يتطرق الفنان التشكيلي محمد بوزوباع، في هذا الحوار، للحديث عن معاناة الفنان المحترف والمشاكل التي تعترضه في مسيرته الفنية، كما ينتقد تهميش العديد من فناني تطوان وإقصاءهم من الدعم والتشجيع والاقتصار على ما أسماه بثلة من «الفنانين الرسميين» - تعتبرون من ضمن الفنانين التشكيليين البارزين في مدينة تطوان. كيف ترون مستقبل الفن التشكيلي بالمدينة باعتبارها مدرسة للفن التشكيلي المغربي؟ < لمدينة تطوان تاريخ وحضور فني كبير داخل المغرب وعلى المستوى الدولي كذلك. فهي أول مدرسة فنية بالمغرب قدمت فنانين مرموقين كثيرين في الفن التشكيلي المغربي لما لها من حضور متميز في الساحة الإبداعية الفنية، يتجلى من خلال فنانين معروفين على الصعيد العالمي، لهم ميزة وطابع خاص في أعمالهم الفنية الإبداعية. لكن رغم ذلك تبقى هناك بعض المشاكل التي تحتاج إلى نوع من التنظيم والخبرة والتجربة. إنني أعتقد أن هناك سوء فهم وعدم تمييز بين الفنان المبدع والفنان الهاوي في الثقافة التشكيلية بمفهومها الإبداعي. هناك العديد من الفنانين الهواة في مدينة تطوان يعتبرون أنفسهم فنانين مبدعين حقا بتزكية من البعض، وهذا يسيء نوعا ما إلى الحركة التشكيلية. هذه الملاحظة تحتاج وقتا أطول لشرحها، فالعالم بأسره لا يضم سوى نسبة قليلة من الفانين المبدعين الحقيقيين، بينما نحن مازلنا في مرحلة التشجيع، وإن كان هذا التشجيع يستغل للأسف الشديد من طرف البعض، مما يسيء إلى الحركة الفنية التشكيلية. - هل تحس بأن الفنانين التشكيليين بتطوان لا يحظون بنفس الدعم والاهتمام اللذين يحظى بهما آخرون من نفس المدينة؟ < نعم، وأقولها بكل صدق. أنا مثلا أعتبر نفسي مهاجرا داخل بلدي. فلولا إمكانياتي الفنية لكنت حاليا متشردا. أعتبر نفسي كما العديد من الفنانين مثلي، أحلق خارج السرب. فمنذ 25 سنة وأنا فنان محترف، وكل الجهود التي قدمتها للساحة الفنية كانت عبارة عن مجهودات فردية لا علاقة لها بأي دعم من أي كان، فنحن لا نتلقى سوى التهميش، لذلك بدأنا مؤخرا نطالب بتعديل الكفة وإقامة نوع من التوازن في المعاملة والتفريق بين ما هو احترافي وما هو مؤسساتي، وأقصد هنا «الفن الرسمي». للأسف، حتى الفن أصبح يتم انتقاؤه ليدرج ضمن المؤسسات الرسمية. ولهذا فإني أطالب المسؤولين بألا يهمشوا الفنانين الحقيقيين ويقتصروا على لوائحهم الخاصة. هناك تقصير كبير في حقنا. - ماذا تقصد بالفن الرسمي؟ < لست سياسيا، ولكني عندما أقول عبارة الفنان الرسمي فإنني أقصد بذلك من يتم اختيارهم في الأنشطة الرسمية وغيرها من البروتوكولات والدعم السخي. سأقدم لك مثالا بسيطا على ذلك، فمدرسة الفنون الجميلة بتطوان هي مؤسسة تعليمية، دورها الحقيقي يتلخص في تكوين الطلاب وتلقينهم دروسا في الفن من أجل تحسين وصقل مواهبهم الفنية، لكننا لا يمكن أن نحصر الفن في المغرب أو في تطوان في مدرسة الفنون الجميلة فقط، لأن الإبداع الحقيقي ينبع خارج كل مدرسة. فالإبداع يسكن داخل وجدان الفنان. وعندما أركز على كلمة الاحتراف، فذلك يعني أن الفنان يواجه الحياة بكل مصاعبها ومشاكلها، فالفنان المحترف يهب كل حياته للفن. لكن رغم ذلك تبقى المفارقة الغريبة كامنة في منح الأولوية دائما للمعهد وتناسي، وبشكل كامل، دور ومعاناة الفنان المحترف. - هل تقصد أن الفن التشكيلي بتطوان محتكَر فقط من البعض دون غيرهم؟ < فعلا، ونتأسف على هذا الواقع الحاصل بالمدينة. إنها سلوكات تنم عن نوع من الذاتية وإقصاء الآخر لتحقيق مصالح شخصية. في الواقع، نستغرب محاولة البعض اختزال كل الفنانين التشكيليين بمدينة تطوان في ثلاثة أو أربعة أشخاص موظفين. - يشتكي العديد من الفنانين التشكيليين من عدم دعم وزارة الثقافة لهم؟ < على وزارة الثقافة أن تحدد أولا مفهوم الفنان المحترف. أنا أتساءل كيف لفنان هاو أن يدافع عن فنان محترف؟ لا يمكن ذلك، لكون الأول لا يحس أصلا بمعاناة الثاني. لذا ينبغي على وزارة الثقافة أن تميز بين الفنان الذي ليست له سوى لوحاته التي سخر ووهب لها كل حياته وإبداعه، وبين فنان يشتغل موظفا لديها. أنا لا أقلل من الفنانين الموظفين، ولكن بما أننا نتحدث عن التشجيع والدعم، فعلى الوزارة أن تمنحه لمن يستحقه. - تجسد أغلبية لوحاتك صورة الحصان، ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة إليك؟ < إن الحصان يمثل بالنسبة إلي ذلك الإحساس بالحب القوي والتفاؤل. فالحصان يعكس هدوءا كبيرا، وإن كان يحمل داخله قوة خارقة، وهي نفس السمات التي تميز طباعي. - طرأ مؤخرا في لوحاتكم الفنية تغيير واضح، وأصبحت تعكس قليلا من الفانطازيا مقارنة باللوحات التشكيلية السابقة؟ < أفضل استعمال كلمة تطوير على التغيير أو لنُسمِّه عميلة انتقال من مرحلة إلى أخرى، لكن بتناسق شديد. ستلاحظون، إذا ما تمعنتم في أعمالي الأخيرة، استعمالي لألوان حالمة ركزت فيها على الطبيعة بشكل أكبر لما تحمله فنيا من معان شاعرية وصوفية وفلسفية. فالألوان المستعملة فيها تتسم بنوع من البرود والدفء معا، كما أنها تعكس المشاكل البيئية الناتجة عن التلوث بجميع أنواعه. - هل تنتمون إلى مدرسة فنية محددة؟ < أعمالي الفنية تنتمي إلى الواقعية الرمزية، لكونها تنطلق من الواقع، أي صورة داخل الصورة أو ما يطلق عليه كذلك التلاشي.