جاءت مصادقة مجلس الوزراء، الذي ترأسه جلالة الملك أول أمس بمراكش، على اتفاقيات دولية في مجال حقوق الإنسان كان مجلس الحكومة قد أقرها في وقت سابق، لتؤكد مواصلة المملكة استكمال انخراطها التدريجي في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان. هذه المرة صادق مجلس الوزراء على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والبروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، ثم البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتندرج هذه المصادقة في إطار وفاء المغرب بتعهداته الدولية في مجال حقوق الإنسان، والتزامه الدستوري بالتشبث بها، وحرصه القوي على حمايتها والنهوض بها في شموليتها. وتعتبر الخطوة الحالية إيجابية من حيث المبدأ، وعلى مستوى ترسيخ انسجام المملكة مع مقتضيات وثيقتها الدستورية، ومع التزاماتها الدولية ذات الصلة، وهذا ما يستلزم اليوم الانتقال إلى مرحلة وضع الآليات المؤسساتية والمنظومات المسطرية والإجرائية بغاية منح المصادقة معناها الضروري، وامتدادها في الواقع الملموس، وفي الممارسة العامة... وبالإضافة إلى ضرورة الحرص على تنزيل هذه النصوص التي تصادق عليها البلاد على أرض الواقع، فإن الكثيرين يلاحظون نوعا من البطء في وتيرة الممارسة الاتفاقية للمملكة، أي أن المغرب يسير بنوع من البطء على مستوى انخراطه في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وأيضا على صعيد إعداد التقارير الدورية ذات الصلة، وخصوصا من حيث منهجية إعدادها، ثم ما يتعلق بمتابعة التقارير والتوصيات الصادرة عن المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان...، ورغم أن تحسنا نسبيا حدث على مستوى الوتيرة في السنوات الأخيرة، فإن ملفات وقضايا لا زالت، مع ذلك، عالقة، بما في ذلك توصيات صادرة عن هيئة الإنصاف والمصالحة، وبعض الآراء التي ينادي بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان... اليوم مثلا، لم يعد مقبولا، والبلاد صادقت على اتفاقية مناهضة التعذيب، أن نجد في المؤسسات السجنية بالمملكة ما تحدث عنه التقرير الأخير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، كما لا يمكن إحالة كل ما ورد في هذا التقرير إلى الرفوف من دون تحقيق أو محاسبة. ولا يمكن أيضا أن نصادق على البروتوكول المتعلق باتفاقية «سيداو»، ونبقى في ذات الوقت مترددين في الإقدام على إقرار وتفعيل خطة وطنية شمولية لتكريس المساواة في الواقع وفي مختلف الميادين، وفق أجندة واضحة ومحكمة ومحددة الأهداف والآجال... ولا يمكن ثالثا أن نتحدث عن انخراط البلاد في التشبث بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها كونيا، ونحجم، في نفس الوقت، عن الإلغاء الصريح لعقوبة الإعدام من التشريعات الوطنية، رغم التوصية التي صدرت عن هيئة الإنصاف والمصالحة، ورغم تنامي دينامية المطالبة المجتمعية بذلك، ورغم تنصيص الدستور الجديد على الحق في الحياة... إن الخطوة الإيجابية التي أقدم عليها المغرب، وكرسها أول أمس بمصادقة مجلس الوزراء برئاسة جلالة الملك، تحتم مواصلة تقوية هذه الممارسة الاتفاقية، وبالتالي الاستمرار في المصادقة على مختلف اتفاقيات الأممالمتحدة التي لم يصادق عليها المغرب، والحرص على تسريع وتيرة بلورة الإجراءات والتدابير الضرورية لتفعيل مقتضياتها على الصعيد الوطني، وذلك بملاءمة كل التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان المترتبة عن الاتفاقيات المذكورة، كما يقتضي الأمر تطوير التشاركية والتنسيق بين مختلف القطاعات الحكومية على هذا المستوى، وإشراك منظمات المجتمع المدني، وتعزيز التفاعل الإيجابي مع التوصيات والتقارير والمقترحات الصادرة عن جمعيات حقوق الإنسان الدولية والوطنية، وإدراج كل هذا ضمن رؤية وطنية شمولية تنتصر لقيم الديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها كونيا. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته