالمقارنة إلى ما يترجم مثلاً إلى اللغة الإسبانية أو اليابانية أو الروسية، نحن بحاجة ملحة إلى إحداث ثورة عارمة في مجال الترجمة، وفي شتى المرافق المعرفية، وفي مقدمتها الدراسات الاجتماعية والأنثروبولوجية والفلسفية والمعجمية واللسانيات، مع العلم أننا بحاجة أكثر إلى ترجمة كتب العلوم الدقيقة والتكنولوجية والإعلامية، وما له علاقة بكل التطورات العلمية والمستجدة من أجل مواكبة العصر الحديث. { تشوب الترجمة فوضى المصطلحات عند النقل من اللغة الأجنبية إلى اللغة العربية، فما العمل؟ صحيح جداً أن الترجمة العربية تعيش فوضى المصطلحات لأسباب كثيرة، منها ثقافة المترجم إن كانت فرنسية أو أنجليزية أو إسبانية، وعدم وجود بنك عربي بالمصطلحات، كما هو الشأن بالنسبة للبلدان الأوروبية. وعلى الرغم مما أنجزه مكتب تنسيق التعريب في مجال توحيد المصطلح، حيث ظلت أعماله غائبة ومركونة، دون أن تأخذ طريقها إلى الممارسة. يعد غياب المصطلح العلمي أو الأدبي باعتباره أداة لفهم الجهاز المصطلحي في سياقه المعرفي، عائقاً أمام وصف الظواهر المتحدث عنها في مجال الترجمة، وأي التباس فيما يتعلق بمفاهيمه نجده يمس حتماً بالمعاني والدلالات مما يخلق غموضاً بالضرورة إلى المفهوم. بدهي أن يطرح السؤال مجدداً حول وضع المصطلح لتجنب الاضطراب أو الالتباس فيما يتعلق بتحديد دلالته المفهومية، سواء أكان توليدياً أم اشتقاقياً أم مقترضاً، وهذا ما يفترض إيجاد استراتيجية جديدة في ضوء ما أنجز من أعمال مصطلحية داخل المجامع اللغوية ومنظمة الألكسو، ومكتب تنسيق التعريب، من أجل توحيد الجهود في ميدان العمل المصطلحي، وضمن خطة مشتركة شاملة يساهم فيها باحثون من ذوي الاختصاص، وهذا التوجه لا أرى له أفقاً إلا بتأسيس بنك عربي خاص بالمصطلحات العلمية في شتى فروع المعارف، بعد خضوعه للمعايير العلمية، وبالتحديد ما يعرف بالتقييس والتداول، لتجاوز الفوضى المشار إليها في السؤال، على قاعدة خطة عملية تنتقل إلى التطبيق والتنفيذ، ومن شأن مادة البنك المصطلحي أن تدخل إلى حيز المحتوى العربي ليسهل تداولها وإشاعتها بين الباحثين والمترجمين. لا شك أن هذا التوجه وتحقيقه سيساعد حتماً على تأليف معاجم ثنائية اللغة متطورة، ومعاجم مختصة ملمة بدلالات المصطلحات العلمية، وما استجد منها مما يعطي للترجمة قيمة مضافة. { ما هي العوائق التي تحول دون تقدّم الترجمة في عالمنا العربي ؟ يبدو لي قبل الحديث عن العوائق التي تحول دون تقدم الترجمة في عالمنا العربي، أن أتحدث عن وجوب رصد أوضاع الترجمة، ومكامن الضعف المرتبط بها، ونقول في هذا الصدد إنه على الرغم من التطور النسبي الذي عرفته مجمل الترجمات التي أنجزت في بداية العقد الأول من هذا القرن، فإن هناك تعثراً واضحاً يمس بالأساس المعارف المتجددة في عالمنا المعاصر، مما يحول دون التواصل مع الثقافة العالمية والاحتكاك بها، ولقد أدت الانتفاضات التي عرفتها بعض البلدان العربية في السنتين الأخيرتين، وثقل الأزمة المالية الدولية، إلى ضعف الإنتاجات المترجمة، حيث توارى الاهتمام بما هو ثقافي وعلمي، ووجه النظر إلى ما هو سياسي محض. لقد أشرت سابقاً إلى تدني واقع الترجمة في ضوء الإحصائيات التي تنشرها المنظمات الإقليمية والدولية، وبالأخص منظمة الإسيسكو، بالمقارنة إلى ما ينشر في أغلب الدول الشرقية والغربية، وبذلك يمكن القول إن من أهم العوائق المانعة لوجود نهضة علمية ثقافية ترجمية يعود إلى أسباب التدهور الاقتصادي والتخلف الاجتماعي، بالإضافة إلى نتائج ما أسفرت عنه بعض الأحداث في أغلب الدول العربية، مما يغيب أي تفكير لإيجاد استراتيجية علمية، فوضعنا الحالي يفقد أسس التنمية البشرية ومواردها، وتنقصه المناهج القائمة على تخطيط علمي في ضوء الاستقرار السياسي، وهما شرطان أساسيان لكي تؤدي الانتفاضات العربية إلى الإحساس بقيمة القيم التي جاءت بها وبمردوديتها، وليتم التماثل بأسس الدولة الديمقراطية، التي يمكنها أن تفرز زخماً ذا قيمة مضافة للدور السياسي، الذي يمكنه أن يعبر عن مضامينه الكامنة في جوهره. مما لا شك أن هذه البنية المترابطة من شأنها أن تؤدي إلى حاجة الترجمة واتساع نطاقها، لأن التقدم يدعو إلى البحث عن توسيع الآفاق، وما هو جيد، بينما التخلف يجعل الأمة تعيش تقهقراً وتدهوراً ويفرض عليها التبعية. لا سبيل إلى تقديم اقتراحات ما دامت البنية الاقتصادية متدهورة، وما هو موجود من ترجمات ناتج عن الإرادة الطيبة لبعض المنظمات العربية، وجهود أفراد من المترجمين غيورين على ثقافتهم الوطنية، وهذا ما يمكن تسجيله بارتياح في انتظار توفر شروط نهضة ثقافية ترجمية. { صدرت لكم مجموعة قصصية بعنوان ظلال البيت القديم، وهي أولى المجامع القصصية لكم، إلا أننا نراكم تحضرون فيها مقاطع كثيرة من السيرة الذاتية، وهي لا تحيد عن روايتيكم السابقتين الضريح، والضريح الآخر التي حصلتم بفضلها على جائزة المغرب للكتاب في صنف الابداع لعام 1996. لماذا هذا الرجوع إلى الذات دائماً؟ لا أستطيع تأكيد أو إنكار، وجود معالم ذاتية يمكن وصفها بأنها تمتح من السيرة الذاتية، مع العلم أن الرؤية النقدية لأي عمل إبداعي تظل مفتوحة على عدة قراءات لاكتشاف المسكوت عنه، أو ما يود التعبير عنه من خلال التخيل باعتباره قناعاً، يمكن تأكيد الأمر في هذا السياق بما ورد في أغب الدراسات البحثية والنقدية عن الروايات العربية، التي ترى أنها لا تعدو أن تكون مجرد انعكاس لسير ذاتية لمؤلفيها، لعدم قدرتهم على البوح بما في دواخلهم، لذا نجدهم يختفون وراء شخصيات أبطالهم، ويمكن أن أضيف في ضوء هذه الملاحظة أن هناك بوناً شاسعاً بين المجموعة القصصية ظلال البيت القديم، والضريح، والضريح الآخر، مكانياً وزمانياً وتخيلياً، ومع ذلك يمكن القول إن اشتغال اللاوعي في الإبداع يصعب ضبطه، لكونه يسبح في عمليات التخيل غير الخاضعة للقيود. { سبق وأن أعدتم قراءة ترجمة رواية بيدرو بارامو بتمعن وتمحيص، مع إحاطة بجوانبها، انطلاقاً من الترجمة الفرنسية، هل لكم توصيف ترجمتكم، وبيان ما يعانيه المترجم في مثل هذا المجال؟ لا بد من التأكيد أن ترجمة الأعمال الأدبية الإبداعية ما هي إلا قراءة ذاتية لمترجمها لنكهتها الخاصة والمتميزة، وهذا ما يفسر أحياناً تعدد الترجمات لنص معين، وهذا ما يصدق على رواية بيدرو بارامو، حيث جاءت ترجمتها إلى اللغة الفرنسية سنة 1959 حَرْفِيَّةً وَحِرَفِيَّةً، على عكس ترجمة سنة 2005 التي تميزت بإبداع لغوي، ورؤية أكثر انفتاحاً على وقائع أحداثها، في ظل الارتباط بالنص الأصلي، حيث نجد كلاً من المترجمين لهما قراءتهما ومكانتهما في مجال الترجمة، لا شك أن وجودهما معاً حقق لي إمكانية التعمق في طبيعة النص والمقارنة، وهذا ما ساعدني أكثر لتجاوز عوائق عدم العودة إلى النص الإسباني الذي كتبت به الرواية، وهذا ما حاولت إيضاحه في المقدمة، وكما أشرت سابقاً عن ماهية تعدد القراءات للنص الواحد، ولقد سبق أن عانيت الشيء الكثير عندما قمت بترجمة قصيدة القطط لشارل بودلير في ضوء التحليل البنيوي الذي أنجزه كل من رومان جاكبسون، وكلود ليفي ستراوس (نشرت الترجمة في مجلة علامات عدد 26 سنة 2006) لقد وجدت نفسي أمام عدة ترجمات للقصيدة، إلا أن طبيعة التحليل أمدتني بفهم أعمق لدلالتها الشعرية، مما أعتبره قراءة جديدة لها. أما وصفي لترجمة رواية بيدرو بارامو فهو متروك للنقد الترجمي. { بالإضافة إلى هذه الأعمال الإبداعية التي شرعتم فيها، أنتم معروفون بتخصصكم في الدراسات المعجمية، كما لديكم مجموعة من المؤلَّفات المدرسية والتربوية التي تهتم أساساً بالمعاجم، هل لكم أن تخبرونا إلى أين وصل مشروعكم المعجمي الذي بدأتموه منذ سنوات ؟ لاشك أن ما أود أن أختم به مشاريعي المعجمية ينحصر حالياً في إصدار معجم الغني الزاهر الذي شغلني عما عداه من مهام، معجم يضم حوالي 65.880 مدخلاً، يتميز بما يحتوي من استشهادات أدبية، مستقاة من مؤلفات كتاب وشعراء من مختلف عصور الأقطار العربية، وقد بلغ عددهم أزيد من أربعمائة، بدءاً من امرئ القيس، وزهير بن أبي سلمى، والأعشي، والشنفرى، ومروراً بحسان بن ثابت، وجرير، والأخطل، وذي الرمة والمتنبي، وأبى فراس الحمداني، إلى أبى شبكة وعبد الرحمان الكواكبي، ونزار قباني، ونجيب محفوظ، والطيب صالح، ومحمود درويش، وعز الدين المناصر، وعبد الكريم غلاب، وعبد المجيد بن جلون، ومحمد زفزاف وعبد الإله بلقزيز، وربيع مبارك، وأحمد بوزفور، وإلياس الخوري، ورشاد أبو شاور، ومحمد المسعدي، هذا بالإضافة إلى الصحفيين أذكر من بينهما محمد حسنين هيكل، وبلال الحسن، وغيرهم كثير. وقد اهتم المعجم بالإضافة إلى كل هذا باللغة العربية المعاصرة، في محاولة لاستقصاء دلالات المفردة الواحدة ومعانيها المتطورة، زمانياً ومكانياً، بما في ذلك النباتات والحيوانات والمصطلحات الأدبية والعلمية، مما أعتبره إضافة جديدة لإغناء المعجم العربي الحديث، ذلك أن كل معجم في رأيي، لا يمكن أن يكون إلا تعبيراً عن عصره ولغته، وسياق تراكيبه اللغوية، من منطلق أن المادة اللغوية يجب أن تخضع لرصد معانيها قديماً وحديثاً، مع مراعاة تناسقها وترابطها، للتمكن من معالجتها في جزئياتها، وفي شموليتها، في محاولة لاستيعاب آليات الخطاب أكان تراثياً أم معاصراً. ومن المفروض أن يصدر هذا المعجم في الأشهر القادمة ليكون بين أيدي القراء العرب، وأتمنى أن يأتي صدوره بموازاة وصدور العدد القادم من مجلة العربية والترجمة، المتضمن لهذا الحوار. { قمتم أيضاً بتحقيق العديد من كتب التراث المغربي. هل لكم أن تعلمونا ما الهدف من تحقيق التراث إذا كانت مثل هذه الكتب ما تزال حبيسة الرفوف الجامعية المغربية ؟ وعما إذا كانت ستسهم في تفعيل الترجمة ؟ ما قمت به في مجال تحقيق بعض نصوص التراث المغربي ينحصر في عملين محدودين جداً، أولهما كتاب أعز ما يطلب للمهدي بن تومرت، وثانيهما كتاب أنواع الصيدلة في ألوان الأطعمة، لمؤلف مجهول، يتضمن الأول أدبيات ابن تومرت، مؤسس الدولة الموحدية ورؤيته للقواعد الدينية وفرائضها، وتجدر الإشارة هنا إلى اهتمام المستشرقين بنصوص أعز ما يطلب، وفي مقدمتهم لوسياني وكولدزيهير، وترجمة بعضها إلى اللغة الفرنسية. أما ما يتعلق بالكتاب الثاني، فهو بدوره وجد اهتماماً بالغاً من المستشرق الإسباني ميراندا الذي نشره من دون تحقيق، وبالاعتماد على نسخة واحدة. ويجب التذكير أن الكتابين معاً ينتميان إلى مرحلة تاريخية واحدة، أي القرن الثاني عشر الميلادي، وكل منهما له أهميته الخاصة، سواء في المجال الفكري، أو ما له علاقة بالأهداف، وحيثيات تأليفه، أو في المجال الحضاري، ومستوى معيشة السكان أينما حلوا وارتحلوا. إن أي كتاب من كتب التراث نجده حاملاً لحمولات فكرية وحضارية وتاريخية، يمكن اعتماده في تحليل طبيعة أفراد المجتمع ورؤيتهم للأشياء المحيطة بهم، الأمر الذي يمكن استثماره في البحث التاريخي أو السياسي أو الفكري أوالأنثربولوجي، فضلاً عما له علاقة بالبحث اللغوي والمعجمي. ومن دون تردد يمكن القول إن هناك دوافع وحاجات للاهتمام بكتب التراث تحقيقاً ونشراً، ويجب التذكير في هذا الصدد أن المستشرقين على اختلاف جنسياتهم، كانوا سباقين لترجمة الكتب التراثية العربية، وأولوها عناية بالغة، بغض النظر عن أهدافهم، أو مراميهم، وأغلب الكتب التراثية أضحت من المصادر الأساسية التي اعتمدها عدد كبير من الباحثين العرب. { ترجمت المنظمة العربية للترجمة كتباً في حقول معرفية متعددة، ولكن القراء يطالبونها بالانفتاح على حقول الإبداع الأخرى من شعر وقصة ونقد، فما رأيكم ؟ ما تقوم به المنظمة العربية للترجمة يعد لبنة أساسية طموحة لسد الفراغ الهائل الذي يعيشه واقع الترجمة في العالم العربي، هذا بالإضافة إلى المركز القومي للترجمة، ومجرد الوقوف على عناوين الكتب المترحمة، يظهر أن هناك رغبة ملحة تدعو لخلق وعي بأهمية الترجمة في عصرنا، وهذا ما يستحق التقدير والتنويه، وأظن أنه إذا ما وضعت استراتيجية للمرحلة القادمة، فذاك ما سيجعل الترجمة بالضرورة تنفتح أكثر على حقول الإبداع العالمي نظراً لأهميتها، ولأن الترجمة يجب النظر إليها في كلياتها، من دون تمييز بين أصناف المعرفة وأنواعها، وهذا ما نحن بحاجة إليه. { ما هي تطلعاتكم لمستقبل الترجمة وتأثيرها على التطور الثقافي والحضاري ؟ لا شك أن ما أنجز من ترجمات في مختلف التخصصات، لا يسد الحاجات الملحة التي يتطلبها العصر، إلا أن هناك ردود فعل لهذه السلبية، تتجلى فيما يلاحظ من تزايد الاهتمام بمجال الترجمة، والرغبة الملحة في ذلك، في محاولة جادة لفتح آفاق واعدة، وهذا ما يبرزه ظهور مجلات متخصصة بالترجمة وأبحاثها، مثل مجلة العربية والترجمة، ومجلة ترجمان التي تصدرها مدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة، ومجلة المترجم التي يصدرها مخبر (تعليمية الترجمة وتعدد الألسن) بالجزائر، ومجلة ترجميات، كما تجب الإشادة بالترجمات الهائلة التي تنجز في رحاب مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في مجال المعارف التطبيقية والدقيقة، وسعيها المتواصل وراء إقامة المحتوى العربي، وما له علاقة بالترجمة، كما يجب التنويه بالدور الذي يقوم به المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت، المتمثل في إصدار سلسلة عالم المعرفة، وسلسلة المسرحيات العالمية، ومجلة الثقافة العالمية، فضلاً عن الجهود المثمرة للمنظمة العربية للترجمة، والمركز القومي للترجمة، ومن شأن هذا الاهتمام أن يحث المهتمين على ضرورة دعم مجالات الترجمة، واستثمار ما هو موجود، من أجل مستقبل أفضل وواعد لعالم الترجمة وثقافاتها، للتمكن من تغذية روافدها، وإشباعها بكل أنواع الآداب والعلوم والفنون من أجل تنمية مستدامة، وهذا ما يمكن أن يطلع به أي باحث، وفي أي مجال من مجالات المعرفة؛ إلا أن أي تحول في هذا المضمار لن يعرف الديمومة ما لم يتحول إلى اهتمام مؤسساتي واستراتيجي، يشمل كل الدول العربية وأنظمتها من أجل تحقيق التقدم الحضاري المنشود.