تفيد العديد من الأخبار والوقائع هذه الأيام ، أن إعفاء والي أمن الحسيمة ورئيس الشرطة القضائية بنفس المدينة، وتنقيل والي أمن تطوان، وإعفاء مدير الموارد البشرية بالإدارة العامة، لم تكن قرارات معزولة، إنما ، بحسب أكثر من مؤشر، قد تكون انطلاقة لانكباب أعمق على الوضع التدبيري العام لمؤسستنا الأمنية. الانكباب المشار إليه، تقول الأخبار ، انه سيكون له أكثر من عنوان ومدخل، منها الافتحاص المالي لعدد من المديريات والمصالح، وليس فقط لمديرية الموارد البشرية، ثم هناك الوقائع التي ما فتئت تتحدث عنها شكايات المواطنين وبيانات منظمات المجتمع المدني ومقالات الصحف بشأن التدبير الأمني في عدد من مناطق المملكة، وسلوكات بعض عناصر ومسؤولي مفوضيات الأمن الوطني. الأمر لا يتعلق هنا بالمطالبة ب (مطاردة الساحرات)، أو إعادة إنتاج منطق الحملات التطهيرية المعلومة، إنما القصد أن مغرب اليوم في حاجة إلى سياسة أمنية جديدة، والى جهاز أمني يتم تدبيره على قاعدة الكفاءة والمهنية والنزاهة ، ووفق قواعد القانون. عندما تصدمنا أخبار الجرائم القادمة من جهات مختلفة من البلاد، وحالات الاعتداء على الناس في الشارع وبداخل بيوتهم، واستهداف ممتلكاتهم وسلامتهم البدنية وأعراضهم، وعندما تنقل الأخبار أيضا سلوكات مشينة لبعض عناصر الأمن في علاقتهم بالناس، هنا يصير من حق المغاربة الخوف ، وأيضا الدعوة ليستعيد أمننا الوطني مهنيته وحضوره وسط الناس لحماية أمنهم وممتلكاتهم، والحرص على إعمال القانون وعلى فرض احترامه. الأمن يكون قويا وذا هيبة لدى المواطنين ولدى الزوار الأجانب بمدى انضباطه للقانون، وبمدى امتلاك عناصره للكفاءة المهنية ولحسن السلوك، وللقدرة على التواصل وعلى فرض احترام القانون. وضمن هذا الأفق، يجب أن تندرج خطط التقويم والإصلاح وإعادة الهيكلة والتأهيل المتحدث عنها اليوم بالنسبة للإدارة العامة للأمن الوطني. وضمن هذا الأفق أيضا، يجب تخليق المسؤوليات، والاحتكام إلى الكفاءة والاستحقاق في مختلف الترقيات والتعيينات، والحرص على تمكين مفوضيات الأمن ومختلف المصالح من كافة وسائل العمل والإمكانيات المادية والتقنية اللازمة، علاوة بالطبع على تحسين ظروفهم المادية والاجتماعية، والشروط التي يزاولون فيها مهمتهم، وبالموازاة مع هذا عدم التساهل مع كل المتورطين في سلوكات الابتزاز والارتشاء وتجاوز القانون... الأمن الوطني يجب أن يكون ملاذ ثقة المواطنين، وملجأهم لرفع الظلم ولاستعادة الحق، وللشعور بالأمان والاستقرار، وليكون كذلك على تدبيرنا الأمني أن يكون قائما على القرب وعلى التفاعل مع محيطه الاجتماعي، وأن يحتكم إلى القانون، ويكون قويا به.