في المناقشة العامة للجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2014(الجلسة العامة في 16 نونبر 2013) باسم الله الرحمان الرحيم «الحمد لله الذي أرسل إلينا رسولا كريما، وأنزل عليه شرعا حكيما، وهدانا إليه صراطا مستقيما» السيد الرئيس، السيدات والسادة الوزراء، حضرات السيدات والسادة النواب، يشرفني أن أتدخل، باسم فريق التقدم الديمقراطي، في إطار المناقشة العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2014، لأعرض وجهة نظر فريقنا بشأن أهم القضايا المرتبطة بهذا المشروع، واضعين الأمور في سياقاتها المتعددة، ومستحضرين دائما دورنا كمكون للأغلبية البرلمانية، وموقعنا السياسي كطرف مشارك في الحكومة، من خلال حزب التقدم والاشتراكية الذي تتزامن هذه المناقشة وتخليده للذكرى السبعين لتأسيسه. وهي مناسبة نخلدها ليس فحسب باستحضار التراكمات الايجابية لمسار حافل بالعطاءات والتضحيات، وإنما أساسا بأخذ العبرة من دروس تجربة حزبية ثرية، بقدر ما هي متفردة. حزب التقدم والاشتراكية: سبعون سنة من النضال والكفاح لقد ظل الحزب قائما رغم المضايقات والقمع حيث أمر الاستعمار الفرنسي بمنعه سنة 1952 إبان الانتفاضة الوطنية ضد الاحتلال، وتم منعه للمرة الثانية سنة 1959، أي بعد مضي ثلاث سنوات على الاستقلال، ثم للمرة الثالثة بعد عام من الخروج للعلنية تحت إسم حزب التحرر والإشتراكية سنة 1969. وفي كل هذه المحطات، لم يكن الحزب يرضى بالأمر الواقع، بل يظل وفيا لعهده النضالي في السرية المفروضة عليه، رافعا لمشعل التحرر والوطنية والإشتراكية، مستمرا في الدفاع مهما تطلب الأمر عن القيم النبيلة التي نشأ من أجلها، مؤديا الثمن بسبب ذلك فداء للوطن والشعب، حيث أدى قياديوه ومناضلوه طيلة هذه الفترة ضريبة الالتزام الوطني والتقدمي من اغتيالات واعتقالات وملاحقات. ويظل حزب التقدم والإشتراكية فخورا بكون التاريخ أنصفه، وأتى بالحجة والبرهان على أنه كان موفقا في مواقفه ومعاركه، وان الخصوم هم الذين كانوا على خطأ. نحن حزب عمرنا سبعون سنة من النضال والكفاح إلى جانب الفئات الكادحة من شعبنا. نعم، السيد رئيس الحكومة، حزب التقدم والاشتراكية مدرسة سياسية متميزة كما سبق وصرحتم بذلك. من أول من نطق بالاشتراكية في هذا البلد العزيز ؟ وفيما يتعلق بالهوية: من أول من نطق بالاشتراكية في هذا البلد العزيز ؟؛ ومن أول من أدخل التأطير النقابي للعمال في هذا البلد العزيز ؟. نعم، حزب التقدم والاشتراكية حافظ دائما وسيحافظ دائما على مواقفه ومبادئه وتوجهاته الإيديولوجية كحزب يساري متشبث على الدوام بهويته الإيديولوجية الاشتراكية وبالقيم السامية الإنسانية للفكر الاشتراكي، مع سعي دائم إلى تطوير وتكييف متواصل لمقاربته للاشتراكية مع الواقع الوطني والعالمي المتحول باستمرار، في إطار جدلية الوفاء والتجديد، لضمان العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وتحقيق التضامن والتوازن الاجتماعي والمجالي، بجيل جديد من الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لبناء مشروع الدولة الديمقراطية الحديثة، ومواصلة المشوار النضالي بالوفاء لموروثنا الفكري والسياسي، بعد القراءة المتأنية اللازمة، والوفاء لما نأخذه على عاتقنا من التزامات ولما نلتزم به من عهود، فنحن ننتمي لمدرسة سياسية نقول بالأخلاق في السياسة، السياسة أخلاق اولا وأخيرا، ولا سياسة بدون أخلاق. نحن انصار الأخلاق في كل شيء ولن نسمح لأنفسنا بان ننساق في خطاب سياسي لا يستقيم وتوجهاتنا ورؤيتنا للعمل السياسي الجاد والمسئول. عندنا الكلمة تأكدوا بأنا لن نخلف وعدا ولن نتراجع عن عهد مكتوب أو غير مكتوب، أحد شعاراتنا، كما اخترناه في إحدى المناسبات، هو «عندنا الكلمة»، وسنظل هكذا دائما «عندنا الكلمة»، والكلمة هي الكلمة، وفق مقاربة نقدية خلاقة لا تستبعد حق الاختلاف في إطار الوحدة، ولا تفسد للود بين الحلفاء قضية، فنحن أغلبية واحدة حقا، ولكننا أربعة أحزاب، لكل منا هويته السياسية، نحن أغلبية واحدة، لكننا لسنا حزبا واحدا. ملتزمون جماعيا بالاحتكام إلى الدستور، والالتزام بالبرنامج الحكومي في إطار ميثاق الأغلبية، وما عدا ذلك، أي ما خرج عن ذلك، فقد نتفق حوله كما قد نختلف بشأنه، وبالتالي فلا يفترض أن نتفق على كل شيء، وبالتالي لا مانع أن يحتفظ كل طرف ببعده النقدي المسؤول، وحزبنا يعي مسؤوليته جيدا ويحترم التزاماته مع حلفائه وشركائه دون أن يحرمه ذلك من حق النقد والملاحظة والتوجيه وتقديم الاقتراحات بهدف الدفع بالعمل الحكومي الجماعي إلى الأمام، فنحن مثلا مختلفون فعلا في بعض القضايا كالموقف من عقوبة الإعدام، وسن الزواج وكفالة الأطفال المهملين، هو اختلاف لا يفسد للود قضية، اختلاف سنبدل جهودنا قصد معالجته في إطار الحوار الجاد والمسؤول، والهادف والمناخ الهادئ، مسترشدين في ذلك، وغيره، بحكمة وتبصر ثلة من قادة أفذاذ لحزبنا على مدى سبعة عقود، وفي مقدمتهم طيب الذكر، أميننا العام الأسبق، المرحوم علي يعته، المشهود له، من الجميع، بأنه كان، بحق، نائبا برلمانيا بدرجة فريق كامل، نموذجيا من حيث الحضور الدائم والمواظبة المستمرة والمشاركة المميزة، والذي كانت له، تحت هذه القبة المحترمة التي نخلد هذه السنة الذكرى الخمسين لقيامها، صولات وجولات يحن إليها مجايلوه، ونعتز بها كجيل برلماني حامل لارث نضالي وتاريخي مجيد لحزب عريق. بهذه الشحنة العاطفية، إن أجزت التعبير، وسمحتم لي بذلك، أدلي برأي فريقنا في مشروع قانون المالية لسنة 2014 المعروض علينا، لافتا، في المستهل، إلى أننا نقوم بذلك من منطلق التزاماتنا كمكون من مكونات أسرة الأغلبية البرلمانية، الملتفة حول برنامج حكومي شاركنا في صياغته، وصادقنا عليه، ونعتبر أنه، وإن كان واردا إعادة ترتيب أولياته في إطار الأغلبية الجديدة، يظل قائما، في المجمل، ومستجيبا، في خطوطه العريضة ، لمتطلبات المرحلة الراهنة من تطور بلادنا ومستلزمات ربح رهانات تنميتها. مناقشتنا لمشروع قانون المالية ستكون إذن، من داخل التجربة وموقع المسؤولية ضمن الأغلبية، وذلك ليس لوضع العصا في العجلة، ولا من باب الشوشرة أو التشويش، وإنما من أجل تقديم الأمور أكثر فأكثر، والدفع في اتجاه التجويد، من خلال تعامل ايجابي يستند إلى نقد موضوعي بناء، يستمد مسوغاته مما لدينا من نبرة مميزة وبصمة خاصة درجنا على الافصاح عنهما منذ أن ولجنا، قبل سنوات، عالم تدبير الشأن العام. وكم كنا نتمنى أن تكون ظروف إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2014 عادية، ويكون لنا متسع من الوقت لدراسته قبليا، والقيام بالعمليات الكافية في إطار التشاور حول العديد من المقتضيات التي تضمنها في جو هادئ. ارتياح كبير لتشكيل أغلبية حكومية جديدة وإنقاذ البلاد من حالة انتظارية محفوفة بالمخاطر بداية، لابد من الإعراب عن ارتياحنا الكبير للتمكن، أخيرا، من تشكيل أغلبية حكومية جديدة، بالتحاق إخواننا في التجمع الوطني للأحرار ، بعد الخروج المؤسف لإخواننا في حزب الاستقلال، لاعتبارات ليس هذا مجال الخوض فيها ولا أوان تقييمها، وقد عبرنا في حينه عن أسفنا لذلك، حيث وددنا لو تهيأت الظروف لمواصلة المشوار المشترك، كما خضنا معارك وطنية مشتركة لعقود مضت. أما وقد حصل ما حصل، وانتهينا إلى ما انتهينا إليه، فإن غبطتنا بتشكيل الأغلبية الجديدة، وما تمخض عنها من تعديل للحكومة القائمة، مردها الأساس كون ذلك أنقذ البلاد من حالة انتظارية محفوفة بالمخاطر، عانينا منها، للأسف، على مدى سنة تقريبا، وكان لها تأثيرات سلبية على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بشهادة أصوات عدة من الرأي العام الوطني والدولي، خاصة رجال ونساء الأعمال والأوساط المالية والشركاء الاقتصاديين، بحيث يمكن التأكيد، دون خوف من الجنوح إلى المبالغة، بأن التوصل إلى إعادة صياغة التشكيلة الحكومية برئاسة الأستاذ عبد الإله بنكيران، كان في حد ذاته مكسب أخرج البلاد من عنق زجاجة الانتظارية، وأعاد مياه الاستقرار السياسي للبلاد إلى مجراها الطبيعي، ومكن من ترميم الانسجام داخل الأغلبية الحكومية، بما من شأنه أن يفسح المجال أمام إمكانية مباشرة المشاريع الإصلاحية الكبرى في ظروف أحسن وأنسب. وبصرف النظر عن الصعوبات التي رافقت عملية إعادة تشكيل الحكومة، من خلال تعديل ايجابي على العموم، بالرغم مما لنا من ملاحظات على بعض جوانبه التي كان بالإمكان ومن الأفضل تجاوزها، فإن التوصل إلى هذه التسوية يعد خطوة هامة للغاية في اتجاه توجيه الجهود نحو الانكباب على تسريع وتيرة أداء كل من الحكومة والبرلمان، من خلال التركيز على برنامج أولويات كبرى تتعلق، أساسا، بتفعيل مضامين الدستور، ومباشرة أوراش الإصلاح في المجالات الاقتصادية والاجتماعية التي لها انعكاسات مباشرة على الحياة اليومية لفئات واسعة من المواطنات والمواطنين. وهذا يملي، بالضرورة، تفادي الوقوع في ما ينصب من فخاخ أمام الحكومة، متمثلة بالخصوص في المحاولات الساعية إلى صرف انتباهها عما هو جوهري وإلهائها بأمور ثانوية، والحال أنه يتعين عدم الانجرار وراء ذلك، والحرص على أن يكون الرد حازما وصارما، من خلال العمل الملموس، والانجاز الفعلي للمشاريع المسطرة والاصلاحات المنشودة. ويجب، في هذا الباب، والكلام هنا موجه لمن يهمه الأمر، أن ندرك بأن حالات الأخذ والرد والشد والجذب، التي سادت وطغت في المدة الأخيرة، قد تتواصل، بشكل أو آخر، وبالتالي وجب الانتباه إلى ضرورة التعامل مع ذلك من منطلق تركيز الحكومة والأغلبية البرلمانية على بلورة وتجسيد برنامجها وفق أولويات كبرى متفق عليها. وإذ نعرب عن ارتياحنا هذا، نود أن نرحب بإخواننا من التجمع الوطني للأحرار، وأن نعبر عن يقيننا بأن التعاون في ما بيننا سيكون ايجابيا ومثمرا في الحكومة الحالية. ذلك أن لنا ماضيا مشتركا مضيئا في تدبير الشأن العام سوية، حيث خبرنا بعضنا البعض جيدا في تجارب حكومية مشتركة، بدءا من حكومة التناوب التوافقي برئاسة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، الكاتب الأول وقتذاك للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وانتهاء بحكومة الأستاذ عباس الفاسي، الأمين العام وقتذاك لحزب الاستقلال. ولا يسعنا، والحالة هذه، إلا أن نهنئ أنفسنا وسائر مكونات الأغلبية الحكومية الجديدة، والوزراء الجدد والوزيرات الجديدات، على التوفق في تمهيد الطريق أمام انطلاقة جديدة وواعدة، آملين أن يكون التفوق سمة ملازمة لأعمالنا. وتهنئة خاصة على التمكن من تجاوز الاختلال المتعلق بمستوى وحجم حضور النساء، أو بالأحرى شبه غيابهن، في النسخة الأولى من الحكومة الحالية، والذي نبهنا إليه في حينه، بمناسبة مناقشة التصريح الحكومي، ودعونا الى تدارك هذا الخلل في أقرب فرصة ممكنة. ولذلك نحيي كل مكونات الأغلبية الجديدة، التي تجاوبت مع مطلب الرفع من مستوى تمثيلية النساء في الحكومة. إن تشكل الأغلبية الجديدة جنب المغرب وضعيات ومخارج أخرى غير محسوبة العواقب، حيث لم يكن هناك من خيار آخر غير اللجوء إلى انتخابات سابقة لأوانها، انتخابات لم يتهيب أحد، على الأقل علانية، من إجرائها، واجمع الكل على اعتبارها مكلفة ماليا وسياسيا واجتماعيا، لكن لا أحد بوسعه أن يضمن قدرتها على فرز خارطة سياسية جديدة، وموازين قوى مغايرة، ومشهدا حزبيا مختلفا، بل إن أغلب الظن أن انتخابات سابقة لأوانها ما كانت لتفضي، في الظرف الراهن، سوى إلى إعادة إنتاج ما هو قائم، وإلى إدخال البلاد في دوامة أو حلقة مفرغة قد تهدد سيرها العادي واستقرارها السياسي. وعلى كل حال، أمامنا فرصة للخروج من منطقة الاضطراب، ونحن ماضون، بعزم وإرادة، في التجربة الحكومية الحالية، وداعمون لها عن وعي ومسؤولية وبكل ما أوتينا من جهد المساندة والحس النقدي البناء. ولئن كان قد أثير نقاش حول دستورية الحكومة، وقد عبرنا عن رأينا في إبانه، فإننا نعتبر ذلك غير ذي موضوع، على اعتبار أن الحكومة استكملت الشكليات القانونية والدستورية المطلوبة، وليست في حاجة إلى إعادة تنصيبها ما دام أنه لم يتم إعفاء رئيس الحكومة، لا بناء على استقالته، ولا على أساس ملتمس رقابة، فضلا عن كون الحكومة لا تزال قائمة بموجب الظهير عينه الذي به تم تعيين رئيس الحكومة. هذا لا يحول، طبعا، دون خوض نقاش سياسي جدي و» بقواعده». وفي هذا الاتجاه بالذات، يندرج اقتراحنا القاضي بأن يتقدم رئيس الحكومة بتصريح أمام البرلمان حول أولويات البرنامج الحكومي، على أن يعقبه نقاش لا يليه تصويت. وهو اقتراح يظل مطروحا، بدوره، للنقاش. سياقات دولية ووطنية صعبة سياسيا واقتصاديا وماليا إن تزامن تشكيل الحكومة في صيغتها المعدلة، مع تقديم مشروع قانون المالية، وفي ظل حالة احتباس سياسي، لم يسعف القوى السياسية المشكلة للأغلبية الجديدة كي تشرف على تأطير المشروع في توجهاته السياسية الأساسية، مما أضفى عليه طابعا إداريا تقنيا، وإن كان قد تم لاحقا بذل جهد من أجل تدارك الأمر، خاصة من خلال تحديد بعض الأهداف الاستراتيجية، لكن ذلك يظل غير كاف أمام ضرورة الانخراط في إطار تصور تنموي واضح المعالم، طبقا للالتزامات الواردة في البرنامج الحكومي، وأمام ضرورة تحديد إجراءات بعينها تهدف إلى إطلاق دينامية جديدة بالنسبة لاقتصادنا الوطني. وإلى ذلك، يأتي هذا المشروع والبلاد تواجه رهانات وتحديات كبيرة في سبيل الدفاع عن القضية الوطنية، عبر المرور وجوبا بتعزيز الجبهة الداخلية، ولا سيما أمام تزايد استفزازات حكام الجزائر، وهجماتهم الشرسة ومخططاتهم العدوانية، التي نجدد التنديد بها وندعو إلى تعبئة كل الطاقات المتوفرة من أجل التصدي لها وإفشالها. ونعتز في هذا السياق بمضامين الخطاب الملكي الأخير بمناسبة ذكرى عيد المسيرة الخضراء، الذي أتى بمثابة خارطة طريق لتعزيز عمل الدبلوماسية الوطنية، وتقوية تمكاسك الجبهة الداخلية، ولمن يريد أن يزايد على المغرب نقول له: «عليه أن يزور مخيمات الحمادة بتندوف ويقارن بين الانجازات التي حققها المغرب تنمويا وحقوقيا، والكوارث الحقوقية هناك بتندوف»، وعلى بعض الدول والمؤسسات الدولية أن تتوخى الحذر في اختيار مبعوثيها للتحري عن حقوق الإنسان بالمنطقة، وأن تراعي الموضوعية والحياد في عملها، وتبتعد عن أصحاب المواقف الجاهزة والاحكام المسبقة والذمم المعروضة للبيع. وإذ نستحضر، باعتزاز، جهود صاحب الجلالة، الملك محمد السادس، في هذا الشأن، ونحيي بسالة القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي والأمن الوطني والقوات المساعدة والوقاية المدنية في الذود عن حوزة التراب الوطني، ونترحم على الأرواح الطاهرة لشهداء وحدتنا الترابية، نود أن نشدد، على ضرورة اقدام كل البرلمانيات والبرلمانيين على اتخاذ مزيد من الاجراءات لتفعيل الدبلوماسية البرلمانية، في اطار التعاون بين البرلمان والحكومة على مستوى مختلف الشعب الوطنية ومجموعات الصداقة البرلمانية، منوهين بالعمل الذي اضطلع به، مؤخرا، البرلمانيون الاعضاء في اللجنة البرلمانية المغربية الأوربية المشتركة، والذي ذابت فيه الانتماءات السياسية وحضر فيها، كما يجب أن يحصل دائما، انتماء واحد هو الانتماء للوطن. وفي إطار السياق السياسي والاقتصادي دائما، وبينما تميزت الأوضاع دوليا ببوادر محدودة للتحسن، خصوصا لدى شركائنا الرئيسيين، حيث سجلت نسب نمو لكنها ضعيفة جدا، وسيتأثر بها اقتصادنا الوطني لا محالة، سجلت خلال سنة 2013، على الصعيد الاقتصادي والمالي بالمغرب، نسبة نمو مهمة (4.8 في المائة)، وذلك بفضل سنة فلاحية جيدة وعائدات سياحية مرتفعة (استفادت من الحراك الاجتماعي بالمحيط الاقليمي)، واستمرار تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج رغم معاناتهم من تداعيات الأزمة العالمية. لكن الملاحظ أن ارتفاع نسبة النمو لم يواكبه انخفاض، بالقدر الكافي، لمعدل البطالة، بالنظر إلى محدودية تأثير قطاعي الفلاحة والخدمات ولكون النمو لا يمكن أن يحقق طفرات مهمة في الارتفاع إلا بالقطاع الصناعي. يضاف إلى ذلك أنه بالرغم من انخفاض تكاليف صندوق المقاصة ارتفع عجز الميزانية، وتراجعت الموارد، باستثناء الضريبة على الدخل، وبلغ العجز نسبة 7 في المائة، وتواصل ارتفاع سعر البترول فوق عتبة 100 دولار للبرميل...الخ. والخلاصة من هذه السياقات كلها أن ظروفا صعبة جدا، واكراهات قوية للغاية، تحكمت في إعداد مشروع قانون المالية هذا، ولذلك من المتعذر، والحال على ما هو عليه، أن ننتظر من أي حكومة أن تأتي بمشروع قانون يصب في اتجاه تلبية شتى الإنتظارات، ومعالجة جميع الاختلالات، وانجاح كل الاوراش الضخمة والاصلاحات الكبرى، لا سيما وأن النقائص الهيكلية البنيوية للميزانية متواترة عبر ولايات حكومية مختلفة، بما فيها تلك التي سبق وشاركنا فيها. فهذا واقع ملموس لا يرتفع، ولا نعتقد أن هناك من يجادل في حقيقة كون اشكاليات كثيرة مطروحة تبقى مرتبطة ببنيوية قانون المالية، مما يستدعي التعجيل بإقرار قانون تنظيمي جديد للمالية. مشروع قانون المالية يتسم بالواقعية والموضوعية في المقابل، فإن مشروع قانون المالية هذا، الذي ظل قابلا للتجويد، وهو ما حصل بتفاعل الحكومة مع بعض اقتراحاتنا ولإكسابه ما يحتاج إليه من طابع سياسي ملائم، جاء بإيجابيات لا يستهان بها: فقد تم تقديمه في أوانه، بالرغم من ظروف تكوين الأغلبية الجديدة وتعديل التشكيلة الحكومية، وحافظ على التوازنات الماكرو اقتصادية ، وضمن استقلال وسيادة القرار الاقتصادي لبلادنا، وحصنها من تدخل الأوساط المالية الدولية في تدبير شؤونها الاقتصادية والاجتماعية. كما أنه اتسم بالموضوعية وتحلى بالواقعية، من خلال الفرضيات المعتمدة (نسبة النمو: 4.2 بالمائة ، سعر البترول 105 دولار للبرميل، على أساس دولار واحد يساوي 5،8 دراهم)، ونص على توجيه 20 في المائة من الطلبيات إلى المقاولات الصغرى والمتوسطة لتشجيعها، واستمرار دعم الفلاحة الصغرى والمتوسطة لتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي، وتحسين مستوى عيش الساكنة القروية، وبذل مجهود استثماري ضخم (186 مليار درهم) يجب ان يصاحبه مجهود للرفع من وتيرة التنفيذ ونسبة الانجاز. ويتضمن المشروع، أيضا، جهدا استثماريا بينا في مجال الأوراش الكبرى كالطرق السيارة، والزيادة في الاعتمادات المخصصة للقطاعات الاجتماعية ( الصحة والتعليم ) وغير ذلك من الاجراءات الايجابية، التي لا يجوز تجاهلها أو تبخيسها. ضمن خانة الايجابيات يمكن، كذلك، إدراج مسألة تضريب الاستثمارات الفلاحية الكبرى (فوق عتبة 350 مليون درهم)، وإن كان يبدو أن أثرها على الميزانية يبقى محدودا، لكن الملاحظ أننا لم نصل بعد إلى تحقيق النتائج المرجوة من ضرورة توسيع الوعاء الضريبي، وفقا لتوصيات المناظرة الوطنية للإصلاح الضريبي، التي نثمنها، وندعو إلى تفعيلها بضبط ذكي يراعي سياقاتها الزمنية باعتماد التدريج في وثيرة تنفيذها. أما بالنسبة للضريبة على القيمة المضافة، وفيما يتعلق باعتماد نظام النسبتين ( 10 في المائة و20%)، فنعتبر أن إضافة 6 أو 4 نقط دفعة واحدة، حسب الحالات، على النحو الوارد في مشروع قانون المالية، لا يرضي لا المنتجين ولا المستهلكين، وليس من شأنه أن يسير بنا في اتجاه تحقيق العدالة الجبائية التي لن تقوم لها قائمة إن ظل نظامنا الجبائي يعتمد أساسا على الضرائب غير المباشرة، من جهة، وعلى أداء نحو 2 في المائة من الشركات لحوالي 80% من الموارد الجبائية ذات الصلة جراء الاختلالات المرتبطة بالقطاع غير المهيكل. أوراش إصلاح كبرى ضرورية ومستعجلة تتطلب جرأة وشجاعة وتلاحما وتغليبا جماعيا للمصالح العليا للوطن إن الحفاظ على مستقبل الاقتصاد الوطني يتطلب، بالفعل، الجرأة والشجاعة في اتخاذ قرارات صعبة في ظروف عصيبة ومكلفة اجتماعيا: الزيادة في أسعار المحروقات: قرار مكلف اجتماعيا؛ إيقاف تنفيذ جزء من ميزانية الاستثمار: قرار مكلف اجتماعيا؛ اعتماد نظام المقايسة: قرار مكلف اجتماعيا؛ الإصلاح الضريبي: قرار مكلف اجتماعيا؛ الرفع من سن التقاعد: قرار مكلف اجتماعيا؛ الرفع من المساهمات في صناديق التقاعد: قرار مكلف اجتماعيا؛ إصلاح نظام المقاصة: قرار مكلف اجتماعيا؛ وغيرها من القرارات الكبرى والمكلفة اجتماعيا. لكن هل قدر هذه الحكومة أن تتحمل لوحدها عبء مثل هذه القرارات، أن تتحمل لوحدها قرارات مكلفة اجتماعيا، بعد أن وجدت الحكومات السابقة صعوبات كبيرة في الاقتراب من أوراش اصلاح كبرى أو مباشرتها على النحو المطلوب، من قبيل أوراش إصلاح صندوق المقاصة وأنظمة التقاعد، وانجاز الاصلاح الجبائي وتفعيل الجهوية الموسعة ؟ نتساءل ونجيب: هي بالفعل أوراش ملتهبة، لكنها إصلاحات كبرى ضرورية بل مستعجلة، وضمان مستقبل كرامة المواطن المغربي غدا رهين بالنجاح في هذه الاوراش، وكل تأخير في مباشرتها مباشرة جدية ومجدية سيكون مثقلا بالعواقب غير المحسوبة، وبالتالي لسنا نرى فحسب بل ونلح أشد الالحاح على بذل مزيد من الجهد واقناع كل الأطراف المعنية بوجوب اعتماد مقاربة هذه الاصلاحات مقاربة شمولية، دون أي تجزيء، لأن القيام بإجراءات معزولة مهما كانت ضرورية، وغالبيتها مكلفة اجتماعيا، وبعضها لا يخلو من مخاطر مرتبطة بالأمن العام والسلم الاجتماعي تكون له نتائج عكسية بل أوخم مما يتصور، إذا لم نحسن جميعا، أقول وأكرر: جميعا، تدبيرها في إطار تلاحم وطني وما تقتضيه مستلزمات تعزيز الجبهة الداخلية كشرط لا محيد عنه لربح الرهانات والتحديات ذات الصلة بقضيتنا الوطنية بدءا بالرؤية المنهجية لهذا التشارك، وشكل وأسلوب اعتماد هذه المقاربة. أجل، إننا نعتبر هذه القضايا الكبرى امتدادا طبيعيا للقضية الوطنية، وبالتالي وجب التعامل معها، من خلال تغليب جماعي للمصالح العليا للوطن، أي بنكران الذات الحزبية، وبصرف النظر عن التموقع السياسي، في المعارضة أو الأغلبية، مما يتطلب الانفتاح على الجميع وإشراك الجميع، وتفهم ومساهمة الجميع. وانطلاقا من هذه المقاربة بالذات، نرى أن التوصيات الصادرة عن المناظرة الوطنية حول الاصلاح الجبائي تستحق بل ويجب، طالما أنها محور اجماع وتعبر عن إرادة عامة وجماعية، أن يتم تفعيلها. حقيقة أن الأمر يتطلب جهودا غير هينة، ولكنه أيضا يستلزم الحرص على السير، ولو بالتدريج، في اتجاه إعمال مقتضيات التوصيات لا معاكسة مقاصدها. فمثلا، في ما يتعلق بترشيد النفقات الجبائية، أو ما يعبر عنه بالإعفاءات الجبائية، لا نملك إلا أن نكرر، على غرار السنة الماضية، التساؤل بشأن جدوى هذه الإعفاءات ومدى تأثيرها الايجابي اقتصاديا واجتماعيا، وعن «الحكمة» الكامنة وراء حرمان خزينة الدولة من مبالغ مالية طائلة والحال أنها في أمس الحاجة إليها، بالنظر إلى الظرفية الصعبة بل والعصيبة. لنستعرض أولا حجم هذه الإعفاءات الجبائية خلال الخمس سنوات الاخيرة، والتي بلغت، على التوالي، 28 مليار درهم، 29، 32، 36 مليار درهم في السنة الماضية. ولنتساءل، بصيغة أخرى، عما إذا كان لهذه الإعفاءات مردودية ما، أو نجاعة وفائدة، على الاقتصاد الوطني، وعما إذا كان الإبقاء عليها جاء بعد تقييم شامل وموضوعي انتهى إلى مسوغات تبررها، أم أنه مجرد استمرار في إضافتها إلى امتيازات أخرى في شكل ريع معين تستفيد منه أوساط محددة وتتحول الى هدايا جبائية بامتياز. وحسب خبراء أدرى منا بشعاب هذه المسألة، فإنه بالإمكان استرجاع وتوفير نحو 15 مليار درهم، على الأقل، من هذه العطايا الجبائية إذا ما تم التحلي بالصرامة اللازمة، وبالحزم ذاته الذي يجري التعامل به مع صغار الملزمين بأداء الضرائب المباشرة وغير المباشرة. لقد سبق وتقدمنا، في السنة الماضية بمقترحات تعديلية، ترمي إلى الرفع من الموارد الجبائية بالتوجه، أساسا، إلى حيث توجد بوفرة، وتحديدا لدى ذوي الامتيازات، وهم كثر، الذين يعرفون من أين تؤكل كتف التملص من الضريبة والتهرب من أداء الواجب الوطني. ونحن نعتقد أنه على الحكومة أن تتسلح بالعزم وتضرب المتملصين بيد من حزم، وتقوم بتضريب المواد الكمالية، بل والكمالية جدا، من قبيل السيارات الفارهة، وهذا ما حدث باحدى الصيغ في مشروع قانون المالية، والطائرات الخاصة واليخوت الفخمة، وما لست أدري، وقد لا يخطر على بال، من مواد الرفاهية ما فوق الرفيعة التي لا يستطيع إليها سبيلا إلا الأثرياء والأغنياء.. قلت كان أولى بالحكومة أن تبحث عن الأموال عند من يملكون الوافر منها لا أن تلجأ إلى الرفع من الضريبة المفروضة على مواد أساسية تستهلكها فئات شعبية واسعة، وبست أو أربع نقط دفعة واحدة، والحال أن زيادة نقطة واحدة تبقى عسير الهضم وعصية على التقبل. وعلاقة بهذه المفارقة الصارخة، كان لنا نقاش كفرق للاغلبية مع الحكومة أن تنفتح وتتعامل ايجابا مع التعديلات المقدمة في إطار الربط الجدلي بين ضرورة الحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية دون التفريط في التوازنات الاجتماعية الضامنة للأمن والاستقرار . ونحيي الحكومة على تجاوبها مع طلب نائباتها ونوابها بالأغلبية على التراجع عن مراجعة الضريبة على القيمة المضافة على بعض المواد، وهكذا فلا زيادة في السردين والشمع والأرز ولا في الملح وغيرها.. ضرورة الاستمرار في المشروع التنموي بإيقاع أسرع بالحفاظ على التوازنات الماكرو- اقتصادية دون الإخلال بالتوازنات الاجتماعية السيد الرئيس، السسيدات والسادة الوزارء، السيدات والسادة النواب. ذلك أنه لا خيار أنجع وأسلم غير خيار السير على قدمين، أي التوازنات الماكرو اقتصادية والتوازنات الاجتماعية، وهذا ما يتطلب، في محصلة التحليل، الاستمرار في المشروع التنموي بإيقاع أسرع، وإدراك جيد لواقع أن السنوات الثلاث المتبقية من الولاية الحكومية الحالية، وما سيتخللها في 2015 من الاستحقاقات الانتخابية المنتظرة على الأصعدة المحلية والاقليمية والجهوية والتشريعية الخاصة بمجلس المستشارين، لا تترك متسعا كبيرا من الوقت للانكباب على الأوراش الهيكلية، وتفرض، بالتالي، العمل على أن يكون قانون المالية لسنة 2014، بالرغم مما قد يطغى عليه من طابع انتقالي، قانونا مندرجا في سياق مواصلة إنجاز الاصلاحات الكبرى، وليس مجرد قانون لتدبير الوضعية الصعبة. لقد اعتبرنا بأن مناسبة عرض مشروع قانون المالية على البرلمان فرصة لتجويده من خلال، كما أسلفت، التفاعل الحكومي الايجابي مع التعديلات المعقولة المقدمة، سواء من الأغلبية أو المعارضة، وكذا من خلال رفع وتيرة إنجاز الأوراش الكبرى، وتقوية البناء الديموقراطي، وتعزيز الاستقرار السياسي والمؤسساتي، وتشجيع وتحفيز الاستثمار، وخلق مزيد من مناصب الشغل. وبالطبع، لن يتأتى ذلك إلا برفع نسبة النمو، مما يستوجب، ضمن إجراءات أخرى، التعاطي بالجرأة المطلوبة مع الاصلاحات الهيكلية المنتظرة، خاصة أوراش الاصلاح ذات الطابع الاجتماعي، والتي تهم المعيش اليومي لفئات واسعة من الجماهير الشعبية، ونظير ذلك، على سبيل المثال، اتخاذ اجراءات عملية جديدة، في نطاق صندوق التماسك الاجتماعي، لفائدة الأشخاص في وضعية صعبة وذوي الاحتياجات الخاصة والنساء والأرامل وبرنامجي راميد وتيسير، بما يبرهن لهذه الفئة الهشة من شعبنا أن الحكومة قد أتت فعلا بإجراءات جديدة لصالحهم، وقس على ذلك.. وبكلمة واحدة، يتعين دمقرطة المسار التنموي لبلادنا، أي ضمان تعميم استفادة كل الشرائح الاجتماعية، وخاصة المستضعفة منها، من ثمار التقدم والتنمية، وفضائل العدالة الاجتماعية، التي من شروط تحقيقها سن وتنفيذ العدالة الجبائية. وأخيرا، وبالنظر لالتزاماتنا داخل الأغلبية، وخصوصا بعد أن تفاعلت الحكومة ايجابيا مع العديد من التعديلات التي تقدمنا بها كفريق وكأغلبية فيما يخص رسوم الضريبة على القيمة المضافة على بعض المواد الأساسية التي تستهلك من طرف فئات عريضة من المواطنين، وإخضاع أصناف معينة من العربات ذات محرك لواجب تكميلي على التسجيل الأول للسيارات بالمغرب، في أفق تدقيق أحكام تتعلق بالضريبة على الثروة في المستقبل، وترسيخ البعد التضامني بين الطبقات الميسورة والطبقات الكادحة وتعزيز المداخيل الجبائية وضمان توفير اعتمادات جديدة كفيلة بالاستجابة للتزايد المتنامي للنفقات العمومية، فإننا تحاورنا وتناقشنا، وساد جو من التنسيق بنفس ايجابي من كل الأطراف، مكن فرق الأغلبية مجتمعة من تقديم تعديلاتها مشتركة، ووجدنا أريحية ورحابة من الحكومة، نثمنها، ونحييها عليها. بالنظر لكل الاعتبارات التي أوردناها في مداخلتنا هذه، فإننا سنصوت بالإيجاب على مشروع قانون المالية سنة 2014. قال تعالى : «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ» صدق الله العظيم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.