فنان مغربي حقق صيتا عالميا للفن التشكيلي الوطني لن يختلف اثنان في المغرب وخارجه بأن الفنان التشكيلي أحمد بنيسف يعد، بفعل تراكماته الإبداعية ومساره الفني الطويل والمتميز، الشخصية المغربية المرموقة في عالم الفن، التي حققت صيتا وذيوعا عالميا للفن التشكيلي الوطني ومنحته بعده الكوني. ويعرف بنيسف، الذي ولد بتطوان سنة 1945، بعمله الدؤوب ونشاطه الفني الذي لا يفتر إلا ليبدأ دورة جديدة من العطاء والإبداع حتى تحس وأنه يدور في حلقة الفن، التي انطلقت من المحلية في خمسينيات القرن الماضي لتتبلور إلى موقع متميز في فضاءات الفن العالمي وتحقق إبداعاته الانتشار الواسع وتكتسب أعماله شهرة وأبعادا عالمية. ويفسر بنيسف، الذي تم تكريمه الخميس الماضي ضمن فعاليات المنتدى الدولي الثاني للمدن العتيقة، التي احتضنتها تطوان، سبب نجاحه في كون موضوع ومحور عمله اتخذ دائما من الإنسان صلب اهتمامه وتفكيره، سواء في تجلياته الفردية أو الجماعية، حتى يكون هذا الإنسان بحضوره وبوحه أقوى، مضيفا أن بلوغ المجد الفني تأتى له ب»صدقه وصدقيته» في التعامل مع الريشة، التي تعكس فكره ونظرته إلى الأشياء دون تكلف. ويقول بنيسف في أكثر من حوار أن تقنية عمله فكرا ومضمونا «كلاسيكية محضة»، بحيث أنه يفضل جر الفرشاة بطواعية النفس والوجدان حتى لا يبدو «متواضعا بل صادقا مع نفسه ومع من ينظر إلى لوحاته التشكيلية»، ومن هذا المنطلق يرى أن الصدق هو أساس نجاح كل مبدع وهو الضامن لأن تبقى إبداعاته خالدة. ونبوغ بنيسف، كما يحكي إصدقاؤه المقربون، لم يأت عبر تراكمات فنية بل انطلق مع بدايته الفنية، إذ أحرز وعن جدارة سنة 1967، حين التحق بمدرسة الفنون الجميلة باشبيلية على ثلاثة جوائز دفعة واحدة ، ولم يسبقه إلى هذا الانجاز أي من الطلبة، كما كان بنيسف أصغر رسام يعرض في قاعة «إل برادو» الشهيرة بمدريد سنة 1970، وأقام سنة 1973 معرضا فرديا برواق قاعة «غودي» ببرشلونة، وكان هذا المعرض الثالث في تاريخ هذه القاعة الشهيرة، ما دفع النقاد الإسبان آنذاك إلى القول إن أعمال المبدع بنيسف تفوق سنه. إلا أن بنيسف يعتبر أن بداية سطوع نجمه كفنان كانت من تطوان يوم شارك في أول معرض في الهواء الطلق وسط مدينة تطوان عام 1963 رفقة فنانين بصموا الفن المغربي أمثال محمد الدريسي، قبل أن ينتقل إلى اشبيلية الإسبانية حيث رسم في فترة ما جل لوحاته على صناديق السمك. وتميز بنسيف كفنان بكونه مبدع لا يقف عند الفن التشكيلي فقط، إذ أنجز خلال مراحل مختلفة من حياته الفنية «مشاريع ثقافية وفنية» ذات أبعاد دولية، كما يسميها، إما على شكل جداريات أو منحوتات أو أوراق نقدية ومالية وأغلفة الكتب، لعل أبرزها لوحاته حول حدث المسيرة الخضراء ولوحاته على الأوراق المالية والنقدية المغربية كالورقة المالية من فئة 100 درهم وفئة 200 درهم، إضافة إلى جدارية فنية من الخزف وضعت بواجهة ملعب «سانشيس بيس خوان» باشبيلية بمناسبة الذكرى المائوية لتأسيس فريق اشبيلية لكرة القدم. ويعتز الفنان بنيسف بأنه هو من أبدع رمز جائزة رسمية سنوية تدعى «جائزة نودو بين الثقافات» منحت لشخصيات عالمية مرموقة أمثال الأمين العام السابق لمنظمة الأممالمتحدة كوفي عنان ورئيس الحكومة التركية طيب رجب أردوغان وممثلين مرموقين وشخصيات كثيرة في مجال الإبداع. والفنان بنيسف، الذي وصفته موسوعات عالمية ب»الرائد في التعبير الواقعي في الفنون الجميلة»، كرم في العديد من المناسبات سواء بالمغرب أو في مختلف دول العالم، إلا أنه يبوح دائما بأن التكريم في المغرب له دائما طعم خاص، على اعتبار أن هذه الالتفاتات هي بمثابة «الزاد الذي يقوي فكره للعطاء ويمنحه دافعا قويا لمزيد من المثابرة والإتقان والجودة في العمل». وعن سبب إنجازه لبورتريهات لشخصيات مغربية مرموقة، يقول الفنان بنيسف، في تصريح سابق، إن رسمه لهذه الشخصيات كان الهدف منها «إبراز تقديره لهؤلاء الأعلام وتبيان ملامحهم الداخلية عبر وجوههم التي تكشف عن الطابع التاريخي الذي وسم مسيرتهم كل في مجاله». ويرجع الفنان بنيسف نجاح مسيرته الفنية «ليس إلى ضربة حظ» بل لمواظبته على العمل وبحثه دائما عن الجديد وسعيه لتطوير أسلوبه وخلق أنماط مغايرة في رسوماته وأشكاله الفنية التعبيرية، معتبرا أنه ورغم إيمانه بالحظ «بيد أن السماء لا تمطر الشهرة»، وأن ما حققه كذلك هو «بفضل الله تعالى» ومثابرته واجتهاده وحبه لعمله. وإذا كان الفنان بنيسف بلغ أعلى أمجاد الفن بمختلف تلويناته فإنه يعتبر شخصيا انه لم ينجز بعد اللوحة التشكيلية التي يحلم بها وأن «أفضل عمل فني لا يزال يراود مخيلته وينتظر الفرصة التي يخرج فيها إلى التداول والتلقي».