السينمائي عبد الكريم الدرقاوي مدير التصوير هو من يحقق أحلام المخرج عند إلقاء نظرة على فيلموغرافية السينما المغربية، لا بد أن يلفت انتباهنا أن إدارة التصوير لنسبة كبيرة من هذه الأفلام، وراءها شخص بعينه، هو عبد الكريم الدرقاوي؛ مما يؤكد على الثقة التي يضعها فيه المخرجون السينمائيون على اختلاف مشاربهم وأجيالهم. في هذه الجلسة الفنية مع كريمو –كما يحلو لأصدقائه أن ينادونه- يروي لبيان اليوم، العديد من الوقائع، ويستحضر العديد من الوجوه والفضاءات: مسقط رأسه بوجدة، التكوين السينمائي ببولونيا، العمل التكاملي مع شقيقه مصطفى، حيث يتضافر الإخراج مع إدارة التصوير لإنجاز العمل الناجح، صداقة الكتاب، الدارالبيضاء التي يعشقها والتي أبى إلا أن يجعل منها المكان الرئيسي لأحدث الأفلام التي تولى إخراجها: وليدات كازا.. لعبد الكريم الدرقاوي مشاريع سينمائية وتلفزيونية عديدة، وقد دفع بعضها إلى المسؤولين عن الإنتاج، وفي انتظار أن تسمح له الظروف من أجل إخراجها إلى حيز الوجود، يقرأ ويتأمل ويقاوم اليأس. - 3 - مستوى النقاش ضمن النوادي السينمائية آنذاك كان راقيا، وموضوعيا، وجديا إلى حد بعيد، لم تكن البلابلا هي السائدة، كان يتم مناقشة الشريط، ولغته، وما يرمي إليه من معاني ودلالات موضوعية وجمالية، ولكن بالأخص حينما كان النقاش يصب في الجانب السياسي بالدرجة الأولى، دون الابتعاد مع ذلك عن ما هو سينمائي محض الذي يهمنا. يمكن القول إن الأندية السينمائية في الوقت الراهن صارت شبه غائبة، وأعتقد أن ذلك تنطبق عليه قولة إن لكل شيء إذا ما تم نقصان، فجامعة الأندية السينمائية ببلادنا أواسط السبعينات، كان قد بلغ عدد منخرطيها ما يفوق أربعين ألف، وما أدراك ما هذا العدد، في ذلك الإبان، كل مدينة كانت تتوفر على نادي سينمائي، لا بل إن بعض المدن كان بها ناديان على الأقل، كما هو الحال بالنسبة لمدينة مكناس والرباط، أما الدارالبيضاء فكان بها حسبما أتذكر سبع نوادي سينمائية، وبالموازاة مع ذلك، كان هناك ما يناهز مائتي قاعة سينمائية موزعة على مختلف مدن المملكة، كما كان هناك النضال والتضحية في صفوف الساهرين على هذه النوادي، كان هناك نور الدين الصايل وسعد الشرايبي وإدريس شويكة والمرحوم عبد الرزاق وكذا المرحوم محمد الدهان، إلى غير ذلك من الأسماء، بعد ذلك ماذا حدث لكي تخبو الأندية السينمائية ويتراجع دورها؟ أعتقد أن لذلك عدة أسباب، فظروف العيش أصبحت صعبة، وهناك من المسؤولين من تزوج وأنجب أولادا، وهناك من غادر الوطن، وهناك من أصبح طبيبا، وإذن لقد أصبحت لهؤلاء أعباء، لا تسمح لهم بالتفرغ لتسيير النوادي السينمائية، وكان من نتيجة ذلك أن هذه النوادي بدأت تتلاشى وتغيب عن الوجود، كما أن القاعات السينمائية تقلص عددها إلى حد كبير، وهذا أمر طبيعي. ما هي خصوصيات إدارة التصوير التي اخترت التخصص في دراستها؟ أرى أن هذا التخصص -بدون تواضع زائف ولا غرور- له دور مركزي في أي عمل سينمائي، فالمخرج يتصور بعض المسائل، يتصور القصة ويتصور جوا معينا تجري فيه الأحداث، يريده أن يكون مثلا ماطرا، أو به زوبعة، وغير ذلك من الأشياء ذات الخصوصية المعينة، فمن يحقق له هذه الأشياء بالدرجة الأولى؟ إنه مدير التصوير، يمكن القول إنه ينجز على أرض الواقع أحلام المخرج، فإذن يتبين إلى أي حد أن إدارة التصوير تكتسي أهمية في العمل السينمائي، فمن يحقق ذلك الفرق بين السينما والمسرح؟ إنه الصورة، المخرج السينمائي السويدي إنغمار برغمان على سبيل المثال، عندما يريد أن ينجز رواية، فهو ينجزها، ولكن عندما يخرج عملا سينمائيا، فإنه يكون بحاجة إلى مدير التصوير ومعد الديكور، طبعا الديكور يوجد حتى في المسرح، ولكن ما يفرق بالدرجة الأولى، هو التصوير وكذلك التوظيب الذي يعد أساسيا كذلك، هذا إذن هو أهم ما يحقق الفارق..