رشيد روكبان: المؤسسة التشريعية لا تتوفر على الإمكانيات والموارد البشرية الكافية رئيس فريق التقدم الديمقراطي يؤكد أن الأوضاع الاقتصادية والمالية في المغرب لم تصل إلى مستوى الانكماش وشروط التحكم الاقتصادي لا زالت قائمة استعرض رشيد روكبان رئيس فريق التقدم الديمقراطي، في تدخله خلال الجلسة العامة لمجلس النواب المنعقدة بتاريخ 23/11/2012، وجهة نظر الفريق بخصوص القضايا التي تناولها مشروع قانون المالية لسنة 2013، وثمن روكبان ما جاء في مشروع القانون المالي، معبرا عن مساندة الفريق ودعمه لكل الإجراءات والتدابير التي تضمنها، وهو موقف مبدئي للفريق الذي يأتي من موقع المسؤولية ضمن الأغلبية وفي مايلي نص التدخل. السيد الرئيس، السادة الوزراء، حضرات السيدات والسادة النواب، يطيب لي أن أتناول الكلمة باسم فريق التقدم الديمقراطي، في إطار مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2013، لأعرض أمام مجلسنا الموقر وجهة نظر فريقنا بخصوص أهم القضايا التي تناولها هذا المشروع، مستحضرين دائما موقعنا السياسي، ودورنا البرلماني كفريق ينتمي إلى الأغلبية الحكومية، وتربطنا بالتالي التزامات يجسدها ميثاق الأغلبية والبرنامج الحكومي الذي ساهمنا في صياغته بصفة تشاركية، وصادقنا عليه بقناعة راسخة، تبلورت عبر قرارات أجهزتنا التقريرية، معتبرين إياه، أي البرنامج الحكومي، يستجيب في خطوطه العريضة لمتطلبات المرحلة ولمقتضيات تنمية البلاد. وبالتالي فالواجب والمسؤولية يحتمان علينا أن نناقش مشروع القانون المالي من هذه الزاوية، نناقشه من الداخل، وليس من الخارج، مع الحرص، كما عهدتمونا، على نهج أسلوب الموضوعية والتحليل الرصين والعلمي لمقاربة قضايا تكون في بعض الأحيان معقدة للغاية. بداية لابد أن نحيي الحكومة على المجهود الذي بذلته للحفاظ على استقلالية وسيادة القرار الاقتصادي المغربي، ونثمن ما جاء في مشروع القانون المالي، ونعبر عن مساندتنا ودعمنا لكل الإجراءات والتدابير التي تضمنها، وهو موقفنا المبدئي الذي يأتي من موقع المسؤولية ضمن الأغلبية. أي توازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية: ونحن نناقش مشروع قانون المالية لسنة 2013، لابد من الإشارة إلى إشكالية غياب التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، دون تحميل المسؤولية للحكومة على اعتبار أن هذا المعطى ذو طابع هيكلي وبنيوي. فالمؤسسة التشريعية لا تتوفر على الإمكانيات والموارد البشرية الكافية، مقارنة بالحكومة التي لديها ما يكفي من الموارد المالية والبشرية واللوجستيكية والوقت الكافي لإعداد مشاريعها التشريعية، ما يتطلب ضرورة معالجة هذا الاختلال، حتى يتم تنزيل الدستور تنزيلا سليما وديمقراطيا يراعي مبدأ فصل السلط، وواقع الصلاحيات الجديدة للبرلمان ومكانته المتقدمة في التشريع والرقابة. وحتى نتمكن بالفعل من القيام بواجبنا على أحسن وجه، وليكون للبرلمان، بأغلبيته ومعارضته، دور ايجابي وفعال في هذه المحطة الميزانياتية، كنا نأمل أن يعرض هذا المشروع في إطار القانون التنظيمي الجديد للمالية الذي ما زال في طور الإعداد بعد أن نظمنا يوما دراسيا وكونا لجنة على مستوى لجنة المالية عهد إليها بصياغة مقترح في الموضوع بناء على مذكرات الفرق النيابية، ونتمنى صادقين أن نناقش قانون المالية المقبل لسنة 2014 في ظل القانون التنظيمي المراجع طبقا لدستور 2011. السياق الدولي والإقليمي. لقد أعد مشروع قانون المالية لسنة 2013 في سياق دولي يتميز بالتأزم المتزايد للأوضاع الاقتصادية والمالية عبر العالم، وبعدم الاستقرار في العديد من المناطق، وباستمرار الأزمة الاقتصادية الناتجة بالأساس عن هيمنة الرأسمال العالمي على دواليب الاقتصاد والعمليات المضارباتية التي يمارسها في البورصات العالمية لدرجة أن الحكومات أصبحت عاجزة عن التحكم فيه لوضع حد لجشاعته وغطرسته. وبالمقابل، هناك حركة اجتماعية واسعة، تنشط في إطار محاربة «العولمة البديلة» l'altermondialisme وهي حركة تجمع في أحضانها الحركات النقابية والشبابية والحقوقية والمساواتية والنسائية وحركات الخُضر، حول قيم الديمقراطية، والعدالة الاقتصادية والحفاظ على البيئة واحترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا من أجل بناء عولمة متضامنة وذات وجه إنساني، وهذه الحركة العالمية تجد امتدادها، بشكل أو بآخر، في كل الدول ولاسيما في البلدان الأوروبية، كما يحدث اليوم أمامنا بصفة تكاد تكون متواصلة في اليونان واسبانيا وإيطاليا وغيرها من الدول. وهذه الأوضاع أفرزت صعوبات حتى في البلدان التي تعتبر قاطرات الاقتصاد العالمي (الصين، الهند، البرازيل وروسيا)، يتجلى أيضا في الصعوبات التي يواجهها الإتحاد الأوروبي، خصوصا منطقة اليورو، التي يرتبط بها الاقتصاد المغربي ارتباطا وثيقا، ونتج عنها تداعيات اقتصادية ومالية واجتماعية على الجميع. حيث ارتفعت وتيرة الاحتجاجات بسبب تدني الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في العديد من البلدان الأوربية. تميز الخبرة المغربية ضمن الحراك الإقليمي: وعلى صعيد منطقتنا الإقليمية، عشنا ولا زلنا نعيش أطوار وتداعيات حراك اجتماعي وسياسي استثنائي، بتخلص بعض البلدان من رؤوس أنظمة ديكتاتورية بائدة، إلا أنها لم تجد بعد طريقها إلى حل المعضلات الاجتماعية التي كانت وراء اندلاع الاحتجاجات والانتفاضات العارمة. وبالمقابل، وفي انتظار أن تتوضح الصورة أكثر، نلاحظ أن شعوب هذه البلدان تواجه حاليا خطرا يتهدد المسار الديمقراطي والحريات الفردية والجماعية، خصوصا، وأن قوى مغرقة في الرجعية باتت تتقوى باستمرار، وتكشف عن «أنياب سلفية» للانقضاض على المكتسبات الديمقراطية المحققة، وهو ما تستغله بعض الأوساط الغربية، وتتحين الفرص لاستفزاز مشاعرنا والتدخل في قضايانا وشؤوننا. كما نتابع بقلق بالغ تعقد الوضع في سوريا الشقيقة بوجود أطراف خارجية تتدخل في هذه الأزمة من هنا ومن هناك إلى حد أصبحنا عمليا، نعيش واقع حرب أهلية لها انعكاسات خطيرة على الأمن والاستقرار في المنطقة وخارجها، ونحيي بالمناسبة بحرارة الشعب السوري الباسل ونعبر عن تضامننا معه ومع نضالاته في سبيل الحرية والديمقراطية والكرامة . أما المغرب فإنه يعرف تحولات ايجابية على إيقاعها، كثمرة لتراكمات من النضال في سبيل الحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وهو ما شكل الحراك الاجتماعي الأخير محطة من محطاته البارزة لما أعطاه من دفعة قوية ونفس جديد لهذا النضال الذي لم يتوقف قط. وهي محطات لتقدم ديمقراطي حقيقي هادئ في إطار الاستقرار والاستمرارية، ومن داخل المؤسسات، بفضل حكمة وتبصر جلالة الملك محمد السادس. ومن خلال أوراش الحوار الديمقراطي المفتوح بمشاركة القوى الحية بالبلاد التي عبرت عن نضجها ووعيها بدقة وحساسية المرحلة . إلا أن مسار الإصلاح لم ينته بعد، إذ مازالت أمامنا أوراش كبرى لاستكمال الجيل الجديد من الإصلاحات من قبيل تنزيل الدستور تنزيلا ديمقراطيا وتشاركيا في إطار قوانين تنظيمية، وملائمة القوانين الوطنية مع المواثيق الدولية ذات الصلة، والإصلاحات الاقتصادية التي تعتبر مربط الفرس وحجر الزاوية في المسلسل الإصلاحي لأنها ستمس بشكل أو بآخر أصحاب الامتيازات وتمس بشكل أو بآخر بؤر الفساد وأعشاش الريع ! لم نكن يوما ضد نشر اللوائح، بل رأينا أن يتم الأمر بالتشارك وبالروح الجماعية الضرورية والإجراءات والتدابير المصاحبة للحد من اقتصاد الريع والاستغلال الغير المشروع لخيرات البلاد. نثمن عاليا نشر لوائح المستفيدين من مقالع الرمال وما ارتبط بها من دفاتر التحملات وتأطير قانوني جديد. ولا شك أن المواطنات والمواطنين سيحكمون على تجربة الحكومة الحالية من خلال قدرتها ونجاحها في هذا الورشين الأساسيين: ورش تطبيق الدستور وأجرأته على أرض الواقع، وورش تطهير الاقتصاد من براثين الريع والفساد ووضعه على سكة التقدم. ومن هنا تظهر أهمية قانون المالية. ولنا الثقة في الحكومة بجميع أعضائها رغم صعوبة الأوضاع فهم يمتلكون الإرادة السياسية القوية والروح الوطنية العالية والمسؤولية المؤسساتية الرشيدة. الحكومة ماضية وبكل عزيمة وإرادة في تفعيل مقتضيات الدستور تفعيلا سليما وديمقراطيا. القضية الوطنية و تقوية الجبهة الداخلية: وفي إطار السياق الوطني دائما، لابد من استحضار تطورات القضية الوطنية من خلال التزام الأممالمتحدة بعدم إدخال أي تغييرات على مهامها في مجال الوساطة لإيجاد حل سياسي مقبول للنزاع من كافة الأطراف. وهي مناسبة نؤكد من خلالها على ضرورة تقوية الجبهة الداخلية وتعميق البناء الديمقراطي وتحصينه، والمضي قدما نحو تشييد دولة الحداثة وحقوق الإنسان والمساواة والتعجيل بتنزيل منظومة الجهوية المتقدمة من خلال القانون التنظيمي للجهوية، وكل القوانين المتعلقة بالاستحقاقات الانتخابية القادمة والتي نرى في فريق التقدم الديمقراطي ضرورة تنظيمها خلال سنة 2013 لاستكمال البناء المؤسساتي طبقا لمقتضيات الدستور الجديد، مع تفعيل أوراش التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتفعيل برنامج الدبلوماسية الموازية، البرلمانية والحزبية والشعبية. وبهذه المناسبة لا يسعنا من هذا المنبر إلا أن نجدد اعتزازنا وإجلالنا للقوات المسلحة الملكية وقائدها الأعلى جلالة الملك محمد السادس ونحيي بسالتها في الدفاع عن حوزة التراب الوطني. كما نجدد تحياتنا وتقديرنا لما يبذله رجال الدرك الوطني والأمن الوطني والقوات المساعدة من جهود وتفان في أداء واجبهم الوطني، وهي المناسبة كذلك التي نقف بموجبها ترحما على شهداء وحدتنا الترابية الأحرار وعلى كل من قدم حياته فداء لعزة بلادنا و سيادتها. لا لتلويث الأجواء عبر ترويج المغالطات والمعلومات الخاطئة وفي نفس الإطار، ينبغي معالجة الأوضاع الوطنية بالاتزان والحكمة دون الوقوع تحت تأثير ما يتم الترويج له من طرف بعض المنابر الإعلامية من ادعاءات لا علاقة لها بحقيقة الأوضاع، لكنها تشيع في الواقع نوعا من «ثلويت الأجواء». إننا نؤمن أن التعبير عن الرأي والملاحظات حق مكفول للجميع، لكن ترويج المعلومات الخاطئة، والإشاعات وتغليط الرأي العام هذا ليس من الأخلاق الإعلامية ولا السياسية. وبهذه المناسبة نؤكد بأن المساهمة في صندوق التماسك الاجتماعي، تشمل البرلمانيين، والبرلمانيون سيساهمون في صندوق التماسك الاجتماعي، وهي إشارة سياسية واضحة لإعطاء المثال والنموذج للتضامن. هناك من يقول بوجود الأخلاق السياسية، وهناك من يقول بأن لا أخلاق في السياسة، ونؤكد هنا بأننا من أنصار الأخلاق في كل شيء حتى في السياسة، ونذكر هنا بما تضمنه الخطاب الملكي في افتتاح السنة التشريعية الحالية بخصوص «مدونة الأخلاقيات». حرية التعبير، إذن، مشروعة، والإعلان عن المواقف حق مشروع. أما تشويه الحقائق والمعطيات وتغليط الرأي العام وبسوء نية أحيانا من طرف البعض، فهذا نرفضه بشده ونعتبره تشويشا. هذا الكلام ليس بهدف الدفاع عن الحكومة لمجرد كوننا مشاركين فيها، ومقتنعين بضرورة الاستمرار في العمل من داخلها. ما يهمنا في المحصلة النهائية، هو خدمة مصلحة الوطن والمواطنين. ونعتبر أن نجاح هذه الحكومة في أداء مهمتها ليس مسألة مصيرية للأحزاب الأربعة المكونة لها فحسب، بل إنها قضية مصيرية بالنسبة للبلاد برمتها، نظرا لما يمكن أن يتولد في حالة الفشل من عواقب وخيمة لا قدر الله. مع دعم الحكومة وممارسة الحق الرقابي الدستوري وقناعتنا راسخة، بالتالي، داخل فريق التقدم الديمقراطي بضرورة الاستمرار في دعم ومساندة الحكومة، بل سنكون مستميتين في الدفاع دائما عن كل الإجراءات والتدابير والقرارات والخطوات المتخذة من قبلها، مادامت تحترم الدستور ومنسجمة مع مقتضيات البرنامج الحكومي روحا ونصا، وميثاق الأغلبية بمرتكزاته الأربعة والمتمثلة في التشارك، والفعالية، والشفافية، والتضامن، دون أن يعني ذلك تخلينا عن وظيفتنا الرقابية ومساءلة الحكومة بكل الآليات القانونية المتاحة كحق دستوري. فنحن نواب الأغلبية لا نؤدي دورا شكليا: المسؤولية السياسية حاضرة لدينا بكل تأكيد، لكننا لن نتخلى عن دورنا الرقابي الذي يرتكز على ثلاث ثوابت مبدئية تقوم على: التنويه بكل الإجراءات والتدابير والقرارات والخطوات الإيجابية، التنبيه إلى النقائص ومكامن الخلل من أجل تداركها وتجاوزها تقديم الاقتراحات الكفيلة بالدفع بالأداء الحكومي إيجابا بما يضمن صالح الوطن والمواطنين، وبناء عليه لن نتردد في الإشادة والتنويه والتثمين بكل ما جاء به المشروع من إضافات إيجابية وبكل ما يحمله من تدابير من أجل النهوض ببعض القطاعات، وما أكثرها ! كما لن نتردد في وضع الأصبع على بعض مكامن الضعف أو النواقص التي لمسناها وعملنا على إيجاد البدائل والمساهمة في تقديم المقترحات والحلول التي نعتبرها، من وجهة نظرنا، قابلة للتطبيق، هذه المقاربة، هي التي سرنا على هداها، وتشبعنا بنجاعتها، وهي مقاربة نابعة من روحنا الوطنية وغيرتنا على مصلحة البلاد، وتمسكنا بالدفاع عن قضايا المواطنات والمواطنين وحاجياتهم الاجتماعية الملحة والمشروعة. وهي المقاربة نفسها التي تطرقنا إليها في مناقشة فريق التقدم الديمقراطي للبرنامج الحكومي. وتصرفنا مع الحكومة داخل فريق التقدم الديمقراطي لم يتغير قيد أنملة منذ ساهمنا أول مرة ضمن حكومة التناوب، كنا دائما من المساندين للحكومة دون أن يمنعنا ذلك أبدا من تقديم النصيحة للحكومة حول مختلف القضايا، بل إن النصيحة قدمناها دائما، حتى لما كنا في صفوف المعارضة لأزيد من نصف قرن قبل سنة 1998. وفيما يتعلق بالأغلبية نؤكد: الأغلبية بخير، لا حروب صغيرة ولا كبيرة بين مكوناتها. الأغلبية متماسكة، ومنسجمة، قدمت تعديلات مشتركة، وحافظت على وحدة التصويت في كل المشاريع التشريعية التي قدمتها الحكومة. ووزعت التوقيت داخل البرلمان تضامنيا بين مكوناتها. الوضعية الاقتصادية بالمغرب مقلقة ولا شك أن الحيثيات والظروف الاقتصادية في إطار السياق الوطني دائما، هي ظروف ليست سهلة، فالوضع صعب ومقلق للغاية من خلال التجليات التالية: انخفاض عائدات المغاربة المقيمين بالخارج تقلص مداخيل القطاع السياحي تناقص حجم الاستثمارات الأجنبية انخفاض الاحتياطي من العملة الصعبة ارتفاع العجز التجاري تباطؤ نسبة النمو استمرار الاختلالات المرتبطة بصندوق المقاصة رغم قرار الزيادة في أسعار المحروقات إلا أن ما نريد أن نخلص إليه هو الآتي: هل الأوضاع الصعبة التي يعيشها المغرب هي نتيجة للأزمة العالمية فحسب أم هي أيضا نتيجة عوامل داخلية أيضا غير العوامل المناخية؟ بكل موضوعية، نميل إلى الطرح الثاني الذي مفاده أن الأزمة هي نتاج للعامل الخارجي المتمثل في تداعيات الأزمة العالمية، ولكن أيضا نتاج للعامل الداخلي المتمثل في بعض الخيارات المتبعة منذ عقود والتي راهنت إلى حد كبير على التنافسية الدولية والامتيازات المقارنة والارتكاز على شريك استراتيجي. لكن مع ذلك، فالأوضاع الاقتصادية والمالية في المغرب، الناجمة أساسا عن تأثيرات خارجية وأيضا اختلالات هيكلية لم تعالج بالقدر الكافي في السابق، أوضاع لم تصل إلى مستوى الانكماش الاقتصادي، وبالتالي شروط التحكم الاقتصادي لا زالت قائمة. إذن نحن في فريق التقدم الديمقراطي لا نقول بأن المغرب يعيش من خلال الوضعية الاقتصادية والمالية حالة أزمة حادة، لم نصل بعد إلى مرحلة الأزمة، لكن الوضعية مقلقة، ونحن لسنا بعيدين أو في منأى عن حالة الأزمة، مما يدعونا جميعا لليقظة والحذر حتى فيما يتعلق بالتصريحات من قبل بعض المسؤولين الماليين. لأن حالة الاقتصاد الوطني لا تحتمل تحاملا إضافيا يؤثر سلبا على مناخ الاستثمار وأجواء الاستقرار. كما أن الوضعية الاقتصادية الحالية لا علاقة لها بالوضعية التي كان عليها البلاد في بداية الثمانيات حين فقد الاقتصاد الوطني استقلاليته آنذاك، وخضع لتوصيات المؤسسات المالية الدولية في إطار برنامج التقويم الهيكلي. وحين نؤكد على ذلك، فإننا نرى في نفس الوقت ضرورة التعاطي مع الوقائع كما هي دون التخفيف من حدتها، ولا تضخيم حجمها، مع اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة الصعوبات المطروحة أمامنا. وكما تمكن المغرب من ربح الرهانات في الماضي، سيتمكن لا محالة من ربحها حاضرا ومستقبلا، وسر هذا النجاح الذي يعتبره البعض استثناءًا ويعتبره البعض الآخر لغزا يكمن في شيء واحد: تعزيز الجبهة الداخلية وتوحيد كل المغاربة حول قضاياهم العادلة كلما تم إشراكهم واستشارتهم. فالمغاربة قادرون ومستعدون لتقديم كل التضحيات حينما يكونون مقتنعين بعدالة قضية. وهذا ما جعلنا نحن المغاربة مثلا: فلسطينيون أكثر من الفلسطينيين لأننا نؤمن أشد ما يمكن الإيمان بعدالة القضية، ولا يسعنا هنا إلا أن نندد بشدة العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة والذي ذهب ضحيته عشرات من الأبرياء الفلسطينيين وندعو المنتظم الدولي لتحمل مسؤوليته. هذا ما يتعلق بالسياق العام. مرة أخرى لا بد من التأكيد على أن: مشروع قانون المالية لسنة 2013 عمليا هو أول مشروع قانون مالي للحكومة، وهذا يعني أن الحكومة أخذت وقتها الكافي، كما أنها احترمت الآجال الدستورية، وتتوفر على المعطيات المتعلقة بالظروف والمناخ الاقتصادي والمالي العالمي والإقليمي والوطني خصوصا في ظل بوادر سنة فلاحية جيدة – أمطار الخير نحمد الله عليها. وبخصوص المشاريع والبرامج الكبرى الواردة في المشروع، وعلاقة بمبدأ الالتقائية بين مختلف البرامج القطاعية المتضمن في البرنامج الحكومي، ندعو الحكومة إلى بذل المزيد من الجهد في هذا الشأن لضبط هذه الالتقائية، ونؤكد لكم بأن المشاريع والبرامج المسطرة التي جاء بها مشروع قانون المالية تحظى بتأييد فريق التقدم الديمقراطي لأنها تصب في تنمية البلاد وإرضاء الحاجيات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمواطنين . الإصلاح الجبائي: لقد كان السبق في الموضوع للمجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي وضع اللمسات الأولى للإصلاح الجبائي، وبإمكان الحكومة أن تعتمده مستقبلا وتنطلق منه لإغنائه وتطعيمه على ضوء اقتراحات مختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين. فيما يتعلق بالنفقات الجبائية، بعبارة أدق الإعفاءات الجبائية التي قدرت سنة 2012 ب36 مليار درهم، نتساءل هل نتوفر على دراسة للجدوى؟، وهل لهذه الإعفاءات تأثير اقتصادي واجتماعي ايجابي ؟ هل المصلحة العليا للبلاد والاقتصاد الوطني تتطلب كل هذه المبالغ التي تحرم منها خزينة الدولة خصوصا في هذه الظرفية العصيبة، ظروف «الأبقار العجاف». ألا يستدعي الأمر تقييما شاملا وموضوعيا لهذه النفقات الجبائية التي يمكن اعتبار الكثير منها «هدايا جبائية» سمينة تقدم بالمجان. تنضاف إلى الامتيازات الأخرى التي تستفيد منها نفس الأوساط، والتي لا مبرر لها بالمرة، وذلك بشهادة واعتراف من المجلس الاقتصادي والاجتماعي. أو لم يكن أولى للحكومة أن تعجل على البحث على الموارد حيث توجد بوفرة: لدى أصحاب الامتيازات؟، أولئك الذين يتحايلون بشتى الوسائل للتملص من الضريبة والتهرب من واجبهم الوطني وما أكثرهم ! و لدى فئات واسعة من المهن الحرة التي لا تساهم إلا بنسبة محدودة من المجهود الضريبي. نرى في فريق التقدم الديمقراطي أنه لتأهيل وتطوير اقتصادنا الوطني يجب الارتكاز على خمس أدوات: - قانون تنظيمي للجهوية. - قانون تنظيمي للمالية. - إصلاح صندوق المقاصة. - الإصلاح الجبائي. - إصلاح أنظمة التقاعد. وفيما يتعلق بإدماج مقاربة النوع وتفعيل الدستور في مقتضياته المتعلقة بالمساواة ومناهضة التمييز بين الجنسين نثمن إصدار التقرير حول النوع الاجتماعي في نسخته الثامنة وكل المجهودات التي بذلت لإعداده، لكننا نسجل غياب المعطيات حسب النوع الاجتماعي في العديد من الوثائق الميزانياتية رغم حرص وزارة المالية على تقديم ميزانية خاصة بالنوع الاجتماعي، ذلك أن المعطيات الموجودة مجردة فقط، ونتسائل عن كيفية إدراك التفاوتات إن لم تكن مرقمة من أجل تحقيق هدف المناصفة. و نؤكد هنا على أن المقاربة التي ينبغي التعاطي بها مع مقاربة النوع وقضايا المساواة والمناصفة وتكافؤ الفرص ينبغي أن يتخذ طابعا أفقيا يعم كل القطاعات، ويشمل كل المجالات. وانطلاقا من موقعنا هذا كفريق ينتمي للأغلبية بخصوصياته، ندعوكم للتعامل مع ملاحظاتنا واقتراحاتنا التي تصب في رافد واحد: تحفيز الحكومة على الإسراع في وتيرة عملها، وتحسين مستوى أدائها والقيام بالإصلاحات الضرورية التي تتطلبها مصلحة البلاد، وإرضاء المطالب العاجلة والعادلة للمواطنات والمواطنين. ونحيي الحكومة على تعاطيها المرن وتفاعلها الإيجابي مع الكثير من التعديلات سواء تلك التي تقدمت بها الأغلبية أو المعارضة. فقبلت العديد من التعديلات للأغلبية والمعارضة، ورفضت أخرى للأغلبية والمعارضة معا، وأرجأت أخرى للدراسة إما خلال المرحلة الثانية للمصادقة على المشروع بالغرفة الثانية، أو في إطار الأوراش الكبرى المتعلقة بإصلاح المجال المالي: المناظرة الوطنية حول الإصلاح الجبائي أو خلال مراجعة القانون التنظيمي للمالية، وأنظمة التقاعد. كما نثمن الأجواء الإيجابية التي طبعت النقاش الذي استمر لأيام ولساعات متواصلة امتدت في الكثير من الأحيان إلى ساعات متأخرة جدا من الليل أو حتى الفجر. أجواء نحيي عليها مكونات الأغلبية والمعارضة على السواء، حيث أبانت عن حضور قوي ومسؤول أثناء مختلف مراحل مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2013. وتم التصويت بالإجماع على العديد من المواد التي وردت بشأنها تعديلات. ومن موقع المسؤولية كذلك كفريق ضمن الأغلبية، ومن موقع المسؤولية السياسية كذلك، حيث أن رفاقنا الوزراء عن حزب التقدم والاشتراكية، في الحكومة ساهموا في بلورة هذا المشروع، وصادقوا عليه، فإننا نحيي الحكومة على المجهود الذي بذلته للحفاظ على استقلالية وسيادة القرار الاقتصادي المغربي، نؤكد تفاعلنا الإيجابي مع مشروع القانون المالي لسنة 2013، متمنين كل التوفيق للحكومة في مهامها الجسيمة، ومعبرين عن استعدانا لتقديم يد العون والمساعدة والدعم والمساندة من موقعنا بمجلس النواب. «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون» صدق الله العظيم.