تضاعف عدد كتابها وتنوعت ملتقياتها وتكاثرت نواديها تحظى القصة القصيرة بالمغرب برعاية كبيرة وباهتمام غير مسبوق، ولا أدل على ذلك الجمعيات والنوادي التي تعنى به والتي ما فتئت تتوالد وتتكاثر بشكل إيجابي: نادي القصة القصيرة بالمغرب.. مجموعة البحث في القصة القصيرة..نادي الهامش القصصي.. الكوليزيوم القصصي.. أكاديمية القصة القصيرة جدا وغيرها. كما برزت خلال المدة الأخيرة، وبالأخص مع الثورة المعلوماتية، مجموعة من المواقع والمجلات الإلكترونية المتخصصة في فن القصة: المحلاج.. الفوانيس القصصية.. غواية السرد القصير.. ووهناك مواقع تفرد حيزا مميزا لهذا الفن الأدبي الجذاب، من قبيل: دروب.. كيكا.. وغيرهما. أما الملتقيات والمهرجانات التي نشأت لأجل احتضان هذا الفن الأدبي دون غيره؛ فحدث ولا حرج، لقد تكاثرت وتناسلت خلال العقد الأخير بشكل لافت، إلى حد يمكن القول إن كل مدينة صار لها مهرجانها الخاص بالقصة سواء كانت هذه القصة قصيرة أو طويلة أو قصيرة جدا، ومن أبرز المدن التي ترعى هذا الفن: مشرع بلقصيري.. الناظور..خنيفرة.. الفقيه بنصالح.. أصيلة.. زاكورة.. بركان.. وارزازات.. مراكش.. وعلى ذكر مشرع بلقصيري؛ فإن المهرجان القصصي السنوي لهذه المدينة الذي تسهر على تنظيمه جمعية النجم الأحمر، هو ما انبثقت عنه فكرة إنشاء يوم وطني للقصة القصيرة، الذي نحتفل به والذي يقترن بالثامن والعشرين من شهر أبريل، بالرغم من هامشية المدينة وبالرغم كذلك من ضيق ذات يد، لكن الطموح ونكران الذات وحب العمل يحقق المعجزات، إذا صح اعتبار خلق يوم وطني للقصة القصيرة بمثابة معجزة. ولا ننسى المجلات والجرائد الورقية التي احتضنت بدورها فن القصة ورعته، بالرغم من الصعوبات المادية: مجلة قاف صاد التي تسهر على إعدادها مجموعة البحث في القصة القصيرة المنبثقة من رحم الجامعة، وبالضبط من كلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن مسيك بالدار البيضاء.. وجريدة القصة المغربية التي صدر عددها مطلع السنة الجارية والتي يعدها نادي القصة القصيرة.. دون إغفال أن بعض المطبوعات الورقية التي بالرغم من كونها شاملة؛ فإنها تخصص مساحة معتبرة للفن القصصي، من قبيل: مجلة الثقافة المغربية التابعة لوزارة الثقافة..مجلة آفاق لاتحاد كتاب المغرب.. مجلة الشعلة.. مجلة مجرة.. الصفحات اليومية والأسبوعية لبعض الجرائد الوطنية.. وعلى ذكر مجلة الشعلة، يجدر بنا الإشادة بالجمعية التي تصدرها: جمعية الشعلة للتربية والثقافة، حيث أنها كانت السباقة لتنظيم ملتقيات خاصة بالقصة القصيرة، عبر فرعيها بالقنيطرة ومراكش على وجه الخصوص، كما عنت بإصدار أشغال هذه الملتقيات في كتب محترمة. وحصل تراكم لافت في ما يخص المجاميع القصصية، وتضاعف عدد كتاب القصة وكاتباتها كذلك، وصدرت أنطولوجيات للقصة القصيرة، وملفات ودراسات وكتب تنظر لهذا الفن بمختلف أصنافه، ومختارات منه مترجمة إلى الفرنسية والإسبانية والإنجليزية وغيرها من اللغات. والجوائز؟ يا إلهي، ما أكثرها، وهي في الغالب تحمل أسماء رموز القصة القصيرة ببلادنا، مثلما أن بعض الملتقيات القصصية تطلق على دوراتها اسم كاتب قصصي ما.. هذه الحركية تدل على أن القص، فن مغري، جذاب، ممتع، والأهم من كل ذلك أن الأدب المغربي ليس عقيما. القاص إدريس الصغير اليوم الوطني للقصة القصيرة يجب أن يصبح عيدا للقصاصين حين كان لي عمود أسبوعي أكتبه في جريدة أنوال، أذكر أنني اقترحت أن يحدث يوم وطني للقصة القصيرة، وحين تحقق ذلك، أذكر أن الكثير من الأصدقاء، بلغوني الخبر بواسطة الهاتف، الأمر لحد الآن مازال لم يترسخ، ولم يأخذ بعد مميزات خاصة تبعده عن النمطية التي تطبع الأيام الوطنية والدولية التي تخلد أحداثا هامة أو قيما إنسانية أودينية، أرجو أن يأخذ هذا اليوم طابعا متميزا مخالفا للإخبار الإعلامي الذي تكتفي به الصحافة، مذيلة إياه باستجواب من يسمونه مختصا أو خبيرا أوفاعلا جمعويا أو أستاذا باحثا، يخلف ظهوره الباهت في وسائل الإعلام ردود فعل غير مرضية،اليوم الوطني للقصة القصيرة يجب أن يصبح عيدا للقصاصين، يرتدون فيه أزهى ثيابهم، يهيؤون له تهييئا جيدا ليحتفلوا بأنفسهم وبفنهم الرفيع، لقد نسينا الاحتفال وانشغلنا بتفاهات الأمور، بالغمز واللمز والتآمر والمجاملات الزائفة المنافقة أو الهجاء الظالم، فنحن إما أن نقزم الشخص حتى لايرى ولو بمجهر أو ننفخ فيه حتى يتعملق فينفجر، يجب أن نتعلم كيف نحتفل، وكيف نسمو في سماء الفن الرفيع، وكل عيد وأنتم بألف خير. القاص محمد الحاضي شذرات لأجل حق القصة في القصر والاحتفال 1-لاخوف من الواد الهدّار ...ولاهم يغرقون... 2 - قد يكون الصّمت ...قصة من ذهب... 3 - أسرع رجل في العالم نكتشفه ، فقط ، في المسافات القصيرة... 4 - قال لمرافقه « تزحزح قليلا..» ، فرد عليه « ظهر الأرض قصير « .. 5 - من منا ، نحن جيل الفقيد أحمد بوكماخ من لايتذكر نصه ( الثرثار ومحب الإختصار) ويتفكّه بجملة « قل مات والسّلام «. 6 – لو لم يكن عمر الإنسان قصير جدا ..جدا..جدا..لكان أديم الأرض طافحا بالقبور منذ ماقبل عهد عاد... 7 - لم تكن سيرة شغلي اليومي مع حمارنا في السّقاية تثير حفيظة تعبي أو تبرمي أوقلقي أبدا..كلّ توجسي وهلعي وشقاوتي من أن تصادفني ذبابة ( نعرة ) وتعرّضني والجرّتان للهلاك... 8 - حبل الكذب مهما طال وتطاول ، قصير... 9 - الليل طويل في الشتاء ، الشمس تتقلص غضبا...الليل قصير في الصيف ،الشمس تتمدّد فرحا... 10 - ومهما طال الليل ، فإنه بالسهر يقصر..كلمح البصر.. 11 - « كبّرها تصغار « ..الغاية من الجناية ، واضحة ، إذن... 12 - لو تتخيّلون ،فقط ، لذغة الأفعى القرطيطة...ولكم واسع الهلع.. 13-التنورة الإرلندية تلك... أحلى ما في هندام ابنتي عندي... 14 -العالم ليس قرية صغيرة..العالم غرفة ضيقة... 15 - إلا أن يكون الإنسان بالذات ، قزما من الطبيعة الخلاقة الجميلة، وإلا بهتت وفسلت الحكاية.. أليس كذلك يامترو محال؟ القاص مصطفى لغتيري مازالت القصة تعاني من الحيف على مستوى النشر يعتبر اليوم الوطني للقصة القصيرة تتويجا لمسار طويل من اهتمام المبدعين المغاربة بجنس القصة القصيرة ، مما جعل هذا الجنس أكثر الأجناس تداولا على مستوى اللقاءات و المهرجانات والأندية، كما أن تأسيس مجموعة البحث للقصة القصيرة و مجلتها» قاف صاد» أضاف زخما لهذا الجنس الأدبي الجميل، ويعود الفضل بشكل مباشر إلى جمعية النجم الأحمر بمشرع بلقصيري في اقتراح هذا اليوم ليكون يوم القصة.. ورغم هذه المجهودات الجبارة مازالت القصة القصيرة تعاني من كثير من الحيف على مستوى النشر وعلى مستوى الجوائز والمتابعات النقدية، فجائزة المغرب للكتاب الخاصة بالسرد أو المحكيات مثلا تحتكرها الرواية بشكل كبير، لذا أرى أن هذا اليوم له ما يبرره، فعلى الأقل يمكنه أن يلفت الانتباه إلى هذا الجنس الأدبي، لعل الوزارة تفكر في إنشاء جائزة خاصة بالقصة القصيرة، تعيد لهذا الجنس الأدبي بعض ما يستحقه. القاص سعيد بوكرامي القصة التي أحب أن أكتب قصتي تدرجت عبر مراحل وهي مختلفة جذريا عن بعضها. ارتبطت تجربتي الأولى في «تقشير البطل» بالسفر في المكان والزمان بالامتدادات المدهشة بالرؤية الجديدة بالرغبات الجامحة وبالشخوص النادرين. كانت هذه التأثيرات تطبع حياتي بأوشام لن تزيلها أية عمليات تجميل. راسخة في الكتابة والحياة. أما في»الهنيهة الفقيرة» فكنت أكثر استقرارا حد الأسر وأكثر تأملا في الديمومة والوجود الإنساني. كنت في الحقيقة أصطاد على حافة الحلم اللحظات العابرة وهي تختزلني وتختزل العالم، مدركا في الوقت عينه أن القصة التي أحب أن أكتب يجب أن لا تنقل اليقين الخادع وإنما عليها أن تزيل الأقنعة وتشهر بالوعي. هكذا يمكنني أن أفعل القصة من خلال تفكيك شيفرة الاشياء. أيهما أفضل: نوح الذي أنقذ العالم ومخلوقاته أم كنعان الذي شهد انهيار العالم بأم جسده وحواسه؟ أيهما أهم للحكي: يقين نوح بالنجاة أم دهشة كنعان المذهلة؟ في «هواء خرائبي» كان أمامي الدمار بشتى تلويناته الداكنة. كنت أسبح في دوامة هواء الدارالبيضاء التي لم أعد أتعرف عليها. بأي خيارات سأكتب، بعد ست سنوات عن الهنيهة الفقيرة؟ هل أقتنع بالانهيار التام وأنهار رفقته أم أنبعث من الرماد بوهم جديد؟ اعتقدت أن القصة التي أكتبها – أشير فقط إلى أن ما أقوله الآن نسبي ولا يكشف أية حقيقة- يمكنها أن تنقذني من الإفراط في اللاوعي الذي لطالما جعلني في غفلة عن حاجاتي الحقيقية. ومن هذا المنطلق اتضح أمامي أن لغة الواقع لغة صامتة لا تستجيب لتطلعاتي لأنها مرتبطة بالحياة المادية والتنظيم الاجتماعي وأنا لا تهمني القوى الإنتاجية وعلاقة البشر فيما بينهم وبالطبيعة. ما يهمني أكثر هو كيف أنني لا أستطيع كتابة حرف عن أشياء مهمة في حياتي بينما أكتب صفحة كاملة عن شيء تافه لا يهم أحدا. *القصة نفق مظلم للعبور إلى بقعة ضوء. كاللاوعي تماما تحس وجوده لكنك تجهل عوالمه السحيقة ولن تكفيك اللغة لتفكيك شيفرته. القصة تتجاوز كل التصورات العالمة والواهمة. فجنسها النفقي الضيق يحبس الأنفاس والقارئ وحده بشموس خلفياته المرجعية من ينتشل القصة من صيرورة كسوفها العابر. *القصة كما قلت نفق مظلم ليست له بداية ولا نهاية وكل ما يحدث داخله يتجاوز الزمن الإبداعي (لحظة الكتابة بكل طقوسها المختلفة أهمها: لحظة حذف الفضلات) الزمن السردي ( ملابسات توظيف العلامات و الشخصيات والوقائع في شكل لغوي وحكائي). *تقنيتي في الكتابة ليست محددة فهي تختلف من قصة لأخرى. لكل قصة تصوراتها ومخططاتها لكن في إطار مشروع قصصي شامل يختلف بدوره من عمل لآخر. *أكتب القصة حسب رغبتي فأنا أحب الحرية في الإبداع أضع نقط بدايات ونقط نهايات وأترك للقارئ الذكي فرصة الخروج من النفق. *لا أطمح لأي شيء من القصة، فقط الكتابة والكتابة نكاية في هذا العالم الذي خرجنا منه من جهل وعشنا فيه عن جهل وسنموت فيه على جهل. كل عام والقصة والقصاصون بألف قصة وقصة. ****************** الإشكال كل الإشكال .. في هذا الحجم الصغير د. مسلك ميمون * منذ عقد من الزمن، أو أكثر بقليل كنت أشك أن يستطيع هذا الفن الجميل (القصة القصيرة جدا) أن يشق طريقه وسط الزحام، بل كنت أشفق عليه وعلى من تركوا أجناسهم الأدبية المعهودة ولجؤوا إليه، وبخاصّة وقد ألفت الرواية ومتعة قراءتها، والقصة القصيرة، وبلاغة سبكها وصياغتها... ولكن سرعان ما وجدتني أقبل على قطرة الماء هذه... بل وأغرق فيها!! طلبت النجدة فما وجدت إلا من يزيدني غرقا. و قد مضت كل هذه السنون دراسة وتأملا وبحثا وإبداعا...في مجال هذه الفاتنة: القصيرة جداً. فما عاد يخيفني إلا استسهالها من طرف البعض. فعن غير علم، ولا دراسة، ولا طول ممارسة سردية... يبادر البعض بالمغامرة في المجهول.... ولا يعودون بطائل.. إلا بكلام كالخاطرة، أو الفقرة الخبرية، أو النكتة والمستملحة، وأحيانا هلوسة، مجرد هذيان.. وما هذا بالقصة القصيرة جدا... إذاً، حذار من استسهال هذا الفن الجميل. أو تشبيهه بالأجناس السّردية الأخرى فكلٌ وخصائصه، وكلٌ وبناؤه وتركيبه. إنه ليحزنني أن أسمع من البعض أنه كتب ثلاثة نصوص في اليوم، ويقول الآخر: في ظرف شهر أنهيت المجموعة... وتقول أخرى: إن حجم القصة القصيرة جدا يجعلها في متناول الجميع.... وا عجبي مما أسمع!!! نسي كل هؤلاء أن الإشكال كل الإشكال .. في هذا الحجم الصغير... من ذا الذي يمكنه في بضعة أسطر أو كلمات أن يقول ما يحقق بلاغتي الإمتاع والإقناع؟ لا شك أنهم قلة قليلة.. وهذا دليل على صعوبة هذا الفن الرائق... * ناقد أدبي ******* قصتان قصيرتان بقعة حمراء أن ألعب، وأشارك البنات لهو الظهيرة، معناه، أنني أتحول إلى طائر منطلق، تنسل من داخله، بيارق الشهوة للجري والشد والاختباء. أرنب بري حساس، أو غزال نافر، يعرف كيف يستمتع، من باحة أمامه، تمتد فجأة، بعد طول حصار. أمي كانت ستزوجني، وأنا بعد طفلة، في الرابعة عشرة من عمري. كنت ساعتها أجمع بين روح الطاعة والوجل، والسبب أن قريبتنا البعيدة ، حين زارتنا بغتة، لم ترفع عينيها عني لحظة ، حين رأتني منحنية، أنظر عند قدمي، وأنفذ بإتقان، أوامر أمي وتوجيهاتها السامية. من غريزتها الصائبة، قالت لأمي ن إنني أصلح عروسا لابنها. ارتبكت وكبرت بسرعة، في ظرف ساعات، عندما أسرت لي أختي بالنبأ. أمي تهلل وجهها. لن أبور كبنات عمتي، لكن خجلا صاعقا من أبي، ألم بي.عند المغرب كنت قد نسيت. أطلت حليمة من شق الباب، بابنا الذي لايغلق. نادتني باسمي . تعالي نلعب . فهرعت إليها، لكن بعد وصلتين انزويت نادتني طويلا بصخب، ثم انصرفت عني، مطلقة دعاءها المعهود: الله يعطيك الويل، آلويلة. ما الذي أصابني!!؟؟.. تذكرت ابنة الشرطي، وأمها المتسلطة، وتذكرت النساء الفزعات، قبل أن يتحول البعض منهن إلى شامتات. كانت قد حلت بهن مصيبة. هرب عريس ابنة الشرطي الجميلة . فتح النافذة في الظلام وقفز. كان ذلك سببا كافيا، كي تلملمنا الأمهات وتعنفنا. من الصغرى إلى الكبريات. أنتن، كن ينهرننا، جلابات الذل والمهانة. ابنة الشرطي كانت من غير بكارة. والعريس من صدمته، حين دخل عليها، ومن حسه بالخديعة، تركها وراح. أمها منزوية، كانت تلطم خديها، وأبوها ركب دراجته النارية وانصرف. كل المواساة لم تنفع. والعروس أسلمت أمرها للكل في إذعان. الشامتات قلن إنها ذنوب الناس. أبوها كان جلفا قاسيا، غليظ القلب. لم يسلم في غاراته، أي تعيس، من لسعة حزامه أو عصاه، وأمها مستقوية به، كانت تفور بإيقاع الشر والهياج. كن يتهكمن عليه : قادر على حراسة الآخرين.. كان أولى به أن يحرس بكارة ابنته!!.. صرنا قلقات نحن البنات. نجتمع لنحكي . من أين أتانا كل ذلك المخزون؟.. اكتشفنا أننا جميعا مسلحات بالحكمة ، وأن شرط البكارة وحمايتها، مرهون بمحاذير نتقنها : ألا نقفز عاليا، أو نركب حرف ظهر حاد، وألا نتبول حيث يتبول الأولاد. كان قلبي يدق عاليا من الهلع، حين تطلب الكبيرات منا إخراج اللسان. كان ذلك يتخذ عندهن شكل الثأر. عذراء.. عذراء.. عذراء. لأ ، غير عذراء. أي رعب كان يصيب الصغيرات، من أداة الفحص والتقصي تلك، حتى لو كان من باب الشغب المجنون. لم نعرف شكل الجنس وإن فكرنا فيه، ومحاذير الأمهات وتشديداتهن المرعبة، أجراس هول، كانت تقرع دوما، وبلا هوادة، كما أنها كانت كافية، لعدم التهيج والعزوف لكن مريم، فقدت بكارتها، خلف مبنى غير مكتمل. لم أكن صديقتها. كانت أكبر مني بقليل، وكانت منشغلة تماما بنفسها وإخوتها. ربما لإنها بكر أمها، حملتها كل ذلك التعب. إخوتها الأولاد انعزلوا، لم يعودوا أقوياء بأبيهم ولا بأجسادهم. كانوا مدركين، أنهم سيكونون عرضة للمزاح اللجوج، أو التعريض المدمر، مثلما يحدث، عندما نرتكب الخطيئة. فكرة الانتقام ظلت واردة. ربما فكرت الجارات في مسدس الوالد، أو سكين الإخوة، لكن لحكمة ما، استسلموا للغط العجائز، ومساعيهن الحكيمة. قدر ومكتوب. وأنت تريد وأنا أريد، والله يفعل ما يريد. حكت المدينة كلها في حماس ، ثم بعدها أصابها الضجر. من يومها توارت مريم، ولم نعد نرى وجهها. أخضعت نفسها تماما، لطيش الطلبات. صارت عبدة البيت الذاعنة. حين فاتحتني أمي مسرورة بالنبأ، تلعثمت وبكيت. أطل وجه مريم الصبوح. تخيلتها في عزلتها جاثية، تمسح وتجلي، وتتلقى عنف الكل ، برضى وقبول. قلت لأمي في رجاء: أنا لا أريد الزواج ، لاأريد، لا أريد. ضحكت وقالت: - وأنا أريدخجلت إذ وجدتني أقول لها: تزوجيه أنت.. أطرقت قليلا ، وعندما رفعت رأسي، كانت ملامحها قد تكدرت، لكن سرعان ما عادت إلى طبيعتها. إنه طيب يا ابنتي وميسور. انطفأ وجهي من الألم ، وأنا أهددها: إن زوجتموني أهرب. بدا أنها ذهلت وهي تفكر. سمعتها تقول بقلق واستياء: ولم تهربين؟ قلت بغم، وأنا أنظر إلى بقعة حمراء على البلاط: أنا لا أريد أن أكون عبدة لأحد. ** تمرين الرياضيات بابا.. لماذا يكتب الشعراء حين لا يفهمون؟ أنا حين لا أفهم شيئا أرفع أصبعي وأسأل المعلمة. بابا، هل الشعراء لا يقرؤون؟ ألا يذهبون إلى المدارس؟ أليست لديهم معلمات يسألوهن ويرتاحون.. كي يناموا مبكراً مثلنا.. عمي أمين شاعر... ياك؟ هكذا قالت لي المعلمة. معلمتي تحب عمي أمين رغم أنها لم تره قط. أنا أيضا أحبه لأنه يشتري لي «دانون» ويفسحني في الحديقة. بابا.. أنت تأخذني إلى الحديقة القريبة وأنا لا أحبها. أما عمي أمين فيأخذني إلى حديقة بعيدة وكبيرة. فيها الكثير من الأشجار والأطفال والطيور وأحواض الزهور. وفيها الفراشات أيضا. الحديقة البعيدة جميلة جدا. إنها تشبه الجنة. المعلمة قالت لنا إن الجنة مليئة بالأشجار والطيور. أنا سأذهب إلى الجنة، ياك أ بابا؟ قالت لنا المعلمة أيضا إن الذين لا يصلون لا يحبهم الله، وسيذهبون إلى النار. ولهذا سأصلي حين أكبر. حين أكبر سأشتري سيارة كبيرة كتلك التي يملكها والد منير. بابا، أنا دائما أسبق منير. إنه بدين ويتعب بسرعة. ودائما يأكل الشوكولاطة في القسم. المعلمة عنَّفته هذا الصباح وأخذت منه الشوكولاطة. معلمتنا تكره منير. هي لم تقل له ذلك. لكنها دائما تزعق في وجهه: «أنت طفل غير مؤدب ولا تحترم القسم». البارحة فقط صرخت في وجهه: «اخرس أيها الدب»... فضحكتُ كثيرا. أنا دائما أضحك من منير حين تعنفه المعلمة. بابا، أنا أضحك دون أن تراني المعلمة. ثم أنا أحترم القسم. لا أرمي الأوراق في الأرض. ولا أكتب فوق الطاولة. منير دائما يرمي أغلفة الشوكولاطة على الأرض. ولهذا تكرهه المعلمة. المعلمة تكره أيضا معلم القاعة رقم أربعة.. لأنه لا يقول لها صباح الخير. بابا، معلم القاعة رقم أربعة يشرب الخمر، هكذا قالت حياة بنت جيراننا. هي تجلس في المقعد الأمامي ودائما تشم فيه تلك الرائحة. معلمتنا قالت إن الذين يشربون الخمر سيعذبهم الله.. وأنها لا تحبهم. لكنها مع ذلك تحب عمي أمين. بابا، لماذا تترك عمي أمين يسكر في بيتنا ؟ ثم من أكبر من الآخر... أنت أم عمي أمين ؟ إذن لماذا لا يخاف منك؟ ولِمَ لا تضربه ؟ المعلمة أيضا لا تضربنا. فقط تصرخ ويصبح وجهها أحمر مثل الطماطم. عمي أمين أيضا حين يسكر يصبح وجهه أحمر. لكنه لا يصرخ كالمعلمة. يصبح لطيفا ويضحك معي. ماما أيضا لا تصرخ في وجهي ولا تضربني، إنها لطيفة جدا. وحبها لي أكثر من حبك أنت. لم خاصمتها إذن؟ بابا لا تكذب.. أنا أعرف أنك خاصمتها.. وأنها كانت تبكي وأنها الآن عند جدتي رقية. أرجوك بابا، عندما ننام ثم نستيقظ ستذهب عندها في الصباح وتصالحها.. هل ستفعل؟ بابا، هل تسمعني؟.. إذا لم ترجع ماما غداً، سأخاصمك أنا الآخر. سأدلق على جسمي سطلا من الماء البارد، وأدع الحرارة تنتشر فيه، وأتوقف عن الأكل لكي أمرض لك. هل سمعت، غدا إذا لم ترجع ماما سأمرض. قل لي بابا.. عندما أمرض تحضر لي دائما «دانون» و«الفرماج» و«البنان»، لكنني لا أستطيع الأكل.. حين أمرض هذه المرة لا تحضر لي شيئا.. لا.. أحضر كل ذلك واحتفظ لي به في الثلاجة إلى أن أشفى. حين أمرض، أنت أيضا لا تصرخ في وجهي. تصبح لطيفا مثل عمي أمين حين يسكر. نسيت أن أخبرك بابا.. أمس فقط حكى لي عمي أمين حكاية الذئب الشرير والحملان الثلاثة. كانت حكايته جميلة وكان وجهه أحمر مثل الطماطم. وعندما طلبتُ منه أن ينجز لي تمرين الرياضيات، قال إنه لا يعرف. وحين رجوته، قرأ المسألة ثلاث مرات ثم قال إنه لم يفهم. بعد ذلك حمل ورقة وقلما وبدأ يكتب. أكتب قصيدة، قال لي، وعليك ألا تزعجني.. بابا، كيف استطاع عمي أمين أن يكتب قصيدة رغم أنه لا يفهم؟أنا حين لا أفهم لا أكتب شيئا. أنتظر الصباح وأسأل المعلمة. هذا الصباح حينما صححنا التمرين وجدته بسيطا. وفي الاستراحة قالت لي المعلمة إن عمي أمين شاعر رقيق وإنها تحبه كثيرا. طبعا لم أقل لها إنه لم يستطع أن يحل المسألة.. كما لم أحدثها عن الرائحة. ******** اصدارات سيدتي الشاعرة عن مكتبة سلمى الثقافية، أصدر القاص محمد بروحو مجموعة قصصية جديدة بعنوان «سيدتي الشاعرة»، وهي تضم العناوين الآتية: سيدتي الشاعرة، رحلة قنص، رقصة الغجر، الماعز الثرية، سنوات في قارورة، سخرية مرآة، السبع بولعبة، سمك الفرن، وسادة من حجر،قطار آخر الليل، سنة سعيدة في مدينة جميلة، امرأة ذابلة، فراشات من الأزرق بابا مسعود. من قصة رقصة الغجر، نورد المقطع الآتي: «يحل المساء، حيث يبدأ تجواله، بين الحشائش والأعشاب الكثيفة واليابسة، يستقر به المقام على ربوة، تطل على البحر مباشرة، يجلس فترتمي نظراته على شساعة اليم، تحاول احتواءه في خنوع، يبتسم وهو يسمع خشخشة الأوراق والأعواد المتساقطة على الأرض، تدوسها خطى لجماعة من الأولاد والبنات، ثم ما لبثوا أن وصلوا المكان الذي يحتويه، يحدق فيهم الواحد تلو الآخر، الجماعة تقترب منه بكل عناصرها، يحلقون حوله، يجد نفسه وسطهم..». سبق للمؤلف أن صدرت له مجموعة قصصية بعنوان «بيوت ورمال»، وهو حائز على شهادة تقدير من الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب، كما حاز على جائزة مجلة العربي التي تصدرها وزارة الإعلام بدولة الكويت عن قصة ياسمين. صمم غلاف مجموعته القصصية «سيدتي الشاعرة»، الفنان عبد العزيز الشرقاوي، وقد صدرت في 69 صفحة من القطع المتوسط. توقيع مجموعتين قصصيتين لحراك ومصدق انسجاما مع الأهداف التي أسس لأجلها، وحرصا منه على التعريف في حينه بالإصدارات القصصية المغربية الجديدة ، وفي إطار سلسلة حفلات التوقيع التي ينظمها على شرف القصاصين المغاربة ذوي الإصدارات القصصية الجديدة، وبتنسيق مع النيابة الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بإقليم قلعة السراغنة، ينظم نادي القصة بالمغرب حفل توقيع الإصدارين القصصيين الجديدين: «رؤية معكوسة» للقاصة المغربية حليمة مصدق و»قاعة انتظار» للقاص المغربي هشام حراك بمشاركة القصاصين والنقاد: أحمد الشطيبي والسعيد أخي ونجية جنة ومصطفى لغتيري والسعدية باحدة وعبد الغفور خوى ومحمد مكرم.