السينمائي عبد الكريم الدرقاوي لهذه الأسباب أردت أن أكون مخرجا عند إلقاء نظرة على فيلموغرافية السينما المغربية، لا بد أن يلفت انتباهنا أن إدارة التصوير لنسبة كبيرة من هذه الأفلام، وراءها شخص بعينه، هو عبد الكريم الدرقاوي؛ مما يؤكد على الثقة التي يضعها فيه المخرجون السينمائيون على اختلاف مشاربهم وأجيالهم. في هذه الجلسة الفنية مع كريمو –كما يحلو لأصدقائه أن ينادونه- يروي لبيان اليوم، العديد من الوقائع، ويستحضر العديد من الوجوه والفضاءات: مسقط رأسه بوجدة، التكوين السينمائي ببولونيا، العمل التكاملي مع شقيقه مصطفى، حيث يتضافر الإخراج مع إدارة التصوير لإنجاز العمل الناجح، صداقة الكتاب، الدارالبيضاء التي يعشقها والتي أبى إلا أن يجعل منها المكان الرئيسي لأحدث الأفلام التي تولى إخراجها: وليدات كازا.. لعبد الكريم الدرقاوي مشاريع سينمائية وتلفزيونية عديدة، وقد دفع بعضها إلى المسؤولين عن الإنتاج، وفي انتظار أن تسمح له الظروف من أجل إخراجها إلى حيز الوجود، يقرأ ويتأمل ويقاوم اليأس. - 5 - كنت في الأصل أريد أن أمارس الإخراج، لكن بحكم أن أخي مصطفى درس الإخراج وتخصص فيه، توجهت نحو إدارة التصوير، لكن في أحد الأوقات كان من الضروري أن أنتقل إلى الإخراج، فبعد أن قمت بإدارة التصوير لما يفوق ثلاثين فيلما سينمائيا، بدأ ينتابني شيء من الضجر، سيما وأنه كان علي أحيانا أن أنتظر سنتين على الأقل حتى يشرع مصطفى في عمله الجديد، لكي أشتغل معه، فقررت أن أقوم بإخراج أفلامي الخاصة، ومما ساهم كذلك في توجهي إلى الإخراج، هو أنني كنت أحيانا أقوم بإدارة تصوير أفلام لا تعجبني، ولست مقتنعا بها، فكان لا بد أن أنجز المواضيع التي تهمني شخصيا، كما هو الحال بالنسبة لأفلام: الناعورة، وزنقة القاهرة، ووليدات كازا.. إلى غير ذلك من الأفلام. من خلالها تسنى لي تصوير رؤيتي الخاصة للعالم المحيط بي. بالنسبة لاشتغالي في الدراما التلفزيونية، أعتقد حصول الشيء ذاته، أحكي قصصا بطريقة تلفزيونية معروفة لدى المشتغلين في هذا الميدان، حيث أن هناك فرقا بين الإخراج التلفزيوني والإخراج السينمائي، حيث أن الفيلم السينمائي يكون جد غني، يشتمل على مغامرات وحكايات وكثير من الشخصيات، كما أن الموضوع يكون مشحونا، وعميقا جدا، على اعتبار أنه ينبغي أن يدوم عشرات السنين ويهم الناس على مدى عشرات السنين كذلك، ولهذا من المفروض أن يكون مشحونا وأن يكون قد تم الاشتغال عليه بشكل جيد، وهو لذلك يتطلب وقتا أكثر، كما أن طريقة تصويره مختلفة، في حين أن الفيلم التلفزيوني عمره قصير، يصور عن طريق الفيديو، فمثلا فيلمي بوشعيب بوسعود الذي أنتجته القناة الثانية، والذي حظي بالنجاح، يمكن أن يبث خمس عشرة مرة، لكن قد يصير عرضة للنسيان، ويذهب بالتالي أدراج الرياح. ومن بين جملة المسائل التي تفرق كذلك بين الفيلم التلفزيوني والفيلم السينمائي، هو طريقة التصوير، ومدة التصوير. يحدث أن نشاهد فيلما سينمائيا، ويتبين لنا أنه في واقع الأمر لا يعدو أن يكون فيلما تلفزيونيا، وهذا راجع إلى أن مخرجه لم يراع لوازمه التقنية الخاصة، وأبعاده الجمالية والتاريخية والموضوعية، ومن بين الأشياء المهمة كذلك التي تصنع الفارق، هي أن الفيلم السينمائي ينبغي أن يكون مركبا وأحيانا عصيا على الفهم، ويستدعي التمعن فيه، لأن المتفرج يريد مشاهدته، إذن سيذهب إلى قاعة العرض وهو مسلح بالمعرفة، ليشغل عقله، وجميع حواسه، حتى يتمكن من فهمه واستيعابه، بينما الفيلم التلفزيوني يهجم على الناس داخل بيوتهم، وبالتالي فإن طريقة التلقي تختلف، بصرف النظر عن التركيب والتصوير والإخراج، وغير ذلك من التقنيات. لماذا انتقلت من إدارة التصوير إلى الإخراج؟ إنني أحمل كتبا وقصصا، منذ كنت أدرس في بولونيا، حيث كنت أفكر في تحويلها إلى أعمال سينمائية منذ ذلك الوقت، هناك قصص أعجبتني وتملكت إحساسي، ومنها ما عشته، طبعا لا يمكن لأي أحد أن يفعل ما يريده، صحيح أن فيليني أو أنطونيني، قاما بما كانا ينبغي عليهما القيام به، بالنظر إلى وجود الإمكانيات والمؤهلات، والظروف الملائمة والأرضية، أما نحن فنقوم بما في استطاعتنا القيام به. أصبحت مخرجا، لأنني أريد قول بعض الأشياء، ولأنني أملك هواجس وبعض المسائل التي أرغب في أن أحررها، وأقدمها للجمهور، هذا هو الدافع، وليس فقط لكي أصبح مخرجا.