أكد المحجوب الهيبة٬ المندوب الوزاري لحقوق الإنسان٬ أمس الأربعاء بالدارالبيضاء٬ أن المغرب٬ الذي انخرط في مكافحة الإرهاب دوليا وإقليميا٬ تمكن من بلورة مقاربة قائمة على حكامة أمنية متطورة في مجال مكافحة الجريمة الإرهابية. وأوضح الهيبة٬ في يوم دراسي نظمته المنظمة المغربية لحقوق الإنسان٬ بتعاون ودعم من المجلس الوطني لحقوق الإنسان٬ والجمعية المغربية لضحايا الإرهاب٬ ومؤسسة «فريدريك أيبرت» الألمانية٬ حول «الجريمة الإرهابية وحقوق الإنسان»٬ أن الجهود المبذولة على المستوى الدولي والإقليمي في مجال مكافحة الإرهاب غالبا ما تعترضها صعوبة التوفيق بين مكافحة هذه الجريمة وعدم المساس بحقوق الإنسان٬ مبرزا أن مكافحة الإرهاب لا ينبغي أن يكون مبررا لخرق هذه الحقوق. وأضاف الهيبة أنه ينبغي العمل على تعزيز العناية بضحايا الإرهاب وعدم التركيز فقط على مرتكبي الأعمال الإرهابية٬ مشيرا إلى أنه في السنوات الأخيرة تم فتح نقاش على الصعيد الدولي حول قضايا التكفل بضحايا الإرهاب وإعادة إدماجهم باعتبار ذلك مدخلا آخر لمكافحة الإرهاب. وبعد أن أكد أن إصلاح المنظومة الجنائية ينبغي فيه مراعاة التجربة المغربية في مجال مكافحة الإرهاب٬ أشار المندوب الوزاري إلى أن الترسانة القانونية وحدها لا تكفي بهذا الخصوص إذا لم تكن مقرونة بالنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية٬ ونشر قيم التسامح والاختلاف وقبول الآخر٬ وتعزيز الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. من جهته٬ أكد محمد النشناش٬ رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان٬ أن تنظيم هذا اللقاء يتزامن مع الذكرى العاشرة لأحداث الدارالبيضاء الإرهابية وما خلفته من اهتمام كبير من طرف المشرع المغربي لتجريم هذا السلوك غير المشروع الذي يمس بالسلامة البدنية للإنسان وحقه في الحياة والعيش في مجتمع آمن٬ مشيرا إلى أن جرائم الإرهاب تحتل مراتب متقدمة من حيث الخطورة والنتائج التي تطال كيان المجتمع والأسس السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يقوم عليها. وبعد أن أشار إلى أنه أمام تصاعد الأعمال الإرهابية في العالم٬ وتوجه الدول نحو مواجهة هذه المخاطر ومكافحتها بالعقاب٬ أكد السيد النشناش أن مثل هذه التشريعات لا ينبغي أن تغفل احترام الضمانات الأساسية للمتهمين أثناء توقيفهم أو الاستماع إليهم٬ بحكم أن ذلك لا ينتقص من الاجراءات الكفيلة بمحارب الإرهاب. وأضاف رئيس المنظمة أن الديمقراطية واحترام الكرامة الإنسانية والسلطة الشرعية السياسية تعد بدائل وحلولا لظاهرة الإرهاب٬ مشددا على أهمية مساهمة المجتمع المدني والموطنين في القيام بدور فاعل في هذا المجال من خلال التعبير عن رفض كافة أشكال التطرف والعنف والإرهاب٬ وتشجيع الحوار الديمقراطي والعناية بضحايا الإرهاب وذويهم. وذكر مصطفى العراقي٬ باسم المجلس الوطني لحقوق الإنسان٬ أن هذا اللقاء يشكل مناسبة لمناقشة إشكالية الجريمة الإرهابية وحقوق الإنسان٬ مشيرا إلى الصعوبات التي تثيرها مسألة ملاءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية بهذا الخصوص. وأضاف العراقي أن المجلس باعتباره مؤسسة دستورية وطنية يتابع هذا الموضوع حرصا منه على حماية حقوق الإنسان والحريات٬ كما يشتغل على مقتضيات قانونية لملاءمتها مع الدستور والقانون الدولي لحقوق الإنسان٬ والمساهمة في برامج التربية والتوعية والنهوض بثقافة حقوق الإنسان وترسيخ قيم المواطنة المسؤولة. وذكر أن جهود المجلس تشمل أيضا تأمين تقوية دولة القانون٬ ومأسسة حماية حقوق الإنسان بإعمال كافة الآليات لتحقيق ذلك٬ ونشر قيم التسامح ومكافحة أشكال الميز وتنمية الوعي بحقوق الإنسان وتمتع الأفراد والجماعات بهذه الحقوق وحمايتها من كل أشكال الانتهاكات٬ مشيرا إلى أنه على الصعيد الدولي هناك 16 صكا قانونيا دوليا لمكافحة الإرهاب تؤكد على ضرورة التلاؤم مع احترام مبادئ حقوق الإنسان. أما سعاد الخمال٬ رئيسة الجمعية المغربية لضحايا الإرهاب٬ فقد شددت على ضرورة رعاية ضحايا الإرهاب والعناية بهم من خلال آلية لدعم وتعويض هؤلاء الضحايا. وأضافت السيدة الخمال أن الإرهاب يستهدف أرواح الأبرياء لترويع المجتمع ككل وليس الضحايا بالدرجة الأولى٬ مشددة على ضرورة مراعاة حقوق الضحايا الذين يحرمون من حق الحياة٬ ويخلفون وراءهم أسرا تعاني من جراء العمليات الإرهابية وتأثيراتها النفسية. وبعد أن أشارت إلى أن أحداث 16 ماي 2003 كانت شيئا جديدا بالنسبة للمغرب الذي لم يكن يتوفر على ترسانة قانونية وحقوقية لمواجهة هذه الظاهرة وتداعياتها٬ أكدت السيدة الخمال أنه بعد مرور عشر سنوات على تلك الأحداث٬ ينبغي مراعاة الظروف النفسية والاجتماعية للضحايا٬ وتظافر جهود الجمعيات والهيئات المعنية لتوعية الشباب ومحاربة التطرف قبل أن يتطور من فكر إلى سلوك وعمل إرهابي. من جهتها٬ ذكرت كريستينا بيرك٬ عن مؤسسة «فريدريك أيبرت»٬ أن موضوع هذا اللقاء يعد من مواضيع الساعة٬ نظرا لانتشار ظاهرة الإرهاب في الكثير من مناطق العالم٬ مشيرة إلى مقاربات مواجهة هذه الظاهرة عبر بعض دول العالم. وأضافت بيرك أن ظاهرة الإرهاب تهدد الديمقراطية والمجتمع والأمن والحق الأساسي في الحياة٬ مبرزة أن التجارب والدراسات التي تم إنجازها في هذا المجال أظهرت أن الديمقراطية هي الحل الوحيد لمكافحة هذه الظاهرة٬ إلى جانب التدابير القانونية والاجتماعية كتشجيع الاندماج الاجتماعي. وتجدر الإشارة إلى أن هذا اللقاء٬ الذي يشارك فيه عدد من الحقوقيين والجامعيين وممثلي المجتمع المدني٬ يشمل مناقشة عدة محاور منها «الإرهاب عدو الإنسانية» و»الدوافع النفسية للأعمال الإرهابية» و»تفكيك مقولات الإرهاب» و»الإرهاب في القانون الدولي» و»الأصولية والإرهاب» و»مقاربات لتعديل قانون مكافحة الإرهاب» و»مضاعفة الإرهاب على الحكامة الديمقراطية والسياسية»٬ فضلا عن تنظيم مائدة مستديرة حول «دور المجتمع المدني لمناهضة الإرهاب».